الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبقوله تعالى: {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} (1). وكان هذا الهدى والنور الذي تحتوي عليه التوراة والإنجيل للذين يخافون ربهم ويخشونه، قال تعالى:{وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} (2).
وكان من أهم ما ورد التحذير منه في آيات الخطاب القرآني هو التكذيب والكفر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم؛ كونهم يعلمون أنه رسول حق، وأن الله أنزل معه القرآن مصدقاً لكتبهم السابقة، ومهيمناً عليها، وناسخاً لما فيها، لقوله تعالى:{وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (3).
وأخبر الله أنهم كانوا يعرفون نبوة محمد صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم، وكانوا يستفتحون به قبل المعارك على إخوانهم العرب، كما أخبر الله عن ذلك بقوله تعالى:{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (4).
وقد كان اليهود يستفتحون بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم على الذين كفروا من العرب قبل بعثته صلى الله عليه وسلم ، وكانوا يقولون: اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان، ويتوعدونهم بأنهم سيقتلونهم قتل عاد وإرم.
الفرع الثاني: خلاصة آيات الخطاب المتعلقة بالكتب السماوية:
إن كل الأدلة السابقة في هذا المبحث تدل دلالة واضحة على ما يلي:
1 -
وجوب الإيمان بالقرآن الكريم والعمل بما فيه، ومعنى الإيمان بالقرآن هو: التصديق به، والعمل بما فيه، والاعتقاد أنه الحق الذي أنزله الله على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام أمين الملائكة، وأنه الناسخ للكتب السماوية السابقة، والمهيمن عليها، والمصدق لما فيها، وأنه الكتاب الوحيد الذي لم تصله يد التحريف.
2 -
تحذير أهل الكتاب من الكفر بالقرآن الكريم وبآيات الله، ومن التمادي والتكذيب في ذلك.
(1) سورة المائدة الآية: (46)
(2)
سورة الأعراف الآية: (154)
(3)
سورة البقرة الآية: (101).
(4)
سورة البقرة الآية: (89).
3 -
أن القرآن الكريم هو الكتاب المعجز في كل ألفاظه وآياته، ودلالاته، وأنه الكتاب الوحيد الذي لا يتعارض ولا يتناقض مع العلم الحديث، وأنه سبق العلوم الحديثة بالإخبار عنها، بعكس الكتب السابقة التي طرأ عليها التحريف والتبديل، ودخول كلام البشر عليها حتى غلب عليها أقوال البشر، واستمرت أيدي التحريف تنالها حتى عصرنا الحديث عن طريق أحبارهم ورهبانهم.
4 -
أن العلم الحديث أثبت بطلان ما في التوراة والإنجيل من الأخبار التي تتعلق بالأمور العلمية في عصرنا الحديث، وأنها تتعارض مع العلوم الحديثة جملة وتفصيلاً، وتصطدم معها؛ مما يدل على أنها لا تكون من كلام الله الذي أحاط بكل شيء علماً.
5 -
أثبت العلم الحديث أن القرآن الكريم هو الكتاب الحق الصادق بإخباره عن الأمم السابقة واللاحقة، وعن غيب الماضي والحاضر والمستقبل، بخلاف الكتب الأخرى المحرفة.
6 -
أن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي توعد الله بحفظه، فحفظه في الصدور، وفي السطور على مر العصور، فإذا سألت شخصاً مسلماً في أمريكا أو في الصين أو في روسيا أو في أفريقيا أو في أي قطر من أقطار المعمورة عن القرآن الذي معه لقال: لك: القرآن الكريم، وهو كتاب واحد بنفس الصيغة لم يتغير منه حرف واحد، ولم تتبدل منه حركة واحدة خلال أربعة عشر قرناً، وكل ذلك مصداقاً لقوله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (1) ، "وكلمة (حافظون) اسم فاعل يدل على وقوع حفظ القرآن في الماضي، وفي الحاضر: وقت نزول القرآن، وفي المستقبل "(2).
وهذا هو الواقع المشاهد للقرآن الكريم، بخلاف التوراة والإنجيل التي حرفت وبدلت، فإنجيل متى غير إنجيل يوحنا، وإنجيل يوحنا غير إنجيل لوقا وهكذا، وكذلك التوراة، فسفر التكوين غير سفر الخروج، وكذلك الكتاب المقدس _كما يزعمون_، فالعهد القديم غير العهد الجديد، وبهذا التحريف والتبديل الذي وقع فلا توجد توراة موسى عليه السلام ، ولا إنجيل عيسى عليه السلام ، والموجود إنما هو كلام بشر، وهم: يوحنا ولوقا ومرقص
…
الخ.
(1) سورة الحجر الآية: (9).
(2)
انظر: البرهان شرح كتاب الإيمان، (ص: 125) المؤلف: الشيخ عبد المجيد الزنداني، الطبعة الأولى عام (1427 هـ 2007 م) الناشر: مركز بحوث جامعة الإيمان.