الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا استنجدت عزمي قال لي
…
عند ما أدعوه: كلاّ لا وزر (1)
وكانت وفاة ابن أنجب الساعي في العشر الأواخر من شهر رمضان الأبرك سنة 674 هـ (2)، ودفن بمقبرة الشّونيزيّ بالجانب الغربيّ من مدينة بغداد، ووقف كتبه على خزانة المدرسة النّظامية (3).
II مع المؤلّف ونسبته إلى صاحبه:
أولا: الدّرّ الثمين في أسماء المصنّفين:
يعتبر كتاب الدّرّ الثمين لعليّ بن أنجب الساعي، من المصادر المهمّة في تراثنا العربي، ويضمّ الجزء الأول من هذا الكتاب تراجم المصنّفين، وأنسابهم، ومناقبهم، وأسماء مؤلّفاتهم، ونتفا من أشعارهم، وطرائف من أخبارهم.
وقد صدّره ابن أنجب بمقدّمة ضاع قسم كبير منها، وبدأ تراجم كتابه بالمحمّدين، فتراجم من سمّي إبراهيم، فالذي يليه، حسب ترتيب حروف المعجم. وقد افتتحه بترجمة وافية للإمام الشافعيّ، لأنه كما قال:«هو أول من صنّف في الفقه ودوّنه» (4)، وذكر نبذة من مناقبه، وما وجده من كتبه، وختم هذه الترجمة بذكر وفاته ومدفنه.
ولم يلتزم ابن أنجب بمنهج محدّد في تراجم هذا الكتاب، فأحيانا يذكر الأشياء الأساس في الترجمة كالاسم، والكنية، وبعض الشيوخ والتلاميذ والمؤلّفات، وتاريخ الوفاة، ثم يذكر بعض الأحداث التاريخيّة المهمّة التي وقعت في عصر المترجم، وبعض أخباره وأشعاره، ثم يتحدّث عن مكان مدفنه، إلى غير ذلك من النّكت والفوائد. وأحيانا
(1) طبقات الشافعية للإسنوي:1/ 347.
(2)
ذكر ذلك كل من ترجمه باستثناء صاحب الجواهر المضية الذي قال إنه توفي سنة 664 هـ.
(3)
طبقات الشافعية للإسنوي:1/ 347، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة:1/ 462، وطبقات المفسرين:1/ 395.
(4)
الدر الثمين:1.
أخرى يكتفي بترجمة قصيرة لآخرين في سطر أو سطرين، يذكر فيها الاسم والنسب وتاريخ الوفاة وبعض المؤلّفات. لذلك، تفاوتت تراجم هذا الكتاب من حيث الأهمية، والطول والقصر.
ويرجع هذا إلى أنّ غاية ابن الساعي الأولى ليست تراجم الأعلام بقدر ما هي سرد للمؤلّفات، لإبراز غنى وضخامة التّراث العربيّ: من بداية عصر التأليف حتّى عصره الذي هو القرن السابع للهجرة. وقد أكّد هذا بقوله في ترجمة أبي عليّ ابن سينا: «وليس هذا الكتاب بصدد أخبار المصنّفين، بل المقصود التعريض لذكر نبذة من أخبارهم وذكر تصانيفهم» (1).
لهذا، يمكن اعتبار الدّرّ الثمين كشّافا (2) لما كانت تزخر به الخزانة العربيّة الإسلامية من درر ونفائس ونوادر، أكثر منه كتاب تراجم، على الرّغم من تناوله لموضوع التراجم وما يحتوي عليه من إضافات مهمّة يكاد ينفرد بها. ولو وصل إلينا الكتاب كاملا لوقفنا على مزيد من المترجمين، ومن المؤلّفات التي فات ذكرها الكثير من معاصريه والذين جاءوا بعده.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ معظم مترجمي ابن أنجب؛ الشافعيّ المذهب؛ كانوا شافعيّة، وربّما كان هذا من الأسباب التي دعته إلى أن يستهلّ كتابه بترجمة الإمام الشافعيّ، ومع ذلك فإنه لم يغفل ترجمة أصحاب المذاهب الأخرى، كالحنفيّة والمالكية والحنبلية. غير أنّهم قلّة بالنسبة للشافعيّة حسب ما وقفنا عليه من تراجم هذا الكتاب.
وعلى الرّغم من أنّ أغلب الأعلام المترجمين في الدّرّ الثمين ترجموا في مصادر أخرى، كالفهرست لابن إسحاق النّديم، ومعجم الأدباء
(1) المصدر نفسه:274.
(2)
قال شاكر مصطفى: لو وصلنا كتاب الدر الثمين لكان ثروة للباحثين والعلماء فهو ثاني كتاب جامع يصدر في هذا الموضوع بعد كتاب الفهرس للنديم، وقد كان يغني عن الكثير من البحث: التاريخ العربي. والمؤرخون:4/ 307.
لياقوت الحموي، وغيرهما، إلاّ أنّ هذا الكتاب يضمّ مجموعة من تراجم شيوخ ابن أنجب ومعاصريه. وهو في هذه التراجم عمدة لغيره من الأدباء والمؤرّخين، لأنه استقى بعض الأخبار المتعلّقة بشيوخه ومعاصريه منهم مشافهة دون عزو أو إسناد.
فقد قال، مثلا، في ترجمة شيخه محمد بن سعيد بن يحيى بن عليّ ابن الحجّاج الدّبيثيّ، بعد أن وصفه بأكرم الصّفات، وحلاّه بأجمل الألقاب:«ذكر لي أنّ مولده في يوم الاثنين سادس عشر رجب من سنة ثمان وخمسين وخمس مائة» (1) وقال أيضا في ترجمة شيخه محمد بن أبي الفرج أبي المعالي المعروف بالفخر الموصلي: «سألته عن مولده، فقال:
في ذي الحجة من سنة تسع وثلاثين وخمس مائة، وتوفّي ليلة السبت لستّ خلون من شهر رمضان من سنة إحدى وعشرين وستّ مائة، ودفن في مقبرة السّهليّة بقرب جامع السلطان» (2). وقال في ترجمة سعيد بن المسيح المعروف بالكرماني:«سألته عن مولده، فقال: ولدت في سنة تسع وأربعين وخمس مائة» (3). ومنه أيضا: قوله في ترجمة محمد بن عبد الله بن محمد أبي العزّ البصري: «ذكر لي أنّ مولده في الثامن من المحرّم من سنة ستّ وست مائة في شهر آب الرّوميّ. . قدم بغداد في سنة ستّ وخمسين وستّ مائة» (4)، إلى غير ذلك من الأمثلة الموجودة في الكتاب.
كما ذكر ابن أنجب في تراجم شيوخه مجموعة مهمّة من المصنّفات التي لا نجد لها ذكرا في المصادر الأخرى.
وتعكس هذه التراجم جميعها الأدب الكبير، والأخلاق العالية التي كان يتّصف بها ابن أنجب، فقد كان مثالا للتلميذ النّجيب، والإنسان
(1) الدر الثمين:146.
(2)
المصدر نفسه:114.
(3)
المصدر نفسه:292.
(4)
المصدر نفسه:78.
الكريم، المقرّ بالفضل لأهله، يقول، مثلا، في ترجمة شيخه أبي اليمن الكندي:«شيخنا أبو اليمن العلاّمة الإمام في معرفة علوم العربيّة: نحوا ولغة، الحافظ، الجامع لأسباب الفضائل، محطّ الرّكبان، وحسنة الزمان، ولد ببغداد في شعبان من سنة عشرين وخمس مائة، وكان أبوه تاجرا موسرا، تلقّى القرآن المجيد، وقرأه بالعشر وهو ابن عشر، فاشتغل بعلم الأدب، وعني بسماع الحديث بمساعدة شيخه أبي محمد عبد الله بن عليّ بن أحمد المقرئ، فأسمعه جميع ما عنده، وأحضر له المشايخ، واستجاز له من مشايخ الأقطار، وربّاه تربية الأب البارّ، وكان يدعو له بالتوفيق والزّيادة، وحسن القبول والسعادة، وطول العمر والإفادة، وكلّ ذلك استجيب، وبلغ عدد من قرأ عليه من الشيوخ الذين سمع منهم وأجازوا له، سبع مائة ونيّفا وستين شيخا» (1).
ويستطرد ابن أنجب، أحيانا، في بعض تراجمه، فيذكر بعض الأحداث التاريخية البارزة التي وقعت في سنوات معيّنة، يقول، مثلا، في ترجمة محمد بن طلحة بن محمد أبي سالم النّصيبيّ العدويّ القرشيّ، حين ذكر عرضا سنة 656 هـ:«وهي السنة التي أخذت فيها بغداد، وانقرضت الدولة العباسية، واستولت الدولة الجنكزخانية،. . . وكثر فيها القتل والسّفك والاستئصال» (2). ومن ذلك أيضا: قوله في وصف بعض أحداث سنة ثمان وستين وخمس مائة: «وهي السنة التي غرقت فيها بغداد في خلافة المستضيء» (3). وذكر تاريخ افتتاح المدرسة المستنصرية في رجب سنة إحدى وثلاثين وست مائة في موضعين من كتابه، وذكر مجموعة من شيوخها. كما ذكر افتتاح المدرسة التي بنتها أمّ الإمام الناصر لدين الله ببغداد في غرّة المحرّم سنة 590 هـ (4). هذا بالإضافة إلى تعداد مجموعة
(1) الدر الثمين:292.
(2)
المصدر نفسه:78.
(3)
المصدر نفسه:299.
(4)
الدر الثمين:113.
من مدارس بغداد ورباطاتها وبعض من درّس بها. ومثل هذه الأحداث التاريخية لا تخفى أهميتها، وإن ذكرت عرضا في تراجم المصنّفين.
هذا، وقد اعتمد ابن أنجب في هذا الكتاب على مجموعة كبيرة من مصادر التراث، بعضها وصل إلينا، وبعضها الآخر ما زال في حكم الضائع، نذكر منها:
1.
أخبار الوزراء للجهشياري.
2.
أخلاق الوزيرين لأبي حيّان التوحيدي.
3.
الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني.
4.
الإكمال لابن ماكولا.
5.
أنموذج الزّمان في شعراء القيروان لابن رشيق.
6.
تاريخ أصبهان لحمزة الأصبهاني.
7.
تاريخ بغداد للخطيب البغداديّ، ونقل منه مجموعة من الأخبار خصوصا ما تعلّق بشيوخ مترجميه.
8.
تاريخ خوارزم لمحمود بن محمد الخوارزمي.
9.
تاريخ ابن الدّبيثي.
10.
تاريخ دمشق لابن عساكر.
11.
تاريخ صدقة ابن الحدّاد.
12.
تاريخ أبي عليّ ابن شاذان.
13.
تاريخ ابن المارستانية: ديوان الإسلام الأعظم أو ديوان الإسلام في تاريخ دار السلام، كما ذكر سبط ابن الجوزي.
14.
تاريخ همذان لأبي العباس شيرويه.
15.
جذوة المقتبس للحميدي.
16.
خريدة الدّهر وجريدة العصر للباخرزي.
17.
الدّرة الخطيرة لابن القطّاع.
18.
الذّخيرة لابن بسّام.
19.
ذيل ابن السّمعانيّ على تاريخ بغداد.
20.
ذيل ابن النجّار على تاريخ بغداد.
21.
ذيل أبي الفضل ابن شافع الجيليّ على تاريخ بغداد.
22.
زينة الدّهر في ذكر محاسن أهل العصر لأبي المعالي الحظيري.
23.
سياق تاريخ نيسابور لعبد الغافر الفارسيّ.
24.
طبقات الشافعية لإسماعيل بن هبة بن باطيش الموصلي.
25.
كتاب الفهرست لابن إسحاق النديم: وقد صرّح ابن أنجب بالنّقل منه أكثر من خمسين مرة، ونقل منه في مواضع أخرى لم يذكرها، خصوصا ما تعلّق بعناوين المصنّفات، كما نقل منه أخبارا لم ترد في النّسخ المطبوعة من هذا الكتاب.
26.
كتاب الفهرست لأبي جعفر الطّوسي.
27.
كتاب الموالي للجعابي.
28.
كتاب المظهري لابن إسحاق النديم (1).
29.
كتاب النّحويّين لمحمد بن عبد الملك التاريخيّ.
30.
محاضرات العلماء لأبي حيّان التوحيدي.
31.
معجم الأدباء لياقوت الحموي: وقد نقل منه ابن أنجب مجموعة كبيرة من التراجم بنصّها دون الإحالة إلى المصدر، وقد بيّنا ذلك أثناء توثيق النصوص. إلا أنه يحيل إلى أخبار وأشعار لا توجد في الكتاب المطبوع، من ذلك قوله في ترجمة أحمد بن محمد البرقي:«وله شعر كثير قد ذكر له ياقوت قطعا منه» (2)، ولا وجود لهذا الشّعر في ترجمة البرقيّ في النّسخة المطبوعة من معجم الأدباء. وترجم محمد بن أبي القاسم الجبائيّ وقال: إنه «مات بجبإ في سنة خمس وسبعين وخمس
(1) ذكره ابن أنجب في ترجمة أبي حاتم السجستاني ولم تذكر كتب التراجم كتابا بهذا العنوان منسوبا لابن إسحاق النديم.
(2)
الدر الثمين:203.
مائة، ذكر ذلك شيخنا ياقوت الحموي» (1). وهذه الترجمة لا وجود لها أيضا في النّسخة المطبوعة من معجم الأدباء. وهذا يؤكّد أنّ النّسخة المطبوعة من معجم الأدباء غير تامّة.
32.
المقتبس لابن المرزباني.
33.
نزهة الألبّاء في طبقات الأدباء لابن الأنباري.
34.
نشوار المحاضرة للقاضي أبي عليّ التّنوخي.
35.
وشاح الدّمية لأبي الحسن البيهقي.
36.
يتيمة الدّهر للثعالبي.
إلى غير ذلك من المصادر التي اعتمدها ابن أنجب الساعي في نقل بعض الأخبار الخاصّة بمترجميه، ولم يسمّها، واكتفى بذكر أصحابها بكناهم أو جزء من أسمائهم.
إلاّ أنّ الجانب الطريف والهامّ في هذا الكتاب هو ما يتعلّق بأخبار بعض الكتب التي ما زالت مفقودة إلى الآن، وفي مقدّمتها بعض كتبه التي ذكرناها آنفا، كالمناقب العليّة لمدرّسي النّظامية، وحصول المراد من أخبار ابن عبّاد، والجواهر السّنيّة في المدائح العلائية، وبغية الألباء من معجم الأدباء وغيرها. كما ذكر كتب بعض شيوخه التي رآها. يقول مثلا في وصف كتب شيخه هبة الله ابن النجّار:«وله من التصانيف. . كتاب مشيخته يشتمل على عشرة آلاف شيخ لم يبيّضه، وكتاب الذّيل على الإكمال. . ووقف كتبه ووصّى إليّ بالنظر فيها» (2). وعند ما ذكر مؤلّفات أبي العلاء المعرّي قال: إنّها جمعت في فهرس مفرد بخطّ كاتبه عليّ بن عبيد الله بن أبي هاشم، ثم قال في التعريف بكتاب الهمزة والردف:
(1) المصدر نفسه:57.
(2)
الدر الثمين:80 - 81.
(3)
المصدر نفسه:188.