الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: أمثلة على نقض العهود والمواثيق حديثاً:
أما الأمثلة على نقض أهل الكتاب للعهود والمواثيق والاتفاقيات في عصرنا الحديث فهي كثيرة جداً، كون هذه الخصلة الذميمة هي من صميم أخلاقهم في كل زمانٍ ومكان كما تحدثنا سابقاً، وكأن نقضهم للعهود والمواثيق مع غيرهم قد أصبح خُلقاً متأصلاً فيهم، وصار ديناً يدينون به، وسلوكاً تمليه عليهم كتبهم المحرفة، فهم جميعاً لا يخلون من نقض العهود والمواثيق، فإذا لم ينقضها بعضهم نقضها البعض الآخر منهم، والبقية يوافقونهم على ذلك، هذا بالنسبة لليهود، وأما النصارى فهم تبع لليهود في ذلك، ويتضح ذلك من خلال مناصرتهم لليهود ومساعدتهم، والاعتراف بهم حديثاً.
وقد ذكر الأستاذ محمد عصمت بكر المتخصص في دراسة أخلاق أجيال بني إسرائيل: أن الدَّارس العارف بتاريخ اليهود يدرك أن الشرَّ داخلٌ في تركيبة دمائهم، ينتقل من جيل إلى جيل، فإذا تناولت جيلاً من أجيالهم في أي زمان أو مكان فإنه يتشابه كل التشابه مع الأجيال الأخرى.
فمن لم يعرف تاريخهم عليه أن ينظر إلى الحاصل منهم في الحاضر الملموس، يدرك أن الشر المتأصل في نفوسهم، لا يمكن أن يكون خلقاً عارضاً؛ بل هو سلوك متوارث عبر أجيالهم الأولى؛ فيقف بجلاء على تاريخهم، وإن لم يقرأ في كتاب أو يبحث في طيات التاريخ، ومن يعرف تاريخهم، ويعرف أخلاق أجيالهم الأولى، لا يتعجب أو يندهش لسلوكهم وأخلاقهم الشريرة في زماننا الحاضر" (1).
وسنكتفي هنا بذكر مثال من الأمثلة على نقض اليهود والنصارى للعهود والمواثيق في عصرنا الحديث، وذلك لنؤكد استمرارهم في ممارسة هذه الأخلاق الذميمة، وأنهم اتخذوا ذلك ديناً لا ينفكون عنه حتى يومنا هذا:
الفرع الأول: اتفاقية الهدنة بين العرب وإسرائيل في (10 يونيو 8 يوليو 1948 م)
.
إن من أبرز الأمثلة على نقض اليهود والنصارى للعهود والمواثيق حديثاً نقض اليهود لاتفاقيات الهدنة التي كانت بين العرب وإسرائيل في حرب عام: (1948 م) ، وهي من أهم الأمثلة في القرن العشرين؛ لأنه قد ترتب عليها أمور كثيرة جعلت اليهود يتغطرسون في الأرض، وذلك أثناء إعلانهم قيام دولة إسرائيل في أرض فلسطين المسلمة المحتلة.
(1) انظر: كتاب جذور الفتنة اليهودية أجيال بني إسرائيل الأولى، (ص: 202) المؤلف: د/ محمد عصمت بكر، الناشر: دار النمير دمشق.
وقد تكلم عن هذه الاتفاقيات أهل الاختصاص كالدكتور هيثم الكيلاني المتخصص في دراسة الاستراتيجيات العسكرية في الحروب بين العرب واليهود من عام 1948 م إلى عام 1988 م، وكذلك الدكتور محمود متولي المتخصص في دراسة ما يتعلق بهذه الاتفاقيات، والقائد العسكري لمنطقة القدس اللواء: عبد الله التل في حرب (1948 م) حيث بيَّن هؤلاء الباحثون كل ما حصل من نقض للعهود والاتفاقيات من قبل اليهود والنصارى أثناء الهدنة (1).
ففي الحرب بين العرب وإسرائيل التي استمرت لمدة (26) يوماً، كانت الجيوش العربية حينها قد تقدمت تقدماً كبيراً، وحققت انتصارات كبيرة في معركتها مع اليهود، وقد كان اليهود ينتظرون الموت في اللحظة الأخيرة بعد استيلاء الجيوش العربية على القسم الأكبر من فلسطين، واقتربوا من تل أبيب مما جعل اليهود يقفون موقف الدفاع عن المستعمرات وراء التحصينات، ولم يستطيعوا القيام بأي هجوم؛ وذلك لأنهم كانوا يعتمدون على العامل السياسي الخارجيالنصارى، وأصبح الجيش اليهودي في حالة يرثى لها أمام الجيوش العربية المقاتلة، فقام مجلس الأمن (النصارى) بفرض هدنة لينقذ بها إسرائيل (اليهود)، فكانت هذه الهدنة في صالح إسرائيل. وقد شهد وكيل القنصل الأمريكي بالقدس حينها بقوله:" إن قرار مجلس الأمن الذي فرض الهدنة الأولى هو وحده الذي خلص اليهود وحال دون سحقهم على أيدي الجيوش العربية"، فلولا تلك الهدنة لكان وجه التاريخ قد تغير.
وقد صرح حينها مناحيم بيجين (2) الإرهابي الصهيوني المعروف لأهالي القدس بقوله: "إن لديَّ وعداً قاطعاً من الإنجليز والأمريكان بأن الهدنة ستفرض خلال ثلاثة أيام، فإن لم يتم ذلك فتعالوا واشنقوني هنا"(3).
(1) انظر: اتفاقية رودس بين العرب وإسرائيل عام (1948 م)(ص: 19) المؤلف: الدكتور محمود متولي، الناشر: مطبوعات مركز وثائق وتاريخ مصر المعاصر، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب لعام (1974 م).
(2)
انظر: مناحيم بيغن: ولد في بولندا لأب صهيوني عام: 1913 م. وهو من أشهر من نظم تهريب اليهود إلى فلسطين، اعتقله الإتحاد السوفيتي عام 1940 م بتهمة التجسس لبريطانيا، وهو زعيم إرهابي ورئيس حزب حبروت الفاشي وتحالف ليكود، والقائد السابق لمنظمة الارغوان الإرهابية 1943 م التي قامت بتفجير الأماكن العامة، وجلد عرب فلسطين بالسياط، والإعدامات الجماعية، ورئيساً لوزراء الكيان الصهيوني عام: 1977 م. انظر: موسوعة السياسة، (1/ 650) مرجع سابق.
(3)
انظر: اتفاقية رودس (ص: 20 - 35) مرجع سابق.