الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[1/
62] 6 - كيف البحث عن أحوال الرواة
؟
مَن أحبّ أن ينظر في كتب الجرح والتعديل عن حال رجل وقع في سند، فعليه أن يراعي أمورًا:
الأول: إذا وجد ترجمة بمثل ذاك الاسم فليتثبّت حتى يتحقق أن تلك الترجمة هي لذاك الرجل، فإن الأسماء كثيرًا ما تشتبه، ويقع الغلط والمغالطة فيها، كما يأتي في الأمر الرابع. وراجع "الطليعة"(ص 11 - 43)
(1)
.
الثاني: لِيستوثقْ من صحة النسخة ولْيراجعْ غيرها ــ إن تيسَّر له ــ ليتحقق أن ما فيها ثابت عن مؤلف الكتاب. راجع "الطليعة"(ص 55 - 59)
(2)
.
الثالث: إذا وجد في الترجمة كلمة جرح أو تعديل منسوبة إلى بعض الأئمة، فلينظر: أثابتة هي عن ذاك الإمام أم لا؟ راجع "الطليعة"(ص 78 - 86)
(3)
.
الرابع: ليستثبِتْ أن تلك الكلمة قيلت في صاحب الترجمة، فإن الأسماء تتشابه. وقد يقول المحدّث كلمة في راو، فيظنها السامع في آخر، ويحكيها كذلك. وقد يحكيها السامع فيمن قيلت فيه، ويخطئ بعض من
(1)
(ص 5 - 31 من طبعتنا).
(2)
(ص 39 - 47).
(3)
(ص 59 - 66).
بعده فيحملها على آخر.
ففي الرواة: [المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عيَّاش المخزومي، و]
(1)
المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، والمغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام الحِزَامي، والمغيرة بن عبد الرحمن بن عوف الأسدي. حكى عبّاس الدوري
(2)
عن يحيى بن معين توثيق الأول وتضعيف الثالث. وحكى
(3)
ابن أبي حاتم
(4)
عن الدوري عن ابن معين توثيق الثاني، ووهَّمه المزي
(5)
. ووثَّق أبو داود الثالث وضعَّف الأول، فذُكِرَت له حكاية الدوري عن ابن معين فقال: غلط عباس
(6)
.
وفي الرواة: محمد بن ثابت البناني، ومحمد بن ثابت العبدي وغيرهما. فحكى ابن أبي حاتم
(7)
عن ابن أبي خيثمة، عن ابن معين أنه قال في الأول: "ليس بقوي
…
". وذكر ابن حجر
(8)
أن الذي في "تاريخ ابن أبي
(1)
إضافة لازمة يدلّ عليها كلام المؤلف بعدها في الإشارة إلى ترتيب الأسماء، ولعلها سقطت أثناء الطبع ظنًّا من الطابع أنها تكرار وليس كذلك.
(2)
في "التاريخ"(928 و 929).
(3)
(ط): "فحكى".
(4)
في "الجرح والتعديل": (8/ 225).
(5)
في "تهذيب الكمال": (7/ 199).
(6)
انظر "تهذيب الكمال": (7/ 199)، ولم أجده في سؤالاته المطبوعة.
(7)
في "الجرح والتعديل": (7/ 217).
(8)
في "تهذيب التهذيب": (9/ 83).
خيثمة" حكاية تلك المقالة في الثاني. وحكى عثمان الدارمي
(1)
عن ابن معين في الثاني أنه ليس به بأس. وحكى معاوية بن صالح عن ابن معين أنه يُنكَر على الثاني [1/ 63] حديث واحد
(2)
. وحكى الدوري
(3)
عن ابن معين أنه ضعَّف الثاني، وقال الدوري:"فقلت له: أليس قد قلت مرة: ليس به بأس؟ قال: ما قلت هذا قط".
وفي الرواة: عمر بن نافع مولى ابن عمر، وعمر بن نافع الثقفي. حكى ابن عدي
(4)
في ترجمة الأول عن ابن معين أنه قال: "ليس حديثه بشيء" فزعم ابن حجر
(5)
أن ابن معين إنما قالها في الثاني.
وفي الرواة: عثمان البَتِّي، وعثمان البُرِّي. حكى الدوريّ
(6)
عن ابن معين في الأول: "ثقة". وحكى معاوية بن صالح عنه فيه: "ضعيف"
(7)
. قال النسائي: "وهذا عندي خطأ، ولعله أراد عثمان البُرِّي".
وفي الرواة: أبو الأشهب جعفر بن حيّان، وأبو الأشهب جعفر بن الحارث. وثَّق الإمام أحمد الأول، فحكى ابن شاهين ذلك في الثاني، كما
(1)
في "تاريخه"(ص 216).
(2)
كما في "تهذيب التهذيب": (9/ 85).
(3)
في "تاريخه"(4537).
(4)
في "الكامل": (5/ 46).
(5)
في "التهذيب": (7/ 499 - 500). ونقل التوهيم عن الذهبي. انظر "الميزان": (4/ 146).
(6)
في "تاريخه"(3682).
(7)
كما في "التهذيب": (7/ 153 - 154) ونقل قول النسائي من كتاب "الكنى".
في نبذة من كلامه طبعت مع "تاريخ جرجان"
(1)
. وضعَّف جماعة الثاني، فحكى ابن الجوزي
(2)
كلماتهم في ترجمة الأول.
وفي الرواة أحمد بن صالح ابن الطبري الحافظ، وأحمد بن صالح الشُّمومي. حكى النسائي
(3)
عن معاوية بن صالح عن ابن معين كلامًا عدَّه النسائي في الأول، فذكر ابن حبان
(4)
: إنما قاله ابن معين في الثاني.
وفي الرواة: معاذ بن رفاعة الأنصاري، ومُعان بن رفاعة السلَامي. نقل الناسُ عن الدوريّ
(5)
أنه حكى عن ابن معين أنه قال في الثاني وهو معان: "ضعيف". ونقل أبو الفتح الأزدي
(6)
عن عباس أنه حكى عن ابن معين أنه قال في الأول وهو معاذ: "ضعيف". فكأنه تصحَّف على الأزدي.
وفي الرواة: القاسم العمري، وهو ابن عبد الله بن عمر بن حفص؛ والقاسم المعمري، وهو ابن محمد. فحكى عثمان الدارمي
(7)
عن ابن معين
(1)
(ص 554) وانظر تعليق المؤلف هناك بما يقضي بتوهيم السهمي.
(2)
في "الضعفاء والمتروكين": (1/ 170). ونبّه عليه الحافظ في "التهذيب": (2/ 89).
(3)
ذكره الحافظ في "التهذيب": (1/ 41).
(4)
في "الثقات": (8/ 24 - 25).
(5)
انظر "تاريخه"(5134) وتصحفت فيه "معان" إلى "معاذ" مع أن أحد قرّاء النسخة قد كتب فوقها (معان) على الصواب. وانظر "الكامل": (6/ 3)، و"الضعفاء":(4/) للعقيلي، و"تهذيب الكمال":(7/ 149)، و"تهذيب التهذيب":(10/ 201).
(6)
نقله الحافظ في "التهذيب": (10/ 190).
(7)
في "تاريخه"(ص 193).
أنه قال: "قاسم المعمري كذاب خبيث". قال الدارمي: "وليس كما قال يحيى". والمعمري قد وثَّقه قتيبة. أما العمري فكذَّبه الأمام أحمد، وقال الدوري
(1)
عن ابن معين: "ضعيف ليس بشيء". فيشبه أن يكون ابن معين إنما قال: "قاسم [1/ 64] العمري كذاب خبيث" فكتبها عثمان الدارمي، ثم بعد مدَّة راجعها في كتابه، فاشتبه عليه، فقرأها: "قاسم المعمري
…
".
وفي الرواة: إبراهيم بن أبي حَرّة، وإبراهيم بن أبي حيَّة. روى ابن أبي حاتم
(2)
من طريق عثمان الدارمي عن
(3)
ابن معين توثيق الثاني. ومن تدبَّر الترجمتين كاد يجزم بأن هذا غلط على ابن معين، وأنه إنما وثَّق الأول.
وحكى أبو داود الطيالسي قصة لأبي الزبير محمد بن مسلم بن تَدْرُس المكي
(4)
، وحكى هو عن شعبة قصّةً نحو تلك لمحمد بن الزبير التميمي البصري
(5)
. وأخشى أن يكون الطيالسي وهِم في أحدهما.
وذكر ابن أبي خيثمة في كلامه في فِطْر بن خليفة ما لفظه: "سمعت قُطْبة بن العلاء يقول: تركت فطرًا، لأنه روى أحاديث فيها إزراء على عثمان"
(6)
.
(1)
في "تاريخه"(686).
(2)
في "الجرح والتعديل": (2/ 96 و 149)، والرواية في "تاريخ الدارمي":(ص 73).
(3)
في (ط): "على".
(4)
انظر "تهذيب التهذيب": (9/ 442).
(5)
انظر "تهذيب التهذيب": (9/ 167).
(6)
انظر "تهذيب التهذيب": (8/ 302).
وذكر هو في كلامه في فُضيل بن عياض: "سمعت قُطبة بن العلاء يقول: تركتُ حديث فضيل، لأنه روى أحاديث فيها إزراء على عثمان"
(1)
.
وأخشى أن تكون كلمة قُطبة إنما هي في "فِطْر"، فحكاها ابن أبي خيثمة مرة على الصواب، ثم تصحّفت عليه "فطر" بـ"فضيل" فحكاها في فضيل بن عياض.
وحكى محمد بن وضَّاح القرطبي أنه سأل ابن معين عن الشافعي فقال: "ليس بثقة"
(2)
. فحكاها ابن وضَّاح في الشافعي الإمام، فزعم بعض المغاربة أن ابن معين إنما قالها في أبي عبد الرحمن أحمد بن يحيى بن عبد العزيز الأعمى المشهور بالشافعي، فإنه كان ببغداد، وابن وضَّاح لقي ابن معين ببغداد، فكأنه سأل ابنَ معين عن الشافعيّ ــ يريد ابن وضَّاح الإمام ــ فظنّ ابن معين أنه يريد أبا عبد الرحمن لأنه كان حيًّا معهما في البلد. وفي ترجمة والد أبي عبد الرحمن من "التهذيب"
(3)
أن ابن معين قال: " .. ما أعرفه، وهو والد الشافعي الأعمى".
الخامس: إذا رأى في الترجمة "وثَّقه فلان"، أو "ضعَّفه فلان"، أو "كذَّبه فلان" فليبحث عن عبارة فلان، فقد لا يكون قال:"هو ثقة" أو "هو ضعيف"،
(1)
انظر "تهذيب التهذيب": (8/ 296).
(2)
انظر "جامع بيان العلم": (2/ 1114 - 1115) لابن عبد البر، و"تهذيب التهذيب":(9/ 31). وانظر رسالة المؤلف "تنزيه الإمام الشافعي عن مطاعن الكوثري"(ص 32 فما بعدها"، وترجمة الشافعي في كتابنا هذا رقم (189).
(3)
(11/ 251).
أو "هو كذاب". ففي "مقدمة الفتح"
(1)
في ترجمة إبراهيم بن سويد بن حيّان المدني: "وثَّقه ابن معين وأبو زرعة". [1/ 65] والذي في ترجمته من "التهذيب"
(2)
: "قال أبو زرعة: ليس به بأس".
وفي "المقدمة"
(3)
في ترجمة إبراهيم بن المنذر الحزامي: "وثَّقه ابن معين
…
، والنسائي". والذي في ترجمته من "التهذيب"
(4)
: "قال عثمان الدارمي: رأيتُ ابنَ معين كتب عن إبراهيم بن المنذر أحاديث ابن وهب، ظننتها المغازي. وقال النسائي: ليس به بأس".
وفي "الميزان" و"اللسان"
(5)
في ترجمة معبد بن جمعة: "كذَّبه أبو زرعة الكَشّي". وليس في عبارة أبي زرعة الكَشّي ما يعطي هذا، بل فيها أنه ثقة في الحديث
(6)
. وقد شرحتُ ذلك في ترجمة معبد من قسم التراجم
(7)
.
السادس: أصحاب الكتب كثيرًا ما يتصرفون في عبارات الأئمة بقصد الاختصار، أو غيره؛ وربما يخلّ ذلك بالمعنى، فينبغي أن يراجع عدة كتب، فإذا وجد اختلافًا بحث عن العبارة الأصلية ليبني عليها.
(1)
(ص 388).
(2)
(1/ 126).
(3)
(ص 388).
(4)
(1/ 167).
(5)
"الميزان": (5/ 265)، و"اللسان":(8/ 104).
(6)
انظر عبارته في "سؤالات حمزة السهمي"(369)، و"تاريخ جرجان"(ص 475).
(7)
رقم (248).
السابع: قال ابن حجر في "لسان الميزان"(ج 1 ص 17)
(1)
: "وينبغي أن يتأمل أيضًا أقوال المزكّين ومخارجها
…
فمن ذلك أن الدوريّ قال: [سُئل ابن معين عن محمد بن إسحاق فقال: ثقة، فحكى غيره]
(2)
عن ابن معين أنه سئل عن ابن
(3)
إسحاق، وموسى بن عبيدة الرَّبَذي: أيهما أحب إليك؟ فقال: ابن إسحاق ثقة. وسئل عن محمد بن إسحاق بمفرده فقال: صدوق وليس بحجة. ومثله أن أبا حاتم قيل له: أيهما أحب إليك: يونس، أو عُقيل؟ فقال: عُقيل لا بأس به، وهو يريد تفضليه على يونس. وسئل عن عُقيل، وزَمْعة بن صالح، فقال: عُقيل ثقة متقن. وهذا حكم على
(4)
اختلاف السؤال. وعلى هذا يُحْمل أكثر ما ورد من اختلاف أئمة الجرح
(5)
والتعديل ممن وثَّق رجلًا في وقت، وجرَّحه في وقت آخر
…
"
(6)
.
أقول: وكذلك ما حكوا من كلام مالك في ابن إسحاق
(7)
، إذا حُكِيت القصة على وجهها تبيَّن أن كلمة مالك فلتةُ لسان عند سَورة غضب، لا يقصد بها الحكم. وكذلك ما حكوه عن ابن معين أنه قال لشجاع بن الوليد: "يا
(1)
(1/ 213).
(2)
ما بينهما ساقط من (ط) والاستدراك من "اللسان".
(3)
سقطت من (ط) وهي ثابتة في "اللسان".
(4)
في "اللسان - المحققة": "على حكم
…
".
(5)
في "اللسان - المحققة": "كلام أئمة أهل الجرح
…
".
(6)
في مقدمة "رجال البخاري" للباجي باب في هذا المعنى. [المؤلف].
(7)
انظر "تهذيب التهذيب": (9/ 41).
كذاب". فحملها ابن حجر على المزاح
(1)
.
ومما يدخل في هذا أنهم قد يضعِّفون الرجل بالنسبة إلى بعض شيوخه، أو إلى بعض الرواة [1/ 66] عنه، أو بالنسبة إلى ما رواه من حفظه، أو بالنسبة إلى ما رواه بعد اختلاطه؛ وهو عندهم ثقة فيما عدا ذلك. فإسماعيل بن عياش ضعَّفوه فيما روى عن غير الشاميين
(2)
. وزهير بن محمد ضعَّفوه فيما رواه عنه الشاميون
(3)
. وجماعة آخرون ضعَّفوهم في بعض شيوخهم، أو فيما رووه بعد الاختلاط.
ثم قد يُحكى التضعيف مطلقًا، فيتوهَّم أنهم ضعَّفوا ذلك الرجل في كل شيء. ويقع نحو هذا في التوثيق. راجع ترجمة عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود
(4)
. قال أحمد مرة: ثقة. وكذا قال ابن معين. ثم بيَّن كلٌّ منهما مرة أنه اختلط. وزاد ابن معين، فبيَّن أنه كان كثير الغلط عن بعض شيوخه، غير صحيح الحديث عنهم.
ومن ذلك أن المحدِّث قد يُسأل عن رجل، فيحكم عليه بحسب ما عَرف من مجموع حاله. ثم قد يسمع له حديثًا، فيحكم عليه حكمًا يميل فيه إلى حاله في ذاك الحديث. ثم قد يسمع له حديثًا آخر، فيحكم عليه حكمًا يميل فيه إلى حاله في هذا الحديث الثاني. فيظهر بين كلامه في هذه
(1)
في "هُدى الساري"(ص 409).
(2)
انظر "تهذيب التهذيب": (1/ 324).
(3)
انظر "تهذيب التهذيب": (3/ 349).
(4)
انظر "تهذيب التهذيب": (6/ 210 - 212).
المواضع بعض الاختلاف. وقع مثل هذا للدارقطني في "سننه"
(1)
وغيرها، وترى بعض الأمثلة في ترجمة الدارقطني من قسم التراجم
(2)
. وقد يُنْقَل الحكم الثاني أوالثالث وحده، فيتوهم أنه حكمٌ مُطْلق.
الثامن: ينبغي أن يُبْحَث عن معرفة الجارح أو المعدِّل بمن جرَّحه أو عدَّله، فإن أئمة الحديث لا يقتصرون على الكلام فيمن طالت مجالستُهم له وتمكَّنت معرفتُهم به، بل قد يتكلم أحدُهم فيمن لقيه مرة واحدة وسمع منه مجلسًا واحدًا أو حديثًا واحدًا، وفيمن عاصره ولم يلقه ولكنه بلغه شيءٌ من حديثه، وفيمن كان قبله بمدّة قد تبلغ مئات السنين إذا بلغه شيء من حديثه، ومنهم من يجاوز ذلك.
فابن حبان قد يذكر في "الثقات" من يجد البخاريَّ سمَّاه في "تاريخه" من القدماء وإن لم يَعرف ما روى، وعمّن روى، ومَن روى عنه. ولكن ابن حبان يشدّد، وربما تعنَّت فيمن وجد في روايته ما استنكره، وإن كان الرجل معروفًا مكثرًا. والعجليُّ قريب منه في توثيق المجاهيل من القدماء، وكذلك ابن سعد.
وابنُ معين والنسائي وآخرون غيرهما يوثّقون مَن كان من التابعين أو أتباعهم، إذا وجدوا رواية أحدهم مستقيمة؛ بأن يكون له فيما يروي متابع أو
(1)
كما في (1/ 62 و 3/ 135) عند ذكر إبراهيم بن أبي يحيى، و (1/ 320 و 4/ 96) عند ذكر إسحاق بن أبي فروة
…
وغير ذلك.
(2)
رقم (164).
شاهد
(1)
، وإن لم يرو عنه إلّا واحد، ولم يبلغهم عنه إلا حديث [1/ 67] واحد. فممن وثّقه ابنُ معين مِن هذا الضّرْب: الأسقع بن الأسلع، والحَكَم بن عبد الله البلَوي، ووهب بن جابر الخَيواني وآخرون. وممن وثقه النسائيُّ: رافع بن إسحاق، وزهير بن الأقمر، وسعد بن سمرة وآخرون.
وقد روى العوّام بن حَوشب، عن الأسود بن مسعود، عن حنظلة بن خويلد، عن عبد الله بن عَمرو بن العاص حديثًا
(2)
. ولا يُعرف الأسود وحنظلة إلا في تلك الرواية، فوثَّقهما ابن معين
(3)
. وروى همام، عن قتادة، عن قدامة بن وَبَرة، عن سمرة بن جندب حديثًا
(4)
. ولا يُعرف قدامة إلا في هذه الرواية، فوثَّقه ابن معين
(5)
، مع أن الحديث غريب وله علل أخرى راجع "سنن البيهقي"(ج 3 ص 248).
ومن الأئمة من لا يوثِّق مَن تقدَّمه حتى يطلع على عدة أحاديث له تكون مستقيمة، وتكثُر حتى يغلب على ظنه أن الاستقامة كانت مَلَكة لذاك الراوي. وهذا كله يدل على أن جلَّ اعتمادهم في التوثيق والجرح إنما هو على سَبْر حديث الراوي. وقد صرّح ابنُ حبان بأن المسلمين على الصلاح والعدالة،
(1)
(ط): "مشاهد" خطأ.
(2)
الحديث أخرجه أحمد (6538، 6929)، والنسائي في "الكبرى"(8498)، وغيرهما.
(3)
كما في رواية الدارمي (ص 65 و 88).
(4)
الحديث أخرجه أحمد (20087)، وأبو داود (1053، 1054)، والنسائي (1372) وغيرهم.
(5)
في رواية الدارمي (ص 191).
حتى يتبين منهم ما يوجب القدح. نص على ذلك في "الثقات"
(1)
. وذكره ابن حجر في "لسان الميزان"(ج 1 ص 14)
(2)
واستغربه. ولو تدبَّر لوجد كثيرًا من الأئمة يبنون عليه، فإذا تتبَّع أحدُهم أحاديثَ الراوي، فوجدها مستقيمة تدل على صدق وضبط، ولَم يبلغه ما يوجب طعنًا في دينه= وثَّقه، وربما تجاوز بعضهم هذا كما سلف
(3)
وربما يبني بعضهم على هذا حتى في أهل عصره.
وكان ابن معين إذا لقي في رحلته شيخًا فسمع منه مجلسًا، أو ورد بغدادَ شيخٌ فسمع منه مجلسًا، فرأى تلك الأحاديث مستقيمة، ثم سئل عن الشيخ= وثَّقه. وقد يتفق أن يكون الشيخ دجالًا استقبل ابنَ معين بأحاديث صحيحة، ويكون قد خلَّط قبل ذلك، أو يخلِّط بعد ذلك. ذكر ابن الجنيد
(4)
أنه سأل ابنَ معين عن محمد بن كثير القرشي الكوفي، فقال:"ما كان [1/ 68] به بأس". فحكى له عنه أحاديث تُستنكر، فقال ابن معين: "فإن كان هذا الشيخ
(1)
(1/ 11 - 13).
(2)
(1/ 208 - 209).
(3)
يشير إلى ابن حبان، فإنه قد يوثق الرجال بإيراده إياه في الكتاب المذكور "الثقات" مع أنه لا يعرفه. ويؤيد ذلك أنني رأيته قال في بعض المترجمين عنده:"لا أعرفه، ولا أعرف أباه"! وعلى مثل هذا التوثيق أقام كتابه "الصحيح" المعروف به، فاحفظ هذا، فإنه مهم، لم يتنبه له إلا أهل التحقيق في هذا العلم الشريف، منهم المصنف رحمه الله وجزاه خيرًا، كما تقدم (وانظر كلامه الآتي في آخر الصفحة التالية: الأمر التاسع) وقد بسطت القول في هذه المسألة في "الرد على التعقيب الحثيث"(ص 18 - 21) فليراجع. [ن].
(4)
"سؤالاته"(ص 887). وانظر "تراجم منتخبة" رقم (267) للمؤلف.
روى هذا فهو كذّاب، وإلا فإني رأيت الشيخ مستقيمًا". وقال ابن معين في محمد بن القاسم الأسدي:"ثقة وقد كتبت عنه"
(1)
. وقد كذَّبه أحمد، وقال:"أحاديثه موضوعة". وقال أبو داود: "غير ثقة ولا مأمون، أحاديثه موضوعة"
(2)
.
وهكذا يقع في التضعيف، ربما يجرح أحدهم الراوي لحديث واحد استنكره، وقد يكون له عذر.
ورد ابنُ معين مصر، فدخل على عبد الله بن [عبد] الحكم، فسمعه يقول: حدثني فلان وفلان وفلان. وعدَّ جماعةً روى عنهم قصة. فقال ابن معين: "حدَّثك بعضُ هؤلاء بجميعه وبعضُهم ببعضه؟ " فقال: "لا، حدثني جميعُهم بجميعه"، فراجعه، فأصرَّ. فقام يحيى، وقال للناس:"يكذب"
(3)
.
ويظهر لي أن عبد الله إنما أراد أن كلًّا منهم حدَّثه ببعض القصة، فجمع ألفاظهم. وهي قصة في شأن عمر بن عبد العزيز، ليست بحديث، فظن يحيى أن مراده أن كلًّا منهم حدَّثه بالقصة بتمامها على وجهها، فكذَّبه في ذلك. وقد أساء الساجيُّ إذ اقتصر في ترجمة عبد الله على قوله: "كذّبه ابنُ
(1)
هذه رواية ابن أبي خيثمة عنه، نقلها عنه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل":(8/ 65) وغيره. وهذه من مفردات ابن أبي خيثمة عن يحيى، فكل الرواة عن يحيى على تضعيفه بل تكذيبه؛ ففي رواية الدوري (3082): "ذَكَر محمد بن القاسم
…
فلم يرضه"، وفي رواية ابن الجنيد (534): "ليس بشيء"، وفي رواية ابن محرز (3): "ليس بشيء، كان يكذب، قد سمعت منه".
(2)
انظر "تهذيب التهذيب": (9/ 407).
(3)
"تهذيب التهذيب": (5/ 289 - 290).
معين"
(1)
.
وبلغ ابنَ معين أن أحمد بن الأزهر النيسابوري يحدِّث عن عبد الرزاق بحديث استنكره يحيى، فقال:"من هذا الكذاب النيسابوري الذي يحدِّث عن عبد الرزاق بهذا الحديث؟ " وكان أحمد بن الأزهر حاضرًا، فقام فقال:"هو ذا أنا". فتبسَّم يحيى، وقال: "أما إنك لست بكذاب
…
"
(2)
.
وقال ابن عمار في إبراهيم بن طهمان: "ضعيف مضطرب الحديث" فبلغ ذلك صالح بن محمد الحافظ الملقب جَزَرة، فقال: "ابن عمار من أين يعرف إبراهيم؟ إنما وقع إليه حديث إبراهيم في الجمعة
…
والغلط فيه من غير إبراهيم"
(3)
.
التاسع: ليبحث عن رأي كلِّ إمام من أئمة الجرح والتعديل واصطلاحه، مستعينًا على ذلك بتتبع كلامه في الرواة، واختلاف الرواية عنه في بعضهم، مع مقارنة كلامه بكلام غيره.
فقد عرفنا في الأمر السابق
(4)
رأيَ بعضِ من يوثِّق المجاهيل من
(1)
فائدة عن كتاب الساجي: قال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام": (5/ 405): "كان لابن حزم اعتناء بكتاب أبي يحيى الساجي ــ أي الضعفاء ــ حتى اختصره، ورتَّبه على الحروف، وشاع اختصاره المذكور لِنُبْلِهِ، وكان في كتاب الساجي تخليط لم يأْبَه له ابن حزم حين الاختصار، فجرَّ لغيره الخطأ" اهـ.
(2)
انظر "تهذيب التهذيب": (1/ 12).
(3)
انظر "تهذيب التهذيب": (1/ 130).
(4)
(ص 113 وما بعدها).
القدماء إذا وَجَد حديثَ الراوي منهم مستقيمًا، ولو كان حديثًا واحدًا لم يروه عن ذاك المجهول إلا واحد. فإن شئتَ فاجعل [1/ 69] هذا رأيًا لأولئك الأئمة كابن معين، وإن شئت فاجعله اصطلاحًا في كلمة "ثقة"، كأن يُراد بها استقامة ما بلغ الموثِّقَ من حديث الراوي، لا الحكم للراوي نفسه بأنه في نفسه بتلك المنزلة.
وقد اختلف كلام ابن معين في جماعة، يوثِّق أحدهم تارة ويضعِّفه أخرى. منهم: إسماعيل بن زكريا الخُلقاني، وأشعث بن سوَّار، والجرَّاح بن مليح الرؤاسي، وحَرْب
(1)
بن أبي العالية، والحسن بن يحيى الخُشَني، والزبير بن سعيد، وزهير بن محمد التميمي، وزيد بن حِبّان الرقي، وسَلْم العلوي، وعافية القاضي، وعبد الله بن
(2)
الحسين أبو حَريز، وعبد الله بن عقيل أبو عقيل، وعبد الله بن عمر بن حفص العمري، وعبد الله بن واقد أبو قتادة الحراني، وعبد الواحد بن غياث، وعبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، وعتبة بن أبي حكيم، وغيرهم.
وجاء عنه توثيق جماعة ضعَّفهم الأكثرون. منهم: تمام بن نجيح، ودَرَّاج بن سمعان، والربيع بن حبيب الملاح، وعبَّاد بن كثير الرملي، ومسلم بن خالد الزَّنْجي، ومسلمة بن علقمة، وموسى بن يعقوب الزَّمْعي، ومؤمَّل بن إسماعيل، ويحيى بن عبد الحميد الحِمَّاني. وهذا يشعر بأن ابن
(1)
(ط): "جرير" تصحيف. انظر "تهذيب التهذيب": (2/ 225)، و"تاريخ الدوري"(2750).
(2)
سقطت من (ط). وترجمته في "الجرح والتعديل": (5/ 34).
معين كان ربما يطلق كلمة "ثقة"، لا يريد بها أكثر من أن الراوي لا يتعمّد الكذب.
وقد يقول ابن معين في الراوي مرة: "ليس بثقة"، ومرة:"ثقة" أو: "لا بأس به"، أو نحو ذلك. (راجع تراجم جعفر بن ميمون التميمي، وزكريا بن منظور، ونوح بن جابر). وربما يقول في الراوي: "ليس بثقة" ويوثقه غيرُه. (راجع تراجم عاصم بن علي، وفُلَيح بن سليمان، وابنه محمد بن فُليح، ومحمد بن كثير العبدي". وهذا قد يشعر بأن ابن معين قد يطلق كلمة "ليس بثقة" على معنى أن الراوي ليس بحيث يقال فيه:"ثقة" على المعنى المشهور لكلمة "ثقة".
فأما استعمال كلمة "ثقة" على ما هو دون معناها المشهور، فيدل عليه ــ مع ما تقدم ــ أن جماعة يجمعون بينها وبين التضعيف. قال أبو زرعة في عمر بن عطاء بن وَرَاز:"ثقة لين"
(1)
. وقال العجلي
(2)
في القاسم أبي عبد الرحمن الشامي: "ثقة يُكتب حديثه، وليس بالقوي". وقال ابن سعد في جعفر بن سليمان الضُّبَعي: "ثقة وبه ضعف"
(3)
. وقال ابن معين في عبد الرحمن بن زياد بن أنْعُم: "ليس به بأس، وهو ضعيف"
(4)
. وقد ذكروا
(1)
"الجرح والتعديل": (6/ 126) في إحدى النسخ، وعنها نقل الحافظ المزي:(5/ 376)، والحافظ:(7/ 4).
(2)
تصحّف في (ط) إلى: "الكعبي"، وانظر عبارة العجلي في "الثقات":(2/ 212)، و"التهذيب":(8/ 2).
(3)
"الطبقات الكبرى": (9/ 289).
(4)
رواية الدوري (5075) وفيه: "وفيه ضعف".
أن ابن معين يطلق كلمة: "ليس به بأس" بمعنى "ثقة"
(1)
. وقال يعقوب بن شيبة في ابن أنْعُم هذا: "ضعيف الحديث، وهو ثقة صدوق، [1/ 70] رجل صالح"
(2)
. وفي الربيع بن صَبيح: "صالح صدوق ثقة، ضعيف جدًّا"
(3)
.
وراجع تراجم إسحاق بن يحيى بن طلحة، وإسرائيل بن يونس، وسفيان بن حسين، وعبد الله بن عمر بن جعفر بن عاصم، وعبد الأعلى بن عامر الثعلبي، وعبد السلام بن حرب، وعليّ بن زيد بن جُدعان، ومحمد بن مسلم بن تَدْرُس، ومؤمَّل بن إسماعيل، ويحيى بن يمان.
وقال يعقوب بن سفيان في أجْلَح: "ثقة، حديثه لين"
(4)
. وفي محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: "ثقة عدل، في حديثه بعض المقال، ليِّن الحديث عندهم"
(5)
.
وأما كلمة "ليس بثقة" فقد روى بشر بن عمر عن مالك إطلاقها في جماعة، منهم صالح مولى التوأمة، وشعبة مولى ابن عباس. وفي ترجمة مالك من "تقدمة الجرح والتعديل"
(6)
لابن أبي حاتم عن يحيى القطان أنه سأل مالكًا عن صالح هذا، فقال:"لم يكن من القُرّاء". وسأله عن شعبة هذا
(1)
انظر "علوم الحديث"(ص 124) لابن الصلاح.
(2)
"تاريخ بغداد": (10/ 217).
(3)
"تهذيب الكمال": (2/ 463).
(4)
"تهذيب التهذيب": (1/ 190).
(5)
"المعرفة والتاريخ": (3/ 94) ليعقوب بن سفيان.
(6)
(ص 23) وفيه كلامه على شعبة، أما كلامه في صالح مولى التوأمة ففي "تهذيب التهذيب":(4/ 405).
فقال: "لم يكن من القراء". فأما صالح فأثنى عليه أحمد وابن معين وذكر أنه اختلط بأخرة، وأن مالكًا إنما أدركه بعد الاختلاط. وأما شعبة مولى ابن عباس فقال أحمد:"ما أرى به بأسًا". وكذا قال ابن معين. وقال البخاري: "يتكلم فيه مالك ويحتمل منه". قال ابن حجر
(1)
: "قال أبو الحسن ابن القطان الفاسي: قوله: "ويحتمل منه". يعني من شعبة، وليس هو ممن يُترك حديثه. قال: ومالك لم يضعِّفه، وإنما شح عليه بلفظة ثقة. قلت: هذا التأويل غير شائع، بل لفظة: "ليس بثقة" في الاصطلاح توجب الضعف الشديد. وقد قال ابن حبان: روى عن ابن عباس ما لا أصل له حتى كأنه ابن عباس آخر".
أقول: ابن حِبّان كثيرًا ما يهوِّل مثل هذا التهويل في غير محلِّه، كما يأتي في ترجمته وترجمة محمد بن الفضل من قسم التراجم
(2)
. وكلمة: "ليس بثقة" حقيقتها اللغوية نفيُ أن يكون بحيث يقال له: "ثقة". ولا مانع من استعمالها بهذا المعنى، وقد ذكرها الخطيب في"الكفاية"
(3)
في أمثلة الجرح غير المفسر. واقتصار مالك في رواية يحيى القطان على قوله: "لم يكن من القراء" يُشعر بأنه أراد هذا المعنى. نعم، إذا قيل:"ليس بثقة ولا مأمون" تعيَّن الجرح الشديد. وإن اقتصر على "ليس بثقة" فالمتبادر جرح شديد، ولكن إذا كان هناك ما يُشعر بأنها اسْتُعملت في المعنى الآخر حُمِلت عليه.
(1)
"التهذيب": (4/ 347).
(2)
برقم (200 و 228).
(3)
(ص 111 - 112).
وهكذا كلمة: "ثقة"، معناها المعروف: التوثيق التام، [1/ 71] فلا تُصرف عنه إلا بدليل، إما قرينة لفظية كقول يعقوب:"ضعيف الحديث وهو ثقة صدوق" وبقية الأمثلة السابقة. وإما حالية منقولة، أو مستدَلّ عليها بكلمة أخرى عن قائلها، كما مرَّ في الأمر السابع عن "لسان الميزان"، أو عن غيره، ولاسيّما إذا كانوا هم الأكثر.
فتدبَّرْ ما تقدَّم، وقابِلْه بما قاله الكوثري في "الترحيب" (ص 15) قال:"وكم من راو يوثّق ولا يحتج به، كما في كلام يعقوب الفسوي. بل كم ممن يوصف بأنه صدوق، ولا يُعَدُّ ثقة، كما قال ابن مهدي: أبو خَلْدة صدوق مأمون، الثقة سفيان وشعبة".
وعلى الأستاذ مؤاخذات:
الأولى: أنه ذكر هذا في معرض الاعتذار، وأنا لم أناقشه فيما قام الدليل فيه.
الثانية: أن كلمة يعقوب التي أشار إليها هي قوله: "كتبتُ عن ألف شيخ وكسر، كلهم ثقات، ما أحد منهم أتخذه عند الله حجة، إلا أحمد بن صالح بمصر، وأحمد بن حنبل بالعراق"
(1)
. أوردتها في "الطليعة"(ص 21) إلى قوله: "ثقات". ذكرت ذلك من جملة الشواهد على أن شيخ يعقوب في ذاك السند هو أحمد بن الخليل الموثَّق، لا أحمد بن الخليل المجروح، فزعم الأستاذ في "الترحيب" أنني اقتصرت على أول العبارة، لأوهم أن شيخ يعقوب في ذاك السند ثقة يحتج به! وهذا كما ترى:
(1)
في "المعرفة والتاريخ": (3/ 361).
أولًا: لأن سياق كلامي هناك واضح في أني إنما أردت تعيين شيخ يعقوب، فأما الاحتجاج وعدمه فلا ذِكْر له هناك.
ثانيًا: لأن بقية عبارة يعقوب لا تعطي أن شيوخه كلهم غير الأحمدين لا يحتج بأحد منهم في الرواية. كيف وفيهم أئمة أجلة قد احتج براويتهم الأحمدان أنفسهما، بل قام الإجماع على ذلك؟ وإنما أراد يعقوب بالحجة عند الله مَن يؤخذ بروايته ورأيه وقوله وسيرته.
الثالثة: أن كلمة ابن مهدي لا توافق مقصود الأستاذ، فإنها تعطي بظاهرها أن كلمة "ثقة" إنما تطلق على أعلى الدرجات كشعبة وسفيان. ومع العلم بأن ابن مهدي وجميع الأئمة يحتجون برواية عدد لا يحصون ممن هم دون شعبة وسفيان بكثير، فكلمته تلك تعطي بظاهرها أن من [1/ 72] كان دون شعبة وسفيان فإنه وإن كان عدلًا ضابطًا تقوم الحجة بروايته فلا يقال له:"ثقة"، بل يقال:"صدوق" ونحوها. وأين هذا من مقصود الأستاذ؟
الرابعة: أن كلمة ابن مهدي بظاهرها منتقدة من وجهين:
الأول: أنه وكافة الأئمة قبله وبعده يطلقون كلمة "ثقة" على العدل الضابط، وإن كان دون شعبة وسفيان بكثير.
الثاني: أن أبا خَلْدة قد قال فيه يزيد بن زُرَيع والنسائي وابن سعد والعجلي والدارقطني: "ثقة". وقال ابن عبد البر: "هو ثقة عند جميعهم، وكلام ابن مهدي لا معنى له في اختيار الألفاظ".
وأصل القصة: أن ابن مهدي كان يحدِّث فقال: "حدثنا أبو خلدة". فقال له رجل: "كان ثقة؟ " فأجاب ابن مهدي بما مر. فيظهر لي: أن السائل فخَّم
كلمة: "ثقة"، ورفع يده وشدَّها، بحيث فهم ابن مهدي أنه يريد أعلى الدرجات، فأجابه بحسب ذلك. فقوله:"الثقة شعبة وسفيان" أراد به الثقة الكامل الذي هو أعلى الدرجات. وذلك لا ينفي أن يقال في مَن دون شعبة وسفيان: "ثقة" على المعنى المعروف. وهذا بحمد الله تعالى ظاهر، وإن لم أر مَن نبَّه عليه.
وقريب منه أن المرُّوذي
(1)
قال: "قلت لأحمد بن حنبل: عبد الوهاب بن عطاء ثقة؟ فقال: ما تقول؟ إنما الثقة يحيى القطان". وقد وثَّق أحمد مئات من الرواة يعلم أنهم دون يحيى القطان بكثير.
الخامسة: أن قيام الدليل على إطلاق بعضهم في بعض المواضع كلمة: "ثقة" ــ كما قدمت أنا أمثلته ــ لا يسوِّغ أن تحمل على ذلك المعنى حيث لا دليل.
العاشر: إذا
(2)
جاء في الراوي جرح وتعديل فينبغي البحث عن ذاتِ بينِ الراوي وجارحه أو معدِّله من نُفرة أو محبة. وقد مرَّ إيضاح ذلك في القاعدة الرابعة
(3)
.
* * * *
(1)
في "سؤالاته لأحمد"(48).
(2)
الأصل: "إذ". [ن].
(3)
(ص 87 - 98).