الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثاني: دعوة أهل الكتاب في عصرنا الحاضر إلى الإسلام، وذلك أن دينهم قد حرف وبدل ودخله الغلو والمبالغة، والإفراط والتفريط، ولا يمكنهم التخلص من ذلك إلا بالدخول في الإسلام الذي جاء بالدين الوسط الكامل، والإيمان بالقرآن المصدق لما سبقه من الكتب والمهيمن عليها.
الثالث: تنبيه المسلمين ألا يقعوا فيما وقع فيه أهل الكتاب قديماً من الغلو الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وإياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين} (1).
وعن أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم؛ إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله} (2).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {هلك المتنطعون قالها ثلاثا} (3).
و(المتنطعون) أي: المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم (4).
الفرع الرابع: مفاسد الغلو في الدين قديماً وحديثاً
.
إن الغلو مذموم في الشرع، ولا شك أن ذلك دليل على احتوائه على مفاسد تعود على الغالي والمغلو فيه في الدين والدنيا، وقد بيَّن العلماء بعض تلك المفاسد أخذاً من النصوص الشرعية المتعلقة بالخطاب القرآني في النهي عن الغلو، وأخذاً مما وقع فيه أهل الكتاب جراء الغلو، فمن ذلك:
1 -
أنه تنزيل للمغلو فيه فوق منزلته إن كان مدحاً، ودونها إن كان قدحاً.
2 -
أنه يؤدي إلى عبادة هذا المغلو فيه كما هو الواقع من أهل الكتاب.
(1) أخرجه أحمد بن حنبل في المسند، (1/ 215) برقم:(1851)، المؤلف: أبي عبدالله أحمد بن حنبل الشيباني، الناشر: مؤسسة قرطبة - القاهرة مصر، الأحاديث مذيلة بأحكام شعيب الأرنؤوط عليها، وإسناده صحيح على شرط مسلم رجاله ثقات رجال الشيخين غير زياد بن الحصين فمن رجال مسلم.
(2)
أخرجه البخاري، باب قوله تعالى:{وَاذْكُرْ في الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذْ انْتَبَذَتْ من أهْلِهَا} (3/ 1271) برقم: (3261) مرجع سابق.
(3)
أخرجه مسلم، باب قوله: هلك المتنطعون (4/ 2055) برقم: (2670) مرجع سابق.
(4)
انظر: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، (16/ 220) المؤلف: أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الطبعة الثانية، 1392 هـ.
3 -
أنه يصد عن تعظيم الله سبحانه وتعالى؛ لأن النفس إما أن تنشغل بالباطل أو بالحق، فإذا انشغلت بالغلو بهذا المخلوق وإطرائه وتعظيمه تعلقت به ونسيت ما يجب لله تعالى من حقوق.
4 -
أن المغلو فيه إن كان موجوداً؛ فإنه قد يزهو بنفسه ويتعاظم ويعجب بها، وهذه مفسدة تفسد المغلو فيه إن كانت مدحاً، وتوجب العداوة والبغضاء وقيام الحروب والبلاء بين هذا وهذا إن كانت قدحاً (1).
وقد حصل مثل هذا الغلو بين كثير من الطوائف النصرانية في العصور الوسطى (2).
وهذه المفاسد كلها وأكثر منها قد وقع فيها أهل الكتاب قديماً؛ فالنصارى أنزلوا المسيح ابن مريم وأمه عليهما السلام فوق منزلتهما، وغالوا فيهما حتى عبدوهما واتخذوهما آلهين مع الله تعالى، وكذلك فعل اليهود في عزير عليه السلام ، ثم غالوا في اتباع أحبارهم ورهبانهم فاتخذوهم أرباباً من دون الله، هذا في الغلو من جهة المدح.
أما من جهة الذم فإنهم قتلوا أنبياء الله وأهانوهم وصلبوهم، وكذبوا برسالاتهم وكتبهم، وكفروا بهم واستهزؤوا بهم كما هو ثابت في القرآن العظيم.
وقد نبه العلماء رحمهم الله على ذلك قديماً؛ قال الزمخشري رحمه الله: في تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَن سَوَاء السَّبِيلِ} (3).
قال الزمخشري: "الغلو في الدين غلوان: غلو حق: وهو أن يفحص عن حقائقه، ويفتش عن أباعد معانيه، ويجتهد في تحصيل حججه، كما يفعل المتكلمون من أهل العدل والتوحيد رضوان الله عليهم.
(1) انظر: القول المفيد على كتاب التوحيد (ص: 365)، المؤلف: العلامة محمد بن صالح العثيمين، الناشر: دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة: الثانية، محرم 1424 هـ.
(2)
وقد زاد غلوهم في العصور الأوربية الوسطى بادعائهم الحق الإلهي في الحكم وملكيتهم لصكوك الغفران ومعاداة العلم والعلماء، مما ترتب عليه ظهور حركات التمرد، وإحياء المذاهب المادية القديمة، وإعلاء سلطة العقل. انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة (2/ 1101) مرجع سابق.
(3)
سورة المائدة الآية: (77).