الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والثوري
…
ولو خُيِّرتُ لهذه الأمة لاخترتُ لها الأوزاعي
…
وكان والله إمامًا إذ لا نُصيب اليومَ إمامًا». وقال ابن المبارك: «لو قيل لي: اختر لهذه الأمة لاخترتُ الثوري والأوزاعي، ثم لاخترتُ الأوزاعي؛ لأنه أرفق الرجلين» . وقال الخُريبي: «كان الأوزاعي أفضل أهل زمانه» .
99 - [1/ 263] سفيان بن عُيينة:
شارك الثوريَّ في بعض الكلمات التي نقَمَها الأستاذ، ولا حاجة لذكر ذلك هنا، ولعلك ترى طرفًا منه في مواضعه. وأكتفي بالنظر فيما ذكره الأستاذ في «الترحيب» (ص 27) قال:«لم أذكر في «التأنيب» أن سفيان بن عيينة نفسه كان قد اختلط قبل وفاته بسنة أو أكثر، فيمكن أن يقع منه هذا التخليط في عام الاختلاط».
أقول: قال الذهبي في «الميزان»
(1)
: «روى محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي عن يحيى بن سعيد القطان قال: أشهد أن سفيان بن عيينة اختلط سنة سبع وتسعين ومائة، فمن سمع منه فيها فسماعُه لا شيء. قلتُ: سمع منه فيها محمد بن عاصم صاحب ذاك الجزء العالي. ويغلب على ظني أن سائر شيوخ الأئمة الستة سمعوا منه قبل سنة سبع. وأما سنة ثمان وتسعين ففيها مات، ولم يَلْقَه أحد فيها؛ لأنه توفي قبل قدوم الحاج بأربعة أشهر. وأنا أستبعد هذا الكلام من القطان، وأعُدُّه غلطًا من ابن عمار؛ فإن القطان مات في صفر من سنة ثمان وتسعين وقت قدوم الحاج، ووقت تحديثهم
(2)
عن
(1)
(2/ 360 - 361).
(2)
في «الميزان» : «وتحدّثهم» .
أخبار الحجاز، فمتى تمكَّن يحيى بن سعيد من أن يسمع اختلاط سفيان، ثم يشهد عليه بذلك، والموت قد نزل به؟ فلعله بلغه ذلك في أثناء سنة سبع، مع أن يحيى متعنِّت جدًّا في الرجال، وسفيان فثقة مطلقًا، والله أعلم».
قال ابن حجر في «تهذيب التهذيب»
(1)
: «ابن عمار من الأثبات المتقنين، وما المانع أن يكون يحيى بن سعيد سمعه من جماعة ممن حجَّ في تلك السنة، واعتمد قولَهم، وكانوا كثيرًا، فشهد على استفاضتهم؟ وقد وجدتُ عن يحيى بن سعيد شيئًا يصلح أن يكون سببًا لما نقله عن ابن عمار في حق ابن عيينة. وذلك ما أورده أبو سعد
(2)
ابن السمعاني في ترجمة إسماعيل بن أبي صالح المؤذن من «ذيل تاريخ بغداد» بسند له قوي إلى عبد الرحمن بن بشر بن الحكم قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: قلت لابن عيينة: كنتَ تكتب الحديث، وتحدِّث اليوم وتزيد في إسناده أو تنقص منه! فقال: عليك بالسماع الأول، فإني قد سئمت. وقد ذكر أبو معين الرازي في زيادة «كتاب الإيمان» لأحمد أن هارون بن معروف قال له: إنّ ابن عيينة تغيّر أمرُه بأَخَرة، وإن سليمان بن حرب قال له: إن ابن عيينة أخطأ في عامة حديثه عن أيوب».
أقول: كان ابن عيينة بمكة، والقطان بالبصرة، ولم يحج القطان سنة سبع؛ فلعله حجَّ سنة [1/ 264] ستٍّ، فرأى ابنَ عيينة قد ضعف حفظُه قليلًا، فربما أخطأ في بعض مظانِّ الخطأ من الأسانيد. وحينئذ سأله، فأجابه، كما أخبر بذلك عبد الرحمن بن بشر. ثم كأنه بلغ القطانَ في أثناء سنة سبع أو
(1)
(4/ 120 - 121).
(2)
(ط): «سعيد» تصحيف.
أوائل سنة ثمان أن ابن عيينة أخطأ في حديثين، فعَدَّ ذلك تغيُّرًا، وأطلق كلمة
«اختلط» على عادته في التشديد.
وقد كان ابن عيينة أشهر من نار على عَلَم، فلو اختلط الاختلاط الاصطلاحيّ لسارت بذلك الركبان، وتناقله كثيرٌ من أهل العلم وشاع وذاع. وهذا «جزء محمد بن عاصم» سمعه من ابن عيينة في سنة سبع، ولا نعلمهم انتقدوا منه حرفًا واحدًا. فالحق أن ابن عيينة لم يختلط، ولكن كبر سنُّه، فلم يبق حفظُه على ما كان عليه، فصار ربما يخطئ في الأسانيد التي لم يكن قد بالغ في إتقانها، كحديثه عن أيوب. والذي يظهر أن ذلك خطأ هيِّن، ولهذا لم يعبأ به أكثر الأئمة، ووثَّقوا ابن عيينة مطلقًا.
ومع هذا فالحكاية التي تكلَّم فيها الأستاذ، هي واقعة جرَتْ لابن عيينة أخبر بها، وليس ذلك من مظان الغلط. وراويها عنه إبراهيم بن بشار الرمادي من قدماء أصحابه. قال أبو عَوانة في «صحيحه» (ج 1 ص 365):«كان ثقة من كبار أصحاب سفيان وممن سمع قديمًا منه» .
ومناقب ابن عيينة في الكتب المشار إليها في ترجمة الثوري وغيرها
(1)
. ومن ذلك: قال ابن وهب صاحب الإمام مالك: «ما رأيت أحدًا أعلم بكتاب الله من ابن عيينة» . وقال الشافعي: «ما رأيت أحدًا من الناس فيه من آلة العلم ما في ابن عيينة، وما رأيت أحدًا أكفَّ عن الفُتْيا منه» . وقال أحمد: «ما رأيت أحدًا أعلمَ بالقرآن والسنن منه» .
(1)
انظر «تقدمة الجرح والتعديل» : (ص 32 - 54)، و «تهذيب التهذيب»:(4/ 117 - 122).