الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الأول: تعريف الجدل لغة وشرعاً:
أولاً: تعريف الجدال لغةً:
ذكر ابن فارس أن مادة (جدل) من باب استحكام الشيء في استرسال يكون فيه، وامتداد الخصومة ومراجعة الكلام (1).
وقال ابن منظور (2): "الجدل شدة الفتل، وجَدَلْتُ الحَبْلَ أَجْدِلُه جَدْلاً إِذا شددت فَتْله وفَتَلْتَه فَتْلاً مُحْكَماً "(3).
ثانياً: تعريف الجدال اصطلاحاً:
أما شرعاً فللعلماء في تعريف الجدل عبارات متقاربة، وهي كما يلي:
قال المناوي: " الجدل: دفع المرء خصمه عن إفساد قوله بحجّة أو شبهة، أو يقصد به تصحيح كلامه، وهو الخصومة في الحقيقة، والجدال: عبارة عن مراء يتعلّق بإظهار المذاهب وتقريرها "(4).
وقال الفيومي (5): "هو التّخاصم بما يشغل عن ظهور الحقّ ووضوح الصّواب"(6).
وأضاف الكفويّ (7) على تعريف المناوي قوله: "هو عبارة عن دفع المرء خصمه عن فساد قوله بحجّة أو شبهة، وهو لا يكون إلّا بمنازعة غيره"(8).
(1) انظر: مقاييس اللغة (1/ 433) مرجع سابق.
(2)
ابن منظور: هو محمد بن مكرم بن علي الشهير بابن منظور الأنصاري الإفريقي المصري، ولد عام (630 هـ) وتوفي عام (711 هـ)، له عدة مؤلفات من أشهرها: لسان العرب. انظر: بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة (1/ 248) المؤلف: جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، المكتبة العصرية لبنان صيدا، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم.
(3)
انظر: لسان العرب (11/ 10) مرجع سابق.
(4)
انظر: التعريفات (1/ 101)، المؤلف: علي بن محمد بن علي الجرجاني، الناشر: دار الكتاب العربي بيروت 1405، الطبعة: الأولى، تحقيق: إبراهيم الأبياري.
(5)
أحمد بن محمد بن علي الفيومي الحموي أبو العباس المقري اللغوي المصري، توفي سنة (770 هـ)، من مؤلفاته: ديوان الخطب، والمصباح المنير في غريب الشرح الكبير في اللغة. انظر: هدية العارفين (1/ 60) مرجع سابق.
(6)
انظر: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي (1/ 93)، المؤلف: أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي، الناشر: المكتبة العلمية بيروت.
(7)
الكفوي: هو أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي، ولد في تركيا، وتولى قضاء القدس، وتوفي عام (1683 م)، من آثاره كتاب الكليات في المصطلحات. انظر: الأعلام (قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين) المؤلف: خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين (2/ 38)، ومعجم المؤلفين تراجم مصنفي الكتب العربية (3/ 31)، المؤلف: عمر رضا كحالة، دار إحياء التراث العربي بيروت.
(8)
انظر: الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية (ص: 545)، المؤلف: أبي البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي، الناشر: مؤسسة الرسالة بيروت 1419 هـ 1998 م. تحقيق: عدنان درويش محمد المصري
وقال في موضع آخر عن المجادلة: "هي المنازعة في المسألة العلمية لإلزام الخصم، سواء كان كلامه فاسداً في نفسه أو لا"(1).
وبالنظر في هذه التعريفات المتعددة للجدل والجدال يتبين أنها متقاربة، وإن كان بينها بعض الاختلاف، وإذا أمعنا النظر في ذلك نجد أنها قد اختلفت باختلاف الهدف من الجدل، ولذا قال الفيومي بعد تعريفه: وهو محمود إن كان للوقوف على الحق وإلا فمذموم.
والحاصل: أن الجدال لا يخلو عن تخاصم ومراء في الأصل؛ لكن قد يستعمل بمعنى المباحثة والمناظرة التي يهدف فيها المتباحثون التوصل للحق، مثل ما كان يقع من المناظرات بين الشافعي وسفيان الثوري، أو بين الشافعي وإسحاق بن راهويه (2) ، أو بين غيرهم من الأئمة السابقين.
ولهذا كان الجدل في الدين محموداً، ولقد جادل نوح عليه السلام والأنبياء أقوامهم حتى يظهر الله الحق، فمن قبله أنجح وأفلح، ومن رده خاب وخسر.
وقد يكون الجدال للمماراة والعناد وجحد الآيات، أو لدحض الحق بالباطل، ولا يهدف إلى إظهار الحق؛ فيكون بهذا مذموماً.
ولهذا لا تكون المجادلة لأهل الكتاب إلا عن بصيرة، وتكون من أهل العلم الذين يفهمون كيف يجادلونهم؛ ليقنعوهم ويستطيعوا الرد على شبهاتهم.
وأما الجاهل الذي يجادل من غير علم وبدون بصيرة، فلا يحق له أن يجادلهم لما قد يترتب على ذلك من الفتنة، وعلى هذا التَّفصيل تنزَّل النُّصوص الواردة في إباحته وذمّه.
والجدال ينقسم من حيث مشروعيته إلى قسمين: جدال محمود، وجدال مذموم، وإذا نظرنا في نصوص الخطاب القرآني الواردة في الجدال نجد أن بعضها تدل على مشروعيته، وبعضها تدل على
(1) انظر: الكليات (ص: 1369) مرجع سابق.
(2)
إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن مطر أبو يعقوب الحنظلي، المعروف بابن راهويه، ولد سنة 161 هـ، ومات سنة 238 هـ، ثقة حافظ. انظر: تهذيب التهذيب، (1/ 190) مرجع سابق.
ذمه وذم أهله، وقد أشرنا فيما سبق إلى أن أصل الجدل لا يخلو من التخاصم، وأنه قد يكون للوقوف على الحق، وعلى هذا فلا بد من التفصيل في حكمه بحسب الدافع إليه؛ فنقول: