الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتقول النسخة الإسرائيلية المحرفة ما نصه: "تشاور جميع الكهنة والمتشرعون على يسوع لكي يدينوه"(1).
والذي تبين من الأمثلة السابقة أن التحريف بالتبديل لكتبهم قد مارسوه حديثاً لفظاً ومعنى، وفي جميع كتبهم بلغاته العربية أو الهندية أو الأفريقية أو الأوربية أو الأوردية، وكل ذلك التحريف؛ لإنكار النبوئة والبشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم المذكورة في كتبهم، ولتبرئة اليهود من الجرائم التي مارسوها بحق عيسى عليه السلام ، واستبدال النسخ القديمة للعهدين القديم والجديد بالنسخة الإسرائيلية المحرفة.
المطلب الثالث: التحريف بالتأويلات الفاسدة حديثاً:
توجد في عصرنا الحديث الكثير من الفرق اليهودية والنصرانية التي تقوم بالتأويل الفاسد لما تبقى من النصوص التي تأمر بالأعمال الدينية، والالتزامات الواردة في العهد القديم، فعلى سبيل المثال هناك فرقة اليهودية الأرثوذوكسية، وهي الفرقة المشهورة في هذه الأيام والحاكمة لدولة إسرائيل، وتقوم بأبشع التفسيرات لكتابهم المقدس؛ خاصةً في أمور العقيدة حتى توافق سياستهم القائمة على التأويلات الفاسدة التي تدعوا الناس إلى العنصرية، والمتنقصة للبشر على وجه العموم.
وهذه التأويلات نجد فيها اختلافاً مع منهج النصارى الذين يقرءون العهد القديم، والذين يرون التمسك ظاهر النصوص وحرفيتها، ويوجد نفس الاختلاف عند المتعلمين في إسرائيل نفسها بين المدارس الدينية اليهودية، وبين المتعلمين في المدارس العلمانية العبرية الذين يؤمنون بظاهر النصوص للعهد القديم، ومن الأمثلة على ذلك ما يلي:
الأول: الوصايا العشر التي وردت في العهد القديم سفر الخروج: 21: 24 " وعينا بعين، وسناً بسن"(2) فتأولوها بمعنى: "عين مال مقابل عين" أي: دفع غرامة بدلاً من التعرض للعقاب البدني، وهذا التحريف بالتأويل جعلهم يشرعون للقوي أن يقتل الضعيف ويدفع غرامة مالية للضعيف، ولا
(1) انظر: كتاب إسرائيل حرفت الأناجيل واخترعت أسطورة السامية، (ص: 49) مرجع سابق.
(2)
انظر: سفر الخروج: (21: 24) موسوعة الكتاب المقدس، (1/ 152) مرجع سابق.
يتعرض القوي للعقوبة ولا لشيء يردعه، ويشرعون لقتل كل من يُفرَّط بشبر من الأرض الموعودة كما تتأول ذلك الصهيونية السياسية، وتأمر بقتل كل فلسطيني لم يخرج من الأرض الموعودة (1).
الثاني: "جارك" أو"القريب" أو حتى "الإنسان" بالمعنى الشوفيني الحصري (2)، تعني: اليهود فقط؛ وذلك في كل موضع يمكن توظيف النص فيه لصالح العنصرية اليهودية؛ ولذا فالعبارة الشهيرة في العهد القديم سفر اللاوين: 18: 19 "بل تحب قريبك كنفسك"(3). تفسر في اليهودية الكلاسيكية (واليهودية الأرثوذوكسية حالياً) كأمر بأن يحب اليهودي قريبه اليهودي، وليس أي جار آخر غير يهودي.
الثالث: عبارة "لا تهمل دم جارك"، يفترض أنها تعني ألا يقف الإنسان (اليهودي) غير مبالٍ عندما تتعرض حياة (دم) جاره اليهودي وغير اليهودي للخطر؛ لكننا نلاحظ في التعاليم اليهودية منع اليهودي عموماً من إنقاذ حياة غير اليهودي؛ لأنه ليس قريباً له (4).
الرابع: جاء في العهد القديم سفر اللاوين: (10: 19)" وكرمك لا تعلله، ونثار كرمك لا تلتقط للمسكين والغريب تتركه أنا الرب إلهكم "(5) ، فإنها تفسر كإشارة إلى الفقير اليهودي، ومعتنقي الديانة اليهودية فقط.
وهذه الأمثلة تؤكد أن اليهود الأرثوذكس الآن (بل كل اليهود ما قبل عام (1780 م) عندما كانوا يقرؤون التوراة فإنهم يقرؤون في الواقع كتاباً مختلفاً، بمعانٍ تختلف تماماً عن التوراة التي يقرؤها غير
(1) انظر: القلم الجريء مفكرون غربيون ويهود انتقدوا الصهيونية، (ص: 218 - 228) ، المؤلف: إسرائيل شاحاق، ليفيا روكاش، ولبر سنسر، الفريد ليلينثال، روجيه جارودي، الناشر: المجلس الأعلى للثقافة عام 2003 م، القاهرة مصر. ترجمة البراق عبد الهادي رضا.
(2)
والمقصود بالشوفيني الحصري: النعرة الوطنية (الشوفينية) وهي تعبير يشير إلى موقف وطني متطرف مولع بالحرب. يسمى الشخص الذي يتبنى مثل هذا الموقف الشوفيني، بدأ المصطلح في بريطانيا أثناء سبعينيات القرن التاسع عشر الميلادي، حين ترددت الحكومة البريطانية بقيادة رئيس الوزراء بنجامين دزرائيلي في التدخل في الحرب بين روسيا وتركيا. انظر: الموسوعة العربية العالمية (/ 1).
(3)
انظر: سفر اللاوين: (18: 19) موسوعة الكتاب المقدس، (1/ 217)، وإنجيل متَّى:(39: 22) موسوعة الكتاب المقدس (4/ 174) مرجع سابق.
(4)
انظر: كتاب اليهودية الأرثوذوكسية، (ص: 109 - 110) مرجع سابق.
(5)
انظر: سفر اللآوين (12: 29) موسوعة الكتاب المقدس (1/ 216).
اليهود، أو اليهود غير الأرثوذكس، ويصدق هذا التمييز حتى في إسرائيل، رغم أن كليهما يقرأ النص بالعبرية (1).
خلاصة:
ويتضح مما سبق أن كل هذه التحريفات قائمة على التأويلات الفاسدة التي لا تستند إلى دليل، وخاصةً فيما يتعلق بعنصرية اليهود وتعاليهم على غيرهم في الأرض، وإنما هي مما تمليه عليهم أهواؤهم، وإلا فأي شرع يأمر أبناءه أن يقتلوا كل من لم يكن من أسرتهم أو قبيلتهم غير هؤلاء المحرفين؟ الذين يأمرون بعدم حب الجار إلا بشرط أن يكون يهودياً؟ أما غيره فلا تحبه ولا تناصره حتى ولو جارك في السكن والبلدة؟ ويدعون أبناء جنسهم أيضاً إلى مساعدة اليهودي وإنقاذه في أي مكان في الأرض، ولكنهم يتركون غيرهم يموت ولا يقومون بإنقاذه؛ لأنه ليس منهم، وغير ذلك مما يدل على قسوة القلوب اليهودية في كل زمانٍ ومكان، وأنهم أمة متشربة للحقد والكراهية، وهذا هو ما يحصل للمسلمين في أرض فلسطين وغيرها حديثاً، فقد أخرجهم اليهود الغاصبون من أرضهم وديارهم، وتركوهم يموتون في الشتات، وأصبح الشعب الفلسطيني شعباً جائعاً وبجواره ذئاب بشرية مُتخمة، فأي دين يأمر أبناءه أن يقوموا بمثل هذه الأعمال البشعة التي يبنونها على التأويلات الفاسدة؟
وفي المقابل: فإذا قُتل يهودي من أبناء جنسهم أقاموا الدنيا ولم يقعدوها، بل يقوم معهم أغلب النصارى، ولكن إذا قتل شخص آخر من أي ديانة أخرى فلا تسمع لهم صوتاً؛ اعتقاداً منهم أن الدم اليهودي أغلى من كل دم ولو قتل بجانبه كل من في الأرض، وذلك باستنادهم إلى معتقداتهم المحرفة، وصدق الله القائل:{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (2).
(1) انظر: كتاب اليهودية الأرثوذوكسية، (ص: 109 - 110) مرجع سابق.
(2)
سورة آل عمران الآية: (87).