الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَكْفِيرُ الذُّنُوبِ بِالْحَدّ
(هق)، عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أَصَابَ ذَنْبًا فَأُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ ذَلِكَ الذَّنْبِ ، فَهُوَ كَفَّارَتُهُ "(1)
وفي رواية: " أَيُّمَا عَبْدٍ أَصَابَ شَيْئًا مِمَّا نَهَى اللهُ عَنْهُ ، ثُمَّ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّهُ ، كَفَّرَ اللهُ عَنْهُ ذَلِكَ الذَّنْبَ "(2)
(1)(هق) 17372 ، (حم) 21915، (ك) 8167 ، (مسند ابن أبي شيبة) 22 ، وصححه الألباني في هداية الرواة: 3555 ، وصَحِيح الْجَامِع: 6039
(2)
(ك) 8167 ، (طب) ج4ص87ح3731 ، (قط) ج3ص214ح399 ، انظر صَحِيح الْجَامِع: 2732 ، الصَّحِيحَة: 1755
(خ م س حم حب)، وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ:(إِنِّي لَمِنْ النُّقَبَاءِ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم)(1)(فِي الْعَقَبَةِ الْأُولَى)(2)(وَكُنَّا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا ، فَبَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَيْعَةِ النِّسَاءِ ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُفْتَرَضَ الْحَرْبُ)(3) وفي رواية: (كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ:)(4)(" أَلَا تُبَايِعُونِي (5) عَلَى مَا بَايَعَ عَلَيْهِ النِّسَاءُ؟ ، أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا ، وَلَا تَسْرِقُوا ، وَلَا تَزْنُوا ، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ) (6) وفي رواية:(وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ)(7)(وَلَا تَأتُوا بِبُهْتَانٍ (8) تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ) (9) وَلَا يَعْضَهَ بَعْضُنَا بَعْضًا (10)(وَلَا نَنْتَهِبَ (11)) (12)(وَلَا تَعْصُونِي فِي مَعْرُوفٍ (13)) (14)(وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ كُلَّهَا)(15)({يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} (16)") (17) (قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ ، فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:) (18) (" فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ (19) فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه (20) فَإِنْ وَفَّيْتُمْ فَلَكُمْ الْجَنَّةُ (21) وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ) (22)(فِي الدُّنْيَا (23) فَهُوَ (24) كَفَّارَةٌ لَهُ وَطَهُور (25)) (26)(وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللهُ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ (27) إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ (28)") (29) وَ (بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْعَةَ الْحَرْبِ) (30) (فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا ، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا) (31) (وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ (32) إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ (33)) (34) وفي رواية: (اسْمَعْ وَأَطِعْ، فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ، وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ (35) وَإِنْ أَكَلُوا مَالَكَ، وَضَرَبُوا ظَهْرَكَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْصِيَةً) (36) (وَلَا تُنَازِعْ الْأَمْرَ أَهْلَهُ ، وَإِنْ رَأَيْتَ أَنَّ لَكَ (37)) (38) (وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا ، لَا نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ ") (39)
(1)(م) 44 - (1709) ، (حم) 22794
(2)
(حم) 22752 ، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن.
(3)
(حم) 22806 ، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن.
(4)
(خ) 6402 ، (م) 41 - (1709) ، (س) 4210 ، (حم) 22730
(5)
الْمُبَايَعَة عِبَارَة عَنْ الْمُعَاهَدَة، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَشْبِيهًا بِالْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّة ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى (إِنَّ الله اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّة). (فتح الباري) ح18
(6)
(س) 4162 ، (خ) 18 ، (م) 41 - (1709) ، (ت) 1439 ، (حم) 22720
(7)
(م) 41 - (1709) ، (خ) 3680
(8)
الْبُهْتَان: الْكَذِب يَبْهَت سَامِعَه، وَخَصَّ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُل بِالِافْتِرَاءِ لِأَنَّ مُعْظَم الْأَفْعَال تَقَع بِهِمَا، إِذْ كَانَتْ هِيَ الْعَوَامِل وَالْحَوَامِل لِلْمُبَاشَرَةِ وَالسَّعْي، وَكَذَا يُسَمُّونَ الصَّنَائِع الْأَيَادِي ، وَقَدْ يُعَاقَب الرَّجُل بِجِنَايَةٍ قَوْلِيَّة فَيُقَال: هَذَا بِمَا كَسَبَتْ يَدَاك.
وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون قَوْله " بَيْن أَيْدِيكُمْ " أَيْ: فِي الْحَال، وَقَوْله " وَأَرْجُلكُمْ " أَيْ: فِي الْمُسْتَقْبَل؛ لِأَنَّ السَّعْي مِنْ أَفْعَال الْأَرْجُل وَقَيل: أَصْل هَذَا كَانَ فِي بَيْعَة النِّسَاء، وَكَنَّى بِذَلِكَ عَنْ نِسْبَة الْمَرْأَة الْوَلَد الَّذِي تَزْنِي بِهِ أَوْ تَلْتَقِطهُ إِلَى زَوْجهَا ، ثُمَّ لَمَّا اِسْتَعْمَلَ هَذَا اللَّفْظ فِي بَيْعَة الرِّجَال اُحْتِيجَ إِلَى حَمْله عَلَى غَيْر مَا وَرَدَ فِيهِ أَوَّلًا. وَالله أَعْلَم. (فتح الباري) ح18
(9)
(خ) 18 ، (ت) 1439 ، (س) 4162
(10)
(م) 43 - (1709) ، (حم) 22784
العَضْهُ: النميمة والإفساد بين الناس.
(11)
قوله " وَلَا ننْتَهِب " مِمَّا يُتَمَسَّك بِهِ فِي أَنَّ الْبَيْعَة مُتَأَخِّرَة؛ لِأَنَّ الْجِهَاد عِنْد بَيْعَة الْعَقَبَة لَمْ يَكُنْ فُرِضَ، وَالْمُرَاد بِالِانْتِهَابِ: مَا يَقَع بَعْد الْقِتَال فِي الْغَنَائِم. (فتح الباري) ح18
(12)
(خ) 3680 ، (م) 44 - (1709)
(13)
الْمَعْرُوف: مَا عُرِفَ مِنْ الشَّارِع حُسْنه نَهْيًا وَأَمْرًا.
قَالَ النَّوَوِيّ: يُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْمَعْنَى: وَلَا تَعْصُونِي وَلَا أَحَد أُولِي الْأَمْر عَلَيْكُمْ فِي الْمَعْرُوف، فَيَكُون التَّقْيِيد بِالْمَعْرُوفِ مُتَعَلِّقًا بِشَيْءٍ بَعْده. وَقَالَ غَيْره: نَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ طَاعَة الْمَخْلُوق إِنَّمَا تَجِب فِيمَا كَانَ غَيْر مَعْصِيَة للهِ، فَهِيَ جَدِيرَة بِالتَّوَقِّي فِي مَعْصِيَة الله. (فتح الباري) ح18
(14)
(خ) 7030 ، (م) 43 - (1709) ، (س) 4161 ، (حم) 22720
(15)
(خ) 6402 ، (م) 42 - (1709) ، (س) 4210 ، (حم) 22730
(16)
[الممتحنة: 12]
(17)
(م) 42 - (1709) ، (حم) 22730
(18)
(س) 4162 ، (خ) 18
(19)
أَيْ: ثَبَتَ عَلَى الْعَهْد. (فتح الباري) ح18
(20)
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ اِقْتَصَرَ عَلَى الْمَنْهِيَّات وَلَمْ يَذْكُر الْمَأمُورَات؟ ، فَالْجَوَاب أَنَّهُ لَمْ يُهْمِلهَا، بَلْ ذَكَرَهَا عَلَى طَرِيق الْإِجْمَال فِي قَوْله " وَلَا تَعْصُوا " ، إِذْ الْعِصْيَان مُخَالَفَة الْأَمْر، وَالْحِكْمَة فِي التَّنْصِيص عَلَى كَثِير مِنْ الْمَنْهِيَّات دُون الْمَأمُورَات أَنَّ الْكَفّ أَيْسَر مِنْ إِنْشَاء الْفِعْل؛ لِأَنَّ اِجْتِنَاب الْمَفَاسِد مُقَدَّم عَلَى اِجْتِلَاب الْمَصَالِح، وَالتَّخَلِّي عَنْ الرَّذَائِل قَبْل التَّحَلِّي بِالْفَضَائِلِ. (فتح الباري) ح18
(21)
(حم) 22806 ، (خ) 3680 ، (م) 44 - (1709)، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن.
(22)
(خ) 6402 ، (م) 43 - (1709) ، (ت) 1439 ، (س) 4161
(23)
قَالَ اِبْن التِّين: يُرِيد بِهِ الْقَطْع فِي السَّرِقَة وَالْجَلْد أَوْ الرَّجْم فِي الزِّنَا ، وَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي إِسْمَاعِيل وَغَيْره أَنَّ قَتْل الْقَاتِل إِنَّمَا هُوَ رَادِع لِغَيْرِهِ، وَأَمَّا فِي الْآخِرَة فَالطَّلَب لِلْمَقْتُولِ قَائِم؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ حَقّ. قُلْت: بَلْ وَصَلَ إِلَيْهِ حَقّ أَيُّ حَقّ، فَإِنَّ الْمَقْتُول ظُلْمًا تُكَفَّر عَنْهُ ذُنُوبه بِالْقَتْلِ، كَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَر الَّذِي صَحَّحَهُ اِبْن حِبَّانَ وَغَيْره " إِنَّ السَّيْف مَحَّاء لِلْخَطَايَا "، فَلَوْلَا الْقَتْل مَا كُفِّرَتْ ذُنُوبه، وَأَيّ حَقّ يَصِل إِلَيْهِ أَعْظَم مِنْ هَذَا؟ ، وَلَوْ كَانَ حَدّ الْقَتْل إِنَّمَا شُرِعَ لِلرَّدْعِ فَقَطْ لَمْ يُشْرَع الْعَفْو عَنْ الْقَاتِل.
وَهَلْ تَدْخُل فِي الْعُقُوبَة الْمَذْكُورَة الْمَصَائِب الدُّنْيَوِيَّة مِنْ الْآلَام وَالْأَسْقَام وَغَيْرهَا؟ ، فِيهِ نَظَر. وَيَدُلّ لِلْمَنْعِ قَوْله " وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ الله " فَإِنَّ هَذِهِ الْمَصَائِب لَا تُنَافِي السَّتْر، وَلَكِنْ بَيَّنَتْ الْأَحَادِيث الْكَثِيرَة أَنَّ الْمَصَائِب تُكَفِّر الذُّنُوب، فَيُحْتَمَل أَنْ يُرَاد أَنَّهَا تُكَفِّر مَا لَا حَدَّ فِيهِ. وَالله أَعْلَم. (فتح الباري) ح18
(24)
أَيْ: الْعِقَاب. (فتح الباري) ح18
(25)
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: ذَهَبَ أَكْثَر الْعُلَمَاء أَنَّ الْحُدُود كَفَّارَات ، وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيث، وَمِنْهُمْ مَنْ وَقَفَ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ النَّبِيّ ? قَالَ " لَا أَدْرِي الْحُدُود كَفَّارَة لِأَهْلِهَا أَمْ لَا "، وَيُمْكِن - عَلَى طَرِيق الْجَمْع بَيْنهمَا - أَنْ يَكُون حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَرَدَ أَوَّلًا قَبْل أَنْ يُعْلِمهُ الله، ثُمَّ أَعْلَمَهُ بَعْد ذَلِكَ. لَكِنَّ الْقَاضِي عِيَاض وَمَنْ تَبِعَهُ جَازِمُونَ بِأَنَّ حَدِيث عُبَادَةَ هَذَا كَانَ بِمَكَّة لَيْلَة الْعَقَبَة لَمَّا بَايَعَ الْأَنْصَار رَسُول الله ? الْبَيْعَة الْأُولَى بِمِنًى، وَأَبُو هُرَيْرَة إِنَّمَا أَسْلَمَ بَعْد ذَلِكَ بِسَبْعِ سِنِينَ عَام خَيْبَر، فَكَيْفَ يَكُون حَدِيثه مُتَقَدِّمًا؟ ، وَقَالُوا فِي الْجَوَاب عَنْهُ: يُمْكِن أَنْ يَكُون أَبُو هُرَيْرَة مَا سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيّ ?، وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ صَحَابِيّ آخَر كَانَ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيّ ? قَدِيمًا وَلَمْ يَسْمَع مِنْ النَّبِيّ ? بَعْد ذَلِكَ أَنَّ الْحُدُود كَفَّارَة كَمَا سَمِعَهُ عُبَادَةَ، وَفِي هَذَا تَعَسُّف ، وَيُبْطِلهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة صَرَّحَ بِسَمَاعِهِ، وَأَنَّ الْحُدُود لَمْ تَكُنْ نَزَلَتْ إِذْ ذَاكَ.
وَالْحَقّ عِنْدِي أَنَّ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة صَحِيح ، وَتَقَدَّمَ عَلَى حَدِيث عُبَادَةَ، وَالْمُبَايَعَة الْمَذْكُورَة فِي حَدِيث عُبَادَةَ عَلَى الصِّفَة الْمَذْكُورَة لَمْ تَقَع لَيْلَة الْعَقَبَة، وَإِنَّمَا كَانَ لَيْلَة الْعَقَبَة مَا ذَكَرَ اِبْن إِسْحَاق وَغَيْره مِنْ أَهْل الْمَغَازِي أَنَّ النَّبِيّ ? قَالَ لِمَنْ حَضَرَ مِنْ الْأَنْصَار " أُبَايِعكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ " ، فَبَايَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَى أَنْ يَرْحَل إِلَيْهِمْ هُوَ وَأَصْحَابه. ثُمَّ صَدَرَتْ مُبَايَعَات أُخْرَى ، مِنْهَا هَذِهِ الْبَيْعَة فِي حَدِيث الْبَاب فِي الزَّجْر عَنْ الْفَوَاحِش الْمَذْكُورَة. وَاَلَّذِي يُقَوِّي أَنَّهَا وَقَعَتْ بَعْد فَتْح مَكَّة بَعْد أَنْ نَزَلَتْ الْآيَة الَّتِي فِي الْمُمْتَحِنَة ، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى (يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِذَا جَاءَك الْمُؤْمِنَات يُبَايِعْنَك) وَنُزُول هَذِهِ الْآيَة مُتَأَخِّر بَعْد قِصَّة الْحُدَيْبِيَة بِلَا خِلَاف، وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ مَا عِنْد الْبُخَارِيّ فِي حَدِيث عُبَادَةَ هَذَا أَنَّ النَّبِيّ ? لَمَّا بَايَعَهُمْ قَرَأَ الْآيَة كُلّهَا، وَعِنْده فِي تَفْسِير الْمُمْتَحِنَة مِنْ هَذَا الْوَجْه قَالَ:" قَرَأَ آيَة النِّسَاء " وَلِمُسْلِمٍ: " فَتَلَا عَلَيْنَا آيَة النِّسَاء ، قَالَ: أَنْ لَا تُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا " ، فَهَذِهِ أَدِلَّة ظَاهِرَة فِي أَنَّ هَذِهِ الْبَيْعَة إِنَّمَا صَدَرَتْ بَعْد نُزُول الْآيَة، بَلْ بَعْد صُدُور الْبَيْعَة، بَلْ بَعْد فَتْح مَكَّة، وَذَلِكَ بَعْد إِسْلَام أَبِي هُرَيْرَة بِمُدَّةٍ. وَإِنَّمَا حَصَلَ الِالْتِبَاس مِنْ جِهَة أَنَّ عُبَادَةَ بْن الصَّامِت حَضَرَ الْبَيْعَتَيْنِ مَعًا، وَكَانَتْ بَيْعَة الْعَقَبَة مِنْ أَجَلّ مَا يُتَمَدَّح بِهِ، فَكَانَ يَذْكُرهَا إِذَا حَدَّثَ تَنْوِيهًا بِسَابِقِيَّتِهِ، فَلَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْبَيْعَة الَّتِي صَدَرَتْ عَلَى مِثْل بَيْعَة النِّسَاء عَقِبَ ذَلِكَ تَوَهَّمَ مَنْ لَمْ يَقِف عَلَى حَقِيقَة الْحَال أَنَّ الْبَيْعَة الْأُولَى وَقَعَتْ عَلَى ذَلِكَ. وَعَلَيْك بِرَدِّ مَا أَتَى مِنْ الرِّوَايَات مُوهِمًا بِأَنَّ هَذِهِ الْبَيْعَة كَانَتْ لَيْلَة الْعَقَبَة إِلَى هَذَا التَّأوِيل الَّذِي نَهَجْت إِلَيْهِ فَيَرْتَفِع بِذَلِكَ الْإِشْكَال، وَلَا يَبْقَى بَيْن حَدِيثَيْ أَبِي هُرَيْرَة وَعُبَادَةَ تَعَارُض، وَلَا وَجْه بَعْد ذَلِكَ لِلتَّوَقُّفِ فِي كَوْن الْحُدُود كَفَّارَة.
وَيُسْتَفَاد مِنْ الْحَدِيث أَنَّ إِقَامَة الْحَدّ كَفَّارَة لِلذَّنْبِ وَلَوْ لَمْ يَتُبْ الْمَحْدُود، وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُور. وَقِيلَ لَا بُدّ مِنْ التَّوْبَة، وَبِذَلِكَ جَزَمَ بَعْض التَّابِعِينَ، وَهُوَ قَوْل لِلْمُعْتَزِلَةِ، وَوَافَقَهُمْ اِبْن حَزْم وَمِنْ الْمُفَسِّرِينَ الْبَغَوِيّ وَطَائِفَة يَسِيرَة، وَاسْتَدَلُّوا بِاسْتِثْنَاءِ مَنْ تَابَ فِي قَوْله تَعَالَى (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) وَالْجَوَاب فِي ذَلِكَ أَنَّهُ فِي عُقُوبَة الدُّنْيَا، وَلِذَلِكَ قُيِّدَتْ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. (فتح الباري) ح18
(26)
(خ) 6416 ، (م) 43 - (1709) ، (س) 4178 ، (حم) 22785
(27)
قَالَ الْمَازِنِيّ: فِيهِ رَدّ عَلَى الْخَوَارِج الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ بِالذُّنُوبِ، وَرَدٌّ عَلَى الْمُعْتَزِلَة الَّذِينَ يُوجِبُونَ تَعْذِيب الْفَاسِق إِذَا مَاتَ بِلَا تَوْبَة؛ لِأَنَّ النَّبِيّ ? أَخْبَرَ بِأَنَّهُ تَحْت الْمَشِيئَة، وَلَمْ يَقُلْ:(لَا بُدّ أَنْ يُعَذَّبَ).
وَقَالَ الطِّيبِيّ: فِيهِ إِشَارَة إِلَى الْكَفّ عَنْ الشَّهَادَة بِالنَّارِ عَلَى أَحَد أَوْ بِالْجَنَّةِ لِأَحَدٍ إِلَّا مَنْ وَرَدَ النَّصّ فِيهِ بِعَيْنِهِ.
قُلْت: أَمَّا الشِّقّ الْأَوَّل فَوَاضِح ، وَأَمَّا الثَّانِي فَالْإِشَارَة إِلَيْهِ إِنَّمَا تُسْتَفَاد مِنْ الْحَمْل عَلَى غَيْر ظَاهِر الْحَدِيث وَهُوَ مُتَعَيَّن. (فتح الباري) ح18
(28)
يَشْمَل مَنْ تَابَ مِنْ ذَلِكَ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ، وَقَالَ بِذَلِكَ طَائِفَة، وَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى أَنَّ مَنْ تَابَ لَا يَبْقَى عَلَيْهِ مُؤَاخَذَة، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَأمَن مَكْر الله ، لِأَنَّهُ لَا اِطِّلَاع لَهُ هَلْ قُبِلَتْ تَوْبَته أَوْ لَا. وَقِيلَ: يُفَرَّق بَيْن مَا يَجِب فِيهِ الْحَدّ وَمَا لَا يَجِب، وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ أَتَى مَا يُوجِب الْحَدّ، فَقِيلَ: يَجُوز أَنْ يَتُوب سِرًّا وَيَكْفِيه ذَلِكَ. وَقِيلَ: بَلْ الْأَفْضَل أَنْ يَأتِي الْإِمَامَ وَيَعْتَرِف بِهِ وَيَسْأَلهُ أَنْ يُقِيم عَلَيْهِ الْحَدّ كَمَا وَقَعَ لِمَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ. وَفَصَلَ بَعْض الْعُلَمَاء بَيْن أَنْ يَكُون مُعْلِنًا بِالْفُجُورِ فَيُسْتَحَبّ أَنْ يُعْلِنَ بِتَوْبَتِهِ ، وَإِلَّا فَلَا. (فتح الباري) ح18
(29)
(خ) 3679 ، (م) 41 - (1709) ، (ت) 1439 ، (س) 4161
(30)
(حم) 22752
(31)
(م) 42 - (1709) ، (خ) 6647 ، (س) 4149 ، (جة) 2866
(32)
أَيْ: الْمُلْك وَالْإِمَارَة. فتح الباري (ج 20 / ص 59)
(33)
أَيْ: نَصّ آيَة أَوْ خَبَر صَحِيح لَا يَحْتَمِل التَّأوِيل، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوز الْخُرُوج عَلَيْهِمْ مَا دَامَ فِعْلهمْ يَحْتَمِل التَّأوِيل، قَالَ النَّوَوِيّ: الْمُرَاد بِالْكُفْرِ هُنَا الْمَعْصِيَة، وَمَعْنَى الْحَدِيث: لَا تُنَازِعُوا وُلَاة الْأُمُور فِي وِلَايَتهمْ وَلَا تَعْتَرِضُوا عَلَيْهِمْ إِلَّا أَنْ تَرَوْا مِنْهُمْ مُنْكَرًا مُحَقَّقًا تَعْلَمُونَهُ مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام؛ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَأَنْكِرُوا عَلَيْهِمْ وَقُولُوا بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنْتُمْ وَقَالَ غَيْره: الْمُرَاد بِالْإِثْمِ هُنَا الْمَعْصِيَة وَالْكُفْر، فَلَا يُعْتَرَض عَلَى السُّلْطَان إِلَّا إِذَا وَقَعَ فِي الْكُفْر الظَّاهِر، وَاَلَّذِي يَظْهَر حَمْل رِوَايَة الْكُفْر عَلَى مَا إِذَا كَانَتْ الْمُنَازَعَة فِي الْوِلَايَة ، فَلَا يُنَازِعهُ بِمَا يَقْدَح فِي الْوِلَايَة إِلَّا إِذَا اِرْتَكَبَ الْكُفْر، وَحَمْل رِوَايَة الْمَعْصِيَة عَلَى مَا إِذَا كَانَتْ الْمُنَازَعَة فِيمَا عَدَا الْوِلَايَة، فَإِذَا لَمْ يَقْدَح فِي الْوِلَايَة نَازَعَهُ فِي الْمَعْصِيَة بِأَنْ يُنْكِر عَلَيْهِ بِرِفْقٍ ، وَيَتَوَصَّل إِلَى تَثْبِيت الْحَقّ لَهُ بِغَيْرِ عُنْف، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ قَادِرًا وَالله أَعْلَم. وَنَقَلَ اِبْن التِّين عَنْ الدَّاوُدِيِّ قَالَ: الَّذِي عَلَيْهِ الْعُلَمَاء فِي أُمَرَاء الْجَوْر أَنَّهُ إِنْ قَدَرَ عَلَى خَلْعه بِغَيْرِ فِتْنَة وَلَا ظُلْم وَجَبَ ، وَإِلَّا فَالْوَاجِب الصَّبْر ، وَعَنْ بَعْضهمْ لَا يَجُوز عَقْد الْوِلَايَة لِفَاسِقٍ اِبْتِدَاء، فَإِنْ أَحْدَثَ جَوْرًا بَعْدَ أَنْ كَانَ عَدْلًا فَاخْتَلَفُوا فِي جَوَاز الْخُرُوج عَلَيْهِ، وَالصَّحِيح الْمَنْع ، إِلَّا أَنْ يَكْفُر فَيُجِبْ الْخُرُوج عَلَيْهِ. فتح الباري (ج 20 / ص 59)
(34)
(خ) 6647 ، (م) 42 - (1709) ، (حم) 22731
(35)
الأثرة والاستئثار: الانفراد بالشيء دون الآخرين.
(36)
(حب) 4562 ، (حم) 22789 ، وصححها الألباني في ظلال الجنة: 1026، صحيح موارد الظمآن: 1284 ، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن.
(37)
أَيْ: وَإِنْ اِعْتَقَدْت أَنَّ لَك فِي الْأَمْر حَقًّا فَلَا تَعْمَل بِذَلِكَ الظَّنّ ، بَلْ اِسْمَعْ وَأَطِعْ إِلَى أَنْ يَصِل إِلَيْك بِغَيْرِ خُرُوج عَنْ الطَّاعَة. فتح الباري (ج 20 / ص 59)
(38)
(حم) 22787 ، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.
(39)
(م) 41 - (1709) ، (خ) 6774 ، (س) 4149 ، (حم) 15691
(م ت)، وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَتْ امْرَأَةٌ مِنْ جُهَيْنَةَ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ حُبْلَى مِنْ الزِّنَى ، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ ، أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ ، " فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلِيَّهَا فَقَالَ: أَحْسِنْ إِلَيْهَا ، فَإِذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا فَأتِنِي بِهَا " ، فَفَعَلَ ، " فَأَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَشُكَّتْ فَشُدَّتْ (1) عَلَيْهَا ثِيَابُهَا ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا " فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: تُصَلِّي عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللهِ وَقَدْ زَنَتْ؟ ، فَقَالَ:" لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ ، وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا للهِ تَعَالَى؟ "(2)
(1)(ت) 1435
(2)
(م) 24 - (1696) ، (ت) 1435 ، (س) 1957 ، (د) 4440 ، (حم) 19874
(د حم)، وَعَنْ اللَّجْلَاجِ رضي الله عنه قَالَ:(بَيْنَمَا نَحْنُ فِي السُّوقِ إِذْ مَرَّتْ امْرَأَةٌ تَحْمِلُ صَبِيًّا ، فَثَارَ النَّاسُ وَثُرْتُ مَعَهُمْ ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ لَهَا: " مَنْ أَبُو هَذَا مَعَكِ؟ " ، فَسَكَتَتْ)(1)(فَقَالَ شَابٌّ بِحِذَائِهَا: أَنَا أَبُوهُ يَا رَسُولَ اللهِ ، " فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا فَقَالَ: مَنْ أَبُو هَذَا مَعَكِ؟ " ، فَقَالَ الْفَتَى: أَنَا أَبُوهُ يَا رَسُولَ اللهِ ، " فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَعْضِ مَنْ حَوْلَهُ يَسْأَلُهُمْ عَنْهُ " ، فَقَالُوا: مَا عَلِمْنَا إِلَّا خَيْرًا ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " أَحْصَنْتَ؟ " ، قَالَ: نَعَمْ ، " فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ " ، قَالَ: فَخَرَجْنَا بِهِ فَحَفَرْنَا لَهُ حَتَّى أَمْكَنَّا ، ثُمَّ رَمَيْنَاهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى هَدَأَ ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ عَنْ الْمَرْجُومِ ، فَانْطَلَقْنَا بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقُلْنَا: هَذَا جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ الْخَبِيثِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " لَهُوَ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ " ، فَإِذَا هُوَ أَبُوهُ ، فَأَعَنَّاهُ عَلَى غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَدَفْنِهِ ، وَمَا أَدْرِي قَالَ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَمْ لَا)(2).
(1)(حم) 15976 ، (د) 4435، وقال الألباني: حسن الإسناد ، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف.
(2)
(د) 4435، (حم) 15976 ، (ن) 7147 ، (هق) 16731