الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعليه فالغلو في الدين هو المبالغة فيه ومجاوزة الحد إلى حيز الإسراف، أي: دون الرجوع إلى الوحي والهدى الذي يريده الله من عباده، وقد حصلت من أهل الكتاب المجاوزة للحدود في معتقداتهم وفي أعمالهم وفي أشخاصهم، وهذا هو من الطغيان الذي حذر الله منه بقوله تعالى:{وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} (1)، وحذر الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم ومن معه من مخالفته بقوله تعالى:{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (2).
وقد فصل العلماء في الكلام عن الغلو والتحذير منه كصفة أساسية لأهل الكتاب، سنذكر بعضه عند نقل كلام المفسرين على الآيات في المطلب الآتي:
المطلب الثاني: آيات النهي عن الغلو، وأقوال المفسرين فيها
.
أما الغلو في الدين فقد ورد ذمه في القرآن الكريم في عدة مواضع، وقد بين المفسرون معنى هذا الغلو أثناء تفسيرهم لتلك الآيات التي تتحدث عن الغلو؛ فمنها:
الآية الأولى:
قد اختلف أهل التفسير في بيان من هو المخاطب بهذه الآية، هل هم اليهود أو النصارى أو جميعهم، وفيما يلي أقوال المفسرين:
الفرع الأول: المخاطب بالآية
.
القول الأول: أنه خطاب لأهل الكتاب من اليهود والنصارى، وبه قال مجموعة من المفسرين منهم الإمام القرطبي (4) ، والخازن، والبيضاوي " (5) والشيخ القطان من المعاصرين.
(1) سورة طه الآية: (81).
(2)
سورة هود الآية: (112).
(3)
سورة المائدة الآية: (77).
(4)
هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي، توفي سنة (671 هـ)، من مؤلفاته الجامع لأحكام القرآن. انظر: طبقات المفسرين للسيوطي (ص: 92)، وطبقات المفسرين للداوودي (2/ 69)، وطبقات المفسرين للأدنروي (ص: 246) مرحع سابق.
(5)
انظر: الجامع لأحكام القرآن (6/ 252) مرجع سابق، ولباب التأويل في معاني التنزيل، (2/ 318) مرجع سابق، تفسير البيضاوي (2/ 355) مرجع سابق، تفسير القطان (1/ 425).
القول الثاني: أنه خطاب للنصارى خاصة؛ وبه قال الطبري رحمه الله، والزمخشري، والسعدي من المعاصرين (1).
فعلى القول الأول يكون الخطاب في الآية من العام المراد به العام، وعلى القول الثاني يكون من العام المراد به الخاص.
وعند النظر في السياق نجد أن القول الثاني قد يكون أولى؛ وذلك للآتي:
أولاً: لأن الكلام في الآيات السابقة لهذه الآية مباشرة كان عن غلو النصارى في سيدنا عيسى عليه السلام ، وذلك ابتداء من قوله تعالى:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} (2) ، وما زال السياق يتحدث عنهم حتى هذه الآية وما بعدها من الآيات.
ثانياً: لقوله تعالى في نفس الآية: (ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل
…
) والمقصود بـ (قوم قد ضلوا من قبل) اليهود؛ لأنهم أكثر الناس اتباعاً للهوى، فيكون الخطاب موجهاً للنصارى بأن لا يتبعوهم، فهذه القرينة ترجح أن الخطاب من باب العام المراد به الخاص، ولكن هذا لا يتنافى وكون اليهود مشمولين بالخطاب؛ لأن عندهم من الغلو نحو ما عند النصارى وأكثر، كما قال تعالى:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} (3).
ومن غلوهم المقابل لغلو النصارى غلوهم في اتهام عيسى وأمه عليهما السلام بالبهتان والفرية، وأشد من ذلك محاولة قتلهم لبعض الأنبياء، وكما هو مذكور في آيات أخرى.
ولأن السياق السابق منذ بداية السورة يخاطب اليهود والنصارى جميعاً، فتارة يذكرهم بلفظ (اليهود والنصارى) ، وتارة بلفظ (أهل الكتاب)، كقوله تعالى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ .. } (4).
(1) انظر: جامع البيان في تأويل القرآن (6/ 316) ، مرجع سابق، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل (1/ 699) مرجع سابق، تفسير البيضاوي (2/ 355) مرجع سابق، التفسير الميسر (2/ 251) المؤلف: عدد من أساتذة التفسير تحت إشراف الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر: موقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
(2)
سورة المائدة الآية: (72).
(3)
سورة التوبة الآية: (30 - 31).
(4)
سورة المائدة الآية: (15).