الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُسْقِطَاتُ الْجِزْيَة
مِنْ مُسْقِطَاتِ الْجِزْيَةِ الْإِسْلَام
(ابن زنجويه)، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ مَسْرُوقٍ بِالسِّلْسِلَةِ، فَحَدَّثَنِي أَنَّ رَجُلًا مِنَ الشُّعُوبِ (1) أَسْلَمَ، وَكَانَتْ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ ، فَأَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي أَسْلَمْتُ ، وَالْجِزْيَةُ تُؤْخَذُ مِنِّي، فَقَالَ: لَعَلَّكَ أَسْلَمْتَ مُتَعَوِّذًا (2) فَقَالَ: أَمَّا فِي الْإِسْلَامِ مَا يُعِيذُنِي؟ ، قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَكَتَبَ عُمَرُ: أَنْ لَا تُؤْخَذَ مِنْهُ الْجِزْيَةُ. (3)
(1) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الشُّعُوبُ: الْأَعَاجِمُ.
(2)
المتعوذ: المتحصن المستجير والمحتمي.
(3)
(الأموال لابن زنجويه) 184 ، (الأموال لأبي عبيد) 122 ، (عب) 10111 ، (هق) 16628 ، وحسنه الألباني في الإرواء: 1259
(خ م)، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (" أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَلَاةَ ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ (1)) (2)(وَيُؤْمِنُوا بِمَا جِئْتُ بِهِ)(3)(فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ)(4)(عَصَمُوا (5) مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ) (6)
(إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ (7)) (8)(وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ (9)) (10)(ثُمَّ قَرَأَ: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (11)} (12) ") (13)
(1) الْمُرَاد بِالصَّلَاةِ: الْمَفْرُوضُ مِنْهَا، لَا جِنْسُهَا، وَإِنْ صَدَقَ اِسْمُ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا ، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي هَذَا الْحَدِيث: إِنَّ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ عَمْدًا يُقْتَل ، ثُمَّ ذَكَرَ اِخْتِلَافَ الْمَذَاهِب فِي ذَلِكَ.
وَسُئِلَ الْكَرْمَانِيُّ هُنَا عَنْ حُكْمِ تَارِكِ الزَّكَاة، فَأَجَابَ بِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْغَايَة، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ فِي الْمُقَاتَلَة، أَمَّا فِي الْقَتْلِ فَلَا ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ مِنْ إِيتَاءِ الزَّكَاةِ يُمْكِنُ أَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ قَهْرًا، بِخِلَافِ الصَّلَاة، فَإِنْ اِنْتَهَى إِلَى نَصْبِ الْقِتَالِ لِيَمْنَعَ الزَّكَاة ، قُوتِلَ، وَبِهَذِهِ الصُّورَة قَاتَلَ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه مَانِعِي الزَّكَاة، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ قَتَلَ أَحَدًا مِنْهُمْ صَبْرًا.
وَعَلَى هَذَا فَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى قَتْلِ تَارِك الصَّلَاةِ نَظَر؛ لِلْفَرْقِ بَيْنَ صِيغَةِ أُقَاتِل ، وَأَقْتُل ، وَالله أَعْلَم.
وَقَدْ أَطْنَبَ اِبْنُ دَقِيق الْعِيدِ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ اِسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ إِبَاحَةِ الْمُقَاتَلَةِ إِبَاحَةُ الْقَتْل ، لِأَنَّ الْمُقَاتَلَةَ مُفَاعَلَةٌ تَسْتَلْزِمُ وُقُوعَ الْقِتَالِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلَا كَذَلِكَ الْقَتْل.
وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيّ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ الْقِتَالُ مِنْ الْقَتْل بِسَبِيلٍ، قَدْ يَحِلُّ قِتَالُ الرَّجُل ، وَلَا يَحِلُّ قَتْلُه.
وقَوْله: (حَتَّى يَشْهَدُوا) جُعِلَتْ غَايَةُ الْمُقَاتَلَةِ وُجُودَ مَا ذُكِرَ، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ مَنْ شَهِدَ وَأَقَامَ وَآتَى ، عُصِمَ دَمُه ، وَلَوْ جَحَدَ بَاقِيَ الْأَحْكَام.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالرِّسَالَةِ تَتَضَمَّنُ التَّصْدِيقَ بِمَا جَاءَ بِهِ، مَعَ أَنَّ نَصَّ الْحَدِيِث وَهُوَ قَوْله " إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَام " يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ ذَلِكَ
فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَمْ يَكْتَفِ بِهِ؟ ، وَنَصَّ عَلَى الصَّلَاة وَالزَّكَاة؟.
فَالْجَوَاب: أَنَّ ذَلِكَ لِعِظَمِهِمَا ، وَالِاهْتِمَام بِأَمْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا إِمَّا الْعِبَادَاتُ الْبَدَنِيَّة وَالْمَالِيَّة. (فتح - ح25)
(2)
(خ) 25 ، (م) 22
(3)
(م) 21
(4)
(خ) 25 ، (م) 22
(5)
أَيْ: مَنَعُوا. فتح الباري (ج 1 / ص 41)
(6)
(خ) 25 ، (م) 21
(7)
اِسْتَبْعَدَ قَوْمٌ صِحَّةَ هذا الْحَدِيث ، وقالوا: لَوْ كَانَ عِنْدَ اِبْنِ عُمَر ، لَمَا تَرَكَ أَبَاهُ يُنَازِعُ أَبَا بَكْرٍ فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاة، وَلَوْ كَانُوا يَعْرِفُونَهُ لَمَا كَانَ أَبُو بَكْرٍ يُقِرُّ عُمَرَ عَلَى الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله "، وَيَنْتَقِلُ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا النَّصِّ إِلَى الْقِيَاس ، إِذْ قَالَ:" لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْن الصَّلَاة وَالزَّكَاة؛ لِأَنَّهَا قَرِينَتهَا فِي كِتَاب الله ".
وَالْجَوَاب: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عِنْدَ اِبْنِ عُمَرَ أَنْ يَكُونَ اِسْتَحْضَرَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَة، وَلَوْ كَانَ مُسْتَحْضِرًا لَهُ ، فَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ حَضَرَ الْمُنَاظَرَةَ الْمَذْكُورَة، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَهُ لَهُمَا بَعْدُ، وَلَمْ يَسْتَدِلَّ أَبُو بَكْرٍ فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ بِالْقِيَاسِ فَقَطْ، بَلْ أَخَذَهُ أَيْضًا مِنْ قَوْله صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ " إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَام "، قَالَ أَبُو بَكْر:" وَالزَّكَاة حَقّ الْإِسْلَام ".
وَفِي الْقِصَّةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ قَدْ تَخْفَى عَلَى بَعْضِ أَكَابِرِ الصَّحَابَة ، وَيَطَّلِعُ عَلَيْهَا آحَادُهُمْ، وَلِهَذَا لَا يُلْتَفَتُ إِلَى الْآرَاءِ وَلَوْ قَوِيَتْ مَعَ وُجُودِ سُنَّةٍ تُخَالِفهَا، وَلَا يُقَال: كَيْفَ خَفِيَ هذَا عَلَى فُلَان؟ ، وَالله الْمُوَفِّق. (فتح - ح25)
(8)
(خ) 25
(9)
أَيْ: فِي أَمْرِ سَرَائِرهمْ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ ، وَالْحُكْمِ بِمَا يَقْتَضِيهِ الظَّاهِرُ.
وَالِاكْتِفَاءُ فِي قَبُولِ الْإِيمَانِ بِالِاعْتِقَادِ الْجَازِم ، خِلَافًا لِمَنْ أَوْجَبَ تَعَلُّم الْأَدِلَّة.
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَرْكُ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُقِرِّينَ بِالتَّوْحِيدِ ، الْمُلْتَزِمِينَ لِلشَّرَائِعِ، وَقَبُولِ تَوْبَةِ الْكَافِرِ مِنْ كُفْرِه، مِنْ غَيْر تَفْصِيلٍ بَيْن كُفْرٍ ظَاهِرٍ أَوْ بَاطِن
فَإِنْ قِيلَ: مُقْتَضَى الْحَدِيثِ قِتَالُ كُلِّ مَنْ اِمْتَنَعَ مِنْ التَّوْحِيد، فَكَيْفَ تُرِكَ قِتَالُ مُؤَدِّي الْجِزْيَة وَالْمُعَاهَد؟.
فَالْجَوَاب أَنَّ الحديث مِنْ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخَاصّ، فَيَكُون الْمُرَادُ بِالنَّاسِ فِي قَوْله " أُقَاتِل النَّاس " أَيْ: الْمُشْرِكِينَ مِنْ غَيْر أَهْل الْكِتَاب، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَة النَّسَائِيّ بِلَفْظِ " أُمِرْت أَنْ أُقَاتِل الْمُشْرِكِينَ ". (فتح - ح25)
(10)
(خ) 25 ، (م) 21
(11)
الْمُسَيْطِر: الْمُسَلَّط ، وَقِيلَ: الْجَبَّار. شرح النووي (ج 1 / ص 94)
(12)
[الغاشية/22]
(13)
(م) 21 ، (ت) 3341