الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتبين مما سبق أن الواجب هو الإيمان بجميع الكتب السماوية، وأن كل رسالة مصدقة ومكملة ومتممة لما قبلها، وناسخة لما فيها من الأحكام، وأن القرآن الكريم هو الناسخ والمهيمن على جميع الكتب السابقة، وأنه آخر كتاب سماوي فيه النور الإلهي الموحى به من رب العالمين.
المطلب الرابع: الآيات الواردة في التحذير من الكفر بآيات الله:
الفرع الأول: آيات الخطاب القرآني التي تحذر أهل الكتاب من الكفر بآيات الله، وأقوال المفسرين فيها:
تبين مما سبق أن الله أوجب على أهل الكتاب الإيمان بالقرآن الكريم خصوصاً، وبغيره من الكتب السماوية السابقة عموماً قبل أن تحرف، ووعد الله من آمن بكتبه وعمل بما فيها من الأوامر بالحياة الطيبة في الدنيا والآخرة، ولكنه وفي المقابل توعد من كفر بكتبه، وخصوصاً القرآن الكريم، أو آمن وصدق ببعض ما في الكتاب وكفر ببعضه، واتبع هواه في ذلك بطمس وجوههم، ولعنهم كأصحاب السبت، وإحباط أعمالهم في الدنيا، وأنه أعد لهم العذاب الأليم في الآخرة، وهذه بعض آيات الخطاب القرآني التي حذر الله فيها أهل الكتاب من الكفر بآيات الله.
1 -
قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} (1).
أما آيات الله التي حذر الله أهل الكتاب من الكفر بها وجحودها فهي معجزات القرآن الكريم، والرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك واضح من خلال السياق القرآني في أكثر الآيات، ومن خلال كلام المفسرين، وما استدلوا به على ذلك من الكتب السابقة، وسنذكر هنا ما قاله أهل التفسير حول هذه الآيات، فالمقصود هنا (بآيات الله) أي: القرآن الكريم، كما قرره أكثر المفسرين كالبغوي (2)
(1) سورة آل عمران الآية: (70).
(2)
انظر: معالم التنزيل للبغوي، (1/ 215) المؤلف: أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي، الناشر: دار ابن حزم، الطبعة الأولى، عام (1423 هـ 2002 م).
والسمرقندي (1)، والواحدي بقوله:" (بآيات الله) بالقرآن (وأنتم تشهدون) بما يدل على صحته من كتابكم لأن فيه نعت محمد صلى الله عليه وسلم "(2).
2 -
قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ} (3).
قال ابن الجوزي عند تفسير هذه الآية: "فأما آيات الله فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال هي: القرآن، ومحمد صلى الله عليه وسلم "(4).
وقال سيد طنطاوي: " قل يا محمد لهؤلاء اليهود الذين كفروا بالحق بعد أن جاءتهم البينات! لِمَ تعاندون الحق وتكفرون بآيات الله السمعية والعقلية الدالة على صدقي فيما أبلغه عن ربى، والحال أن الله مطلع عليكم وعالم علم المعاين المشاهد أعمالكم الظاهرة والخفية، وسيجازيكم عليها بما تستحقونه من عقاب أليم فالآية الكريمة قد تضمنت تأنيبهم على الكفر، وتهديدهم بالعقاب إذا استمروا فى مسالكهم الأثيمة، ولكي يكون التأنيب أوجع، أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يناديهم بقوله: (يا أهل الكتاب)؛ لأن علمهم بالكتاب يستلزم منهم الإيمان، والإذعان للحق، ولكنهم اتخذوا علمهم وسيلة للشرور والتضليل فكان مسلكهم هذا دليلاً على فساد فطرتهم، وخبث طويتهم، وسوء طباعهم"(5).
3 -
(1) انظر: تفسير بحر العلوم للسمرقندي (1/ 276)، المؤلف: أبي الليث نصر ابن محمد بن احمد بن إبراهيم السمرقندي، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت لبنان، الطبعة الأولى عام (1413 هـ 1993 م) تحقيق الشيخ على محمد معوض، والشيخ عادل عبد الموجود، والدكتور زكريا النوتي.
(2)
انظر: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (1/ 217) مرجع سابق، تفسير الجلالين (1/ 76) ، تفسير السمرقندي (1/ 247) مرجع سابق.
(3)
سورة آل عمران الآية: (98).
(4)
انظر: زاد المسير (1/ 429) مرجع سابق.
(5)
انظر: الوسيط لسيد طنطاوي (1/ 683) مرجع سابق.
(6)
سورة البقرة الآية: (85).
قال ابن عاشور: وهذا استفهام إنكاري توبيخي
…
وللإنذار بأن تعمد المخالفة للكتاب قد تفضي بصاحبها إلى الكفر به، وإنما وقع (تؤمنون) في حيز الإنكار تنبيهاً على أن الجمع بين الأمرين عجيب، وهو مؤذن بأنهم كادوا أن يجحدوا تحريم إخراجهم أو لعلهم جحدوا ذلك، وجحد ما هو قطعي من الدين مروق من الدين" (1).
4 قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} (3) ، وهذه الآية تحذر من يكفر بآيات الله، ويصر على كفره بها والتكذيب لها، بقوله تعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (4)، وتوعدهم الله بالعذاب المهين قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً 150 أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا} (5).
وكل هذه الآيات تبين لنا موقف أهل الكتاب من آيات الله، وتبين أن اليهود يزعمون أنهم يؤمنون بالتوراة، ويكفرون بالقرآن والإنجيل وغيره من الكتب، مع أنهم يعلمون أن عيسى عليه السلام أرسله الله بالإنجيل مصدقاً ومكملاً للتوراة الربانية التي لم تحرف، وأنها ناسخة لبعض ما حرم عليهم، وأن القرآن الكريم متمم لكل ماسبق بقوله تعالى:{وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ .. } (6).
(1) انظر: التحرير والتنوير (1/ 446) مرجع سابق.
(2)
سورة البقرة الآية: (91).
(3)
سورة آل عمران الآية: (21 - 22).
(4)
سورة المائدة الآية: (86).
(5)
سورة النساء الآية: (150 - 151).
(6)
سورة آل عمران: الآية: (50)