الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البخاري أثبت منه، ولموافقة سائر الأئمة. وإن كان ليحيى قولان، فالذي رواه البخاري هو المعتمد لموافقة سائر الأئمة. وزَعَم ابنُ حبان أن أحمد بن صالح الذي كذَّبه ابن معين رجل آخر غير ابن الطبري يقال له الأُشمُومي كان يكون بمكة. ويقوِّي ذلك ما رواه البخاري من تثبيت ابن معين لابن الطبري، وأن ابن الطبري معروف بالصدق لا شأن له بالتفلسف. وقد تقدم في القواعد في أوائل القاعدة السادسة
(1)
أمثلة للخطأ الذي يوقع فيه تشابه الأسماء. وأما الأحاديث التي انتقدها النسائي على ابن الطبري فقد أجاب عنها ابن عدي
(2)
، وراجع ما تقدم في القواعد القاعدة الرابعة
(3)
.
21 - أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق أبو نُعيم الأصبهاني الحافظ
.
في «تاريخ بغداد» (13/ 325): «أخبرنا أبو نعيم الحافظ حدثنا أبو أحمد الغِطْريفي
…
».
قال الأستاذ (ص 17): «قد أخرج رحلة منسوبة إلى الإمام الشافعي رضي الله عنه في «حلية الأولياء» بسند فيه أحمد بن موسى النجار، وعبد الله بن محمد البلوي، وهما كذابان معروفان
…
ويذكر الخبر الكاذب وهو يعلم أنه كذب، ويعلم أيضًا ما يترتب على ذلك من اغترار جهلة أهل مذهبه بذكره الخبر المذكور وسعيهم في الفتنة سعي الموتور في الثأر. نسأل الله الصون. [1/ 114] ومن المعروف أن عادة
(1)
(1/ 104 - 109).
(2)
في «الكامل» : (1/ 180 - 184).
(3)
(1/ 87 فما بعدها).
أبي نعيم سَوق الأخبار الكاذبة بأسانيده بدون تنبيه على كذبها. وهو أيضًا ممن يسوق ما يرويه بإجازة فقط مع ما سمعه في مساق واحد ويقول في الاثنين: حدثنا. وهذا تخليط فاحش، وليس جرح ابن منده فيه مما يُتغاضى عنه بهوى الذهبي».
أقول: أما الرحلة، فباطلة بذلك السياق حتمًا، وهل تنبَّه أبو نعيم لبطلانها؟ الله أعلم.
وأما سياقه في مؤلفاته الأخبار والروايات الواهية التي ينبغي الحكم على كثير منها بالوضع، فمعروف. ولم ينفرد بذلك، بل كثير من أهل عصره ومَنْ بعدهم شاركوه في ذلك، ولاسيَّما في كتب الفضائل والمناقب، ومنها مناقب الشافعي ومناقب أبي حنيفة. ثم يجيء مَن بعدهم، فيحذفون الأسانيد، ويقتصرون على النسبة إلى تلك الكتب
(1)
، وكثيرًا ما يتركون هذه النسبة أيضًا كما في «الإحياء» وغيره. وفي «فتح المغيث» (ص 106)
(2)
في الكلام على رواية الموضوع: «لا يبرأ من العهدة في هذه الأعصار بالاقتصار على إيراد إسناده بذلك، لعدم الأمن من المحذور به، وإن صَنَعه أكثرُ المحدّثين في الأعصار الماضية من سنة مائتين وهلمَّ جرًّا، خصوصًا الطبراني، وأبو نعيم، وابن منده، فإنهم إذا ساقوا الحديث بإسناده اعتقدوا أنهم برئوا من عهدته
…
قال شيخنا: وكأنَّ ذِكْر الإسناد عندهم من جملة البيان
…
».
(1)
بعده في (ط): «وكثيرًا ما يتركون هذه النسبة إلى تلك الكتب» وهو تكرار وانتقال نظر.
(2)
(1/ 296). وكلام الحافظ في «النكت» : (2/ 638).
أقول: مدار التشديد في هذا على الحديث الصحيح: «مَنْ حدَّث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين»
(1)
. ومَن تدبَّر علم أنه إنما يكون كاذبًا على أحد وجهين:
الأول: أن يرسل ذاك الحديث جازمًا كأن يقول: «قال النبي صلى الله عليه وسلم
…
».
الثاني: أن يكون ظاهر حاله في تحديثه أن ذاك الخبر عنده صدق، أو محتمل أن يكون صدقًا، فيكون موهمًا خلاف الواقع، فيكون بالنظر إلى ذاك الإيهام كاذبًا. وقد عَلِمنا أن قول مَن صَحِب أنسًا: «قال أنس
…
» موهم بل مفهم إفهامًا تقوم به الحجة أنه سمع ذلك من أنس، إلا أن يكون مدلّسًا معروفًا بالتدليس. فإذا كان معروفًا بالتدليس فقال فيما لم يسمعه من أنس: «قال أنس
…
» لم يكن كاذبًا ولا مجروحًا، وإنما يلام على شرَهِه ويُذْكَر بعادته لتُعْرَف، فلا تُحمل على عادة غيره. وذلك أنه لما عُرِف بالتدليس لم يكن ظاهر حاله أنه لا يقول:[1/ 115] «قال أنس
…
» إلا فيما سمعه من أنس، وبذلك زال الإفهام والإيهام، فزال الكذب. فهكذا وأولى منه مَنْ عُرِف بأنه لحرصه على الجمع والإكثار والإغراب وعلوِّ الإسناد يروي ما سمعه من أخبار وإن كان باطلًا ولا يبيِّن، فإنه إذا عُرِف بذلك لم يكن ظاهر حاله أنه لا يحدِّث غير مبيِّن إلا بما هو عنده صدق، أو محتمل للصدق. فزال الإيهام، فزال الكذب، فلا يجرح ولكن يلام على شَرَهِه ويُذْكَر بعادته لتُعرف. وكما
(1)
أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه، وأحمد (20163)، وابن ماجه (39)، وابن حبان (29) من حديث سمرة بن جندب، وله شاهد من حديث المغيرة بن شعبة أخرجه أحمد (18368)، ومسلم في المقدمة، والترمذي (2662). ومن حديث علي رضي الله عنه أخرجه ابن ماجه (38)، وعبد الله بن أحمد في «زوائد المسند» (903).
يكفي المدلس أن يعرفَ عادتَه أهلُ العلم وإن جهلها غيرهم، فكذلك هذا، لأن الفرض على غير العلماء مراجعة العلماء؛ على أن العامة يشعرون في الجملة بما يدفع اغترارهم الذي هوَّل به الأستاذ، ولذلك كثيرًا ما نسمعهم إذا ذكر لهم حديث قالوا: هل هو في البخاري؟
فعلى هذا نقول في أبي نعيم ومَن جرى مجراه: إن احتمل أنهم لانهماكهم في الجمع لم يشعروا ببطلان ما وقع في روايتهم من الأباطيل، فعذرهم ظاهر. وهو أنهم لم يحدِّثوا بما يرون أنه كذب، وإنما يلامون على تقصيرهم في الانتقاد والانتقاء. وإن كانوا شعروا ببطلان بعض ذلك، فقد عُرفت عادتُهم، فلم يكن في ظاهر حالهم ما يوجب الإيهام؛ فلا إيهام، فلا كذب. فإن اغترَّ ببعض ما ذكروه مَن قد عرف عادتهم من العلماء بالرواية فعليه التَّبِعَة، أو مَن لم يعرف عادتهم ممن ليس من العلماء بالرواية فَمِن تقصيره أُتي، إذ كان الفرض عليه مراجعة العلماء بالرواية. ولذلك لم يجرح أهل العلم أبا نعيم وأشباهه، بل اقتصروا على لومهم والتعريف بعادتهم. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
قول الأستاذ: «وهو ممن يسوق ما يرويه بإجازة فقط مع ما سمعه في مساق واحد، ويقول في الاثنين: حدثنا» .
أقول: يشير إلى ما في «تذكرة الحفاظ»
(1)
: «قال يحيى بن منده الحافظ: سمعت أبا الحسين القاضي يقول: سمعت عبد العزيز النَّخْشَبي يقول: لم يسمع أبو نعيم «مسند الحارث بن أبي أسامة» بتمامه من ابن خلَّاد، فحدَّث به كلِّه».
(1)
(3/ 1096).
أقول: عقب هذا في «التذكرة» : «قال ابن النجار: وهم [النخشبي] في هذا، فأنا [1/ 116] رأيت نسخة الكتاب عتيقة، وعليها خط أبي نعيم يقول: سمع مني فلان إلى آخر سماعي في هذا المسند من ابن خلّاد، فلعله روى باقيه بالإجازة» .
أقول: وقول النخشبي «فحدَّث» إنما تعطي أن أبا نعيم حدَّث السامعين عنه، لا أنه ذكر في كل حديث من «المسند» أن ابن خلَّاد حدَّثه. وابن منده ومَن فوقه مِن خصوم أبي نعيم، كانت بين الفريقين نُفْرة شديدة كما يأتي، فلا يُقبل ما قالوه فيه مما يطرقه الاحتمال، على ما سلف في القواعد
(1)
.
بقي أمران: أحدهما: يتعلق برواية أبي نعيم لجزء محمد بن عاصم، ويكفي في هذا ما أوضحه الذهبي في «تذكرة الحفاظ»
(2)
.
الثاني: قال الذهبي: «قال الخطيب: قد رأيت لأبي نعيم أشياء يتساهل فيها. منها: أنه يقول في الإجازة: أخبرنا، من غير أن يبيّن» . قال الذهبي: «فهذا ربما فعله نادرًا، فإني رأيته كثيرًا ما يقول: كتب إليَّ جعفر الخُلْدي، وكتب إلي أبو العباس الأصم، وأنا أبو الميمون بن راشد في كتابه. لكني رأيته يقول: أنا عبد الله بن جعفر فيما قُرئ عليه، فالظاهر أن هذا إجازة» .
وفي «فتح المغيث» للسخاوي (ص 222)
(3)
عن شيخه ابن حجر أن هذا اصطلاح لأبي نعيم قد صرَّح به، فقال: إذا قلتُ: «أخبرنا» على الإطلاق
(1)
(1/ 87 فما بعدها) القاعدة الرابعة.
(2)
(3/ 1095).
(3)
(2/ 307 - 308).
من غير أن أذكر فيه إجازة، أو كتابة، أو كتب إليَّ، أو أذن لي= فهو إجازة؛ أو:«حدثنا» فهو سماع. قال ابن حجر: «ويقوّي التزامه لذلك أنه أورد في «مستخرجه على علوم الحديث للحاكم» عدة أحاديث رواها عن الحاكم بلفظ الإخبار مطلقًا، وقال في آخر الكتاب: الذي رويته عن الحاكم بالإجازة
…
».
أقول: وإذ قد عُرف اصطلاحه فلا حرج، ولكن من أقسام الإجازةِ: الإجازةُ العامة، بأن يجيز الشيخ للطالب جميع مروياته، أو جميع علومه، فينبغي التثبت في روايات العاملين بهذه الإجازة. فإذا ثبت في أحدهم أنه لا يروي بها إلا ما ثبت عنده قطعًا أنه من مرويات المجيز، فهذا ممن يوثق بما رواه بالإجازة. وإن بان لنا أو احتمل عندنا أن الرجل قد يروي بتلك الإجازة ما يسمع ثقةً عنده يحدِّث به عن المجيز، فينبغي أن يتوقف فيما رواه بالإجازة؛ لأنه بمنزلة قوله:[1/ 117] حدثني ثقة عندي. وإن بان لنا في رجل أنه قد يروي بتلك الإجازة ما يسمع غيرَ ثقة يحدِّث به عن المجيز، فالتوقف في المروي أوجب، فأما الراوي فهو بمنزلة المدلس عن غير الثقات. فإن كان قد عُرف بذلك فذاك، وإلا فهو على يَدَي عدل
(1)
.
وإذا تقرّر هذا فقد رأيت في «تاريخ بغداد» (ج 8 ص 345): «أخبرنا أبو نعيم الحافظ، أخبرنا جعفر الخُلْدي في كتابه قال: سألت خير
(1)
«على يدي عدل» كناية عن الضعف والسقوط. قال الحافظ ابن حجر في «تهذيب التهذيب» : (9/ 142): «قوله: «على يدي عدل» معناه قرب من الهلاك، وهذا مثل للعرب كان لبعض الملوك شرطي اسمه «عَدْل» فإذا دفع إليه من جنى جناية جزموا بهلاكه غالبًا، ذكره ابن قتيبة وغيره، وظن بعضهم أنه من ألفاظ التوثيق فلم يصب» اهـ.
النسَّاج
…
». فذكر قصة غريبة، ثم قال الخطيب:«قلت: جعفر الخُلْدي ثقة، وهذه الحكاية طريفة جدًّا يسبق إلى القلب استحالتها. وقد كان الخلدي كتب إلى أبي نعيم يجيز له رواية جميع علومه، وكتب أبو نعيم هذه الحكاية عن أبي الحسن بن مِقْسَم عن الخُلْدي، ورواها عن الخلدي نفسه إجازة، وكان ابن مقسم غير ثقة. والله أعلم» .
أقول: فقول أبي نعيم: «أخبرنا الخُلْدي في كتابه» أراد به أن الخلدي كتب إليه بإجازته له جميع علومه، فأما القصة فإنما سمعها من ابن مقسم عن الخلدي، وابن مقسم غير ثقة. فهذا أشدّ ما يقدح به في أبي نعيم، لكن لعله اغترَّ بما كان يظهره ابن مقسم من النُّسُك والصلاح، فظنه ثقة. فإن ابن مقسم ــ وهو أحمد بن محمد بن الحسن بن مقسم ــ ترجمته في «تاريخ بغداد» (ج 4 ص 429) وفيها: «حدثنا عنه أبو نعيم الحافظ، ومحمد بن عمر
…
وكان يظهر النسك والصلاح، ولم يكن في الحديث بثقة». وقد تكلم الدارقطني وغيره في ابن مقسم. والله المستعان.
والحق أن أبا نعيم وضع من نفسه ومن كتبه، فجزاؤه أن لا يُعتدَّ بشيء من مروياته إلا ما صرَّح فيه بالسماع الواضح، كقوله في الحكاية المارة أول الترجمة:«حدثنا أبو أحمد الغِطْريفي» . بخلاف ما استدل به الأستاذ (ص 107) وفيه عن أبي نعيم: «أخبرني القاضي محمد بن عمر وأذن لي» . فإن هذه الصيغة مما يستعمله أبو نعيم في الإجازة، ومع ذلك فالقاضي محمد بن عمر هو الجِعَابي مُتكلَّم فيه.
ولكن كما أن لأبي نعيم اصطلاحًا خاصًّا في صيغة «أخبرنا» ، فكذلك
للأستاذ اصطلاح خاص في كلمتي «العقل» و «التواتر» ؛ وإنما الفرق أن أبا نعيم بيَّن اصطلاحه، والأستاذ لم [1/ 118] يبيِّن، بل يعامل ما يطلق عليه تينك الكلمتين كما ينبغي أن يعامل به العقل والتواتر بمعناهما المعروف، فيحتج بما يوافق ذلك، وإن كان سنده ساقطًا؛ ويردُّ ما يخالفه وإن كان بغاية القوة. فإذا رأى أن مخالفيه يظلمونه، فلا يقبلون منه ذلك، استحلَّ أن يكيلَ لهم الكيل الذي كشفتُ عنه في «الطليعة» . والله المستعان.
وأما كلام ابن منده في أبي نعيم، فقد مرَّ بعضُه وتبيَّن حاله. ولن يكون باقيه إلا طعنًا في العقيدة، أو من كلمات النفرة والتنفير، أو ما لا يتحصَّل منه ــ إذا نُظر فيه كما ينبغي على ما سلف في القواعد ــ ما يثبُت به الجرح؛ إذ قد عرف الناس أنه كان بين آل منده وأبي نعيم اختلاف في العقيدة، جرَّ إلى عداوة شخصية شديدة؛ وعند الأستاذ: أن الحقَّ فيما اختلف فيه الفريقان مع أبي نعيم.
وقد ذكر الذهبي في «التذكرة» (ج 3 ص 377)
(1)
(1)
(3/ 1095).