الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقول: قد علم الأستاذ أن التدليس ليس بجرح، وإنما يُذكر صاحبه به لِيُعرَف، فلا يُقضى على ما جاء عنه بالعنعنة أنه متصل ما لم يتبيَّن ذلك من وجه آخر. وقد صرَّح الوليد هنا بالسماع غاية التصريح، فلا مدخل للتدليس هنا البتة.
261 - هشام بن عُروة بن الزبير بن العوَّام:
تقدم ما يتعلق به في الفصل الثالث أوائل الكتاب
(1)
.
وقال الأستاذ في حاشية (ص 98) من «التأنيب» : «
…
على أن ما يؤخذ به هشام بعد رحيله إلى العراق أمور تتعلق بالضبط في التحقيق، وإلا فمالك أخرج عنه في «الموطأ» .
أقول: في «تهذيب التهذيب»
(2)
: «قال أبو الحسن بن القطان: تغيَّر قبل موته، ولم نَرَ له في ذلك سلفًا» . وقال الذهبي في «الميزان»
(3)
: «هشام بن عروة أحد الأعلام، حجة، إمام، لكن في الكبر تناقصَ حفظه ولم يختلط أبدًا
…
وتغيَّر الرجلُ تغيرًا قليلًا، ولم يبق حفظه كهو في حال الشباب فنسي بعض حفظه أو وهم
…
ولما قدم العراق في آخر عمره حدَّث بجملة كثيرة من العلم، في غضون ذلك يسيرُ أحاديث لم يجوِّدها. ومثل ذلك يقع لمالك ولشعبة ولوكيع ولكبار الثقات، فدع عنك الخبط، وذَرْ خَلْطَ الأئمة الثقات بالضعفاء والمختلطين، فهو شيخ الإسلام، ولكن أحسن الله عزاءنا فيك يا
(1)
(1/ 20 وما بعدها).
(2)
(11/ 51).
(3)
(5/ 426 - 427).
ابن القطان! ».
[1/ 503] أقول: أما النسيان، فلا يلزم منه خلل في الضبط؛ لأن غايته أنه كان أولًا يحفظ أحاديث، فحدَّث بها، ثم نسيها فلم يحدِّث بها.
وأما الوهم، فإذا كان يسيرًا يقع مثله لمالك وشعبة وكبار الثقات فلا يستحق أن يُسمى خللًا في الضبط، ولا ينبغي أن يسمى تغيرًا. غاية الأمر أنه رجع عن الكمال الفائق المعروف لمالك وشعبة وكبار الثقات. ولم يذكروا في ترجمته شيئًا نُسب فيه إلى الوهم إلا ما وقع له مرة في حديث أم زَرْع، والحديث في «الصحيحين»
(1)
وغيرهما عنه عن أبيه عن عائشة قالت: «جلس إحدى عشرة امرأة
…
» فساقت القصة بطولها وفيها ذكر أم زرع، وفي آخره:«قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنتُ لكِ كأبي زرع لأم زرع» .
وهذا السياق صحيح اتفاقًا، ولكن رواه هشام مرة أخرى، فرفع القصة كلَّها. وقد توبع على ذلك كما في «الفتح»
(2)
، ولكن الأول أرجح. واستدل بعضهم على رفع القصة كلِّها بأن المرفوع اتفاقًا وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«كنتُ لكِ كأبي زرع لأم زرع» مبنيّ على القصة فلا بد أن يكون صلى الله عليه وآله وسلم بدأ، فذكر القصة، ثم بنى عليها تلك الكلمة أو بدأ بتلك الكلمة، فسألته عائشة، فذكر القصة. وأجيب باحتمال أن تكون القصة كانت مما يحكيه العرب وكان صلى الله عليه وآله وسلم قد سمعهم يحكونها، وعلم أن عائشة قد سمعتها، فبنى عليها تلك الكلمة. وعلى كل
(1)
البخاري (5189)، ومسلم (2448).
(2)
(9/ 257 - 258).
حال، فهذا وهم يسير قد رجع عنه هشام.
بقي ما قيل: إن هشامًا كان يدلس، قال يعقوب بن سفيان:«ثقة ثبت لم يُنكر عليه شيء إلا بعدما صار إلى العراق، فإنه انبسط في الرواية عن أبيه، فأنكر ذلك عليه أهل بلده. والذي نرى أن هشامًا تسهَّل لأهل العراق، إنه كان لا يحدِّث عن أبيه إلَّا بما سمعه منه، فكأنَّ تسهُّله أنه أرسل عن أبيه عما كان يسمعه من غير أبيه عن أبيه» . وجاء عن ابن خراش ما يُفهم منه هذا المعنى، وقد تُفهم منه زيادة لا دليل عليها فلا تُقبل من ابن خراش. وعدَّه ابن حجر في الطبقة الأولى من المدلسين
(1)
، وهي طبقة من لم يوصف بذلك إلا نادرًا.
والتحقيق أنه لم يدلِّس قط، ولكن كان ربما يحدِّث بالحديث عن فلان عن أبيه، فيسمع الناس منه ذلك ويعرفونه، ثم ربما ذكر ذلك الحديث بلفظ «قال أبي» أو نحوه اتكالًا على [1/ 504] أنه قد سبق منه بيانُ أنه إنما سمعه من فلان عن أبيه، فيغتنم بعض الناس حكايته الثانية، فيروي ذاك الحديث عنه عن أبيه لما فيه من صورة العلوّ، مع الاتكال على أن الناس قد سمعوا روايته الأولى وحفظوها. وفي مقدمة «صحيح مسلم»
(2)
ما يصرِّح بأن هشامًا غير مدلِّس، وفيه أن غير المدلس قد يُرسل، وذكر لذلك أمثلةً منها حديث رواه جماعة عن هشام:«أخبرني أخي عثمان بن عروة عن عروة» . ورواه آخرون عن هشام عن أبيه. ومع هذا فإنما اتفق لهشام مثل ذلك نادرًا،