الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرَ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوُلَةً»
(1)
.
المبحث الثاني: أنواع الدعاء
النوع الأول: دعاء العبادة: وَهُوَ طلب الثواب بالأعمال الصالحة: كالنطق بالشهادتين والعمل بمقتضاهما، والصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، والذبح لله، والنذر له، وبعض هذه العبادات تتضمن الدعاء بلسان المقَالَ مَعَ لسان الحال كالصلاة. فمن فعل هذه العبادات وغيرها من أنواع العبادات الفعلية فَقَدْ دَعَا ربه وطلبه بلسان الحال أن يغفر له، والخلاصى أنه يتعبد لله طلبًا لثوابه وخوفًا من عقابه. وهذا النوع لَا يصح لغير اللهُ تَعَالَى، ومن صرف شيئًا منه لغير الله فَقَدْ كفر كفرًا أكبر مخرجًا من الملة، وَعَلَيْهِ يقع قوله تعالى
(2)
: {وقَالَ ربكم ادعوني أستجب لكم إن الَّذِين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}
(3)
. وقَالَ تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لَا شريك لَهُ وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين}
(4)
.
النوع الثاني: دعاء المسألة: وَهُوَ دعاء الطلب: طلب مَا ينفع
(1)
تقدم برقم (5).
(2)
انظر: فتح المجيد (ص 180)، والقول المفيد على كتاب التوحيد للعلامة ابن عثيمين (1/ 117)، وفتاوة ابن عثيميمن (6/ 52).
(3)
سورة غافر، الآية:60.
(4)
سورة الأنعام، الآيتان: 162، 163.
الداعي من جلب نفعٍ أة كشف ضر، وطلب الحاجات، ودعاء المسألة فيه تفصيل عَلَى النحو الآتي:
(أ) إِذَا كَانَ دعاء المسألة صدر من عبد لمثله من المخلوقين وَهُوَ قادر حي حاضر فليس بشرك. كقولك: اسقني ماءً، أَوْ يافلان أعطني طعامًا، أَوْ نحو ذَلِكَ فهذا لَا حرج فيه؛
387 -
ولهذا قَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَأَلَ بِاللهِ فَأَعْطُوهُ، وَمَنْ اسْتَعَاذَ بِاللهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ، وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تُرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ»
(1)
.
(1)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد (216). وأبو داود في 3 - ك الزكاة، 38 - ب عطية من سأل بالله، (1672). وفي 35 - ك الأدب، 17 - ب في الرجل يستعيذ من الرجل. (5109). والنسائي في 23 - ك الزكاة، 72 - ب من سأل اله بالله عز وجل، (2566) (5/ 82). وفيه:«ومن استجار بالله فأجيروه» بدل: «ومن دعاكم فأجيبوه» . وابن حبان (8/ 199/ 3408 - إحسان). والحاكم (1/ 412 و 413) و (2/ 63 - 64). والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 199). وفي الشعب (3/ 277/ 3538) و (6/ 516/ 9114) وفيه الزيادة. وأحمد (2/ 68 و 99 127). بالزيادة في الموضع الثاني. والطيالسي (1895). وعبد بن حميد (806). والروياني (1419). والطبراني في الكبير (12/ 303/ 13465). وأبو نعيم في الحلية (9/ 56). والقضاعي في مسند الشهاب (421). وغيرهم.
- من طرقٍ عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: .... فذكره.
- وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم [انظر: البخاري (5444 و 6416). ومسلم (442 و 2801)]. كما قال الحاكم.» صحيح على شرط الشيخين».
- وهذا هو المحفوظ؛ وقد وهم جماعة في سند هذا الحديث ومتنه:
- أما المتن: فقد اختلف فيه على أبي عوانة عن الأعمش:
- فرواه عبد الرحمكن بن مهدس ومسدد وعمرو بن عون وأبو داود الطيالسي ومسلم بن إبراهيم الفراهيدي وسهل بن بكار وعفان بن مسلم: سبعتهم- وهم ثقات أثبات- عن أبي عوانة عن الأعمش به هكذا بألفاظ متقاربة يزيد بعضهم على بعض.
- وخالفهم: قتيبة بن سعيد [ثقة ثبت. التقريب (799)] وسريح بن النعمان [ثقة يهم قليلًا. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= التقريب (366)] فقالا: «ومن استجار بالله فأجيروه» بدل: «ومن دعاكم فأجيبوه» هذا لفظ قتيبة، ولفظ سريج:«ومن استجاركم فأجيروه» .
- وهذه رواية شاذة لمخالفتهم الجماعة الذين رووه عن أبي عوانة وكذلك من رواه عن الأعمش لم يذكر هذه الزيادة. والله أعلم.
- وسيأتي بقية الاختلاف في المتن في ذكر المتابعات للأعمش.
- وأم الإسناد:
- فقد رواه عن الأعمش به هكذا: أبو عوانة وجرير بن عبد الحميد وعبد العزيز بن مسلم القسملي- وهم ثقات- وعمار بن رزيق [لا بأس به. التقريب (708)] وحبان بن علي [ضعيف. التقريب (217)].
- وخالفهم:
1 -
أبو بكر بن عياش:
- فرواه مرة عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة مرفوعًا بذكر الجمل الثلاث الأولى.
- أخرجه الحاكم (1/ 413). وأحمد (2/ 512).
- قال الحاكم بعد رواية الجماعة عن الأعمش: «وعند الأعمش فيه إسناد آخر صحيح على شرطهما» ثم ساقه بإسناده وقال: «هذا إسناد صحيح، فقد صح عند الأعمش الإسنادان جميعًا على شرط الشيخين، ونحن على أصلنا في قبول الزيادات من الثقات في الأسانيد والمتون» .
- قلت: نعم؛ فإن الأعمش ثقة مكثر يقبل منه التعدد في الأسانيد ويُحتمل هذا من مثله، لكن يعكر عليه كون أبي بكر بن عياش ليس بذاك الحافظ الذي يعتمد على جفظه، وتحتمل مخالفته لجماعة من الثقات، ومما يؤكد وهمه في هذا الإسناد أمور؛ منها:
(أ) أن بعضهم قد ضعفه في الأعمش كابن نمير. [التهذيب (10/ 38)].
(ب) أنه لم يحفظ عن الأعمش الإسناد الآخر الذي رواه الجماعة.
(ج) أنه روى الحديث مرة أخرى: عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سألكم بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن أهدى لكن فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له» .
- أخرجه أحمد (2/ 95 - 96).
- وهذا محفوظ عن الليث بن أبي سليم: رواه عنه عبد الوارث بن سعيد [ثقة ثبت: التقريب (632)] سعيد بن زيد بن درهم [صدوق له أوهام. التقريب (378)] عن الليث به مع اختلاف في اللفظ.
- أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 319/ 13539 و 13540).
- فإذا انضافت هذه الثلاثة إلى مخالفته لجماعة الثقات تأكد وهم ابن عياش في هذا الإسناد بلا ريب، لا سيما وقد رواه عنه بالإسنادين جميعًا: أسود بن عامر شاذان- وهو ثقة. التقريب (146) -. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=2 - أبو عبيدة بن معن [عبد الملك بن معن بن عبد الرحمن أبو عبيدة المسعودي: ثقة. التقريب (628)] فرواه عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعًا بذكر الجمل الثلاث الأولى.
- أخرجه ابن حبان (8/ 168 و 200/ 3375 و 3409) بإسناد صحيح إلى أبي عبيدة بن معن.
- وقال: «قصر جرير في إسناده لأنه لم يحفظ إبراهيم التيمي فيه» .
- قلت: لم ينفرد بذلك جرير بل تابعه عليه أبو عوانة وعبد العزيز بن مسلم القسملي وهم أحفظ وأكثر من أبي عبيدة بن معن، وروايتهم هي المحفوظة- والله أعلم-، قال الحاكم بعد أن أخرج الحديث من طريق عمار بن رزيق وأبي عوانة وجرير بن عبد الحميد وعبد العزيز بن مسلم:«هذه الأسانيد المتفق على صحتها لا تُعلل بحديث محمد بن أبي عبيدة بن معن عن أبيه عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن مجاهد» .
- وعلى فرض: أن أبا عبيدة حفظ الإسناد وأقامه؛ فيكون من قبيل المزيد في متصل الأسانيد، فإن الأعمش قد سمع من إبراهيم التيمي ومن مجاهد، فيكون سمعه أولًا من التيمي فحدث به عنه، ثم سمعه بعدُ من مجاهد فحدث به، وإبراهيم: ثقة. والله أعلم.
3 -
مندل بن علي رواه عن الأعمش وليث عن نافع عن ابن عمر بنحوه مرفوعًا.
- أخرجه أبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (4/ 23). والسهمي في تاريخ جرجان (180).
- من طريق وضاح بن يحية النهشلي ثنا مندل به.
- وهذا باطل عن الأعمش وليث، ليس من حديث نافع؛ وضاح ومندل ضعيفان [التقريب (970). الميزان (4/ 334). المجروحين (3/ 85). الجرح والتعديل (9/ 41)].
* تابع الأعمش عليه فلم يحفظ متنه:
1 -
ليث بن أبي سليم [ضعيف لاختلاطه] رواه عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل بالله فأعطوه، ومن استعاذ بالله فأعيذوه، ومن أهدى إليكم ذراعًا- أو: كُراعًا فاقبلوه» .
- أخرجه الطرانفي في الكبير (12/ 319/ 13539 و 13540).
2 -
العوام بن حوشب عن مجاهد بنحو رواية الليث.
- أخرجه الطبراني في الكبير (13530).
- والعوام: ثقة ثبت، فلعل الوهم فيه من عثمان بن أبي شيبة، والله أعلم.
3 -
ورواه سلمة بن الفضل عن أبي جعفر الرازي عن حصين بن عبد الرحمن عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: .... فذكر الجمل الثلاث الأولى ثم قال: «ومن أهدى إليكم كُراعًا فاقبلوه» .
- أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 306/ 13480). وفي الأوسط (4/ 221/ 4031).
وقال لم يرو هذا الحديث عن حصين إلا أبو جعفر تفرد به سلمة بن الفضل».
- قلت: هو منكر من حديث حصين بن عبد الرحمن، لا يحتمل تفرد هذين بهذا الإسناد عنه لما=
(ب) أن يدعو الداعي مخلوقًا ويطلب منه مَا لَا يقدر عَلَيْهِ إلا الله وحده، فهذا مشرك كافر سواء كَانَ المدعو حيًّ أَوْ ميتًا، أَوْ حاضرًا أَوْ غائبًا، كمن يَقُولُ: يَا سيدي فلان اشف مريضي، رد غائبي، مدد مدد، أعطني ولدًا، وهذا كفر أكبر مخرج من الملة، قَالَ اللهُ تَعَالَى:{وإن يمسك الله بضر فلا كاشف لَهُ إلا هُوَ وإن يمسسك بخير فَهُوَ عَلَى كل شَيْءٍ قَدْير}
(1)
(2)
.
وقَالَ تعالى: {إن الَّذِين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبو لكم إن كنتم صادقين}
(3)
.
وقَالَ سبحانه: {والَّذِين تدعون من دونه لَا يستطيعون نصركم وَلَا أنفسهم ينصرون}
(4)
.
= فيهما من ضعف. وأبو جعفر الرازي أصلح حالًا من سلمة بن الفضل فلعل الحمل عليه فيه، والله أعلم. [انظر ترجمتها: التهذيب (3/ 439) و (10/ 61). الميزان (2/ 192) و (3/ 319)].
* والحديث صححه الحافظ ابن حجر في تخريج الأذكار [الفتوحات الربانية (5/ 250)]. والعلامة الألباني في الصحيحة (254)؟ والإرواء (1617). وغيرهما.
والعلامة ابن باز (ص 91 و 245).
(1)
سورة الأنعام، الآية:17.
(2)
سورة يونسأ الآيتان: 106، 107.
(3)
سورة الأعراف، الآية:194.
(4)
سورة الأعراف، الآية:197.
(1)
.
(2)
.
(3)
.
(4)
.
(1)
سورة الحج، الآيات: 11 - 13.
(2)
سورة الحج، الآيتان: 73، 74.
(3)
سورة العنكبوت، الآيات: 41 - 43.
(4)
سورة سبأ، الآيتان: 22، 23.
(1)
.
(2)
.
وكل من استغاث بغير الله أَوْ دَعَا غير الله دعاء عبادة أَوْ دعاء مسألة فيما لَا يقدر عَلَيْهِ إلا الله فَهُوَ مشرك مرتد كَمَا قَالَ سبحانه: {لقد كفر الَّذِين قَالَوا إن الله هُوَ المسيح ابن مريم وقَالَ المسيح يَا بني إسراءيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فَقَدْ حرم الله عَلَيْهِ الْجَنَّةِ ومأواه النار وَمَا للظالمين من أنصار}
(3)
.
وقَالَ تعالى: {إن الله لَا يغفر أن يشرك بِهِ ويغفر مَا دون ذَلِكَ لمن يشاء ومن يشرك بالله فَقَدْ ضل ضللا بعيدًا}
(4)
.
وقَالَ تعالى: {فلا تدع مَعَ الله إلهًا ءاخر فتكون من المعذبين}
(5)
.
وقَالَ عز وجل: {ولقد أوحى إليك وإلى الَّذِين من قبلك لئن أشركت
(1)
سورة فاطر، الآيتان: 13، 14.
(2)
سورة الأحقاف، الآيتان: 5، 6.
(3)
سورة المائدة، الآية:72.
(4)
سورة النساء، الآية: 116، وفي آية 48:{فقد افترى إثمًا عظيمًا} .
(5)
سورة الشعراء، الآية:213.
ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن مَعَ الشاكرين}
(1)
.
وقَالَ سبحانه: {ذلك هدى الله يهدي بِهِ من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم مَا كانوا يعملون}
(2)
.
الفرق بين الاستغاثة والدعاء:
الاستغاثة: طلب الغوث: وَهُوَ إزالة الشدة، كالاستنصار: طلب النصر، والاستغاثة: طلب العون.
فالفرق بين الاستغاثة والدعاء: أن الاستغاثة لَا تكون إلا من المكروب، والدعاء أعم من الاستغاثة؛ لأنه يكون من المكروب وغيره.
فإذا عُطِفَ الدعاء عَلَى الاستغاثة فَهُوَ من باب عطف العام عَلَى الخاص، فبينهما عموم وخصوص مطلق، يجتمعان فِي مادة، وينفرد الدعاء عنها فِي مادة، فكل استغاثة دعاء وليس كل دعاء استغاثة.
ودعاء المسألة متضمن لدعاء العبادة، ودعاء العبادة مستلزم لدعاء المسألة، ويراد بالدعاء فِي القرآن دعاء العبادة تارة، ودعاء المسألة تارة، ويراد بِهِ تارة مجموعهما
(3)
.
* * *
(1)
سورة الزمر، الآيتان: 65، 66.
(2)
سورة الأنعام، الآية:88.
(3)
انظر: فتح المجيد (ص 180).