الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقديم
الحمد لله حمد الشاكرين الذّاكرين المقرّين بالآلاء والنّعم، وصلّى الله على سيّدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وخير الخلق من عرب وعجم، وعلى آله وصحبه أجمعين أولي المجد والكرم، وبعد:
فقد كتب على تراث الأمة الإسلامية أن يعيش ما عاشته الأمة من محن ونكبات، إذ ضاع الكثير من ذلك التراث في أتون الصّراعات، وتفرّقت البقية الباقية منه شذر مذر في سائر الأقطار والأمصار؛ فقد حفظ قسم كبير منه في مختلف خزائن الكتب العامة، فتمّت الاستفادة منه تحقيقا ودراسة ونشرا، وكنز قسم آخر منه في مكتبات خاصّة دون الوصول إليه شرط الحداد، وخرط القتاد.
ومن بين هذا التراث المكنوز نفائس نادرة، طالما تطلّعت إليها همم الباحثين، واشرأبّت لها أعناق الدارسين، لكنها كانت تذكر بحسرة في مؤلّفاتهم وأبحاثهم على أنها مصنّفات مفقودة أو ضائعة.
ومن أبرز تلك الكنوز النادرة: كتاب الدّرّ الثمين في أسماء المصنّفين لابن أنجب الساعيّ، الذي اشتهر بعنوان أخبار المصنّفين، والذي يعدّ من أهمّ مؤلفات هذا العالم الكبير، فقد ذكر، في أكثر من بحث، أنه من الكتب المفقودة، وكنا بدورنا نحسبه كذلك، على الرّغم من أننا كنّا نعلم أنه كان من الضّنائن التي تفرّدت بحفظها خزانة العلاّمة محمد عبد الحيّ الكتّاني رحمه الله (1)؛ لكننا لم نقف له على ذكر في فهارس مخطوطات الخزانة الوطنية، قسم الخزانة الكتّانية. وبعد الاطّلاع على كشّاف الكتب المخطوطة المحفوظة بالقصر الملكيّ بمراكش، الذي أنجزه محمد بن
(1) التراتيب الإدارية 2/ 457، وتاريخ المكتبات الإسلامية:148 - 149.
عبد الهادي المنونيّ رحمه الله، تحقّقت البغية، وتيسّر الطلب، وكانت المفاجأة الكبرى، حين عثرنا على هذا الكتاب ضمن القسم الباقي من خزانة هذا العالم الجليل، المحفوظ هناك.
ويعدّ كتاب الدّرّ الثمين في أسماء المصنّفين من أهمّ المصادر التي استقصت أخبار المصنّفين وما صنّفوه في التراث العربي، ويضمّ هذا الجزء؛ الذي نسعد اليوم بإخراجه إلى النّور؛ أربع مائة وثمان عشرة ترجمة من تراجم المصنّفين، وأسماء مصنّفاتهم، ونتفا من أشعارهم، وطرائف من أخبارهم، منها إحدى وعشرون ترجمة لرجال القرن السابع الهجري.
وقد صدّره مؤلّفه بمقدّمة لم يبق منها إلا قسم يسير. وافتتح كتابه هذا بتراجم المحمّدين، فبدأ بترجمة محمد بن إدريس الشافعيّ، باعتباره «أول من صنّف الفقه ودوّنه» ، وأتبعهم بتراجم من سمّي إبراهيم، فالذي يليه حسب ترتيب حروف المعجم (1).
ولم يلتزم ابن أنجب بمنهج محدّد في تراجم هذا الكتاب، فهناك تراجم طويلة استوفى فيها الأركان الأساس في الترجمة، كالاسم والكنية، وبعض الشيوخ، والتلاميذ، والمصنّفات، وتاريخ المولد والوفاة، وأضاف إلى ذلك بعض الأخبار، أو النّكات الأدبية، أو ما استحسن من أشعار وأخبار المترجم، وهناك تراجم قصيرة لا تتعدّى السطر أو السّطرين أخلّ المؤلّف فيها بما سبق ذكره من أركان الترجمة.
وعلى الرّغم من أنّ أغلب من ترجمهم ابن أنجب في هذا الكتاب سبق التعريف بهم في كتاب الفهرست للنّديم، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي، إلاّ أنّ كتاب الدّرّ الثمين يضمّ مجموعة مهمّة من تراجم شيوخ ابن أنجب ومعاصريه. وهو فيها عمدة لغيره، ومصدر هامّ لها لا يستغنى عنه، لأنه استقى بعض أخبار مترجميه منهم مباشرة، دون عزو أو إسناد،
(1) اقتدى ابن الساعي في هذا الترتيب بترتيب كتب التراجم الأولى وعلى الأخص منها التاريخ الكبير للإمام البخاري (ت 256 هـ) رحمه الله.
كما وقف على مؤلّفاتهم، وقرأ بعضها عليهم، وأشار إلى ذلك في غير ما موضع من هذا الكتاب.
كما يضمّ الدّرّ الثمين طائفة مهمّة من الإفادات التاريخية، وأخبار بعض المدارس والرّباطات، وتواريخ افتتاحها، وذكر بعض الشّيوخ الذين درّسوا بها، وغير ذلك من المعلومات التي لا تخفى أهميتها، وإن جاءت عرضا في تضاعيف تراجم المصنّفين.
والجانب الطريف والهامّ في هذا الكتاب، والذي يهمّ علماء الفهرسة والمتتبّعين لأخبار الكتب بشكل خاصّ، هو ما يتعلّق ببعض أخبار ابن أنجب نفسه، وبعض أسماء مصنّفاته التي لا تزال مفقودة إلى الآن، فقد ذكر في كتابه هذا ستة عشر عنوانا من مؤلّفاته التي لا نجد لها ذكرا في غير هذا الكتاب. كما وجدنا فيه أيضا أخبارا في غاية الأهميّة عن بعض المؤلّفات التي قرأها، أو تملّكها، أو وقف عليها في خزانة كتب المدرسة النّظامية، إلى غير ذلك من أخبار المصنّفات والمصنّفين التي أتحفنا بها ابن الساعي في درّه الثمين.
هذا، وقد اعتمد ابن أنجب، في جمع بعض هذه الأخبار، على مجموعة مهمّة من مصادر التراث، ولقف بعضها الآخر من أفواه شيوخه، أو ممّا شاهده أو طالعه في كتب المتأخّرين، ولا شكّ أن عمله، كخازن للكتب في خزانتين عظيمتين هما: خزانة المدرسة النّظامية، وخزانة المدرسة المستنصرية، قد ساعده على جمع هذا الكمّ الهائل من أخبار المؤلّفين ومؤلّفاتهم.
وقد حاولنا في هذا العمل نقل متن الدّرّ الثمين من أصله نقلا سليما، مراعين فيه قواعد الإملاء الحديثة، مع شكل ما أشكل من الأسماء، وتوثيق ما يستلزم التوثيق من روايات وأشعار وأخبار، بإيجاز واختصار، وصدّرنا الكتاب بتقديم تناولنا فيه محورين رئيسين:
-عرضنا في المحور الأول حياة ابن أنجب الساعي، فذكرنا نسبه، وبعض شيوخه، وتلاميذه، ومكانته في عصره، ووظائفه، ومؤلّفاته،
ووفاته.
-وتناولنا في المحور الثاني المؤلّف، حيث عرّفنا بكتاب الدّرّ الثمين في أسماء المصنّفين، ووثّقنا نسبته لصاحبه، وحاولنا تحديد تاريخ تأليفه.
ووصفنا النّسخة الوحيدة التي اعتمدناها، وحدّدنا المنهج المتبع في الضّبط والتعليق، وذيّلنا الكتاب بفهارس عامة ومفصّلة.
وقد واجهتنا أثناء إنجاز هذا العمل عراقيل عدة، أهمّها صعوبة قراءة المخطوط، بسبب ما لحقه من رطوبة شديدة أدّت إلى التصاق أوراقه، بعضها ببعض، وتداخل أسطره بعضها ببعض، وما حدث من جرّاء ذلك من اندراس بعض كلماته، وانطماس بعض حروفه، ممّا جعل تبيّن رسم بعض الكلمات والحروف مستحيلا.
ولا يفوتنا في ختام هذا التقديم أن نقدّم الشكر الجزيل للأساتذة:
محمد أيوب الإصلاحي، وعزير شمس، ومحمد السّليماني، وعزّت حسن، وعبد الحكيم الأنيس، الذين تفضّلوا بموافاتنا بملاحظاتهم القيّمة بعد قراءة الكتاب قراءة متأنّية.
ندعو الله العليّ القدير أن نكون قد وفّقنا بعض التوفيق إلى إخراج هذا الكتاب على هذه الصّورة، آملين أن ينال لدى الباحثين عامة، والمثقّفين بشئون الكتاب خاصّة، ما هو جدير به من تقدير. كما ندعو الله تعالى أن يجعل مجهودنا هذا خالصا لوجهه الكريم، وأن يجعله من العلم النافع الذي يفيد في الحياة، ويدّخر أجره إلى ما بعد الممات، فمن رأى فيه حسنة قال، ومن رأى سيئة أقال. فخيرا أردنا، ومضنونا به أذعنا، وذخيرة أشعنا. والله الموفّق للصواب، وإليه المرجع والمآب.
والحمد لله الذي تتمّ بنعمته الصالحات
أحمد شوقي بنبين
محمد سعيد حنشي