الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو دعوة صالح عليه السلام: قال تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} (1).
وهو دعوة شعيب عليه السلام: قال تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ} (2).
وهو دعوة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم: قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} (3).
ومن خلال هذه الآيات تبين أن دين الله هو دين التوحيد، وأن دين جميع الأنبياء والمرسلين هو دين التوحيد القائم على ترك كل ما سوى الله عز وجل.
وهذا التوحيد قد جاء أيضاً في الكتب السابقة ففي التوراة (سفر التثنية 6: 4) وفي إنجيل (مرقس 30،29: 12) جاءت هذه الجملة: (اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد. فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك)(4).
ولم يكن التوحيد مجرد أمر ثانوي يدعى إليه الخلق، بل كان هو الأصل، وهو الميثاق الذي أخذه الله من الناس، كما أنه الميثاق الذي أخذه الله على بني إسرائيل من اليهود والنصارى بقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ
…
} (5).
الفرع الثاني: آيات الخطاب التي تأمر أهل الكتاب بالتوحيد، وأقوال المفسرين فيها
.
سنبين هنا بإذن الله خطاب القرآن الكريم لأهل الكتاب من اليهود والنصارى بدعوتهم إلى توحيد الله عز وجل، وسنذكر الآيات التي تتعلق بذلك، وأقوال المفسرين فيها:
الآية الأولى:
(1) سورة هود: الآية (61).
(2)
سورة هود: الآية (84).
(3)
سورة فصلت الآية: (6 - 7).
(4)
انظر: موسوعة الكتاب المقدس، سفر التثنية 6: 4، (1/ 311) المؤلف: شحادة بشير، الناشر: المكتبة الشاملة، وإنجيل (مرقس 30، 29: 12) المرجع السابق (4/ 213).
(5)
سورة البقرة: الآية (83).
أما الخطاب في هذه الآية فكما قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "هذا الخطاب يعم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن جرى مجراهم (أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا) لا وثناً ولا صليباً ولا صنماً ولا طاغوتاً ولا ناراً ولا شيئاً، بل نفرد العبادة لله وحده لا شريك له؛ وهذه هي دعوة جميع الرسل، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (2) "(3).
وفي تفسير أبي السعود: "أن هذه الآية أمر بخطاب أهل الكتابين، وقيل: بخطاب وفد نجران، وقيل: بخطاب يهود المدينة. (تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) لا يختلف فيها الرسل والكتب، وهي: (ألا نعبد إلا الله) أي: نوحده بالعبادة ونخلص فيها (ولا نشرك به شيئا) ولا نجعل غيره شريكا له في استحقاق العبادة، ولا نراه أهلاً لأن يعبد"(4).
وهكذا يتفق المفسرون على أن الخطاب في هذه الآية موجة إلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وأنهم مدعوون إلى توحيد الله تعالى وإلى شهادة أن لا إله إلا الله، ونبذ الشرك به. بل إن الآية الكريمة تنص على أن كلمة التوحيد هي الكلمة السواء التي اتفق الرسل عليها، ونزلت الكتب بها، وأنه لا خلاف بينهم عليها كما ذكرنا من قبل؛ لكن أهل الكتاب من اليهود والنصارى تغَّير موقفهم من التوحيد إلى الشرك حينما طال عليهم الأمد، وأضاعوا الكتب، وضلوا عن حقيقة دينهم، فأخذوا تعاليم دينهم من الأحبار والرهبان الذين لم يكونوا حفظة لها بحق، فحرفوا وبدلوا الدين، وأدخلوا فيه ما ليس منه، ولم يكن التحريف قاصراً على فروع الدينأعني: أحكام الحلال والحرام بل امتد ذلك التحريف ليطال أصل الدين وجوهره، فأدخلوا الشرك وجعلوه من أصول الدين، وقد تجلى ذلك في تقديس أنبيائهم واتخاذهم أرباباً مع الله تعالى، ثم تقديس أحبارهم ورهبانهم واتخاذهم أرباباً من دون الله، فأحلّوا لهم الحرام، وحرموا عليهم الحلال، فتعالى الله
(1) سورة آل عمران: الآية (64).
(2)
سورة الأنبياء الآية: (25).
(3)
انظر: تفسير القرآن العظيم (1/ 372) مرجع سابق.
(4)
انظر: إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم (2/ 47) مرجع سايق.
عما يقولون علواً كبيراً، والكلام عن التحريف الذي مر به دينا اليهود والنصارى له قصة طويلة، وليس هذا موضع ذكرها، فهي معروفة في مواطنها، ولعلنا نتطرق لذكر طرف منها في مواطن قادمة من الفصل الرابع؛ لكن الشاهد أنه بعد هذا التحريف والتحول الذي مر بالديانتين اليهودية والنصرانية من التوحيد إلى الشرك، ومن الحق إلى الباطل جاء هذا الدين يدعوهم للعودة إلى التوحيد من جديد، ويأمرهم بتغير موقفهم من عقيدة التثليث إلى التوحيد كما في الآية التي ذكرناها.