الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأخلاق التي نقصدها في بحثنا هذا هي: "ميثاق كامل يشمل كل أعمال الإنسان، وقيمه العليا التي يتقيد بها في تصرفاته، في سعيه لإقامة حياته البشرية على أساسها، والتي لا يكون إنساناً إلا بها، وبقدر ما يفقد منها يفقد من إنسانيته، ولكننا نلاحظ مع زحف العلمانية على الحياة الأوربية أن الأخلاق أزيحت عن شتى مجالات الحياة، وما بقي منها فهو نفعي بحت، فالعلاقات الجنسية -مثلاً يسمونها مسألة بيولوجية لا علاقة لها بالأخلاق، ولا يوجد لها ضابط"(1).
ومن فوائد علم الأخلاق أنه يبحث عما يصلح الأخلاق إذا حصل لها الفساد، ويقومها إذا حدث فيها اعوجاج، ويخص بحثنا من ذلك الكلام عن أخلاق أهل الكتاب التي تحتاج إلى تقويم؛ كونها قد فسدت بمخالفتها للوحي الآلهي، وقد جاء القرآن الكريم ليصلح ذلك الفساد.
فتبين مما سبق أن أخلاق الإنسان تعرف من خلال ممارسة الفرد لها مع الناس، فهي هيئة في النفس راسخة بحسب الفطرة، وتكون سليمة لانسجامها مع الفطرة ومع الوحي، فحينما يقدم صاحبها على ممارسة خلق سيئ فهو دليل على ضعف وازعه الديني، ولا يحجم عنه إلا إذا قوي وازعه الديني، وذلك لارتباطه بالوحي الإلهي قال تعالى:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (2).
المطلب الثاني: أهمية الأخلاق في الكتب السماوية السابقة، وفيه:
وهذا المطلب سنذكر فيه اتفاق الكتب السماوية بأكملها على أهمية الأخلاق، ثم نذكر علاج الأخلاق الفاسدة على النحو التالي:
الفرع الأول: أهمية الأخلاق
.
إن الأخلاق بما لها من أهمية قد ورد الأمر بحميدها، والنهي عن سيئها في جميع الكتب السماوية؛ سواءً في العبادات أو في المعاملات، وقد اتحد الخطاب بذلك في التوراة والإنجيل قبل
(1) انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة (2/ 949 - 950) مرجع سابق.
(2)
سورة الملك الآية: (14).
التحريف، وكذلك في القرآن الكريم في عدة مواضع، كالحث على الصدق والأمانة والصبر والعفو والعطف والإنفاق، وكالنهي عن القتل والزنا والسرقة وشهادة الزور والتعامل بالربا، وما ذلك إلا لأهميتها.
فمن ذلك أن بعض الوصايا التي وردت في التوراة (العهد القديم) تكرر ورودها في القرآن الكريم، فكلمة:(لا تقتل)(1) وردت في التوراة في (سفر الخروج 20: 13)، ويقابلها في القرآن: قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} (2).
وكلمة: (لا تَزنِ)(3) جاءت في التوراة في (سفرالخروج 14: 20)، ويقابلها في القرآن قوله تعالى:{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} (4).
وقد وردت في التوراة (سفر التثنية 19: 5) وصية: (لا تسرق)(5) ويقابلها في القرآن قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (6).
وجاء في التوراة: (سفر الخروج 16: 20)(لا تشهد على قريبك شهادة الزور)(7)، ويقابلها في القرآن قوله تعالى:{وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} (8)(9).
فهذه بعض الأمثلة من كتب أهل الكتاب تبين أن دين جميع الأنبياء واحد، وهذا الدين الواحد يدعو البشر للتحلي بالأخلاق الحميدة، ويدعوهم لترك الأخلاق الذميمة من الزنا، والربا، والسرقة، وشهادة بالزور، وغيرها.
(1) انظر: سفر الخروج (20: 13) موسوعة الكتاب المقدس (1/ 150)، وسفر التثنية (17: 5) ، موسوعة الكتاب المقدس (1/ 310) مرجع سابق.
(2)
سورة النساء الآية: (9).
(3)
انظر: (سفر الخروج 14: 20) ، موسوعة الكتاب المقدس (1/ 150)، وسفر التثنية (18: 5) ، موسوعة الكتاب المقدس (1/ 310) مرجع سابق.
(4)
سورة الإسراء الآية: (32).
(5)
انظر: (سفر التثنية 19: 5)، موسوعة الكتاب المقدس (1/ 310). (وإنجيل متى 18: 19) موسوعة الكتاب المقدس (4/ 168) مرجع سابق.
(6)
سورة المائدة الآية: (38).
(7)
انظر: (سفر الخروج 16: 20) موسوعة الكتاب المقدس (1/ 151) مرجع سابق.
(8)
سورة الحج الآية: (30).
(9)
انظر: الموسوعة العربية العالمية ص: (56).
ولم تكن التوراة من بين الكتب السابقة هي من دعت البشرية إلى التحلي بالأخلاق الحميدة، والتخلي عن الأخلاق الذميمة، بل جاء مثل ذلك في الإنجيل (العهد الجديد) ، مما يدل على أنها جميعاً صدرت من مشكاة واحدة إلا أن أهل الكتاب حرفوا كتبهم، فمن ذلك ما جاء في إنجيل متى: 21: 5: (قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل، ومن قتل يكون مستوجب الحكم)(1)، وجاء أيضاً في إنجيل متى 27: 528: (قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تزن، وأما أنا فأقول لكم: إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زَنى بها في قلبه)(2).
ويقابلها في القرآن قوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} (3)، وقوله تعالى:{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} (4).
وكذلك ورد في (إنجيل متَّى: 18: 19): (فقال يسوع لا تقتل، لا تزن، لا تسرق، لا تشهد بالزور)(5).
وكذلك ورد في (إنجيل متَّى: 19: 19): (أكرم أباك وأمك، وأحبَّ قريبك كنفسك)(6).
ويقابلها في القرآن الكريم قوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} (7).
فتبين مما سبق أن هذه الكتب السماوية جاءت لإصلاح أخلاق البشر، حتى يعيشوا فيما بينهم بأمن وسلام، وهذا مما يحتم على أهل الكتاب أن يلتزموا بما جاء في الخطاب القرآني حتى يتم
(1) انظر: إنجيل متىَّ: (21: 5) موسوعة الكتاب المقدس (4/ 142) مرجع سابق.
(2)
انظر: (إنجيل متىَّ: (27: 528) موسوعة الكتاب المقدس (4/ 142) مرجع سابق.
(3)
سورة النور الآية: (30).
(4)
سورة النور الآية: (31).
(5)
انظر: (إنجيل متىَّ: 18: 19) موسوعة الكتاب المقدس (4/ 168) مرجع سابق.
(6)
انظر: (إنجيل متىَّ: 19: 19) موسوعة الكتاب المقدس (4/ 168) مرجع سابق.
(7)
سورة الإسراء الآية: (23).
(8)
سورة النساء الآية: (36).
حل جميع المشاكل المتراكمة وإيجاد المخرج لها، من إلقاء العداوة والبغضاء بينهم إلى يوم القيامة، وأما ما نراه في كتب أهل الكتاب الموجودة بين أيدينا الآن من الكذب والبهتان الذي ينسبونه إلى نبي الله عيسى عليه السلام من دعوته إلى الإرهاب فهو محض افتراء، وتحريف للكلم عن مواضعه، ويتذرعون به لقتل البشر بغير حق، فقد جاء في (إنجيل متى: 10: 3435) أنه قال: (لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض. ما جئتُ لأُلقي سلاماً بل سيفاً؛ فإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه، والابنة ضد أمها، والكنة ضد حماتها)(1).
وما جاء في هذه النصوص فهو "يشير إلى أن الإنجيل المحرَّف يحوي نصوصاً تدعو إلى القتل والإبادة والإرهاب والجريمة"(2).
وكذلك ما نراه من النصوص اليهودية التي تقول: (إذا ضرب أممي إسرائيلياً يستحق الموت) والأممي عندهم هو كل إنسان غير يهودي، ويقولون أيضاً:(اليهود أحب إلى الله من الملائكة، وهم من عنصر الله كالولد من عنصر أبيه فمن يصفع اليهودي كمن يصفع الله) وغيرها من النصوص التي تجعلهم شعب الله المختار، وأن عنصرهم هو الأسمى على العناصر الأخرى؛ وغير ذلك من الأماني التي تدعوهم للغرور والكذب، منها ادعاء أن الله سيغفر لهم كل ما عملوه من جرم وقتل؛ كونهم ليسوا كغيرهم، فضرب الله عليهم الذلة والمسكنة وغضب عليهم بسبب ما سبق (3).
فهذه أمثلة أوردناها من التوراة والإنجيل قبل التحريف وبعده، نجد فيها أنها قبل التحريف تحث على حسن الأخلاق ومكارمها، وتنهى عن رذائلها وسفاسفها، أما بعد التحريف فإنها على العكس من ذلك، والعجب اليوم من اليهود والنصارى أن يجمعوا بين النقائض، أعني أنهم في الواقع يعملون بالتعاليم المحرفة، ويسلكون في تطبيقها كل سبل التوحش، متنكرين للتعاليم القديمة التي تحث على الأخلاق الحسنة، أما في التنظير وخطاب الرأي العام فإنهم يدعون إلى السلام الشامل والوئام، وحسن الجوار واحترام الآخر!
(1) انظر: إنجيل متىَّ: (10: 34 - 35) موسوعة الكتاب المقدس (4/ 152).
(2)
انظر: صورة اليهود في القرآن والسنة الأناجيل (ص: 20) المؤلف: إبراهيم أبو عواد، الناشر: دار اليازوري العلمية، الأردن، الطبعة العربية - 2008 م.
(3)
انظر: اليهود في القرآن (ص: 815) المؤلف: سيد سابق، الناشر: دار الفتح للإعلام العربي القاهرة، الطبعة الرابعة (1415 هـ 1994 م).