الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعد أن ذكرنا بعض الأمثلة على التحريف للعهدين القديم والجديد قديماً وحديثاً سنذكر في هذا المبحث مجموعة من الشهادات لبعض العلماء المشهورين في الديانتين النصرانية واليهودية، ونذكر كذلك مجموعة من مقولات دوائر المعارف الأمريكية والبريطانية والفرنسية المعتمدة، والتي تحتفظ بالمخطوطات القديمة للعهدين القديم والجديد، والتي تؤكد لنا أنه قد حصل لها الكثير من التبديل والتغيير من قبل بعض النُّسَّاخ والكُتَّاب بقصد أو بغير قصد، وأنه قد حصلت بعض الأخطاء ووجدت بعض الاختلافات بين الكلمات في المخطوطات، ووجد فيها الحذف والتغيير لبعض الكلمات والفقرات، وسيكون الكلام في هذا المبحث في خمسة مطالب:
المطلب الأول: شهادات علمائهم على وقوع التحريف من النُّسَّاخ والكتبة، وفيه:
الفرع الأول: اعتراف صاحب كتاب مرشد الطالبين (الدكتور سمعان كهلون):
أما هذا الاعتراف الأول فهو لكبير علمائهم، وهو الدكتور سمعان كهلون صاحب كتاب مرشد الطالبين الكتاب الكنسي الشهير، وهذا الكتاب من أهم المراجع الأرثوذكسية، يقول:" ومن المعلوم أنه في نساخة هذه الكتب خطأ من زمان إلى زمان لعدم معرفة صناعة الطبع يومئذ وربما (1) (2) يوجد حذف أو تغيير أو خلل في الحروف أو الكلمات في بعض النسخ (3) ، ولكن لا يوجد خلل في أحد التعاليم الضرورية، أما كتب العهد القديم فقد قال عنها: "وأما صيانة الكتب المقدسة إلى يومنا هذا، فإنه وإن كانت النسخ الأصلية قد ضاعت؛ لكن كتب العهد الجديد قد حفظت بلا تحريف ولا خلل جوهري، وهي مثلما صدرت أولاً من أيدي كاتبيها في جميع الظروف المعتبرة" (4).
فهذا شاهد من أهل الكتاب يشهد أن الكتاب المقدس المسمى بالعهد الجديد توجد فيه الأخطاء، وتوجد فيه الحذف والتغيير، ويوجد الخلل في نقل بعض الحروف، وأما العهد القديم فقد تبين أن النسخة الأصلية قد ضاعت، فأيُّ كتاب مقدس هذا الذي يشهد علماؤه أنه قد حُرف وغُيِّر
(1) انظر: مرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين، (ص: 13) ، المؤلف: الدكتور سمعان كهلون، الناشر: مدرسة العلوم الأمريكية، طبع في بيروت عام: 1869 م.
(2)
وقوله: (ربما) تدل على أن المؤلف قد حصل له الشك في كتابهم المقدس، وما حصل فيه من حذف أو تغيير أو خلل في الحروف أو الكلمات في بعض النسخ.
(3)
ويقصد المؤلف بالنسخ كتب العهد الجديد.
(4)
انظر: مرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين (ص: 13) مرجع سابق.
وضاعت نسخه الأصلية، وأنه قد حصل من بعض النُّسَّاخ استبدال حرف مكان حرف آخر، أو كلمة مكان أخرى!
ثم نجدهم يبررون لافتراءاتهم وتحريفاتهم بأن ذلك كان بسبب جهالة النُّسَّاخ ، وبسبب الأخطاء المطبعية من الطباعين، أو بسبب ضياع النسخ الأصلية، وفُقدان سندها، ووقوع المصائب والفتن على المسيحيين، والذي يظهر أن الصحيح هو الضياع للنسخ الأصلية وفقدانها، ثم جاء من بعدَهُم فقاموا بكتابتها وسموها بأسماء مقدسة، وكتبوا عليها أسماءهم، وإلا فأين إنجيل عيسى عليه السلام أو توراة موسى عليه السلام التي أنزلها الله عليهم؟
وأما قوله: "بجميع الظروف المعتبرة" فإنني أعتقد أن هذا القول بأن العهد الجديد لم يحرف غير صحيح، وإنما هو اعتراف منه بأنهم قد مروا بظروف صعبة، وهذه الظروف الصعبة أفقدتهم الكتاب المقدس القديم والجديد، وهذا الكلام يوافق ما قاله واعترف به القسيس الشهير فرنج في مناظرته مع العلامة رحمت الله الهندي بقوله:" إن سبب فُقدان السند عندنا ووقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدة ثلاثمائة وثلاث عشرة سنة"(1).
ثم يتكلم عن الأسفار الخمسة بقوله " ويتضح جلياً من مطالعة هذه الأسفار بأن كاتباً ما بعد موسى إما يوشع أو صموئيل أو عزرا قد أدخل في الوحي بعض جمل تفسيرية
…
" (2).
والجواب على ما سبق: أن هذا الكلام لا يقبله منكم عاقل؛ لأنكم قد خلطتم كلام الله بكلام غيره، فحرفتم وغيرتم أحكامه وشرائعه، واتبعتم أهواء أحباركم ورهبانكم في ضلالهم وباطلهم، قال تعالى: {
…
وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} (3).
وإلَّا فلماذا حفظ القرآن الكريم خلال أربعة عشر قرناً، ولم يحصل له أي تغيير أو غلط من النُّسَّاخ أو الحفاظ، ولم يبدل حرف مكان آخر، ولم تتبدل أية بأخرى، ولا تختلف طبعة على أخرى في جميع أنحاء الأرض؟ والجواب معروف، وهو أن القرآن الكريم قد تكفل الله بحفظه، وأما كتب أهل الكتاب فإنهم لم يراعو حرمة كتبهم التي أوكلها الله إليهم، وأما اليهود فقد عُرفوا بنقضهم لعهودهم ومواثيقهم، وصدق الله القائل: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ
(1) انظر: إظهار الحق (ص: 62) مرجع سابق.
(2)
انظر: الكتاب المقدس في الميزان (ص: 98) مرجع سابق.
(3)
سورة المائدة الآية: (77).
مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (1).
قال سيد قطب: "وطابعهم الأصيل هو تحريف الكلم عن مواضعه، تحريف كتابهم أولاً عن صورته التي أنزلها الله على موسى عليه السلام إما بإضافة الكثير إليه مما يتضمن أهدافهم الملتوية ويبررها بنصوص من الكتاب مزورة على الله! وإما بتفسير النصوص الأصلية الباقية وفق الهوى والمصلحة والهدف الخبيث! ونسيان وإهمال أوامر دينهم وشريعتهم، وعدم تنفيذها في حياتهم ومجتمعهم، لأن تنفيذها يكلفهم الاستقامة على منهج الله الطاهر النظيف القويم"(2).
وهذه الآية فيها دلالة على أن الخيانة لاتزال تتجدد منهم، وأكبر خيانة مارسوها هي تحريفهم كتب الله التي استحفظهم الله إياها، فخانوه وقاموا بتحريفها.
ثم استمع إلى ما يقوله صاحب مرشد الطالبين أيضاً: " وأما وقوع بعض اختلافات في نسخ الكتب المقدسة، فليس بمستغرب عند من يتذكر أنه قبل اختراع صناعة الطبع في الجيل الخامس عشر، كانت كل الكتب تنسخ بخط القلم، ولابد أن يكون بعض النُّسَّاخ جاهلاً، وبعضهم غافلاً، فلا يمكن أن يسلموا من وقوع الزلل ولو كانوا ماهرين في صناعة الكتابة، ومتى وقعت غلطة في النسخة الواحدة فلابد أن تقع أيضاً في كل النسخ التي تنقل عنها، وربما يوجد في كل واحدة من النسخ غلطات خاصة بها لا توجد في الأخرى، وعلى هذا تختلف الصور في بعض الأماكن على قدر اختلاف النسخ، وفضلاً عن ذلك ربما جعل بعض النُّسَّاخ بجهالتهم حرفاً مكان آخر، أو كلمة مكان أخرى، أو أسقطوا بغفلتهم شيئاً من ذلك "(3).
الفرع الثاني: اعتراف جورج كيرد (4)(رئيس الجمعية الكندية لدراسة الكتاب المقدس).
ومما يؤكد عدم صحة هذه الكتب وجود اعترافات أخرى أدلى بها كبار قياداتهم، كرئيس الجمعية الكندية لدراسة الكتاب المقدس جورج كيرد وصاحب تفسير إنجيل لوقا بقوله: " إن أول نص مطبوع من العهد الجديد كان ذلك الذي قدمه أرازموس عام (1516 م) ، وقبل هذا التاريخ كان
(1) سورة المائدة الآية: (13)
(2)
انظر: في ظلال القرآن، (2/ 859) مرجع سابق.
(3)
انظر: مرشد الطالبين (ص: 13 - 14) ، مرجع سابق.
(4)
الدكتور جورج بردفورد كيرد صاحب تفسير إنجيل لوقا رئيس الجمعية الكندية لدراسة الكتاب المقدس.