الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: شروط الدعاء
الشرط: لغة العلامة، واصطلاحًا: مَا يلزم من عدم العدم وَلَا يلزم من وجوده وجود، وَلَا عدم لذاته
(1)
.
من أعظم وأهم شروط قبول الدعاء مَا يأتي:
الشرط الأول: الإخلاص: وَهُوَ تصفية الدعاء والعمل من كل مَا يشوبه، وصرف ذَلِكَ كله لله وحده، لَا شرك فيه، وَلَا رياء وَلَا سمعة، وَلَا طلبًا للعرض الزائل، وَلَا تصنعًا وإنما يرجو العبد ثواب الله ويخشى عقابه، ويطمع فِي رضاه
(2)
.
وقد أمر اللهُ تَعَالَى بالإخلاص فِي كتابه الكريم فقَالَ تعالى: {قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عِنْدَ كل مسجد وادعوه مخلصين لَهُ الدين كَمَا بدأكم تعودون}
(3)
. وقَالَ: {فادعوا الله مخلصين لَهُ الدين ولو كره الكافرون}
(4)
(5)
. وقَالَ سبحانه: {وما أموا إلا ليعبدوا الله
(1)
الفوائد الجلية في المباحث الفرضية لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز (ص 12) وعدة الباحث في أحكام التوارث للشيخ عبد العزيز الناصر الرشيد (ص 4).
(2)
انظر: مقومات الداعية الناجح للمؤلف (ص 283).
(3)
سورة الأعراف، الآية 29.
(4)
سورة غافر، الآية:14.
(5)
سورة الزمر، الآية:3.
مخلصين لَهُ الدين حنفاء}
(1)
.
395 -
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما؛ قَالَ: كُنْتُ خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقَالَ: «يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ»
(2)
.
(1)
سورة البينة، الآية:5.
(2)
أخرجه الترمذي في 38 - ك صفة القيامة، 59 - ب، (2516). وأحمد (1/ 293 و 303 و 307). وزاد في الموضع الأخير:«احفظ الله تجده أمامك، تعرَّف غلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة» وزاد في آخره أيضًا: «واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا» . وان وهب في القدر (28). وابن أبي عاصم في السنة (316) تعليقًا. والفريابي في القدر (153 و 156). وأبو يعلى (4/ 430/ 2556). والطبراني في الكبير (12/ 238/ 12988 و 12989). وفي الدعاء (42). وابن السني (425). واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (4/ 613 و 614/ 1094 و 1095). وأبو سعيد النقاش في فوائد العراقيين (9). والبيهقي في الشعب (1/ 217/ 195) و (2/ 27/ 1074). وفي الاعتقاد (156). وفي الأسماء والصفات (1/ 135 - 136) بنحو رواية أحمد وفي آخره: «واعمل بالشكر في اليقينن واعلم أن الصبر على ما تكره خير كثير، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا» . والخطيب في الفصل للوصل المدرج في النقل (2/ 857 - 862). وابن منده في معرفة أسامي أردف النبي صلى الله عليه وسلم (25). وابن عساكر في تاريخ دمشق (49/ 374). وغيرهم.
- من طرقٍ عن قيس بن الحجاج عن حنش الصنعاني عن ابن عباس به مرفوعًا.
- وحنش: هو ابن عبد الله السبئي الصنعاني: ثقة من الثالثة [التقريب (278)].
- وقيس بن الحجاج: قال أبو حاتم: «صالح» وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن يونس:«كان رجلًا صالحًا» واقال ابن حجر في التقريب: «صدوق» [الجرح والتعديل (7/ 95). الثقات (7/ 329). التهذيب (6/ 525). التقريب (803)].
- فالإسناد مصري حسن.
- وقد تابعه: يزي بن أبي حبيب المصري [ثقة فقيه، وكان يرسل، من الخامسة. التقريب (1073)] عن=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=حنش عن ابن عباس بنحوه وفيه قصة وزاد في آخره: قلت: يا رسول الله! كيف لي بمثل هذا اليقين حتى أخرج من الدنيا؟ قال: «تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك لن يكن ليصيبك» .
- أخرجه الفريابي في القدر (157). وعنه الآجري في الشريعة (184).
- قال الألباني في ظلال الجنة (138): «وإسناده صحيح» .
- فالحديث صحيح بهذه المتابعة، والحمد لله.
- قال الترمذي: «حديث حسن صحيح» .
- وقال ابن رجل الحنبلي في جامع العلوم والحكم (1/ 360 - 361): «وقد روى هذا الحديث عن ابن عباس من طرق كثيرة من رواية ابنه علي، ومولاه عكرمة، وعطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، وعبيد الله بن عبد الله، وعمر مولى غُفرة، وابن أبي مليكة وغيرهم، وأصح الطرق كلها طريق حنش الصنعاني التي خرجها الترمذي، كذا قاله ابن منده وغيره. وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وصى ابن عباس بهذه الوصية من حديث علي بن أبي طالب، وابي سعيد الخدري، وسهل بن سعد، وعبد الله بن جعفر، وفي أسانيدها كلها ضعف. وذكر العقيلي أن أسانيد الحديث كلها لينة. وبعضها أصلح من بعض، وبكل حال: فطريق حنش التي خرجها الترمذي حسنة جيدة» .
- وقال أيضًا في نور الاقتباس (ص 30 - 31): «وأجود أسانيده من رواية حنش عن ابن عباس التي ذكرناها، وهو إسناد حسن لا بأس به» .
- وقال أيضًا: «وقال الحافظ أبو عبد الله ابن منده: لهذا الحديث طرق عن ابن عباس وهذا أصحها. قال: وهذا إسناد
مشهور، ورواته ثقات».
- وصححه الألباني في ظلال الجنة (316). وصحيح الترمذي (2/ 309).
- أما طرق الحديث الأخرى عن ابن عباس: فأخرجها- إجمالًا-.
- الحاكم (3/ 541 و 542). وهناد بن السري في الزهد (1/ 304/ 536). وعبد بن حميد (636). وابن أبي عاصم في السنة (317 و 318) تعليقًا. والفريابي في القدر (154 و 155 و 158). وأبو القاسم البغوي في الجعديات (3445). والعقيلي في الضعفاء الكبير (3/ 53 و 178 و 398). والطبراني في الكبير (11/ 123 و 178 و 223/ 11243 و 11416 و 11560). وفي الأوسط (5/ 316/ 5417). والآجري في الشريعة (184 و 185). وأبو نعيم في الحلية (1/ 314). وفي تاريخ أصبهان (2/ 204). والخليلي في الإرشاد (1/ 381). والقضاعي في مسند الشهاب (745). والبيهقي في الشعب (7/ 203/ 10000 و 10001). وفي الآداب (1073). وابن منده في أسامي الأرداف (24). وغيرهم.
- وأسانيدها لا تخلو من مقال، وفي بعضها ضعف شديد، يطول المقام بتفصيل القول فيها، وفي الصحيح غنية، والحمد لله.
وسؤال اللهُ تَعَالَى: هُوَ دعاؤه والرغبة إِلَيْهِ كَمَا قَالَ تعالى: {وسئلوا الله من فضله إن الله كَانَ بكل شَيْءٍ عليمًا}
(1)
.
الشرط الثاني: المتابعة، وهي شرط فِي جميع العبادات؛ لقوله تعالى:{قل إِنَّمَا أنا بشر مثلكم يوحى إلي إِنَّمَا إلهكم إله واحد فمن كَانَ يرجو لقاء ربه فليعمل عملًا صالحًا وَلَا يشرك بعبادة ربه أحد}
(2)
. والعمل الصالح هُوَ مَا كَانَ موافقا لشرْع اللهُ تَعَالَى ويُراد بِهِ وجه الله سبحانه. فلا بد أن يكون الدعاء العمل خالصًا صوابًا عَلَى شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم
(3)
؛ ولهذا قَالَ الفضيل بن عياض فِي تفسير قوله تعالى: {تبرك الَّذِي بيده الملك وَهُوَ عَلَى كل شَيْءٍ قَدْير * الَّذِي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم أحسن عملًا وَهُوَ العزيز الغفور}
(4)
. قَالَ: هُوَ أخلصه وأصوبه، قَالَوا: يَا أبا علي مَا أخلصه وأصوبه؟ فقَالَ: «إن العمل إِذَا كَانَ خالصًا وَلَمْ يكون صوابًا لَمْ يقبل، وَإِذَا كَانَ صوابًا ولن يكن خالصًا وَلَمْ يكون صوابًا لَمْ يقبل، وَإِذَا كَانَ صوابًا وَلَمْ يكن خالصًا لَمْ يقبل، حَتَّى يكون خالصًا صوابًا. والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون عَلَى السنة»
(5)
. ثُمَّ قرأ قوله تعالى: {قل إِنَّمَا أنا بشر مثلكم يوحى إلي إِنَّمَا إلهكم إله واحد فمن كَانَ يرجوا لقاء ربه فليعمل عملًا صالحًا وَلَا يشرك بعبادة ربه أحدا}
(6)
. وقَالَ تعالى: {ومن أحسن دينًا ممن أسلم وجهه
(1)
سورة النساء، الآية:32.
(2)
سورة الكهف، الآية:110.
(3)
تنظر: تفسير ابن كثير (3/ 109).
(4)
سورة الملك، الآيتان 1، 2.
(5)
انظر: مدارج السالكين لابن القيم (2/ 89).
(6)
سورة الكهف، الآية:110.
لله وَهُوَ محسن وابتع ملة إبراهيم حنيفًا واتخذ الله إبراهيم خليلًا}
(1)
.
وقَالَ تعالى: {* ومن يسلم وجهه إِلَى الله وَهُوَ محسن فَقَدْ استمسك بالعروة الوثقي وإلى الله عقبة الأمور}
(2)
.
فإسلامُ الوجه: إخلاصُ القصد والدعاء والعمل لله وحده، والإحسانُ فيه: متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته
(3)
.
فيجب عَلَى المسلم أن يكون متبعًا للنبي صلى الله عليه وسلم فِي كل أعماله؛ لقوله تعالى: {لقد كَانَ لكم فِي رسو الله أسوة حسنة لمن كَانَ يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا}
(4)
. وقَالَ: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم}
(5)
. وقَالَ تعالى: {واتبعوه لعلكم تهتدون}
(6)
(7)
.
ولا شك أن العمل الَّذِي لَا يكون عَلَى شريعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم يكون باطلًا.
396 -
لحديث عائشة رضي الله عنها؛ عن الني صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ:
(1)
سورة النساء، الآية:125.
(2)
سورة لقمان، الآية:22.
(3)
انظر: مدراج السالكين (2/ 90).
(4)
سورة الأحزاب، الآية:21.
(5)
سورة آل عمران، الآية:31.
(6)
سورة الأعراف، الآية:158.
(7)
سورة النور، الآية:54.
«مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»
(1)
وفي رواية لمسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»
(2)
.
الشرط الثالث: الثقة بالله تَعَالَى واليقين بالإجابة
(3)
.
فمن أعظم الشروط لقبول الدعاء الثقة بالله تعالى، وأنه عَلَى كل شَيْءٍ قَدْير؛ لأنه تَعَالَى يَقُولُ للشي كن فيكون، قَالَ سبحانه:{إنما قولنا لشيء إِذَا أردناه أن نقول لَهُ كن فيكون}
(4)
. وقَالَ سبحانه: {إنما
(1)
متفق على صحته: أخرجه البخاري في 53 - ك الصلح، 5 - ب إذا اصطلحوا على صلح جَور فالصلح مردود، (2697). ومسلم في 30 - ك الأقضية، 8 - ب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، (1718/ 17)(3/ 1343). وأبو عوانة (4/ 170 - 171/ 6407 و 6408). وأبو داود في ك السنة، 6 - ب في لزوم السنة، (4606). وابن ماجة في المقدمة، 2 - ب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والتغليظ على من عارضه، (14). وابن حبان (1/ 207 - 209/ 26 و 27 - إحسان). وابن الجاورد (1002). وأحمد (6/ 240 و 270). والطيالسي (1422). وابو يعلى (8/ 70/ 4594). وان عدي في الكامل (1/ 248). والداقطني (4/ 224 - 225). واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (1/ 119/ 190 و 191). والقضاعي في مسند الشهاب (359 - 361). والبيهقي في السن الكبرى (10/ 19 و 150 و 251). وفي الاعتقاد (300). والبغوي في شرح السنة (1/ 211). وغيرهم.
- من طريق إبراهيم بن سعد عن أبيه عن القاسم بن محمد عن عائشة به مرفوعًا.
(2)
أخرجه مسلم (1718/ 18). وأبو عوانة (4/ 171/ 6409 و 6410). وأبو داود (4606). وأحمد (6/ 73 و 146 و 180 و 256). وإسحاق بن راهوية (2/ 419/ 979). وابن أبي عاصم في السنة (52). والداقطني (4/ 227). والبيهقي (10/ 251). وغيرهم.
- من طريق عبد الله بن جعفر الزهري عن سعد بن إبراهيم عن القاسم عن عائشة بن مرفوعًا.
- وله طرق أخرى عند الدارقطني (4/ 227) وغيره.
* وهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، فإنه صريح في رد كل البدع والمخترعات في الدين، وهو نصف أدلة الشرع. وانظر شرحه في: شرح مسلم للنووي (12/ 15). وفتح الباري (5/ 357). وجامع العلوم والحكم (1/ 114). وغيرها.
(3)
انظر: جامع العلوم والحكم (2/ 407). ومجموع فتاوى ابن باز جمع الطيار (1/ 258).
(4)
سورة النحل، الاية:40.
أمره إِذَا أراد شيئًا أن يَقُولُ لَهُ كن فيكون}
(1)
. ومما يزيد ثقة المسلم بربه تَعَالَى أن يعلم أن جميع خزائن الخيرات والبركات عِنْدَ اللهُ تَعَالَى، قَالَ سبحانه:{وإن من شَيْءٍ إلا عندنا خزائنه وَمَا ننزله إلا بقدر معلوم}
(2)
.
397 -
1 - وقَالَ صلى الله عليه وسلم فِي الحديثق القدسي الَّذِي رواه عن ربه تبارك وتعالى: «
…
يَا عِبَادِي لَوْ أَنّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدخِلَ الْبَحْرَ»
(3)
.
(1)
سورة يس، الآية:82.
(2)
سورة الحجر، الآية:21.
(3)
- أخرجه مسلم في 45 - ك البر والصلة والآداب، 15 - ب تحريم الظلم، (2577)(4/ 1994). والبخاري في الأدب المفرد (490). وابن حبان (2/ 385/ 619 - إحسان). والحاكم (4/ 241). والبزار (9/ 441/ 4035). والطبراني في الدعاء (14). وفي مسند الشاميين (338). وأبو نعيم في الحلية (5/ 125). والبيهقي في السنن (6/ 93). وفي الأسماء والصفات (1/ 341). وفي الشعب (5/ 405). =
وهذا يدل عَلَى كمال قَدْرته سبحانه وتعالى، وكمال ملكه، وان ملكه وخزائنه لَا تنفد وَلَا تنقص بالعطاء، ولو أعطى الأولين والآخرين: من الجن والإنس جميع مَا سألوه فِي مقام واحد
(1)
.
398 -
2 - ولهذا قَالَ صلى الله عليه وسلم: «يَدُ اللهِ مَلأَى لَا يَغِضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ
(2)
اللَّيْلِ وَالنَّهَارَ أَرْأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ
= - من طريق أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر به مرفوعًا.
- قال الحاكم: «حديث صحيح على شرط الشيخين وَلَمْ يخرجاه بذه السياقة» وتعقبه الذهبي بقوله: «هو في مسلم» .
- وأخرجه مسلم (2577)(4/ 1995). وأحمد (5/ 160). والطيالسي (463). من طريق أبي أسماء عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن ربه تبارك وتعالى: «إني حرمت على نسي الظلم وعلى عبادي فلا تظلموا
…
» وساق الحديث بنحوه، وحديث أبي إدريس أتم من هذا.
* وأخرجه الترمذي (3495). وابن ماجة (4257). وأحمد (5/ 154 و 177). وابن أبي شيبة (10/ 341). والبزار (9/ 439 - 440/ 4051 و 4052). وابن أبي حاتم في العلل (2/ 134). الطبراني في الدعاء (15). والبيهقي في الأسماء والصفات (1/ 263).
- من طريق شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي ذر بنجوه مرفوعًا. وزاد في آخره: «ذلك بأني جواد ماجد، أفعل ما أريد، عطائي كلام، وعذابي كلام، إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له كن فيكون» .
- وشهر بن حوشب: حسن الحديث إذا لم يخالف [التقريب (441). التهذيب (3/ 656). الميزان (2/ 283)]. وهو هنا قد خالف الثقات في كثير من ألفاظ هذا الحديث وزاد فيها ما لم يأت في رواية أبي إدريس الخولاني وأبي اسماء الرحبي.
= قال الألباني في ضعيف الترمذي (ص 285): «ضعيف بهذا السياق، وأكثره صحيح في مسلم» وضعفه أيضًا في ضعيف ابن ماجة (ص 348). وضعيف الجامع (6437).
- واختلف في إسناده أيضًا على شهر؛ انظر: علل الحديث لابن أبي حاتم (2/ 104/ 134). والعلل للدارقطني (6/ 249/ 1110).
(1)
جامع العلوم والحكم (2/ 48).
(2)
سحَّاءُ: أي دائمة الصب تصب العطاء صبًا ولا ينقصها العطاء الدائم فيث الليل والنهار، انظر: الفتح (13/ 406). والنهاية (2/ 345).
مَا فِي يَدِهِ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الْمِيزَانُ يَخْقِضُ وَيَرْفَعُ»
(1)
.
فالمسلم إِذَا علم ذَلِكَ فعليه أن يدعوت الله وَهُوَ موقن بالإجابة؛ لَمَّا تقدم.
399 -
3 - ولحديث أَبِي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ادْعُوا اللهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ
…
»
(2)
الحديث.
(1)
متفق عليه: أخرجه البخاري في 65 - ك التفسير، 11 - سورة هود، 2 - ب قوله:{وكان عرشه على الماء} ، (4684). وأوله:«قال الله عز وجل: أنفق أُنفق عليك» . وفي 69 - ك النفقات، 1 - ب فضل النفقة على الأهل، (5352) مقتصرًا على قوله:«قال الله: أنفق يا بن آدم أنفق عليك» . وفي 97 - ك التوحيد، 19 - ب قول الله تعالى:{لما خلقت بيدي} ، (7411) مثله إلا أنه قال:«وبيده الأخرى الميزان» . و 22 - ب {وكان عرشه على الماء} ، (7419) وقال:«إن يمين الله» بدل» يدل الله» وفيه» فإنه لم ينقص ما في يمينه، وعرشه على الماء، وبيده الأخرى الفيض أو القبض، يرفع ويخفض». و 35 - ب قول الله تعالى:{يريدون أن يبدلوا كلام الله} ، (7496) مختصرًا بلفظ:«قال الله: أنفق أُنفق عليك» . ومسلم في 12 - ك الزكاة، 11 - ب الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف، (933/ 36 - 2/ 690). مختصرًا وأوله:«قال الله تبارك وتعالى: يا بن آدم أنفق أُنفق عليك» وفيه» يمين الله». و (37) بنحوه وفيه: «وبيده الأخرى القبض» بعير شك. والترمذي في 48 - ك تفسير القرآن، 6 - ب ومن سورة المائدة، (3045). بنحوه ويه:«يمين الرحمن ملأى» . والنسائي في الكبرى، 72 - ك النعوت، 47 - قوله {ولتصنع على عينى} ، (7733 - 4/ 413). و 82 - ك التفسير، سؤورة هود، 183 - ب قوله تعالى:{وكان عرشه على الماء} ، (11239 - 6/ 363) بنحوه. وابن ماجه في المقدمة، 13 - ب فيما أنكرت الجهمية، (197) بنحوه. وأحمد (2/ 242 و 313 و 464 و 500). وابن حبان (2/ 503/ 725 - إحسان). والحميدي (2/ 459/ 1067). وابن أبي عاصم في السنة (780). وأبو يعلى (11/ 134/ 6260). والخرائطي في مكارم الأخلاق (287 - المنتقى). والدارقطني في الصفات (13). واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (3/ 416/ 698). والبيهقي في الأسماء والصفات (2/ 60 و 61). وغيرهم.
- من حديث أبي هريرة رضي الله عنه به مرفوعًا.
(2)
أخرجه الترمذي في 49 - ك الدعوات، 66 - ب، (3479). وابن حبان في المجروحين (1/ 372). والحاكم (1/ 493). وابن عدي في الكامل (4/ 62). والطبراني في الأوسط (5/ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=211/ 5109). وفي الدعاء (62). والخطيب في تاريخ بغداد (4/ 356) و (14/ 237).
- من طريق صالح بن يشير المري عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ» .
- قال الترمذي: «هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه» .
- وقال الحاكم: «هذا حديث مستقيم الإسناد، تفرد به صالح المري وهو أحد زهاد البصرة وَلَمْ يخرجاه» فتعقبه الذهبي بقوله: «صالح متروك» .
- ومن قبلُ تعقبه المنذري في الترغيب (2/ 322) بقوله: «صالح المري لا شك في زهده، لكن تركه أبو داود والنسائي» .
- وقال ابن عدي: «صالح أيضًا قد يُقبل بهشام فيحدث عنه بأحاديث بواطيل، وهذه الأحاديث يرويها صالح عن هشام» ثم قال بعد أن أنكر عليه جملة من الأحاديث هذا منها: «وعامة أحاديث التي ذكرت والتي لم أذمر منكرات ينكرها الأئمة عليه، وليس هو بصاحب حديث، وإنما أتى من قلة معرفته بالأسانيد والمتون، وعندي- من هذا- لا يعتمد الكذب، بل يغلط بيِّنًا» .
- وعدَّ ابن حبان هذا الحديث فيما أنكره عليه في كتابه» المجروحين».
- وقال الدارقطني في الأفراد: «تفرد به صالح بن بشير المري عن هشام بن حسام به» [أطراف الغرائب والأفراد (5/ 256)].
- فهذا حديث منكر؛ تفرد به صالح بن بشير المري [وهو: منكر الحديث تركه أبو داود والنسائي. التهذيب (4/ 5). الميزان (2/ 289). علل الترمذي الكبير (ص 389)] عن هشام بن حسان [هو ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين. التقريب (1020)] وهو كثير الحديث والأصحاب، فكيف ينفرد عنه صالح المري بهذا الحديث دون بقية أصحابه الثقات، ولا يتابع عليه؛ لا سيما وهذا الإسناد: هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة، إسناد صحيح على شرط الشيخين، أخرج به مسلم عشرين حديثًا وأخرج به البخاري حديثًا واحدًا [راجع تحفة الأشراف (10/ 349 - 359)].
- ففي تفرد صالح بمثل هذا الإسناد نكارة ظاهرة. وقد أنكره عليه الأئمة.
- وقد روى أيضًا من حديث عبد الله بن عمرو؛ يرويه ابن لهيعة ثنا بكر بن عمرو عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «القلوب أوعية، وبعضها أوعى من بعض، فإذا سألتم الله عز وجل أيها الناس- فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة؛ فإن الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل» .
- أخرجه أحمد (2/ 177).
- قال المنذري في الترغيب (2/ 322): «رواه أحمد بإسناد حسن» .
- وتبعه الهيثمي في المجمع (10/ 148). =
ولهذا بين صلى الله عليه وسلم أن الله يسؤتجيب دعاء المسلم الَّذِي قام بالشروط وعمل بالآداب، وابتعد عن الموانع.
400 -
(1)
الحديث.
الشرك الرابع: حضور القلب والخشوع والرغبة فيما عِنْدَ الله من الثواب والرهبة مما عنده من العقابـ فَقَدْ أثنى اللهُ تَعَالَى عَلَى زكريا وأهل بيته فقَالَ تعالى: {وزكريا إذ نادى ربه رب لَا تذرني فردًا وَأَنْتَ خَيْرَ الوارثين * فاستجبنا لَهُ ووهبنا لَهُ يحيى وأصلحنا لَهُ زوجه إنهم كانوا يسؤارعون فِي الخيرات ويدعوننا رغبًا ورهبًأ وكانوا لنا خاشعين}
(2)
.
فلا بد للمسلم فِي دعائه من أن يحضر قلبه، وهذا أعظم شروط قبول الدعاء كَمَا قَالَ الإمام ابن رجب رحمه اللهُ تَعَالَى
(3)
.
401 -
وَقَدْ جاء فِي حديث أَبِي هريرة عِنْدَ الإمام الترمذي: «ادْعُوا اللهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبِ غَافِلٍ لَاهٍ»
(4)
.
= - قلت بل بإسناد ضعيف؛ لعضف ابن لهيعة. ولا يعتضد بما قبله لنكارته. والله أعلم.
-[والحديث حسنه العلامة الألباني في سلسة الأحاديث الصحيحة برقم (594)، وفي صحيح الترمذي (3/ 434)]«المؤلف» .
(1)
تقدم برقم (391).
(2)
سورة الأنبياء، الآيتان: 89، 90.
(3)
جامع العلوم والحكم (2/ 403).
(4)
تقدم برقم (399).
وقد أمر اللهُ تَعَالَى بحضور القلب والخشوع فِي الذكر والدعاء، فقَالَ سبحانه:{واذكر ربك فِي نفسك تضرعًا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والأصال وَلَا تكن من الغافلين}
(1)
.
الشرط الخامس: العزْمُ والجَزْمُ والجِدُّ فِي الدعاء:
المسلم إِذَا سال ربه فَإِنَّه يجزم ويعزم بالدعاء؛ ولهذا صلى الله عليه وسلم عن الاستثناء فِي الدعاء.
402 -
1 - فعن أنس رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إَذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمْ فِي الدُّعَاءِ وَلَا يَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي فَإِنْ اللهَ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ»
(2)
.
وفي رواية: «فَإِنَّ اللهَ لَا مُكْرِهَ لَهُ»
(3)
.
(1)
سورة الأعراف، الآية:205.
(2)
متفق عليه: أخرجه البخاري في 80 - ك الدعوات، 21 - ب ليعزم المسألة فإنه لا مكره له، (6338) بنحوه وفيه:«فليعزم المسألة» . وفي 97 - ك التوحيد، 31 - ب في المشيئة والإرادة، (7464) بنحوه. وفي الأدب المفرد (608) بلفظه و (659) بنحوه. ومسلم في 48 - ك الذكر والدعاء، 3 - ب العزم بالدعاء، ولا يقل: إن شئت، (2678 - 4/ 2063)، واللفظ له. والنسائي في عمل اليوم والليلة (584). وأحمد (3/ 101). وابن أبي شيبة (10/ 198/ 9211). وغيرهم.
(3)
إنما هي رواية لحديث أبي هريرة الذي سيأتي بعد هذا.
- قال المؤلف- حفظه الله تعالى-: والمراد باللفظيم جميعًا: أن الذي يحتاج إلى التعليق بالمشيئة هو الذي يحصل إكراهه على الشيء، فيُخفف الأمر عليه حتى لا يشق عليه، والله منزه عن ذلك. [فتح الباري (11/ 140). وشرح النووي (17/ 10)] أهـ.
- قلت: قال النووي رحمه الله تعالى: وقيل: سبب الكراهة: أن في هذا اللفظ صورة الاستغناء عن المطلوب، والمطلوب منه. أهـ. وقد حكى الحافظ في الفتح هذا القول ثم قال:«والأول أولى» .
- فائدة: قال الحافظ في الفتح: قال ابن بطال: في الحديث أنه ينبغي للداعي أن يجتهد في الدعاء، ويكون على رجاء الإجابة، ولا يقنط من الرحمة فإنه يدعو كريمًا. وقد قال ابن عيينة: لا يمنعن=
403 -
2 - وعن أَبِي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيإِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ فَإِنْ اللهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٍ أَعَطَاهُ»
(1)
.
= أحدًا الدعاء ما يعلم في نفسه- يعني: من التقصير- فإن الله قد أجاب دعاء شر خلقه وهو إبليس حين قال: {رب فأنظرني إلى يوم يبعثون} أهـ.
(1)
أخرجه مسلم في 48 - ك الذكر والدعاء، 3 - ب العزم بالدعاء، ولا يقل: إن شئت، (2679/ 8) (4/ 2063) وأوله:«إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت ولكن ليعزم .... » الحديث بمثله. والبخاري في الأدب المفرد (607) بنحوه. وابن حبان (2410 - موارد) مختصرًا بنحوه. وأحمد (2/ 457 - 458). والطبراني في الدعاء (63 - 68) و (76 - 80) بنحوه.
- كلهم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة به مرفوعًا.
* وأخرجه من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن ابي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة، فإنه لا مُكره له» .
- البخاري في 80 - ك الدعوات، 21 - ب ليعزم المسألة فإنه لا مكره له، (6339)، وقال:«فإنه لا مستكره له» . ومالك في الموطأ، 15 - ك القرآن، 8 - ب ما جاء في الدعاء (28). وابو داود في 2 - ك الصلاة، 359 - ب الدعاء، (1483). والترمذي في 49 - ك الدعوات، 78 - ب، (3497)، وقال:«حسن صحيح» . والنسائي في عمل اليوم والليلة (582 - 583). وابن ماجة في 34 - ك الدعاءـ 8 - ب لا يقول الرجل: اللهم اغفر لي إن شئت، (3854). وابن حبان (3/ 257/ 977). وأحمد (2/ 243 و 463 و 486 و 500 و 530). والحميدي (2/ 427/ 963). وابن أبي شيبة (10/ 199/ 9212). والطبراني في الدعاء (70 - 75).
* وأخرجه من طريق معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: «لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، ارحمني إن شئت، ارزقني إن شئت، وليعزم مسالته، إنه يفعل ما يشاء، لا مكره له» .
* البخاري في 97 - ك التوحيد، 31 - ب في المشيئة والإرادة، (7477). وعبد الرزاق في المصنف (10/ 441). وأحمد (2/ 318). واللبيهقي في الأسماء والصفات (1/ 262). وفي الاعتقاد (84).
* وأخرجه من طريق عطاء بن ميناء عن أبي هريرة مرفوعًا بنحوه وفيه: «وليعزم في الدعاء فإن الله صانع ما شاء، لا مكره له» : مسلم (2679/ 9)(4/ 2063). والخطيب في الموضح (1/ 86).
* وأخرجه من طريق الأعمش عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعًا بنحوه: الطبراني في الأوسط (2038). وفي الصغير (170).
* وأخرجه من طريق أبي حازم عن أبي هريرة بنحوه مرفوعًا. الطبراني في الدعاء (69).