الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شروط الصلاة
ولما أنهى الكلام على الأذان والإقامة وما يتعلق بهما انتقل يتكلم على شروط الصلاة فقال رحمه الله:
فَصْلٌ
في شروط الصلاة
أي في بيان شروط الصلاة، وهي أربعة على الجملة: الأول استقبال القبلة، والثاني طهارة الحدث وطهارة الخبث، والثالث ستر العورة، والرابع البلوغ.
وسيأتي زيادة بيان على التفصيل بعد تعريف الشرط. والشروط جمع شرط، وتجمع على شرائط وأشراط. قال العلامة الدردير على أقرب المسالك: وهي ثلاثة أقسام: شروط وجوب فقط، وشروط صحة فقط، وشروط وجوب وصحة معا.
والمراد بشروط الوجوب ما يتوقف عليه الوجوب، وبشروط الصحة ما تتوقف عليه الصحة، وبشرطهما ما يتوقفان عليه. وشرط ما يلزم من عدمه عدم المشروط، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم. فإن كان شرط وجوب فقط كالبلوغ قلت هو ما يلزم من عدمه عدم وجوب الشيء - كالصلاة مثلا - ولا يلزم من وجوده وجود الوجوب لاحتمال وجود مانع كالحيض، ولا عدم الوجوب، بل قد يحصل الوجوب وذلك عند انتفاء الموانع وتوافر الأسباب كدخول الوقت. وإن كان شرط صحة فقط كالإسلام قلت: هو ما يلزم من عدمه عدم الصحة، ولا يلزم من وجوده وجود الصحة لجواز انتفاء شرط آخر كالطهارة، أو وجود مانع كالحيض، ولا عدمها، بل قد توجد إذا انتفت الموانع وتوافرت الأسباب. وإن كان شرطا في الوجوب والصحة معا كالعقل بالنسبة للصلاة قلت هو ما يلزم من عدمه عدمهما ولا يلزم من وجوده وجودهما
ولا عدمهما. وأما كونه لا يلزم من وجوده وجودهما فلجواز حصول مانع منهما كالحيض، وأما كونه لا يلزم من وجوده عدمهما فلجواز توافر
الأسباب وانتفاء الموانع وهي إذا توافرت مع انتفاء الموانع حصل الوجوب والصحة. وأما شروط وجوبها فقط فاثنان البلوغ وعدم الإكراه على تركها.
فوجوبها يتوقف عليهما، لكن عدم الإكراه ليس بشروط وجوبها على التحقيق. وأما شروط الصحة فقط فخمسة: طهارة الحدث، وطهارة الخبث على أشهر القولين، وقيل إن طهارة الخبث سنة. والإسلام، وستر العورة، والاستقبال. وأما شروطهما معا فستة: بلوغ الدعوة، والعقل، ودخول الوقت، والقدرة على استعمال الطهور، وعدم النوم والغفلة، والخلو من حيض ونفاس وهو خاص بالنساء اهـ.
قال المصنف مبتدئا بالشرط الأول وهو من شروط الصحة بقوله: " استقبال القبلة شرط في الصلاة " يعني أن استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة.
وسميت القبلة قبلة لأن المصلي يقابلها وتقابله، وهي على سبعة أقسام: الأولى قبلة تحقيق وهي قبلة الوحي كقبلته عليه الصلاة والسلام: بمعنى قبلة عيان وإن لم تعاين، وهي الكعبة. الثانية قبلة إجماع وهي قبلة جامع عمرو بن العاص بمصر؛ لإجماع الصحابة عليها. الثالثة قبلة استتار وهي قبلة من غاب عن البيت من أهل مكة أو عن مسجده عليه الصلاة والسلام. الرابعة قبلة اجتهاد، وهي قبلة من لم يكن في الحرمين. الخامسة قبلة بدل وهي جهة السفر للراكب على الدابة في النوافل حيثما في سفر قصر لقول الله تعالى:{وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله} [البقرة: 115] أي قبلته. السادسة قبلة تخيير، وهي قبلة من لم يجد مجتهدا يقلده، أو تحير، أو نسي المجتهد، أو خفيت عليه الأدلة لسجن أو ظلمة أو حجاب أو غير ذلك. وسيأتي عن المصنف. فإن تحير تخير جهة. السابعة قبلة عيان وهي استقبال عين القبلة لمن بمكة، أي مسامته بناء الكعبة بجميع البدن تيقنا من الأمن والقدرة، لأن القدرة
على اليقين تمنع الاجتهاد، فإن عجز فالجهة قال تعالى:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] وروى البيهقي عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال:" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " البيت قبلة لأهل المسجد، والمسجد قبلة لأهل الحرم، والحرم قبلة لأهل الأرض " اهـ وهذا الحديث وإن ضعف الترمذي بعض رجاله فمعناه صحيح لقوله تعالى:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الآية. وفي الحديث عن البراء بن عازب: قال " قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم وجه إلى الكعبة، فمر رجل قد كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم على قوم من الأنصار، فقال: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وجه إلى الكعبة فانحرفوا إلى الكعبة " رواه الخمسة. وهنا
قال المصنف رحمه الله تعالى: " إلا في شدة الخوف " يعني أن الخوف الشديد مبيح للخائف إيقاع الصلاة على غير القبلة. قال خليل: أو خوف من كسبع. وفي المواق: قال مالك في المدونة: من خاف إن نزل من سباع أو غيرها صلى على دابته إيماء أينما توجهت به، فإن أمن في الوقت فأحب إلي أن يعيد بخلاف العدو. قال ابن يونس: ووقته وقت الصلاة المفروضة قال اللخمي: ويسقط استقبال القبلة عن المكتوف، والمربوط، وصاحب الهدم، والمسايف للعدو، والخائف من اللصوص والسباع يخشى متى وقف أدركه العدو أو اللصوص أو السباع.
قال المصنف رحمه الله تعالى عاطفا على شدة الخوف: " والنافلة في سفر القصر على الدابة " يعني أن التنفل يجوز له أن يصلي حيث ما توجهت به الدابة قال ابن جزي في القوانين: الاستقبال شرط في الفرائض إلا في صلاة المسايفة، والراكب في السفر
يخاف إن نزل لصا أو سبعا فتجوز الصلاة حينئذ إلى القبلة وغيرها، وهو أيضا شرط في النوافل إلا في السفر فيصلي حيث ما توجهت به راحلته، ويومئ بالركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض من الركوع، ولا يتكلم ولا يلتفت، وذلك بشرط أن يكون السفر طويلا ويكون راكبا. ويصلي من في السفينة إلى القبلة، فإن دارت استدار: وروى ابن حبيب أنه يتنفل حيث سارت به كالدابة اهـ. وفي المختصر: وصوب سفر قصر لراكب دابة فقط، وإن بمحمل بدل في نفل وإن وترا. قال الشارح: يعني أن جهة السفر للمسافر عوض له عن توجهه إلى الكعبة في النوافل، وإن وترا، لفعله عليه الصلاة والسلام ذلك، ويجري ركعتي الفجر وسجود التلاوة بشرط أن يكون سفره سفر قصر، وأن يكون لراكب دابة فلا يرخص في ذلك في حضر ولا فيما دون مسافة القصر، أو سفر غير مباح ولوالي القبلة، ولا لماش ولا لراكب سفينة. والمحمل كالدابة وهو ما يركب فيه من شقدف وغيره. وإذا استوفى هذه الشروط له أن يبتدئ تنفله إلى جهة سفره، ولا يجب عليه أن يبدئه إلى جهة القبلة اهـ.
ثم رجع إلى بيان وجوب استقبال الكعبة وجهتها لمن تأهل، فقال رحمه الله:" فيلزم معانيها إصابتها، وغيره جهتها " هذا في غير ما استثنى من الخائف والمتنفل في سفر قصر على الدابة، ومن كان في حالة الالتحام في قتال جائز فهؤلاء يجوز لهم الصلاة إلى القبلة وغيرها، ولا غيرهم، وأما أهل مكة فيلزمهم معاينة الكعبة من الأمن والقدرة كما تقدم. وأما غيرهم ممن كان خارجا عنها فيلزمه التوجه إلى جهتها لقوله تعالى:{وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144]
* * *
وفي المختصر: ومع الأمن استقبال عين الكعبة لمن بمكة، فإن شق ففي الاجتهاد نظر وإلا فالأظهر جهتها اجتهادا، كأن نقضت والعياذ بالله تعالى. انظر حاشية الصاوي على أقرب المسالك عند قول مصنفه وهي عين الكعبة لمن بمكة إلخ.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " فإن أشكلت تحرى " يعني أن المصلي إذا أشكلت عليه القبلة ولم يهتد بجهتها، ولم يجد من يقله فإنه يجتهد ويتحرى جهة ويصلي عليها، وإن تبين خطؤه في الصلاة قطع، وبعدها أعاد في الوقت، ووقته في الظهرين اصفرار الشمس، وفي العشاءين طلوع الفجر، وفي الصبح طلوع الشمس.
قال المصنف رحمه الله: " فإن تحير تخير جهة. وقيل يصلي أربعا إلى أربع جهات " وفي المختصر: فإن لم يجد، أو تحير مجتهد تخير ولو صلى أربعا لحسن، وهو المختار عند اللخمي. قال الدردير: والمعتمد الأول: فإن لم يجد غير المجتهد مجتهدا يقلده ولا محرابا تخير جهة من الجهات الأربع وصلى إليها صلاة واحدة وسقط عنه الطلب لعجزه. وقال الدسوقي: وأما لو وجد ذلك المقلد من يقلده من مجتهد أو محراب وترك تقليد ما ذكر، واختار جهة تركن لها نفسه وصلى لها كانت صلاته صحيحة إن لم يتبين خطؤه، فإن تبين الخطأ فيها قطع حيث كان كثيرا، وإن تبين بعدها فقولان بالإعادة أبدا، أو في الوقت اهـ.
وإليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله: " فإن تبين الخطأ في أثنائها استدار وبعدها لا إعادة " يعني أنه قد تقدم البيان في ذلك، لكن نذكر هنا نص المدونة لزيادة الإيضاح. قال مالك فيمن استدبر القبلة أو شرق أو غرب فصلى وهو يظن أن تلك القبلة، ثم تبين له أنه على غير القبلة فقال: يقطع ما هو فيه ويبتدئ الصلاة، فإن فرغ من صلاته ثم علم في الوقت فعليه الإعادة. قال: وإن مضى الوقت فلا إعادة عليه. وقال أيضا: لو أن رجلا صلى فانحرف عن القبلة ولم يشرق ولم يغرب فعلم بذلك قبل أن يقضي صلاته فإنه يميل إلى القبلة ويبني على صلاته اهـ.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " وغير المجتهد يقلد عارفا جهتها كالأعمى " يعني أن غير المتأهل للاجتهاد سواء كان بصيرا أو أعمى يقلد عارفا بطريق القبلة بشرط أن يكون
مكلفا عدلا، أو يقلد محرابا وإن لم يكن من محاريب الأمصار.
انتهى بمعناه. قال ابن جزي: المصلون ثلاثة: متيقن للقبلة، ومجتهد، ومقلد، وهي مرتبة فلا يجوز الانتقال عن واحد إلى ما بعده إلا بعد العجز عنه. فالقطع لمن صلى في مكة، ومحراب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة بمنزلة الكعبة. والاجتهاد لمن صلى في سائر الأقطار إن قدر عليه، والتقليد لمن عجز عن الاجتهاد فيسأل مسلما
عاقلا عارفا بالقبلة ويقلده، فإن عدم من يقلد فقيل يصلي إلى حيث شاء، وقيل يصلي أربع صلوات إلى أربع جهات اهـ. وقد تقدم أن المعتمد من القولين الأول.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " وداخل القرية المسلمة يعمل على محرابها " يعني أنه قد تقدم أن غير المجتهد إذا لم يجد مجتهدا يدله على القبلة يقلد المحراب وإن لم يكن من محاريب الأمصار، هذا إذا كان بلدا عظيما حضر نصب محرابه إلى جهة الكعبة جمع من العلماء العارفين، وذلك كبغداد ومصر والإسكندرية وإلا فلمجتهد أن يعتمد على اجتهاده. قال في المختصر: ولا يقلد مجتهد غيره ولا محرابا إلا لمصر. وفي المواق: قال ابن القصار: يجوز تقليد محاريب البلاد التي تكررت صلواتها ونصبتها الأئمة، القباب: وهذا إذا لم تكن مختلفة ولا مطعونا عليها انظر المواق اهـ. قال الخرشي: وقوله ولا يقلد محرابا، يريد إن كان البلد الذي هو فيه خرابا، أما لو كان البلد عامرا: تتكرر فيه الصلاة ويعلم أن إمام المسلمين قد نصب محرابه، أو اجتمع أهل البلد على نصبه فإنه يجب أن يقلده، وهو معنى قوله إلا لمصر، ولا يجوز له الاجتهاد حينئذ اهـ.
ولما أنهى الكلام على الشرط الأول انتقل يتكلم على الشرط الثاني وهو الستر، ولما كان ستر العورة شرطا من شروط صحة الصلاة على القادر عليه أفرده المصنف بالفصل استقلالا واعتناء بشأن ذلك في الصلاة وخارجها، فقال رحمه الله: