الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (1)، فمن آمن هذا الإيمان فقد اهتدى لقوله تعالى:{فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (2).
وهذا الإيمان هو الوحي الذي أوحاه الله للحواريين، وبين الله لنا موقفهم منه أنهم آمنوا به سبحانه وبرسوله عيسى عليه السلام ، قال تعالى:{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} (3).
وهذا الإيمان جعله الله مدحاً لمن آمن بالله وبرسوله من أهل الكتاب، ولمن أبعدو عن أنفسهم الكبر واتبعوا الحق، فعاتبوا أنفسهم بتأخيرهم الإيمان بالله، ثم طمعوا بما عند الله، فاستجاب الله لهم، وللذين يبحثون عن الحق في كل زمانٍ ومكانٍ، قال تعالى:{وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} (4).
الآية الثانية:
فهذه الآية أيضاً تدعو أهل الكتاب وغيرهم من المشركين إلى الإسلام الذي هو الدين الحق، معلقة الهداية بذلك، والمعنى: أن من لم يُسَلّم بدين محمد صلى الله عليه وسلم فقد ضل عن الهدى كما قال تعالى:
(1) سورة البقرة الآية: (136)
(2)
سورة البقرة الآية: (137).
(3)
سورة المائدة الآية: (111).
(4)
سورة المائدة الآية: (83 - 85).
(5)
سورة آل عمران الآية: (19 - 20).
{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (1) وفيه تهديد ووعيد لمن لم يؤمن بالله وبرسوله وبدينه الإسلام.
قال الإمام الطبري رحمه الله في قوله تعالى: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا} أي: وقل يا محمد للذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى والأميين الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب: (أأسلمتم). يقول: قل لهم هل أفردتم التوحيد وأخلصتم العبادة والالوهة لرب العالمين، دون سائر الأنداد والإشراك التي تشركونها معه في عبادتكم إياهم، وإقراركم بربوبيتهم وأنتم تعلمون أنه لا رب غيره ولا إله سواه، (فإن أسلموا) يقول: فإن انقادوا لإفراد الوحدانية لله وإخلاص العبادة والالوهة له (فقد اهتدوا) يعني: فقد أصابوا سبيل الحق وسلكوا محجة الرشد (2).
وأخرج ابن أبي حاتم (3) عن الربيع (4): {فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} (5) قال: من تكلم بهذا صدقاً من قلبه، يعني الإيمان (فقد اهتدى)، (وإن تولوا) يعني: عن الإيمان (6).
والمقصود هنا بالإيمان دين الإسلام، وهذا هو الصحيح لأنه ربط الإيمان بالعمل، وربط النطق باللسان باعتقاد القلب.
قال سيد قطب رحمه الله في قوله تعالى: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ} .
قال: "فهم سواء هؤلاء وهؤلاء المشركون وأهل الكتاب، هم مدعوون إلى الإسلام بمعناه الذي شرحناه، أي: فليس هو مجرد التصديق، إنما هو الإتباع، كما أن التعبير بإسلام الوجه -أي: في أول الآية ذو مغزى كذلك، فليس هو مجرد النطق باللسان أو الاعتقاد بالجنان. إنما هو كذلك الاستسلام بالطاعة والإتباع، وإسلام الوجه كناية عن هذا الاستسلام، والوجه أعلى وأكرم ما في الإنسان، فهي صورة الانقياد
(1) سورة آل عمران الآية: (85).
(2)
انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن (3/ 214) مرجع سابق.
(3)
أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران التميمي، الحنظلي، ولد سنة 240 أو 241 هـ، عالم محدث، مفسر، عارف بالرجال، فقيه، أصولي، متكلم. من مؤلفاته: تفسير القرآن الكريم، والجرح والتعديل. انظر: سير أعلام النبلاء (25/ 263) مرجع سابق، شذرات الذهب (2/ 305) مرجع سابق.
(4)
الربيع بن أنس ابن زياد البكري، ويقال: الحنفي البصري، تابعي روى عن أنس، توفي سنة 139 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء، (6/ 306) مرجع سابق، وتهذيب التهذيب (3/ 238) مرجع سابق.
(5)
سورة البقرة الآية: (137).
(6)
انظر: تفسير القرآن لابن أبي حاتم (1/ 244) برقم: (1308)، المؤلف: عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي، الناشر: المكتبة العصرية صيدا، تحقيق: أسعد محمد الطيب.
الطائع الخاضع المتبع المستجيب، أي: فهم مدعوون للإقرار بتوحيد ذات الله، ووحدة الألوهية ووحدة القوامة، مدعوون بعد هذا الإقرار إلى الخضوع لمقتضاه، وهو تحكيم كتاب الله ونهجه في الحياة (فإن أسلموا فقد اهتدوا) فالهدى يتمثل في صورة واحدة، هي صورة الإسلام بحقيقته تلك وطبيعته، وليس هنالك صورة أخرى، ولا تصور آخر، ولا وضع آخر، ولا منهج آخر يتمثل فيه الاهتداء إنما هو الضلال والجاهلية والحيرة والزيغ والالتواء" (1).
ثم بين الإمام الزمخشري رحمه الله كيف كان موقفهم: " (ءأَسْلَمْتُمْ) يعني أنه قد أتاكم من البينات ما يوجب الإسلام ويقتضي حصوله لا محالة؛ فهل أسلمتم أم أنتم بعد على كفركم؟ وهذا كقولك لمن لخصت له المسألة ولم يتبق من طرق البيان والكشف طريقاً إلا سلكته: هل فهمتها أم لالا أُم لك (2)! ومنه قوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} (3) وفي هذا الاستفهام استقصار وتعيير بالمعاندة وقلة الإنصاف، لأن المنصف إذا تجلت له الحجة لم يتوقف إذعانه للحق، وللمعاندة بعد تجلي الحجة ما يضرب أسداداً بينه وبين الإذعان"(4).
وقال العلامة السعدي في تفسيرها: "لما بيَّن الله أن الدين الحقيقي عنده الإسلام، وكان أهل الكتاب قد شافهوا النبي صلى الله عليه وسلم بالمجادلة، وقامت عليهم الحجة، فعاندوها، أمره الله تعالى عند ذلك أن يقول ويعلن: إنه قد أسلم وجهه، أي: ظاهره وباطنه لله، وأن من اتبعه كذلك قد وافقوه على هذا الإذعان الخالص.
وأن يقول للناس كلهم، من أهل الكتاب والأميين أي: الذين ليس لهم كتاب من العرب وغيرهم: إن أسلمتم فأنتم على الطريق المستقيم، والهدى والحق، وإن توليتم فحسابكم على الله، وأنا ليس عليّ إلا البلاغ، وقد أبلغتكم وأقمت عليكم الحجة" (5).
(1) انظر: في ظلال القرآن (1/ 351) مرجع سابق.
(2)
وهذا الكلمة (لا أم لك) تقولها العرب عند الزجر والذم. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، (1/ 21) المؤلف: أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري، الناشر: المكتبة بيروت، 1399 هـ 1979 م، تحقيق: طاهر أحمد الزاوى محمود محمد الطناحي، وفتح الباري في شرح صحيح البخاري (1/ 81)، المؤلف: أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، تحقيق: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ومحب الدين الخطيب، الناشر: دار الفكر (مصور عن الطبعة السلفية).
(3)
سورة المائدة الآية: (91)
(4)
انظر: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل (1/ 375)، مرجع سابق.
(5)
انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (1/ 964) مرجع سابق.