الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهناك في البداية قراءات دينية لاهوتية للقرآن الكريم من أهمها القراءة اليهودية، والقراءة النصرانية. وهما قراءتان متفقتان حول مصدرية القرآن الكريم، وعدم الاعتراف بإلوهية مصدره، ورد معظم محتوياته إلى مصادر يهودية أو نصرانية" (1).
الفرع الثاني: تنصير المسلمين وإخراجهم من دينهم وتشكيكهم فيه:
إن الله تعالى قد ذكر في القرآن الكريم أن من أبرز مواقف أهل الكتاب أنهم يحرصون بكل ما أوتوا من قوة على إخراج المسلمين من دينهم؛ ليكونوا كفاراً مثلهم، ويحرصون على ارتداد المسلمين عن دينهم، كما قال تعالى:{وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (2).
وقوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} (3) ، والذي يدل على حرصهم على إخراج المسلمين من دينهم ما جاء في كتابهم المكذوب من التحريف الصريح لآيات القرآن الكريم، ومما يدل على زورهم وكذبهم ما جاء فيما يسمى بسورة (الجزية: 12، 13) حيث جاء فيها ما نصه:(زعمتم بأننا قلنا: قاتلوا الذين لا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون .. يا أهل الضلال من عبادنا: إنما دين الحق هو دين الإنجيل والفرقان الحق من بعده، فمن ابتغى غير ذلك دينا فلن يقبل منه فقد كفر بدين الحق).
وزعم واضعوا هذا الكذب والافتراء المسمى بالفرقان أن القرآن جاء مصدقاً لما في الإنجيل المحرفة والموجودة في أيديهم اليوم، فمما جاء فيه ما نصه:" ولقد أنزلنا الفرقان الحق وحياً، وألقيناه نوراً في قلب صفينا ليبلغه قولاً معجزاً بلسان عربي مبين، مصدقاً لما بين يديه من الإنجيل الحق صِنْواً فاروقاً محقاً للحق، ومزهقاً للباطل وبشيراً ونذيراً للكافرين"(التنزيل 4، 5) " (4).
(1) انظر: دراسة القرآن الكريم عند المستشرقين في ضوء علم نقد (الكتاب المقدس)(ص: 51). المؤلف: محمد خليفة حسن، المصدر: موقع صيد الفوائد.
(2)
سورة البقرة الآية: (217).
(3)
سورة النساء الآية: (89).
(4)
انظر: القرآن الأمريكي (ص: 1) مرجع سابق.
ولم يكتف أهل الكتاب بشركهم وكفرهم بالله كما تبين من مواقفهم السابقة، بل حسدوا المؤمنين على توحيدهم لربهم، فيتمنون أن يكون المسلمين كفاراً مثلهم، قال تعالى:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} (1) ، ولم يكتفوا بذلك، بل يكرهون أن يصيب المؤمنين أي خير، قال تعالى:{مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} (2).
وقد عقد في عصرنا الحديث مؤتمراً تنصيرياً في القدس بفلسطين المحتلة سنة (1346 هـ 1927 م)، وحضره مندوبون من أربعين دولة من الدول الغربية الصليبية، حيث تحدثوا عن أهم أهدافهم من الحملات التنصيرية في بلاد المسلمين، ومنها أن يقوموا بإخراج المسلمين من دينهم فقام متحدثهم فقال: أتظنون أن غرض التنصير وسياسته إزاء الإسلام هو إخراج المسلمين من دينهم ليكونوا نصارى؟ إن كنتم تظنون هذا فقد جهلتم التنصير ومراميه، لقد برهن التاريخ من أبعد أزمنته على أن المسلم لا يمكن أن يكون نصرانياً مطلقاً، والتجارب دلتنا ودلت رجال السياسة النصرانية على استحالة ذلك، ولكن الغاية التي نرمي إليها هي إخراج المسلم من الإسلام فقط، ليكون مضطرباً في دينه، وعندها لا تكون له عقيدة يدين بها ويسترشد بهديها، وعندها يكون المسلم ليس له من الإسلام إلا اسم أحمد أو مصطفى، أما الهداية فينبغي البحث عنها في مكان آخر" (3).
وهذا هو الذي يحرص عليه (المبشرون) من النصارى اليوم، وكذلك المستشرقون والصهيونية العالمية في جميع بلاد المسلمين، أن يترك المسلم دينه، وإن لم يرتبط بدين آخر أولم يتبعهم، ويعتبرون هذا انتصاراً لهم؛ لما يرون من خطر عندما يتمسك المسلم بدينه، بل إنهم سعوا وما زالوا بكل قوتهم، وينفقون الأموال الطائلة من أجل صد الناس عن سبيل الله وعن دعوة الحق، ويحرصون على إضلال الناس بدعوتهم إياهم إلى عقائدهم الفاسدة، وذلك بتزين الباطل وتحسينه، وذلك لن ينطلي إلا على بسطاء الناس، فأهل الكتاب يحاربون الإسلام والمسلمين؛ لا سيما طائفة البروتستانت المسمون (بالصهاينة المسيحيين) ، فإنهم لا يألون جهداً في المكر بالإسلام والمسلمين، وقد تحيلوا حتى وصلوا إلى المناصب العليا في بريطانيا والولايات المتحدة وأغروا هؤلاء باحتلال بلاد المسلمين، كأفغانستان
(1) سورة البقرة الآية: (109).
(2)
سورة البقرة الآية: (105).
(3)
انظر: ملامح عن النشاط التنصيري في الوطن العربي، (ص: 38) المؤلف: الدكتور إبراهيم عكاشة علي، الناشر: إدارة الثقافة والنشر بجامعة محمد بن سعود، عام 1407 هـ 1987 م.
وفلسطين والعراق، وهم يخططون للمزيد، والمسلمون وأنظمتهم غافلون لا يملكون إزاء ذلك أي خطة للمواجهة بكل أسف! قال عز وجل:{وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (1)، وكل ما سبق من صدهم للمؤمنين عن سبيل الله قد بينه الله تعالى بقوله:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} (2).
ملحوظة:
وهنا ملحوظة هامة، وهي أن القرآن الكريم يشير إلى أن هناك فئة وطائفة تسعى إلى الصد عن سبيل الله والإضلال كما تقدم في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} (3)، وقوله تعالى:{وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (4).
فهذه الطائفة تدعوا الناس للمكر والخداع والنفاق، ولذلك يميز القرآن الكريم بين هذه الطائفة من أهل الكتاب وبين الأخرى التي وصفها بصفات الإيمان والالتزام بما أنزل الله تعالى، فقال سبحانه:{لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} (5). وقوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (6).
فهذه الآيات الكريمة تصف هذه الطائفة من النصارى بالإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، وهم قليل خاصةً في زماننا هذا؛ لأنه قد حصل لأغلبهم الاختراق من قبل اليهود.
(1) سورة آل عمران الآية: (69).
(2)
سورة آل عمران الآية: (99 - 100).
(3)
سورة آل عمران الآية: (100).
(4)
سورة آل عمران الآية: (72).
(5)
سورة آل عمران الآية: (113 - 114).
(6)
سورة آل عمران ألآية: (199).
فتبين مما سبق أن أهل الكتاب حريصون على إغواء المسلمين وصدهم عن الدين الحق، وفي سبيل هذا الحرص يرتكبون هذا الكذب والافتراء على الله تعالى، ويحرفون كلام الله عن مواضعه.