الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه وسلم على المسلمين: " وفي الرقة ربع العشر، فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس شيء إلا أن يشاء ربها ". وفي رواية " ليس فيهما دون خمس أواق من الورق صدقة ". وفي أخرى عن علي وساق حديثا إلى أن قال: " كانت لك مائتا درهم وحال عليهما الحول ففيها خمسة دراهم وليس عليك شيء حتى تكون لك عشرون دينارا، فإذا كانت لك عشرون دينارا وحال عليهما الحول ففيها نصف دينار فما زاد فبحساب ذلك " اهـ رواه أبو داود وصححه البخاري.
تنبيهان:
الأول: سكت المصنف عن النحاس اقتصارا على النقدين لما في النصوص أنه لا تجب الزكاة إلا في الذهب والفضة. قال في المدونة: أرأريت لو كانت عند رجل فلوس في قيمتها مائتا درهم، فحال عليها الحول ما قول مالك في ذلك؛ قال: لا زكاة عليها فيها. وهذا مما لا اختلاف فيه، إلا أن يكون ممن يدير فتحل محل العروض اهـ. وقال العلامة الدردير: فلا زكاة في النحاس والرصاص وغيرهما من المعادن. ولو سكت كالفلوس الجدد، الوجوب في الدنانير والدراهم. قال الصاوي في حاشيته عليه: قوله: فلا زكاة في النحاس إلخ أي ما لم تكن معدة للتجارة وإلا فتزكى زكاة العروض، أي فتقوم كالعروض كما يأتي اهـ. الثاني: وسكت أيضا عن الكلام عن هذه الأوراق الحادثة التي يتعامل بها الناس معاملة النقود، فقد اختلف فيها العلماء اختلافا كثيرا، منهم من أفتى بعدم وجوب الزكاة فيها لاقتصار النصوص على الذهب والفضة لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ} [التوبة: 34].
والحديث المتقدم " ليس فيما دون خمس أواق من الورقة صدقة " إلخ. ومنهم أي من العلماء من أفتى بوجوب الزكاة فيها أي في الأوراق الحادثة لتعامل الناس بها معاملة النقدين بدون توقف، لأن من ملكها يعد مالكا للنقود عرفا، ولذا ألحقوها بالنقود، والنفس تميل إلى هذا القول، بل الحق الذي نعتقده وندين الله به أن فيها زكاة ما دام الناس يتعاملون بها معاملة النقود إذا بلغ صرفها نصابا،
سواء صرفت أم لا كما قرروه في كتبهم. وفي " الحبل المتين شرح مرشد المعين " في مائتي درهم شرعية، أو عشرين دينارا شرعية فأكثر، أو ما يتنزل منزلتها من هذه الأوراق الحادثة، ربع العشر فيهما، وما زاد على ذلك وإن قل فبحسابه اهـ وقال العلامة الشيخ منصور على ناصف في غاية المأمول بعد الكلام عن زكاة الذهب والفضة. بقي الكلام على الأوراق البنكنوت فعليها الزكاة لأنها يتعامل بها كالنقدين، وتقوم مقامهما،
وتصرف بهما، ولأنها سندات دين فتجب فيها الزكاة إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول. وعليه المالكية والحنفية. وقال الشافعية لا تجب فيها لأنها حوالة على البنك غير صحيحة لعدم الإيجاب والقبول لفظا بين الطرفين، إلا إذا صرفت نقدا ومضى عليه الحول. وقال الحنابلة: لا تجب زكاتها إلا إذا صرفت بنقد. والله أعلم اهـ بحروفه.
ثم قال رحمه الله تعالى: " وتلفه قبل تمكنه من الأداء يسقطها، وبعده يوجب ضمانها " يعني إذا تلف النصاب كله أو بعضه بعد الحول وقبل تمكنه من دفعها لأربابها، لأنه يعد مفرطا، بل ولو لم يفرط. قال الدردير في أقرب المسالك: وإن تلف جزء نصاب ولم يمكن الأداء سقطت، كعزلها بعد الوجوب فضاعت بلا تفريط، لا إن ضاع أصلها. أي بعد الوجوب وبقيت هي فلا تسقط ووجب عليه إخراجها فرط أم لا، ولا إن عزلها قبل الوجوب فضاعت أو تلفت فيضمن أو يعتبر الباقي، ولا إن عزلها بعده وفرط بأن أمكن الأداء فلم يؤد، أو وضعها في غير حرزها فيضمن. قال الصاوي: قوله: أو وضعها في غير حرزها أي إذا لم يجد فقراء يأخذونها فوضعها في غير حرزها فيضمن إن ضاعت، وأما لو وجد مستحقيها وأخرها عنهم فإنه يضمن إن ضاعت ولو في حرزها. ومن ذلك الذين يكنزون الأموال السنين العديدة ثم تأتيها جائحة فإن زكاة السنين الماضية متعلقة بذممهم لا يخلصون منها إلا بأدائها اهـ. وفي العزية: إذا عزل الزكاة عند الحول فضاعت لم يضمن،
وإن عزلها بعد الحول ضمن، وإن عزلها ثم ضاع أصلها قبل إخراجها فإنه يدفعها لأربابها اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " فإن تلف البعض لزمه عن الباقي " تقدم بيانه عند قول الدردير: أو يعتبر الباقي، ولا حاجة لإعادته. قال رحمه الله تعالى:" وبعد إفرادها يلزمه دفعها، فإن أتلفها ضمن لا إن تلفت " يعني إذا أخرج الزكاة أي عزلها وأفردها عن المال عند الحول وجب عليه دفعها لأربابها كما تقدم، وإن أتلفها أو تسبب في إتلافها ضمنها، وإن تلفت بلا تسببه فلا ضمان عليه.
ثم قال رحمه الله تعالى: " والصحيح " أي من أقوال أئمة المذهب " أنه لا يخرجها قبل وجوبها وينويها زكاة " والمفهوم - والله أعلم - أنه إن أخرج الزكاة بنيتها قبل وجوبها لم تجزه كما في سماع أشهب، وهو مقابل المشهور. قال خليل عاطفا على الجائزات: أو قدمت بكشهر في عين وماشية، أي فتجزئ مع الكراهة.
وقال الخرشي: يعني أن زكاة العين والماشية إذا لم يكن هناك سعادة إذا قدمت قبل
الحول لأربابها أو وكيل فإنها تجزئ، بخلاف الحرث. قال الحطاب: وهذا هو المشهور إذا قدمت قبل الحول بيسير، وكذا عند ابن هارون. وقال ابن رشد: الأظهر تجزيه إذا أخرجها قبل الحول بيسير لأن الحول توسعة فليس كالصلاة اهـ.
انظر المواق. وقال ابن رشد في المقدمات: اختلف فيمن أخرج زكاة ماله قبل حلول الحول على: قولين أحدهما: أن ذلك لا تجزئه وهو رواية أشهب عن مالك، والثاني: أنها تجزئه إذا كان بقرب ذلك. انظر اختلافهم في حد القرب في الكتاب المذكور اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " أوخذ الإمام العادل ينوب عنه، وغيره إن صرفها في وجوهها، أجزأته، وإلا لزمته الإعادة " يعني إذا أخذ الإمام العادل المحقق العدالة الزكاة أنه ينوب عن صاحب المال لأن الإمام العادل يدفعها لمستحقيها. قال مالك في المدونة:
إذا كان الإمام يعدل لم يسع الرجل أن يفرق زكاة ماله الناض ولا غير ذلك، ولكن يدفع زكاة الناض إلى الإمام ويدفعها الإمام. وأما ما كان من الماشية وما أنبتت الأرض فإن الإمام يبعث في ذلك اهـ. وقال خليل: ودفعت للإمام العدل وإن عينا. قال الخرشي: يعني أن صاحب الزكاة يلزمه إذا كان الإمام عدلا في أخذها وصرفها أن يدفعها له سواء كانت عينا أو ماشية أو حرثا طلبها أو لا اهـ. وأما غيره أي غير العدل فإن صرفها في وجوهها أجزأت وإلا فلا تجزئ، ويلزمه الإعادة كما نص عليه المصنف. وإليه أشار عاطفا على عدم الإجزاء بقوله: أو طاع بدفعها لجائر في صرفها. قال ابن الحاجب: وإذا كان الإمام جائزا فيها لم يجزه دفعها إليه. قال في التوضيح: أي جائزا في تفريقها وصرفها في غير مصارفها لم يجزه دفعها إليه لأنه من باب التعاون على الإثم، والواجب حينئذ جحدها والهروب بها ما أمكن. وأما إذا كان جوره في أخذها لا في تفرقتها، بمعنى أنه يأخذ أكثر من الواجب فينبغي أن يجزيه ذلك على كراهة دفعها إليه اهـ نقله الحطاب.
ثم قال رحمه الله تعالى: ويخرج الولي عن الصبي والمجنون " يعني أن الولي مخاطب بإخراج الزكاة من مال الصبي والمجنون. وفي المدونة: قال ابن القاسم: سألت مالكا عن أموال الصبيان والمجانين هل فيها زكاة؛ فقال في أموالهم الصدقة، وفي حروثهم، وفي ناضهم، وفي ماشيتهم، وفيما يديرون للتجارة اهـ.
وفي الرسالة: وعلى الأصاغر الزكاة في أموالهم في العين والحرث والماشية وزكاة الفطر اهـ. قال زروق: يعني أن الزكاة حق تعلق بعين المال فلا يشترط في وجوبها بلوغ ولا عقل لثبوت الملك لها، ويخرجها الولي عن الصبي والمجنون وغيرهما
] 276]
ممن تحت ولايته، وإذا أخرجها أشهد عليها فإن لم يشهد فقال ابن حبيب يصدق الولي إن كان مأموما. قال الشيخ - يعني عبد الله بن أبي زيد - إنما يزكي الولي عن يتيمه إن أمن التعقب وجعل له ذلك وإلا فلا، كقولهم في التركة يجد فيها خمرا
فانظره اهـ. وقد أطال الحطاب في هذه المسألة عند قول خليل: وإن لطفل أو مجنون، فانظره إن شئت.
قال رحمه الله تعالى: " ويجزئ أحد النقدين عن الآخر بقيمته ما لم تنقص عن قدر الواجب " قال مالك في المدونة: وله أن يخرج في زكاة الدنانير دراهم بقيمتها، ويخرج عن الورق ذهبا بقيمتها اهـ. وقال خليل: وجاز إخراج ذهب عن ورق وعكسه بصرف وقته مطلقا السكة إلخ. قال الخرشي: يعني أنه يجوز إخراج الذهب زكاة عن الورق، وكذلك عكسه، أي إخراج الورق زكاة عن الذهب إلى أن قال: وأما إخراج الفلوس عن أحد النقدين فالمشهور الإجزاء كما يأتي عن قريب. وقال النفراوي في الفواكه: وأما إخراج الفلوس الجدد عن الذهب أو الفضة فلا يجوز ابتاء، ويجزئ بعد الوقوع كما قاله المصنف في نوادره اهـ.
وفي الحطاب: قال ابن عرفة: ولا يخرج غيرهما عن أحدهما، فإن وقع فالمشهور لا يجزئ. وقال أشهب: إن أعطى عرضا أجزأه اهـ. فالحاصل أن إخراج غير أحد النقدين عن زكاتهما ممنوع ابتداء، ويجزئ بعد الوقوع وإن كان مكروها، ويعتبر في ذلك بصرف الوقت وبما يفي الواجب. قال الحطاب: يعني إذا أخرج ذهبا عن ورق مسكوك، أو ورقا عن ذهب مسكوك فإن قيمة السكة معتبرة اتفاقا. قلت: هذا هو المراد بقول المصنف ما لم تنقص عن قدر الواجب. والمقصود أن يكون الواجب وافيا.
ثم قال رحمه الله تعالى: " ومن ابتاع بنصاب بعد حوله وقبل تزكيته فربح زكاة للأول وزكاهما للحول الثاني " يعني أن من فرط ولم يخرج الزكاة بعد تمام حول المال، ثم اشترى بها السلعة فعليه إذا باع السلعة زكاة حول الأول ثم يزكي جميع المال مع الربح في هذا الحول الذي هو الثاني. قال مالك في المدونة: ولو أن رجلا كانت عنده
عشرون دينارا فحال عليها الحول، فابتاع بها سلعة ولم يكن أخرج زكاتها، فأقامت السلعة بعد الحول عنده حتى حال عليها حول آخر، ثم باعها بأربعين دينارا بعد الحول، فإنه يزكي عشرين دينارا للسنة الأولى نصف دينار، ثم يزكي للسنة الثانية تسعة وثلاثين دينارا ونصف دينار اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " إلا جزء زكاة النصاب " يعني كما في المدونة وإن
اشترى سلعة بالعشرين دينارا بعد الحول ولم يكن زكى العشرين حتى مضى الحول ثم باع السلعة بعد ذلك بستة أشهر بثلاثين دينارا فإنه لا زكاة عليه إلا في العشرين دينارا، ويستقبل بالتسعة والعشرين دينارا والنصف حولا من يوم حال الحول على العشرين اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " إلا أن يكون له عرض يساوسه " وفيها قال أشهب: وإن كان عنده عرض يكون قيمته نصف دينار أو أكثر زكى الأربعين للسنة الثانية دينارا، وزكى الحول الأول نصف دينار لأن التفريط يحسب عليه شبه الدين وله عرض يحتمل دينه اهـ. الضمير في قوله يساويه عائد إلى النصف دينار الذي دفعه المزكي من الحول الأول، فإذا كان عنده عرض قيمته تنوب مناب نصف الدينار فيكون به تمام أربعين دينارا فيزكي الأربعين للسنة الثانية كما تقدم.
قال رحمه الله تعالى: " وتضم أولى الفائدتين إلى الثانية كانت نصابا أو أكملته فإن كانت الأولى أو كل نصابا استقلت بحولها " يعني كما في الدردير على أقرب المسالك وتضم ناقصة لما بعدها إلخ، أي ولو تعددت الفائدة حتى يتم النصاب فيتقرر الحول، فمن استفاد عشرة من المحرم ومثلها في رجب فمبدأ الحول رجب فيزكي العشرين في رجب المستقبل ولو استفاد خمسة في المحرم، ومثلها في ربيع، ومثلها في رمضان، فمبدأ الحول رمضان فيستقبل بها حولا منه إلا أن تنقص الأولى أي من الفائدتين عن النصاب
بعد مرور الحول عليها وهي كاملة فحينئذ لا تضم لما بعدها لوجوب الزكاة عليها، كما لا تضم ما بعدها لها بل يزكي كلا في حولها ما دام في المجموع نصاب: مثاله استفاد عشرين في المحرم وحال حولها ووجب زكاتها، ثم نقصت واستفاد في رجب ما يكمل النصاب فأكثر فكل منهما على حولها، فإذا جاء المحرم زكى المحرمية، فإذا جاء رجب زكى الرجبية.
وقال الصاوي عليه: قوله: وتضم فائدة ناقصة؛ اعلم أن أقسام الفوائد أربعة: إما كاملتان، وإما ناقصتان، أو الأولى كاملة والثانية ناقصة، أو عكسه، فالكامل لا يضم، والناقص الذي بعده كامل يضم إليه، والناقص بعد الكامل لا يضم لسبقه بالكامل، والناقص يضم للناقص بعده كما يضم للكامل بعده. وهذا التفصيل مخصوص بفائدة مخصوص بفائدة العين كما هو معلوم. وأما الماشية فإن ما حصل من فائدتها بعد نصاب الأول يضم له اهـ.
ثم قال رحمه الله تعالى: " ومن مكث دينه أحوالا فلا زكاة عليه حتى يقبضه، أو نصابا منه فيزكيه لعام واحد " يعني أن من كان له دين على أحد فلا زكاة عليه فيه حتى يقبضه ولو مكث أعواما، أو يقبض منه ما يتم به نصابا فيزكيه لعام
واحد بعد قبضه. قال في الرسالة: ولا زكاة عليه في دين يقبضه وإن قام أعواما فإنما يزكيه لعام واحد بعد قبضه اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " فإن قبض دونه لم يزك حتى يقبض تمامه، أبقى الأولى أو أتلفها كثمن عروض التجارة " والمعنى أنه إن قبض من الدين أقل من النصاب فلا يزكيه حتى يقبض ما يتم به النصاب سواء طال بين الأول والثاني أم لا، أتلفه أم لا، المعتبر حصول تمام النصاب ولو بتكرر المقبوض، وكذلك عروض التجارة حتى يبيعه ويقبض ثمنه عينا فيزكيه لعام واحد إن كان نصابا فأكثر.
قال خليل: وإنما يزكى دين إن كان أصله عينا بيده أو عرض تجارة وقبض عينا ولو بهية أو إحالة كمل بنفسه ولو تلف
المتم إلخ. وعبارة الدردير في أقرب المسالك: ويزكي الدين لسنة من يوم ملك أصله، أو زكاة إن كان عينا من قرض أو عروض تجارة وقبض عينا ولو موهوبا له. أو أحال، وكمل نصابا وإن بفائدة تم حولها، أو كمل بمعدن وحول المتم من التمام ثم زكى المقبوض ولو قل اهـ. وحاصل ما ذكروه أن لزكاة الدين شروطا أربعة: الأول: أن يكون الدين أصله عينا بيده أو بيد وكيله فيسلفه، أو عروض تجارة يبيعها بثمن معلوم لأجل. الشرط الثاني: إن يقبض الدين حقيقة أو حكما، كإحالته لما عليه بعد حلول الأجل، أو هبته لغير المدين. الشرط الثالث: أن يقبض عرضا لا إن قبض عرضا فلا زكاة عليه إلا بعد بيعها فيزكيه لسنة من يوم قبضه. الشرط الرابع: أن يقبض نصابا، أي أن يكون المقبوض من الدين نصابا كاملا ولو في مرات كأن يقبض منه عشرة فيزكيه عند قبض ما به التمام، أو يقبض بعض نصاب وعنده ما يكمل النصاب وإن بفائدة تم حولها، كما لو قبض عشرة وعنده عشرة حال عليها الحول فيوكي العشرين. هذا حكم المحتكر في دين له أو عروض تجاريه. وأما الدين الذي استفاده كالهبة فإنه يستقبل به حولا من يوم قبضه. وإليه أشار رحمه الله تعالى بقوله:" وإن استفاده فلا زكاة حتى يحول بعد قبضه ويعتبر في القبض ما تقدم " يعني بما تقدم، أي من الشروط المذكورة المتقدمة في زكاة الدين من تمام النصاب وحلول الحول وغير ذلك مما تقدم.
ثم ذكر أحكام المدير أي في التجارة، وهو الذي لا يستقر بيده عين ولا عرض، فقال رحمه الله تعالى:" ويعين المدير شهرا يقوم فيه عروضه، ويضم دينه وناضه ولو درهما، فإن كان لا ينض له شيء فلا زكاة " يعني أن المدير يجب عليه أن يعين شهرا معلوما في السنة ليزكية ماله بشرط وجود الشيء من النقود في يده وإن لم يكن شيء من ذاك فلا يجب عليه زكاة حتى يبيع بالنقود. قال مالك في
المدونة في رجل يدير ماله في التجارة فكلما باع اشترى، مثل الحناطين والبرازين والزياتين، ومثل التجار
الذين يجهزون الأمتعة وغيرها إلى البلدان قال: فليجعلوا لزكاتهم من السنة شهرا، فإذا جاء ذلك الشهر قوموا ما عندهم مما هو للتجارة، وما في أيديهم من الناض فزكوا ذلك كله. قال: وإن كان له دين على الناس فليزكه مع ما يزكي من تجارته يوم يزكي تجارته إن كان دينا يرجى اقتضاؤه وإن كان لا يرجوه لم يقومه وإنما يقوم ما يرتجيه من ذلك. ويقوم الحائط إذا اشتراه للتجارة، هذا إذا كان ممن يدير ماله. وقال ابن القاسم لا يقوم الثمر لأن الثمر فيه زكاة، وكذلك لا يقوم الأواني والآلات وبهيمة العمل. وقال مالك: إذا كان الرجل يدير ماله في التجارة ولا ينض له شيء إنما يبيع العرض بالعرض فهذا لا يقوم ولا شيء عليه، ولا زكاة، ولا تقويم حتى ينض له بعض ماله. وقال: من باع بالعرض والعين فذلك الذي يقوم اهـ.
ثم قال رحمه الله تعالى: " والمرصع إن علم وزن نقده زكاه، وانتظر بجواهره البيع، وإن جهله ولم يمكن نزعه فالأظهر التحري، وقيل المقصود منهما متبوع " قال العدوي في حاشيته على الخرشي: قوله وإن رصع أي ألزق ورصع يصح قراءته بالتشديد والتخفيف، فقد قال الجوهري: الترصيع: التركيب. وقد يقال رصع بالكسر والترصيع مصدر رصع بالتشديد اهـ. والمعنى إذا رصع أحد النقدين على الحلي أو غيره فالعبرة في الزكاة زنته. قال خليل: وإن رصع بجوهر، وزكى الزنة إن نزع بلا ضرر، وإلا تحرى (1). وقال الدردير في الحلي المحرم: يجب فيه الزكاة وإن رصع بالجواهر، أو طرز بسلوك الذهب أو الفضة ثياب أو عمائم فإنها تزكى زنتها إن علمت وأمكن نزعها بلا فساد وإلا تحرى ما فيه من العين وزكى اهـ. وقال مالك في المدونة فيمن اشترى حليا للتجارة وهو ممن لا يدير التجارة، أي اشترى حليا فيه الذهب والفضة والياقوت والزبرجد واللؤلؤ فحال عليه الحول وهو عنده فإنه ينظر إلى ما فيه من الورق والذهب فيزكيه،
(1) انظر قوله: وإلا تحرى في الحطاب اهـ.
ولا يزكي ما كان فيه من اللؤلؤ والزبرجد والياقوت حتى يبيعه، فإذا باعه زكاه ساعة بيعه إن كان قد حال عليه الحول. قال: وإن كان ممن يدير ماله في التجارات إذا باع اشترى قوم ذلك كله في شهره الذي يقوم فيه ما له فزكى لؤلؤه وزبرجده وياقوته، وجميع ما فيه إلا التبر الذهب والفضة فإنه يزكي وزنه ولا يقومه اهـ.
ثم ذكر المعدن أي معدن النقدين فقال رحمه الله تعالى: " ويشترط في
المعادن اتصال النيل وكمال النصاب، لا الحول، فإن أخرج دونه فلا زكاة حتى يخرج تمامه أو يكون عنده ما يكمله قد حال حوله، وتضم المعادن وإن تناءت محالها كالزرع وغيرها بشرط اتصال النيل وإلا استقل كل بحكمه " قال في الرسالة: وفيما يخرج من المعدن من ذهب أو فضة الزكاة إذا بلغ وزن عشرين دينارا أو خمس أواق فضة ففي ذلك ربع العشر يوم خروجه. وكذلك فيما يخرج بعد ذلك متصلا به وإن قل، فإن انقطع نيله بيده وابتدأ غيره لم يخرج شيئا حتى يبلغ ما فيه الزكاة اهـ.
وقال خليل: وإنما يزكي معدن عين وحكمه للإمام، ولو بأرض معين، إلا مملوكة لمصالح فله، وضم بقية عرقه وإن تراخى العمل، لا معادن ولا عرق آخر إلخ. النفراوي: وإنما وجبت زكاة الخارج بعد تمام النصاب وإن قل لأنه كالدين يزكى المقبوض منه بعد النصاب وإن قل اهـ. قال مالك في الموطأ إنه لا يؤخذ من المعادن مما يخرج منها شيء حتى يبلغ ما يخرج منها قدر عشرين دينارا عينا أو مائتي درهم، فإذا بلغ ذلك ففيه الزكاة مكانه وما زاد على ذلك أخذ بحساب ذلك ما دام في المعدن نيل، فإذا انقطع عرقه ثم جاء بعد ذلك نيل فهو مثل الأول تبتدئ فيه الزكاة كما ابتدأت في الأول. قال مالك: المعدن بمنزلة الزرع يؤخذ منه مثل ما يؤخذ من الزرع، يؤخذ منه إذا خرج من المعدن من يومه ذلك ولا ينتظر به الحول، كما يؤخذ من الزرع إذا حصد العشر ولا ينتظر أن يحول عليه الحول اهـ ثم ذلك الندرة بفتح النون وسكون الدال المهملة، وفي المصباح: الندرة بالفتح
والضم لغة. ولا يكون ذلك إلا نادرا اهـ. وهي المال الذي. . يوجد في الأرض.
وحكمها كالركاز من أن فيها الخمس على المشهور. وهو قول ابن القاسم. وقال ابن نافع فيها الزكاة. وعلى القول الأول مشى الشيخ خليل حيث قال: وفي ندرته الخمس كالركاز. ومشى المصنف على أن القول الثاني أظهر له. ولذا قال رحمه الله تعالى: " والأظهر أن الندرة كغيرها. وقيل بل تخمس " وأنه رحمه الله حكى القول المشهور بقيل التي تدل على الضعف. قال الخرشي: والمعنى أن ندرة معدن العين تخمس على المشهور. قال العدوي: ومقابله ما رواه ابن نافع عن مالك ليس فيها إلا الزكاة، وإنما الخمس في الركاز اهـ وفي الحطاب: قال في التوضيح: المعتبر في تمييز الندرة من غيرها هو التصفية للذهب والتخليص فهي القطعة المشبهة بالركاز وفيها الخمس، وأما إذا كانت ممازحة للتراب وتحتاج إلى تخليص فهي المعدن وتجب فيها الزكاة، حكاه الباجي عن الشيخ أبي الحسن اهـ. والحاصل أن في الندرة قولان أشهرهما التخميس كما تقدم. والله أعلم.
ثم قال رحمه الله تعالى: " والأصح تخميس قليل الركاز وكثيره وعروضه " يعني أن الركاز. . يخمس قليله وكثيره لا فرق بين النقدين والعروض. قال الخرشي: المشهور أن الركاز يخمس ولو كان دون النصاب، وسواء كان عرضا أو عينا كالجواهر والنحاس والرصاص والعمد والرخام والصخور ما لم تكن مبنية وإلا فحكمها حكم جدرها اهـ مع إيضاح. وقال زروق في شرحه على الرسالة: والمشهور تخميس القليل والكثير منه كان عينا أو لؤلؤا أو نحاسا أو غيرها، وإليه رجع مالك عن تخصيصه بالعين، واختاره ابن القاسم وغيره. وما كثر العمل والنفقة في تحصيله فليس فيه إلا الزكاة على الأصح اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ثم أربعة أخماسه إن كان بفيفاء في الجاهلية فلواجده "
وفي المواق قال مالك في المدونة: ما وجد في أرض العرب كأرض اليمن والحجاز وفيافي الأرض من ركاز ذهب أو فضة فهو لمن وجده، وعليه فيه الخمس كان قليلا أو كثيرا، وإن نقص عن مائتي درهم، أصابه غني أو فقير أو مدين، ولا يسع الفقير أن يذهب بجميعه لموضع فقره اهـ. قوله في الجاهلية، قال النفراوي: لأن الغالب في الموجود في الأرض كونه من دفن الجاهلية. وقوله فلواجده، قال وأشعر كلام المصنف أنه ليس حكمه للإمام كالمعدن، بل الباقي بعد إخراج خمسه لواجده ولو عبدا أو كافرا، حيث وجده في أرض لا مالك لها، كموات أرض الإسلام، أو فيافي العرب التي لم تفتح عنوة ولا أسلم عليها أهلها.
وأما لو وجد في أرض مملوكة فيكون ما فيه لمالك الأرض ولو جيشا. انظره في الفواكه اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " وأما في أرض الصلح فلأهلها، أرض العنوة لمفتتحها " قال مالك في المدونة: ما وجد من ركاز بأرض الصلح فهو للذين صالحوا على أرضهم، ولا يخمس ولا يؤخذ منهم شيء. قال سحنون: ويكون لأهل تلك القرية دون الإقليم، إلا أن يجده رب الدار وهو من أهل الصلح فهو له، إلا أن يكون رب الدار ليس من أهل الصلح فيكون ذلك لأهل الصلح دونه اهـ.
وعبارة النفراوي في الفواكه أنه قال يستثنى من الركاز الذي يخمس ما وجد مدفونا في أرض الصلح سواء كان من دفنهم أو من دفن غيرهم، فهذا لا يخمس على المشهور ولا يكون لو اجده وإنما هو لأهل الصلح جميعا إلا أن يجده رب دار منهم بها فإنه يختص به، فلو لم يكن منهم فهو لهم اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " وما علم أنه لمسلم لقطة " يعني كما قال النفراوي: وأما ما وجد عليه علامة مسلم أو ذمي فهو لقطة سواء وجد مدفونا أو على ظهر
الأرض يجب على واجده تعريفه سنة، ما لم يغلب على الظن انقراض مستحقة فيوضع في بيت المال بلا
تعريف اهـ. وقال خليل: ودفن مسلم أو ذمي لقطة. قال الدردير: كالموجود من مالهما على ظهر الأرض يعرف سنة إذا لم يعلم ربه أو وارثه، فإن قامت القرائن على توالي الأعصار عليه بحيث يعلم أن ربه لا يمكن معرفته ولا معرفة وارثه في هذا الأوان فهل ينوي تملكه أو يكون محله بيت مال المسلمين لقولهم كل مال جهلت أربابه فمحله بيت المال، وهو الظاهر بل المتعين اهـ. وإنما كان مال الذمي كالمسلم لأنه محترم بحرمة الإسلام لدخوله تحت حكم المسلمين.
ثم قال رحمه الله تعالى: " والدين إن استغرق أو أبقى ما لا زكاة فيه أسقطها عن النقد الحولي " يعني إذا كان عليه دين أكثر مما بيده من النقود. أو يبقى أقل من النصاب بعد وفاء الدين فلا زكاة عليه في نقده. قال رحمه الله تعالى: " لا المعدني والماشية والمعشرات " يعني أن الدين لا يسقط زكاة المعدن والماشية.
خمس الركاز، فمن خرج من زرعه خمسة أوسق، أو وجد في ماشيته نصابا وعليه دين يزيد على قيمة ذلك فإنه يجب عليه إخراج الزكاة ويوفي دينه من الباقي: قال خليل: ولا تسقط زكاة حرث ولا ماشية ومعدن بدين، أو فقد، أو أسر. وقال القرافي: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعمر بن عبد العزيز يبعثون الخراص والسعادة ولا ينقصون شيئا لأجل الدين من ثمرة ولا من ماشية. وكانوا يسألونهم عن الدين في العين. قاله النفراوي. قال رحمه الله تعالى: " إلا أن يكون له عرض يساويه ويجعل بإزائه ما يباع عليه في فلسه كدينه وكتابته وخدمة مدبره ونحو ذلك " والمعنى أن من عليه دين وله أي بيده من الذهب أو الفضة فليحسب ما بيده من النقد على ما عليه من الدين، فإن بقي ما فيه الزكاة بعد الدين زكاه وإلا فلا، إلا إذا كان عنده شيء يجعل بإزاء دينه فعليه أن يزكي ما بيده من النقد. قال في الرسالة: ومن له مال تجب فيه الزكاة وعليه دين مثله أو ينقص عن