الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي: أن هذا التحريف قد رمى به كل فريق منهم الآخر، وهذا يعد إقراراً منهم بالجملة، وكلا الفريقين مقر بوقوع التحريف فلا نحتاج إلى إثباته؛ لأنه أصبح إقراراً منهم.
وأما إثبات التحريف اللفظي: فقد أنكره علماء البروتستانت في الظاهر، ولكن هذا التحريف اللفظي بجميع أقسامه ثابت في كتب العهدين القديم والجديد، وسنقوم بتبين ذلك مقتبسين من كلام الشيخ رحمت الله الهندي، فنقول:
إثبات التحريف اللفظي بالتبديل:
إن النسخ المشهورة للعهد القديم عند أهل الكتاب ثلاث:
الأولى: النسخة العبرانية: وهي المعتبرة عند اليهود، وجمهور علماء البروتستانت.
الثانية: النسخة اليونانية: وهي التي كانت معتبرة عند المسيحيين إلى القرن الخامس عشر الميلادي، وكانوا يعتقدون إلى هذه المدة أن النسخة العبرانية محرفة، ولكنها كانت معتبرة عند الكنيسة اليونانية وكنائس المشرق، وهاتان النسختان تشتملان على جميع الكتب من العهد القديم.
الثالثة: النسخة السامرية: وهي المعتبرة عند السامريين، وهي نفس النسخة العبرانية، لكنها لا تشتمل إلا على سبعة كتب من العهد القديم فقط، وهي الكتب الخمسة المنسوبة إلى موسى عليه السلام، وكتاب يوشع، وكتاب القضاة؛ لأن السامريين لا يسلمون بالكتب الباقية من العهد القديم، وتزيد هذه النسخة على النسخة العبرانية في الألفاظ والفقرات الكثيرة التي لا توجد فيها الآن (1).
ونظراً لطول الكلام في إثبات تحريف الثلاث النسخ للعهد القديم سنكتفي هنا بذكر نسخة واحدة من نسخ العهد القديم، وهي النسخة العبرانية؛ كونها تشبه النسخة السامرية؛ ولأنها كانت معتبرة عند بعض الكنائس اليونانية وغيرها.
الفرع الثاني: الأدلة على وقوع التحريف في النسخة العبرانية:
أولاً: ما ذكره أشهر رجالهم ومفسريهم، فقد قال جامعوا تفسير هنري واسكات" (2): " أن القديس إغسطينوس (3) كان يقول: اليهود قد حرفوا النسخة العبرانية في الأزمنة القديمة التي قبل زمن
(1) انظر: إظهار الحق، (1/ 238 - 239) مرجع سابق.
(2)
هنري واسكات وأكستائن، الذي كانا أعلم العلماء المسيحية في القرن الرابع من القرون المسيحية. انظر: إظهار الحق (1/ 241) مرجع سابق.
(3)
أحد كبار رجال الدين في الكنيسة اللاتينية ومن أبرز مفكريها، ولد في شمال أفريقيا عام 350 والده وثني وأمه مسيحية متدينة، له مؤلفات شهيرة منها اعترافات، ومدينة الله، وتوفي عام 430 م. انظر: الموسوعة السياسية، (1/ 36407) مرجع سابق.
الطوفان وبعده، وفعلوا هذا بعد المسيح؛ لتصبح الترجمة اليونانية غير معتبرة، ولعناد الدين المسيحي، ومعلوم أن الآباء القدماء المسيحيين كانوا يقولون مثله، وكانوا يقولون: إن اليهود حرفوا التوراة في سنة مائة وثلاثين ميلادية" (1).
ويتضح أنه قد شهد بهذا التحريف الكثير من أشهر مفسري النصارى، وهذا يُعدُّ اعترافاً مهماً منهم بذلك.
ثانياً: ما قاله بعض علماء البروتستانت أن النسخة العبرانية هي الأصل عند جمهور علماء البروتستانت كما تقدم، ومع هذا "فكثير من محققي علماء البروتستانت مثل كي كات وهيلز وهيوبي كينت وغيرهم يعتبرون النسخة السامرية دون النسخة العبرانية، ويعتقدون أن اليهود حرفوا العبرانية، وجمهور علماء البروتستانت أيضاً يضطرون في بعض المواضع إلى السامرية ويقدمونها على العبرانية"(2).
فتبين أنه حتى جمهور علماء البروتستانت يضطرون للرجوع إلى النسخة السامرية ويقدمونها على العبرية؛ لأنهم يعتقدون أن اليهود حرفوا العبرانية.
وقد نقل مفسرهم الشهير آدم كلارك الإجماع أن اليهود قد حرفوا النسخة العبرانية (3) بسبب العداء بينهم وبين السامرية، والذي يظهر من هذا أن التحريف هو دأب اليهود في كل زمانٍ ومكان، وأنهم سيحرفون كتب من حصل بينهم وبينه أي عداء.
ثالثاً: الأمثلة على ذلك التحريف والتناقض:
ومن الأمثلة على وقوع الاختلاف والتناقض بين النسخة السامرية والعبرانية في الزيادة في الألفاظ والفقرات كما يلي: جاء في سفر التثنية: (فإذا عبرتم الأردن فانصبوا الحجارة التي أنا اليوم أوصيكم في جبل عِيبال وشيدوها بالجص تشييداً)(4).
(1) انظر: دلائل تحريف الكتاب المقدس، (1/ 3031) المؤلف: الدكتور شريف سالم، إظهار الحق (1/ 241 - 242) مرجع سابق.
(2)
انظر: إظهار الحق (1/ 238 - 239) مرجع سابق.
(3)
انظر: إظهار الحق (1/ 240) مرجع سابق.
(4)
انظر: سفر التثنية (4: 27) ، موسوعة الكتاب المقدس، (1/ 340).
ووردت هذه العبارة في النسخة السامرية هكذا: (فانصبوا الحجارة التي أنا أوصيكم في جبل جِرْزيم) وعيبال وجِرزيم جبلان متقابلان كما يفهم من الآية الثانية عشرة والثالثة عشرة من هذا الباب، ومن الآية التاسعة والعشرين من الباب الحادي عشر من هذا الباب، فيفهم من النسخة العبرانية أن موسى عليه السلام أمر ببناء الهيكل أعني: المسجد على جبل عيبال، ومن النسخة السامرية أنه أمر ببنائه على جبل جِرْزيم.
والذي تبين مما سبق أن جبل جرزيم فيه إشارة إلى بركة الشعب، وعيبال إشارة إلى لعن بعض الشعب_ وبين اليهود والسامريين سلفاً وخلفاً نزاع مشهور، تدَّعي كل فرقة منهما أن الفرقة الأخرى حرَّفت التوراة، وكذلك يوجد بين علماء البروتستانت اختلاف في تحديد هذا الموضع.
قال مفسرهم الشهير آدم كلارك: "إن المحقق كني كات يدعي صحة السامرية، والمحقق باري ودرشيور يدعيان صحة العبرانية، لكن كثيراً من الناس يفهمون أن أدلة كني كات لا جواب لها، ويجزمون بأن اليهود حرفوا لأجل عداوة السامريين، والكل يسلمون أن جرزيم ذو عيون وحدائق ونباتات كثيرة، وعيبال جبل يابس لا شيء عليه من هذه الأشياء
…
وعلم منه أن التحريف واقع في النسخة العبرانية، وأن أدلة كني كات قوية جداً" (1).
وهذه الفقرة أو الآية تكون كافية لإثبات التحريف والتناقض في الكتاب المقدس، وأي كتاب يكون فيه مثل هذا التناقض والتحريف لا يصح أن يقال: إنه من رب العالمين، أو أنه وحي منه سبحانه وتعالى؛ لأنه كتاب محرف، وكل كتاب طرأ عليه التحريف لا يكون كتاباً مقدساً.
ومن الأدلة على تحريف اليهود للنسخة العبرانية، تبديل كلمة:(الزوجة) مكان (الأخت) وهذا ما جعل جمهور البروتستانت يتركون النسخة العبرانية ويتبعون التراجم الأخرى كاليونانية واللاتينية والسريانية؛ لأن التحريف في النسخة العبرانية أصبح ظاهراً بلا شك، فقد جاء في النسخة العبرانية:(وكان اسم أخته معكه)(2)، والصحيح أن يكون لفظ الزوجة بدل لفظ الأخت هكذا:(وكان اسم امرأته معكه)، قال آدم كلارك: "وقع في النسخة العبرانية لفظ الأخت، وفي اليونانية واللاتينية
(1) انظر: إظهار الحق (1/ 243) مرجع سابق.
(2)
انظر: سفر أخبار اليوم الأول (35: 9) ، موسوعة الكتاب المقدس، (2/ 153).