الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: أمثلة على نقض العهود والمواثيق قديماً
، وفيه:
إن العهود والمواثيق التي حصلت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل الكتاب عندما قدم إلى المدينة المنورة كثيرة، وقد كان من تلك العهود أن لا يقاتلوه، ولا يعينوا عليه أحدا، وقد عمل عهداً مع يهود المدينة في زمانه؛ كونهم كانوا هم القوة الكبيرة داخل المدينة، وكان أشهرهم يهود بني النضير، وبني قينقاع، وبني قريظة، وكانت كل هذه العهود والمواثيق يتم نقضها من قبلهم، والذي يظهر أن هذا الخُلق أصبح شهوة لا يستطيعون العيش بدونها كانتهاكهم لأعراض النساء كما حصل من بني قينقاع، والتغزل بالنساء كما حصل من كعب بن الأشرف، ومحاولات الاغتيال لرسول الله صلى الله عليه وسلم التي حصلت من بني النضير، واتباع الهوى الذي حصل من بني قريظة، وسنذكر بعض ما حصل من نقض العهود والمواثيق منهم على سبيل المثال:
الفرع الأول: يهود بنو النضير تنقض العهد والميثاق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
-:
لقد أخبر الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم في زمانه عن اليهود المعاصرين له أنهم ينقضون عهدهم في كل مرة بسبب كفرهم، وأمر رسوله أن يعاقبهم بما يناسبهم، كما قال تعالى:{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الخَائِنِينَ} (1).
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم صالح يهود بني النضير في المدينة على أن لا يكونوا عليه ولا له، فلما أُصِيبَ المسلمون يوم أُحُدٍ أخذ اليهود في الدس والوقيعة، والتأليب على المسلمين، وذهب زعيمهم كعب بن الأشرف إلى مكة فحالف قريشاً، واستحثها على حرب الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين، واستئصال شأفتهم، وحاول يهود بني النضير قتل الرسول صلى الله عليه وسلم بطرح حجر عليه من سطح أحد المنازل، بينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجلس في ظله. فأنجاه الله من كيدهم، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتل كعب بن الأشرف فقتله رجل من المسلمين_هو محمد بن مسلمة_ غيلة. وتأهب المسلمون وساروا لقتال بني النضير. فتحصن بنو النضير في مواقعهم، واستعدوا للحرب
…
وجاء المسلمون فحاصروا بني النضير إحدى وعشرين ليلة، وقذف الله الرعب في قلوبهم، ويئسوا من نصر المنافقين، فطلبوا الصلح، فأبى الرسول إِلا جلاءهم عن المدينة، على أن يحمل كل ثلاثة أبيات على بعير واحد ما شاؤوا من متاعهم فجلا أكثرهم إلى الشام والحيرة،
(1) سورة الأنفال الآية: (55 - 58).
وعمد اليهود إلى بيوتهم فخربوها لكيلا ينتفع المسلمون بها، وعمدوا إلى ما لا يستطيعون نقله من أثاثهم فدمروه، وكان نخل بني النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصةً أعطاه الله إياه وخصه به
…
(1).
وكانت هذه الحادثة من أخطر الحوادث حينما أرادوا قتل خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم ، وهي تبين لنا موقف اليهود من الرسل والأنبياء والصالحين، أنهم يمارسون معهم التكذيب والقتل، وهذا هو الخُلق المتجسد فيهم، وقد توعدهم الله بسبب ذلك بقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (2).
ثانياً: نقض العهد من قبل يهود بني قريظة:
اليهود طباعهم واحدة، فقد قام يهود بنو قريظة بنقض العهد بعد بني النضير بعام واحد، ولم يتعظ بنو قريظة بما وقع لإخوانهم بني النضير، فلجئوا بعد عام واحد إلى ما وقع فيه بنو النضير من غدر وخيانة، فحصل لهم مثل ما حصل لإخوانهم اليهود.
ثالثاً: نقض يهود خيبر للعهود:
ثم حصل النقض للعهد من يهود خيبر حينما صالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واشترط عليهم في عقد الصلح ألا يكتموا ولا يُغيبوا شيئاً، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد (3) ، فحصل منهم النقض للذي تم بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوقع لهم بسبب ذلك ما وقع من العقاب المعروف في غزوة خيبر في السنة السابعة للهجرة، وتفاصيل ذلك معروف في مواطنه من كتب السيرة النبوية.
خلاصة ما سبق:
إن الخطاب القرآني من الله سبحانه وتعالى فيه البيان الشافي الذي يوضح فيه مواقف أهل الكتاب المتتالية في كل مرة بأنهم سينبذون كل عهد وميثاق ويطرحونه، وهذه الصفة الذميمة أصبحت من أخلاقهم الثابتة في كل زمانٍ ومكان، فالسامري نبذ وأخلف ما كان بينه وبين موسى عليه السلام من العهد
(1) انظر: أيسر التفاسير لأسعد حومد، (1/ 5006) مرجع سابق.
(2)
سورة آل عمران الآية: (21).
(3)
انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد، (3/ 129) المؤلف: محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله
الناشر: مؤسسة الرسالة مكتبة المنار الإسلامية - بيروت، الطبعة الرابعة عشرة: 1407 هـ 1986 م.
تحقيق: شعيب الأرناؤوط عبد القادر الأرناؤوط.