الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في التليين لعلها أثبت من روايات التوثيق.
الثالث: أن ابن معين كثيرًا ما تختلف أقواله، وربما يطلق الكلمة يريد بها معنى غير المشهور، كما سلف في القواعد في القاعدة السادسة
(1)
.
الرابع: أن كلمة «لا تَكْتب حديثَه» ليست بصريحة في الجرح، فقد يكون ابن معين ــ مع علمه برأي غيره من المحدِّثين ــ عَلِم أن أحمد قد استكثر من سماع الحديث، ويمكنه أن يشتغل بما هو أنفع له من تتبُّع أحاديث أبي حنيفة.
وعلى كل حال فأحمدُ هذا قد قَبِله الأئمة واحتجوا به، ولم يطعن فيه أحد منهم. والله الموفق.
19 - [1/ 110] أحمد بن سلمان النجَّاد
.
في «تاريخ بغداد» (13/ 383 [393]): «أخبرنا محمد بن عبد الله [ابن] أبان الهِيتي، حدثنا أحمد بن سلمان النجَّاد، حدثنا عبد الله
…
».
قال الأستاذ (ص 65): «يقول فيه الدارقطني: يحدِّث من كتاب غيره بما لم يكن في أصوله» .
وفي «تاريخ بغداد» (13/ 404 [429]) خبر آخر من طريق النجَّاد.
فقال الأستاذ (ص 125): «والنجاد ممن يروي عما ليس عليه سماعه، كما نص على ذلك الدارقطني، كما في (4/ 191) من «تاريخ الخطيب» . وليس قول
(1)
(1/ 118 - 120).
الدارقطني فيه: قد حدَّث أحمد بن سلمان من كتاب غيره بما لم يكن في أصوله، مما يُزال بلعل ولعل».
أقول: لفظ الدارقطني: «حدَّث
…
»، كما في «تاريخ بغداد» في الموضع الذي أحال عليه الأستاذ، وهكذا في «تذكرة الحفاظ» وفي «الميزان» و «اللسان»
(1)
. وهذه الكلمة تصدق بمرَّة واحدة كما حملها عليه الخطيب إذ قال: «كان قد كُفَّ بصره في آخر عمره، فلعل بعض طلبة الحديث قرأ عليه ما ذكر الدارقطني» ؛ بخلاف ما نسبه الأستاذ إلى الدارقطني أنه قال: «يحدِّث من كتاب غيره
…
»، «ممن يروي عما ليس عليه سماعه» ، فإن هاتين العبارتين تعطيان أن ذلك كان من شأنه، تكرر منه مرارًا!
وقد تصرَّف الأستاذ مثل هذا التصرُّف وأشدّ منه في مواضع، راجع «الطليعة» (ص 66 - 72)
(2)
، ويعتذر الأستاذ في «الترحيب» (ص 16) بقوله:«وأما مراعاة حرفية الجرح فغير ميسورة كلّ وقت، وكفى بالاحتفاظ بجوهر المعنى» .
أقول: على القارئ أن يراجع تلك الأمثلة في «الطليعة» ليتبين له هل احتفظ الأستاذ بجوهر المعنى؟ ولا أدري ما الذي عسَّر عليه المراعاة؟ ألعله كان بعيدًا عن الكتب، فلم يتيسر له مراجعتها، وإنما اعتمد على حفظه؟ أَوَ لا يحقُّ لي أن أقول: إن الذي عسَّر عليه ذلك هو أنه رأى كلمات الأئمة التي
(1)
«تذكرة الحفاظ» : (3/ 868)، و «الميزان»:(1/ 101)، و «اللسان»:(1/ 475) وكلام الدارقطني في «سؤالات السلمي» (رقم 12).
(2)
(ص 50 - 54).
تصرف فيها ذاك التصرُّف لا تشفي غيظه ولا تفي بغرضه، فاضطُرَّ إلى ما وقع منه. ويدل على هذا أني لم أر كلمة واحدة من كلمات التليين في الذين يريد جرحهم تصرَّف فيها، فجاءت عبارته أخفَّ من أصلها، بل رأيته يحافظ على حرفية الجرح حيث يراه شافيًا لغيظه، [1/ 111] كما يأتي في الترجمة رقم (23) وغيرها! وعلى هذا يكون اعتذاره المذكور اعترافًا بما قلته في «الطليعة» (ص 66)
(1)
.
وقول الأستاذ: «مما يُزال بلعل ولعل» يريد به قول الخطيب: « .. فلعل بعض الطلبة
…
». وقد مر. ولولا شدة غيظ الأستاذ على المحدِّثين لاكتفى بنص عبارة الدارقطني وعبارة الخطيب قائلًا: فعلى هذا ينبغي التثبُّت فيما يرويه عن النجاد مَنْ لم يكن في عصره معروفًا بالتيقظ، وراوي تينك الحكايتين عن النجاد هو محمد بن عبد الله بن أبان الهِيتي قال فيه الخطيب: «
…
وكان مغفَّلًا مع خلوِّه عن علم الحديث
…
». وإذا كانت هذه نهايته فما عسى أن تكون بدايته؟ فلا يؤمَن أن يكون سمع تينك الحكايتين من النجاد في ذاك المجلس الذي حدَّث فيه النجاد من كتاب غيره بما ليس في أصوله.
أقول: لو كان الأستاذ يكفكف من نفسه لاكتفى بهذا أو نحوه. فإذا قيل له: القضية النادرة لا يعتدُّ بها في حمل غيرها عليها، وإنما الحمل على الغالب؛ فقد يمكنه أن ينازع في هذا. أما أنا فأقول: إنما قال الدارقطني: «بما
(1)
(ص 50).
لم يكن في أصوله»، ولم يقل:«بما لم يكن من حديثه» أو نحو ذلك، فدل هذا على احتمال أن يكون ما حدَّث به من ذلك الكتاب كان من حديثه أو روايته، وإن لم يكن في أصوله. وذلك كأن يكون سمع شيئًا فحفظه، ولم يثبته في أصله، ثم رآه في كتاب غيره كما حفظه، فحدَّث به. أو يكون حضر سماع ثقة غيره في كتاب، ولم يثبت اسمه فيه، ثم رأى ذلك الكتاب وهو واثق بحفظه، فحدَّث منه بما كان سمعه. أو تكون له إجازة بجزء معروف ولا أصل له به، ثم رأى نسخة موثوقًا بها منه، فحدَّث منها.
نعم، كان المبالغون في التحفُّظ في ذاك العصر لا يحدِّث أحدهم إلا بما في أصوله، حتى إذا طولب أبرز أصله. ولا ريب أن هذا أحوط وأحزم، لكنه لا يتحتم جرح من أخلَّ بذلك، إذا كانت قد ثبتت عدالته وأمانته وتيقظه، وكان ما وقع منه محتملًا لوجه صحيح. وقد قال أبو علي ابن الصواف:«كان النجاد يجيء معنا إلى المحدثين، ونعلُه في يده، فيقال له في ذلك، فيقول: أحبُّ أن أمشي في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حافيًا» . وقال أبو إسحاق الطبري: «كان النجاد يصوم الدهر، ويفطر كل ليلة على رغيف ويترك منه لقمة، فإذا كان ليلة الجمعة تصدَّق بذلك [1/ 112] الرغيف، وأكل تلك اللقم التي استفضلها» . وكان ابن رزقويه يقول: «النجاد ابن صاعدنا» . قال الخطيب: «عنى بذلك أن النجاد في كثرة حديثه واتساع طرقه وأصناف فوائده لمن سمع منه كابن صاعد لأصحابه، إذ كل واحد من الرجلين كان واحد وقته» . وقال الخطيب: «كان صدوقًا عارفًا، صنف كتابًا كبيرًا في السنن، وكان له بجامع المنصور حلقة قبل الجمعة للفتوى، وحلقة