الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: أمثلة على التحريف بالإخفاء والكتمان حديثاً
.
استمرت كتب النصارى تتحدث عن مسألة دم السيد المسيح لحقبة طويلة من الزمن، وتتحدث عن قتل اليهود لعيسى عليه السلام كما يزعمون، وكان النصارى يصبون جام غضبهم ولعناتهم على اليهود بعد صلواتهم بسبب قتلهم السيد المسيح، بل كانت هذه اللعنات تعد من الأذكار التي تردد بعد الصلوات، ولكن اليهود في القرون الأخيرة أقنعوا قيادات النصارى أنهم بريئون من دم السيد المسيح، فصدقهم في ذلك الكثير من النصارى، واستخرجوا منهم وثيقة في مؤتمر الفاتيكان الثاني في المجمع المسكوني وأطلقوا عليها وثيقة التبرئة، وهذا يعد أكبر حدث في هذا القرن، وحصل فيه التحريف لما تبقى عندهم من الكتب، وفق ما تم الاتفاق عليه في نصوص هذه الوثيقة، ولا يتعارض معها.
يقول الباحث محمد أحمد الحاج: "جرت في السنين الأخيرة، محاولات كثيرة لتحريف الكتاب المقدس، وكان أهمها مستوحى من الحركة الصهيونية، التي ما فتئت تعمل سراً وعلانية على هدم المسيحية وسائر الأديان الأخرى
…
ومن ذو أعوام عُقد في مدينة (سيليربرنج) في سويسرا مؤتمراً اشترك فيه بعض رجال البدع المسيحية الجديدة المتطرفة مع فريق من ممثلي الهيئات الدينية اليهودية، وقرروا مكافحة أعداء اليهود في العالم المسيحي، وحذف الآيات والفصول الواردة في الأناجيل، بنوع أخص التي تصف اعتداء اليهود على السيد المسيح وصلبه، لكي لا يطلّع الناشئة في الأجيال القادمة على قصة العدوان اليهودي على المسيح والمسيحية، وقرروا طبع الكتاب المقدس المعدَّل وفق قرار المؤتمر" (1).
وأما التحريف الذي حصل بعد وثيقة التبرئة من قبل اليهود فقد تحدث عنه اللواء أحمد عبد الوهاب المتخصص في دراسة الأديان بأنهم قاموا بإعادة صياغة الأناجيل والرسائل المقدسة لتتوافق مع الوثيقة، وبعد خروج الوثيقة فوراً أصدر اليهود طبعة محرفة لأسفار العهد الجديد عن (دار النشر اليهودية بالقدس سنة (1970 م)، وقامت بتوزيعها باللغة الانجليزية وكالة (ريد) في لندن التي تعتمد عليها هذه الدراسة، وكان الهدف من هذا التحريف في الوثيقة، هو إبعاد المسؤولية عن اليهود حول صلب السيد المسيح، وإلقاء الشبهة على رعاع ذلك الشعب، والطبقة الدنيا منهم كما أن ثورة أولئك الرعاع ضد المسيح لم تكن تبغي صلبه، وإنما كانت تطالب بإبعاده والتخلص منه بصورة أو بأخرى،
(1) انظر: النصرانية من التوحيد إلى التثليث، (ص: 157 - 161) المؤلف: محمد احمد الحاج، الناشر: دار القلم دمشق رسالة ماجستير، الطبعة الأولى، عام (1414 هـ 1992 م).
وحقاً لقد كانت وثيقة التبرئة هي جواز المرور للحركة الصهيونية حتى تنفذ إلى قلب المسيحية، وتعبث بمقدساتها كيفما شاءت " (1).
ثم تبعها بعد ذلك حذف وإخفاء ما يتعلق بالسيد المسيح من صعوده إلى السماء أو ارتفاعه مما يحتم على النصارى في عصرنا الحديث أن يتنبهوا لما يحصل في كتبهم من التحريف والتغيير والتبديل في مسألة قتل المسيح وصعوده إلى السماء حينما أراد اليهود قتله؛ لأنه أصبح تأريخاً لهم، مع أننا معاشر المسلمين لا نقول بقتل السيد المسيح بل نؤمن أن الله رفعه إلى السماء، وعلى النصارى أن يراجعوا أنفسهم ويحذروا من التلبيس الذي يقوم به اليهود تجاههم في القرون الأخيرة من إقناعهم بتنفيذ مخططاتهم، وتجنيدهم ضد المسلمين.
ومن الأمثلة على أخطر التحريفات في عصرنا الحديث التحريف اليهودي في النصوص المنقحة وكتمانها وإخفائها ما قاله الأستاذ أحمد ديدات رحمه الله:
الأول: "يوجد إشارتان فقط في بشارات متى ومرقس ولوقا ويوحنا القانونية لأهم حدث في التاريخ النصراني: (صعود المسيح إلى السماء) ، وهاتان الإشارتان كانتا موجودتين في كل كتاب مقدس في كل لغة قبل عام (1952 م) عند طبع النصوص المنقحة لأول مرة: فمن هذه النصوص مثلاً ما جاء في إنجيل مرقس: 16: 19 "ثم إن الرب بعدما كلمهم ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله" (2).
وأيضاً ما جاء في إنجيل لوقا: 24: 51" وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وأُصعد إلى السماء"(3).
ثم يقول ديدات رحمه الله: أنه حصل نقص وحذف لبعض الجمل والكلمات، وإذا استطعت الحصول على النصوص المنقحة، طبعة (1952 م) فستجد أن السطور الثمانية الموجودة فيها جملة (وصعد إلى السماء) قد استبدلت بإشارة (a)، وأي نصراني مستقيم لا يمكن أن يعتبر أي هامش في كتابه المقدس من كلام الله، فلماذا يضع خدم النصرانية أعظم معجزة في دينهم في هامش متواضع؟ ثم يقول: إن كل النصوص المقدسة المطبوعة قبل عام (1881 م) كانت تعتمد على المخطوطات القديمة، والتي ترجع إلى خمسمائة أو ستمائة سنة بعد عيسى عليه السلام ، ومراجعوا النصوص المنقحة كانوا أول علماء رجعوا إلى "أقدم" المخطوطات والتي ترجع إلى ثلاث أو أربعمائة سنة بعد المسيح، ونحن جميعاً نتفق على أنه
(1) انظر: كتاب إسرائيل حرفت الأناجيل واخترعت أسطورة السامية، (ص: 40 - 41) مرجع سابق.
(2)
انظر: إنجيل مرقس: (16: 19) موسوعة الكتاب المقدس (4/ 222) مرجع سابق.
(3)
انظر: إنجيل لوقا: (24: 51) موسوعة الكتاب المقدس (4/ 278) مرجع سابق.
كلما كانت الوثيقة أقرب إلى المصدر كلما كانت أكثر صحة، وبالطبع"فالأقدم" تستحق التصديق والاعتماد أكثر من الاعتماد على "القديمة"، وعندما لم يجد المراجعون كلمة واحدة عن:"ارتفع" أو "صعد" إلى السماء، قاموا بتطهير النصوص من هذه الكلمات عام (1952 م)، واسمع إلى قول مراجعي النسخة المنقحة ماذا يقولون عنها: إن كل المخطوطات الأصلية قد هلكت، ولذلك اضطروا للرجوع إلى المخطوطات القديمة والأقدم" (1).
فلما علم المراجعون للكتاب المقدس بحذف هذه المسألة من كتبهم، وتأكدوا من الزيف الذي حصل بدءوا يضجون على من حذفها، ولكن بعدما تم بيعها في الأسواق وربح الذين قاموا بطباعتها الملايين من الدولارات، وأيضاً بدأ الانتقاد بشدة من الذين كانوا يقومون بتجهيز الحملات التنصيرية في العالم حينما رأوا بأعينهم النصوص قد تم حذفها من الطبعات المتأخرة للكتاب المقدس، قال الأستاذ أحمد ديدات: " كان ناشرو الكتاب المقدس قد كسبوا ما يقارب (15000000)(خمسة عشر مليون دولاراً) ، وعندما اكتشف بعض المبشرين غياب هذه الأجزاء من طبعة (1952 م) قلبوا الدنيا ولم يقعدوها إلى أن استطاعوا إقناع طائفتين من الخمسين طائفة بالضغط على دار النشر لإعادة تلك الأجزاء إلى (كلام الله) مرة أخرى، ولذلك ستجد أن كل الطبعات التي نشرت بعد طبعة:(1952 م) قد أعيد إليها ما أزيل من النص.
ثم علق ديدات على حذف هذه النصوص وإعادتها بأنها تشبه اللعبة، يحذفونها متى شاءوا ويعيدونها متى شاءوا، وأن الفرق بين محرفي هذا العصر والمحرفين القدامى أن القدامى لم يعرفوا فن المقدمات والهوامش وإلا لأخبرونا أيضاً وبوضوح بما فعلوه مثلما يفعل أبطال العصر الحديث الذين يضعون الأعذار الواهية لتغييرهم النقود المزيفة إلى قطع ذهبية لامعة، لقد عُرضت أمام اللجنة طلبات عديدة قدمها اثنان من الأفراد وطائفتان دينيتان، وقد اهتمت اللجنة بهذه الطلبات، ولقد أعيد جزءان إلى النص الأصلي؛ لأنها كانت قد أزيلت من قبل! ولماذا أزيلت من الأصل؟ لأن" أقدم" المخطوطات لم يكن بها ذكر صعود المسيح إطلاقاً، فقد كان زيفاً مشابهاً لما نقرأه عن الثالوث المقدس في رسالة يوحنا
(1) انظر: هل الكتاب المقدس كلام الله، (ص: 200 - 201) ، المؤلف: مناظرة الأستاذ أحمد ديدات، الناشر: مكتبة ديدات، ترجمة: محمد مختار، نورة النومان.
الأولى (5: 78)(1) والسؤال المطروح هنا هو: لماذا نتخلص من واحدة ونرجع الأخرى؟ لا تندهشوا! فربما تكون اللجنة قد قررت أن تتخلص من المقدمة كلها، حتى إذا اشتريت النصوص المنقحة _ (R.S.V)_ الآن لا تجدها فيها، فلقد فعلها قبلهم شهود يهوه" (2)
الذين قاموا بالتخلص من سبع وعشرين صفحة من مقدمة عهدهم الجديد" (3).
وكلمة: يهوه: يقصد بها الرب كما سبق بيانه.
وهذه الأسئلة التي أثارها ديدات رحمه الله جوابها في كتاب الله الذي تحدث عن وصفهم بالتحريف لكتب الله في خطابه لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (4) وهم يمارسون أكبر خيانة في كل زمانٍ بتحريفهم للكلم عن مواضعه لنيل ثمن قليل من الدنيا الزائلة، قال تعالى: {
…
فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (5).
فحينما استحفظهم الله على كتبه التوراة والإنجيل خانوه فيها فحرفوها فاستبدل الله بهم قوماً آخرين حفظوا كتابه في صدورهم وسطورهم، وحافظوا على أحكامه وشرائعه.
الثاني: وإن من تحريف أهل الكتاب في عصرنا الحديث ما حصل من التحريف بالحذف لإنجيل يوحنا، فقد جاء في النسخة المعتمدة في بداية أحداث الصلب ما جاء في إنجيل يوحنا 12: 18: "ثم إن الجند والقائد وخدام اليهود قبضوا على يسوع وأوثقوه"(6).
(1) انظر: رسالة يوحنا الأولى: (5: 78) فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الأب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد 5: 8 والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة الروح والماء والدم والثلاثة هم في الواحد. انظر: موسوعة الكتاب المقدس (5/ 28) مرجع سابق.
(2)
فالطبعة الكاثوليكية الصادرة عن دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط تحذف الأقواس، وتجعل ما بينها جزءاً من النص، مخالفة النص البروتستانتي الذي يضعه بين أقواس، منبهاً بذلك على أنه إضافة تفسيرية، وليس من كلمة الله، أما نسخة ترجمة العالم الجديد لشهود يهوه فقد حذفت الأقواس وما بينها، ومثله صنعت نسخة الرهبانية اليسوعية الكاثوليكية والترجمة العربية المشتركة. انظر: هل العهد الجديد كلمة الله (ص: 134) مرجع سابق ..
(3)
انظر: هل الكتاب المقدس كلام الله، (ص: 200 - 201) مرجع سابق.
(4)
سورة المائدة الآية: (13).
(5)
سورة المائدة الآية: (44).
(6)
انظر: إنجيل يوحنا: (12: 18) ، موسوعة الكتاب المقدس (4/ 315) مرجع سابق.