الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من المطلق، وعدم نوم وغفلة، كالغسل والتيمم، بإبدال المطلق بالصعيد إلا أن الوقت فيه شرط فيهما اهـ.
وفي الرسالة: ويجب عليه أن يعمل عمل الوضوء احتسابا لله تعالى لما أمره به يرجو تقبله وثوابه وتطهيره من الذنوب به، ويشعر أن ذلك تأهب وتنظف لمناجاة ربه، والرقوف بين يديه لأداء فرائضه، والخضوع له بالركوع والسجود.
فيعمل على يقين بذلك وتحفظ فيه، فإن إتمام كل عمل بحسن النية فيه اهـ.
ولما أنهى الكلام على فضائل الوضوء ومكروهاته وما يتعلق بجميع ذلك انتقل يتكلم على نواقضه، فقال رحمه الله تعالى:
فَصْلٌ
في نواقض الوضوء
هذا الفصل عقده المصنف في بيان نواقض الوضوء. والنواقض جمع ناقض، أي مبطل للوضوء وموجب لإعادته مرة أخرى. والناقض ثلاثة أنواع على الإجمال، وهي حدث، وسبب، وغيرهما، وأشار المصنف إلى الأول بقوله:
" ينقضه الخارج المعتاد من السبيلين " أي الحدث الخارج من القبل أو الدبر " على وجه العادة " يعني الحدث الذي ينتقض به الوضوء هو الخارج من المخرج المعتاد
على وجه الصحة والاعتياد. وأما الخارج غير المعتاد كخروج الدود أو الحصى من أحد السبيلين، أو غير الخارج كالقرقرة، أو كان خروجه على سبيل المرض كالسلس فلا ينتقض به الوضوء، وإليه أشار المصنف بقوله:" لا النادر والسلس " أي فلا يوجبان الوضوء بخروجهما، هذا إن لازم السلس كل الزمن أو جله، أما إن فارق كل الزمن أو جله فينتقض. والمراد بالخارج الناقض الذي
ينقض بنفسه، وهو البول والغائط والريح والمذي والودي والهادي في الأنثى. ثم ذكر المصنف السلس الذي ينشأ لأجل طول العزبة فحكمه حكم الخارج المعتاد في نقض الوضوء به.
ولذا قال رحمه الله تعالى: " وسلس المذي لطول العزبة كالمعتاد " والسلس: ما يسيل بنفسه لتغير الطبيعة، سواء كان بولا أو ريحا أو غائطا أو منيا، يعني أن السلس لطول العزبة ناقض كالخارج المعتاد سواء، يجب منه ما يجب في خروج المذي، إن كان مذيا مع غسل الذكر كله بنية كما تقدم جميع ذلك على التفصيل، وفي نسخة هنا زيادة في المتن وهي:" والخارج من غيرهما " هذه الزيادة ليست من كلام المصنف وإن كانت موافقة، والأولى جعلها شرحا لا نصا فتأمل.
ولما فرغ المصنف من الكلام على الحدث وتعريفه وأحكامه انتقل إلى النوع الثاني من أنواع الوضوء، وهي الأسباب التي لا تنقض الوضوء بنفسها بل بسبب حدث ولو لم يحصل، فبدأ رحمه الله بالمس واللمس لأن كل واحد منهما يؤدي إلى خروج المذي أحيانا:" و " من نواقض الوضوء " مس الذكر " أي المتصل " بباطن الكف والأصابع " يعني من النواقض للوضوء مس الذكر بباطن الكف أو بباطن الأصابع أو بجنبيهما ولو بأصبع زائد إن حس بأن كان يتحرك تحريكا معتبرا، فينتقض الوضوء بذلك سواء مسه من كمرة أو من قصبة، التذ أم لا، هذا إذا مسه من غير حائل، أما إن مسه من فوق حائل فلا نقض ولو كان الحائل خفيفا، إلا ما كان وجوده كالعدم. والحاصل أن النقض مشروط بشروط خمسة: أن يكون ذكر نفسه، وأن يكون متصلا، وأن يكون المس من غير حائل، وأن يكون بالغا، وأن يكون بباطن الكف أو ما شابهه اهـ الصفتي.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " لا " ينقض الوضوء بسبب مس " الدبر " يعني أن الوضوء لا ينتقض بمس الدبر عند المالكية، ولا بمس الأنثيين، ولا بمس فرج الصغيرة
التي لا تشتهي، وكذا لا ينتقض الوضوء بخروج قيء، ولا بأكل لحم جزور، ولا بحجامة، ولا بفصد، ولا بقهقهة في صلاة، ولا بمس امرأة فرجها على المعتمد.
قال المصنف رحمه الله مشيرا لهذا الأخير " وفي مس المرأة فرجها خلاف "
وقد علمت آنفا أن المعتمد الذي به الفتيا عدم النقض ولو ألطفت. وعليه مشى خليل. والإلطاف أن تدخل المرأة يدها بين شفري فرجها. ولا ينتقض الوضوء بلمس البهيمة، ولا بإنعاظ من غير مذي، ولا بالنظر أو التفكر ولو مع اللذة في القلب بغير خروج شيء ولو في الصلاة. ومما لا ينتقض به الوضوء على المعتمد القرقرة، وهي الريح المسموعة داخل الجوف؛ لأن الناقض هو الخارج المعتاد، وليست القرقرة من الخارج. وما ذكره صاحب العزية من أن القرقرة الشديدة توجب الوضوء ضعيف.
قال المصنف رحمه الله: " و " من نواقض الوضوء: لمس النساء للذة " أي لقصد اللذة أو وجدانها، يعني أن قصد اللذة أو وجودها شرط في نقض الوضوء.
والمراد باللمس ملاقاة جسم لآخر وهو من نواقض الوضوء، والدليل على ذلك قوله تعالى:{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاء} [المائدة: 6] وقال بعضهم: المراد باللمس الجماع، فأجاب الصفتي ليس كذلك لأن حكم الجنابة ذكر في قوله تعالى:{وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} [المائدة: 6] فلو كان المراد باللمس الجماع لكان تكرارا اهـ. وبهذا قد تقرر أن قصد اللذة أو وجودها ناقض، سواء ممن تحل له كالزوجة، والأمة، أو أجنبية. قال المصنف رحمه الله تعالى:" ولو محرما " كأم وبنت وغيرهما؛ لأن وجود اللذة ناقض على المعتمد، ولا فرق في ذلك بين المحرم وغيره إلا في القصد وحده بدون وجدان، ففي الأجنبية ناقض وفي المحرم غير ناقض، سواء من فاسق وهو من يلتذ بمحرمه أم لا اهـ الصفتي، كما سيأتي تفصيل ذلك عن الدردير. قال المصنف رحمه الله:" أو " كان اللمس واقعا " من وراء حائل لا يمنع اللذة " فينتقض به الوضوء لأنه كالعدم. قال: " ولو " كان العضو الملموس " ظفرا أو سنا
أو شعرا " يعني أنه قد أتى المصنف بصفة المبالغة في انتقاض الوضوء بهذه الأشياء الثلاثة بشرط اللذة أو قصدها من اللامس، وأما الملموس فينقض وضوؤه بوجود اللذة فقط، ولنقض وضوئهما معا أشار المصنف بقوله: " اللامس والملموس سواء " قال العلامة الشيخ أحمد الدردير في أقرب المسالك: ولمس بالغ من يلتذ به عادة ولو لظفر أو شعر أو بحائل إن قصد اللذة أو وجدها، وإلا فلا اهـ: قال الشارح: يعني أن لمس المتوضئ البالغ لشخص يلتذ أو وجدها، وإلا فلا اهـ: قال الشارح: يعني أن لمس المتوضئ البالغ لشخص يلتذ بمثله عادة من ذكر أو أنثى ينقض الوضوء ولو كان الملموس غير بالغ أو كان اللمس لظفر، أو شعر، أو من فوق حائل كثوب، وظاهرها كان الحائل خفيفا يحس اللامس معه بطراوة البدن، أو كان كثيفا. قال وتأولها بعضهم بالخفيف قلت: قد تقدم لنا في مس الذكر أن مسه من فوق الحائل لا يوجب الوضوء فلا
ينتقض ولو كان الحائل خفيفا، إلا ما كان وجوده كالعدم فينتقض، كما في حاشية الصفتي. فلنرجع إلى تمام كلام الدردير: قال: وأما اللمس من فوق حائل كثيف فلا ينقض، ومحل النقض إن قصد التلذذ بلمسه، وإن لم تحصل له لذة حال لمسه، أو وجدها حال اللمس وإن لم يكن قاصدا لها ابتداء، فإن لم يقصد ولو يحصل له لذة فلا نقض، ولو وجدها بعد اللمس. والملموس إن بلغ ووجد، أو قصد بأن مالت نفسه بأن يلمسه غيره فلمسه انتقض وضوؤه لأنه صار في الحقيقة لامسا وملموسا، فإن لم يكن بالغا فلا نقض ولو قصد ووجد اهـ.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " و " من الأسباب التي تنقض الوضوء " زوال العقل " أي استتاره " بجنون " وهو زوال الشعور من القلب مع بقاء القوة والحركة، وهو أنواع:" أو إغماء " وهو زوال الشعور من القلب مع استرخاء الأعضاء. قال مالك رحمه الله: ومن أغمي عليه فعليه الوضوء.
تنبيه: إذا أفاق المجنون والمغمى عليه لا يجب
عليهما غسل على المعتمد، نقله الصفتي عن شرح الأصيلي اهـ قلت: هذا إن لم يتحقق خروج الإنزال منه وإلا وجب عليه الغسل اتفاقا. قال المصنف رحمه الله: " أو " كان زوال العقل بسبب " سكر " يعني أراد بذلك مطلق غيبوبة العقل، سواء أكان من مائعات حلال كلبن حامض، أم من حرام كخمر، أم من مضرات بالجسم والعقل كسم، أو من مخدرات كحشيشة. والمدار في الجميع على زوال العقل، فإذا زال العقل بشيء من تلك الأشياء نقض الوضوء مطلقا، لا فرق بين طول زمنه وقصره كما يفصل في النوم، وهو ظاهر المدونة والرسالة، فهو ناقض. قال ابن عبد السلام: وهوة الحق.
وقال ابن بشير: والقليل في ذلك كالكثير خلافا لبعضهم اهـ. نقله الصاوي عن الدسوقي. قال المصنف رحمه الله: " أو " كان الزوال بسبب " نوم مستثقل ولو في الصلاة أو جالسا غير مستند " يعني أن النوم من الأسباب التي تنقض الوضوء أيضا.
قصير خفيف لا ينقض الوضوء، طويل خفيف يستحب منه الوضوء. ولا عبرة عند المالكية بصفة النائم من كونه جالسا أو مستندا أو مضطجعا، بل العبرة عندنا بصفة النوم كما تقدم، فإذا ثقل النوم حتى لا يشعر صاحبه بمن يأتي ومن يذهب نقض وضوؤه على كل حال.
ثم انتقل المصنف إلى ما ليس بحدث ولا سبب وهي الردة والشك، وقدم الردة لأنها أهم، فقال رحمه الله:" والمشهور " عندنا معشر المالكية " أن الردة مبطل " للوضوء، خلافا للشافعية. قال الدردير: وأما غيرهما - أي غير الحدث
والسبب - وهو الردة والشك في الناقض بعد طهر علم وعكسه، أو في السابق منهما. قال الشارح: هذا هو النوع الثالث من الناقض للوضوء، إما حدث، وإما سبب، وإما غيرهما، وهو أمران: الردة، والشك، وكل منهما ليس بحدث ولا سبب. وبعضهم جعلهما من أقسام
السبب: أما الردة فهي محبطة للعمل ومنه الوضوء والغسل على الأرجح، إلى آخر كلامه رحمه الله: يعني أن الردة - وهي كفر مسلم والعياذ بالله - مبطلة لجميع أعمال البر من العبادات وغيرها، وهي تكون بالأشياء من الأفعال والأقوال، نحو أن يقول هو مشرك، أو هو نصراني، أو يهودي، أو يلقي مصحفا في القاذورات، أو يسب الله تعالى، أو يسب نبيا مجمعا على نبوته، أو ملكا كذلك، أو نحو ذلك مما يقتضي الكفر، فإذا حصل منه واحدة مما ذكرنا صار كافرا مرتدا. قال تعالى:{وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ} [المائدة: 5] وقال تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] والوضوء من جملة العمل كالغسل فإن الردة تبطله على المعتمد. فإذا رجع المرتد إلى الإسلام وجب عليه إعادة وضوئه الذي فعل قبل ارتداده بنية رفع الحدث إن أراد الصلاة، وكذا وجب عليه الغسل إن أراد جميع ما يقتضي الطهر كالطواف ومس المصحف وغيرع مما هو شرطه الطهارة. فافهم ذلك.
ثم قال المصنف رحمه الله: " و " من نواقض الوضوء " الشك في الحدث بعد تيقن الطهارة " قال مالك في المدونة فيمن توضأ فشك في الحدث فلا يدري أحدث بعد الوضوء أم لا: إنه يعيد الوضوء بمنزلة من شك في صلاته، فلا يدري أثلاثا صلى أم أربعا فإنه يلغي الشك اهـ. وكذلك من شك في السابق منهما بأن تيقن أيضا بالحدث وشك في السابق منهما فإنه يجب عليه الوضوء؛ لأنه لا تبرأ ذمته إلا باليقين. ولذا قال المصنف: والشك في الحدث إلخ " موجب " يعني من موجبات الوضوء، ما لم يكن مستنكحا. وإذا استنكحه شك فإنه لا يعيد الوضوء. وأما غير المستنكح فإن وضوءه يبطل بالشك باتفاق أهل المذهب.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " والحدث يمنع فعل كل ما يشترط له الطهارة " يعني أنه إذا قام بالمكلف الحدث منع أن يفعل ما يشترط فيه الطهارة كالصلاة
والطواف وحمل المصحف، إلا بقصد حمل أمتعة فيجوز. قال الله تعالى:{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} [الواقعة: 77 - 80] صدق الله العظيم. ولهذا قال المصنف رحمه الله تعالى: " و " يمنع الحدث " حمل " جملة " المصحف ولو بحائل أو علاقة " بغير طهر إلا
لمتعلم فيه أو معلم، وإلا الجزء ونحوه لتعوذ أو دلالة فيجوز. قال المصنف رحمه الله:" لا " يمنع حمل المصحف " بين أمتعة قصد حملها " يعني أنه يجوز حمل القرآن الكامل في الأمتعة كالصندوق بنية حمل المتاع، لا بنية حمل القرآن. وفي المختصر: ومنع حدث صلاة وطوافا ومس مصحف وإن بقضيب، وحمله وإن بعلاقة أو وسادة إلا بأمتعة قصدت، وإن على كافر، لا درهم وتفسير ولوح لمعلم ومتعلم وإن حائضا، وجزء لمتعلم وإن بلغ، وحز بساتر وإن لحائض اهـ. قال الخرشي: يعني أن الطواف ولو نفلا، والصلاة كلها على اختلاف أحكامها من فرض وسنة ونفل وسجود القرآن لا يجوز إلا بالوضوء، وأن الحدث مانع من ذلك اهـ. وقد عقد الأخضري فصلا في هذه المسألة: فقال: لا يحل لغير المتوضئ صلاة ولا طواف، ولا مس نسخة القرآن العظيم، ولا جلدها، لا بيده ولا بعود ونحوه، إلا الجزء منها لمتعلم فيه، ولا مس لوح القرآن العظيم على غير الوضوء إلا لمتعلم فيه أو معلم يصححه. والصبي في مس القرآن كالكبير، والإثم على مناوله له. ومن صلى بغير وضوء عامدا فهو كافر والعياذ بالله اهـ.
قال الشارح في هداية المتعبد السالك عند قول المؤلف " ومن صلى بغير وضوء عامدا فهو كافر " قد أمر الله سبحانه وتعالى كل من أراد القيام إلى الصلاة بالوضوء بقوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] الآية. والأمر من الله إيجاب وتكليف يحبب تصديقه، والإيمان به، والعمل على مقتضاه، فمن تهاون في ذلك واستخف به فهو من قبل الشارع، غير محترم، محكوم عليه بالكفر لتهاونه بأوامر الله وعدم الخضوع لها بالإذعان والقبول. وهو أيضا مطرود عن أهل القبلة والجماعة، نعوذ