المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلفي أحكام الميتات وأجزائها والمسكرات وغيرها - أسهل المدارك «شرح إرشاد السالك في مذهب إمام الأئمة مالك» - جـ ١

[الكشناوي، أبو بكر]

فهرس الكتاب

- ‌خطبة الكتاب

- ‌ترجمة المصنف

- ‌كتاب الطهارة

- ‌فَصْلٌفي أحكام الميتات وأجزائها والمسكرات وغيرها

- ‌تنبيه:

- ‌فَصْلٌفي بيان أحكام قضاء الحاجة وما يتعلق بذلك

- ‌فَصْلٌفي بيان فرائض الوضوء

- ‌سنن الوضوء

- ‌فضائل الوضوء

- ‌مكروهات الوضوء

- ‌شروط صحة الوضوء ووجوبه

- ‌فَصْلٌفي نواقض الوضوء

- ‌فَصْلٌفي موجبات الغسل

- ‌فرائض الغسل

- ‌تنبيهات:

- ‌تتمة:

- ‌فَصْلٌفي المسح على الجبيرة

- ‌فَصْلٌفي المسح على الخفين

- ‌فَصْلٌفي التيمم

- ‌فَصْلٌفي أحكام الحيض

- ‌تنبيه:

- ‌فَصْلٌفي أحكام النفاس

- ‌كتاب الصلاة

- ‌فَصْلٌفي أحكام الأذان

- ‌تنبيه:

- ‌فَصْلٌفي شروط الصلاة

- ‌فَصْلٌفي ستر العورة في الصلاة وخارجها

- ‌فَصْلٌفي أركان الصلاة

- ‌سنن الصلاة

- ‌فَصْلٌفي فضائل الصلاة

- ‌فَصْلٌفي أحكام العاجز عن القيام في الصلاة

- ‌فَصْلٌفي بيان أحكام الجمع بين المغرب والعشاء ليلة المطر

- ‌فَصْلٌفي حكم الجماعة

- ‌فَصْلٌفي من يلحق بأحكام الجماعة

- ‌فَصْلٌفي قضاء الفوائت

- ‌حكم تارك الصلاة

- ‌فَصْلٌفي سجود السهو

- ‌فَصْلٌفي أحكام الرعاف

- ‌فَصْلٌفي بيان النوافل وأوقاتها وكيفيتها

- ‌ التراويح

- ‌الوتر سنة مؤكدة

- ‌ سجود التلاوة

- ‌خاتمة:

- ‌كتاب صلاة السفر

- ‌فَصْلٌفي حكم صلاة الخوف

- ‌فَصْلٌفي صلاة الجمعة

- ‌فَصْلٌفي صلاة العيدين

- ‌فَصْلٌفي صلاة الاستسقاء

- ‌فَصْلٌفي صلاة الكسوف

- ‌كتاب الجنائز

- ‌ خاتمة:

- ‌كتاب الزكاة

- ‌فَصْلٌفي زكاة الذهب والفضة

- ‌تنبيهان:

- ‌ الإبل

- ‌فَصْلٌفي زكاة الماشية وهي الإبل والبقر والغنم

- ‌ البقر

- ‌الغنم

- ‌ الخلطة

- ‌فَصْلٌفي زكاة الحرث والثمار وما يتعلق بها من الأحكام

- ‌فَصْلٌفى زكاة الفطر ومن تلزمه

- ‌فَصْلٌفيمن تصرف له الزكاة

- ‌كتاب الصيام

- ‌فَصْلٌ فيمن يلزمه القضاء دون الكفارة

- ‌فَصْلٌفيما يندب فعله للصائم

- ‌ الاعتكاف

- ‌كتاب الحج

- ‌فَصْلٌفي مواقيت الحج والعمرة

- ‌فَصْلٌفي أركان الحج وكيفية الإحرام

- ‌ قصيدة

- ‌فَصْلٌفي الفدية وما يتعلق بها من الأحكام

- ‌فَصْلٌفي الصيد وما يترتب فيه من الجزاء وعدمه

- ‌فَصْلٌفي دماء الحج مطلقا وسن الهدي وغيره مما يجزئ وما لا يجزئ

- ‌فَصْلٌفيما يتعلق بحج الصبي والعبد والمرأة وغيرهم

- ‌فَصْلٌفي العمرة وأحكامها

- ‌خاتمةفي زيارة النبي صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌فصلفي أحكام الميتات وأجزائها والمسكرات وغيرها

‌فَصْلٌ

في أحكام الميتات وأجزائها والمسكرات وغيرها

الفصل لغة هو الحاجز بين الشيئين، واصطلاحا اسم لجملة من الألفاظ اشتملت على مسائل غالبا. واعلم أن المصنف قد أراد الشروع في بيان ذكر النجسة والطاهرة ليكون الطالب على بصيرة في عبادته، فقال رحمه الله:" الميتات والمسكرات كلها نجسة " وفي نسخة بتقديم المسكرات على الميتات. وقوله الميتات جمع ميتة، وهي أبينت حياتها من غير ذكاة شرعية كما عرفها بعضهم، وبعبارة أخرى الميتات جمع ميتة، وهي كل ما حرم الشارع أكلها من الحيوان البري التي لها نفس سائلة كالأنعام؛ لعله الموت؛ ولعدم استعمال الذكاة في بعضها كالخيل على المشهور، والبغال والحمير إجماعا، فهي ميتة نجسة. ودخل فيها ما ذبحه المجوسي مطلقا وصيد المحرم، وما أهل به لغير الله؛ لأنه لا يجوز أكله إلا للمضطر الذي لم يكن باغيا ولا عاديا ولم يجد غيره فله الأكل والتزود به على أن

يستغنى عنه، وذلك لقوله تعالى:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [البقرة: 173] وقوله: والمسكرات معطوف على الميتات في هذه النسخة، وفي الأخرى بالعكس، جمع مسكر وهو كل ما يستر العقل من المشروبات وغيرها كالخمر. وفي الرسالة:" وحرم الله سبحانه شرب الخمر قليلها وكثيرها، وشراب العرب يومئذ فضيخ التمر ". وبين الرسول، عليه السلام، أن كل ما أسكر كثيره من الأشربة فقليله حرام، وكل ما خامر العقل فأسكره من كل شراب فهو خمر. وقال عليه السلام:" إن الذي حرم شربها حرم بيعها " اهـ النفراوي. هذا حكم الخمر إذا استمرت على حالها. وأما لو تحجرت أو تخللت

ص: 46

فإنها تطهر، ويجوز بيعها وشربها، ويطهر إناؤها تبعا لها ولو فخارا بغواص، ولو ثوبا، ويصلي به من غير غسل إلى آخر ما قال، فراجعه إن شئت اهـ.

وقول المصنف: وكلها نجسة، يعني أن الميتات والمسكرات المذكورات يحرم تعاطيها أكلا وشربا وادهانا، ووقع الخلاف في التداوي بالنجاسة كالخمر، والمعتمد في المذهب الحرمة، لقوله عليه الصلاة والسلام:" إن الله عز وجل أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تداووا بحرام " رواه أبو داود. وفي رواية " إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها " اهـ.

وقد ذكر ابن جزي في القوانين الفقهية ما أجمع أهل المذهب على نجاسته والمختلف فيه، وعقد في بيان ذلك ثلاثة فصول على التفصيل، ثم ذكر تلخيص ما أجمع على نجاسته بقوله:" النجاسات المجمع عليها في المذهب ثمانية عشر: بول ابن آدم الكبير، ورجيعه، والمذي، والودي، ولحم الميتة، والخنزير، وعظمهما، وجلد الخنزير مطلقا، وجلد الميتة إن لم يدبغ، وما قطع من الحي في حال حياته إلا الشعر وما في معناه، ولبن الخنزير، والمسكر، وبول الحيوان المحرم الأكل، ورجيعه، والمني، والدم الكثير، والقيح الكثير " اهـ.

والمختلف فيها في المذهب ثمانية عشر: بول الصبي الذي لا يأكل الطعام، وبول الحيوان المكروه الأكل، وجلد الميتة إذا دبغ، وجلد المذكى المحرم الأكل، ولحمه، وعظمه، ورماد الميتة، وناب الفيل، ودم الحوت، والذباب، والقليل من دم الحيض، والقليل من الصديد، ولعاب الكلب، ولبن ما لا يؤكل لحمه غير الخنزير، ولبن مستعمل النجاسة، وعرق مستعمل النجاسة، وشعر الخنزير، والخمر إذا خللت اهـ. قلت: وهذه الأشياء المختلف فيها منها ما هو نجس على المشهور كبول الحيوان المكروه

ص: 47

الأكل، ومنها ما هو طاهر على المشهور كرماد

الميتة، ومنها ما هو مكروه على المشهور كأنياب الفيل. انظر بقية الكلام في الفصل الثاني والثالث من القوانين في الباب السادس في النجاسات.

ولما ذكر المصنف جملة الميتات والمسكرات بقوله كلها نجسة استثنى منها بعض الأشياء فقال: " إلا دواب الماء وما ليس له نفس سائلة " يعني أنه قد استثنى دواب الماء وما ليس له نفس سائلة فميتته طاهرة لما في الحديث أنه سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن البحر فقال: " هو الطهور ماؤه الحل منيته " رواه أصحاب السنن عن أبي هريرة، وفي المختصر عاطفا على المباح " والبحري ولو طالت حياته ببر " اهـ، وقال الخرشي: والمعنى أن ميتة الحيوان البحري طاهرة لقوله عليه السلام: " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " ولقوله: " أحلت لنا ميتتان السمك والجراد " وسواء مات حتف أنفه ووجد طافيا أو بسبب شيء فعل به من اصطياد مسلم أو مجوسي، أو ألقي في النار، أو دس في طين فمات، أو وجد في بطن حوت أو طير ميتا، ولا فرق بين أن يكون مما لا تطول حياته ببر كحوت أو تطول حياته كالضفدع البحري والسلحفاة البحرية، وهي ترس الماء والسرطان اهـ. وفي اقرب المسالك في باب المباح:" والبحري وإن ميتا أو كلبا أة خنزيرا " الصاوي في حاشيته عليه. واعلم أم ميتة البحر طاهرة ولو تغير بنتونة، إلا أن يتحقق ضررها فيحرم أكلها لذلك لا لنجاستها، إلى أن قال سواء وجد ذلك الميت راسبا في الماء، أو طافيا، أو في بطن حوت أو طير، سواء ابيلعه ميتا أو حيا ومات في بطنه، ويغسل ويؤكل، وسواء صاده مسلم أو مجوسي. قلت: أو المحرم لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: 96] وما ذكره الخرشي وصاحب المختصر من كون ميتة البحري الذي تطول حياته ببر طاهر هو قول مالك، وهو المشهور كما في الحطاب. وأما قول ابن نافع وابن دينار القائلان إن ميتته نجسة إذا كان يعيش ببر فقد ردهما صاحب المختصر بقوله

ص: 48

ولو طالت حياته ببر. قال الشارح الدردير: كتمساح وضفدع وسلحفاة بحرية، ونقل ابن عرفة القول بالفرق بين أن يموت في الماء فيكون طاهرا أو في البر فيكون نجسا، وذلك كالضفدع والسلحفاة والسرطان. وقيل هي ترس الماء اهـ. وفي المواق عن ابن عرفة: رابع الأقوال قول مالك إن البحري ولو طالت حياته ببر كالضفدغ والسلحفاة وترس الماء طاهر، وفي العتبية: إنما يذبح ترس الماء استعجالا لموته، وعن عبد الحق: وأما ميتة الضفادع البرية فنجسة اهـ. لكن المعول عليه من الأقوال في ميتة ما يطول حياته ببر من الحيوان البحر كالتمساح الطهارة، وعليه مالك وأكثر أصحابه من أهل المدن والأمصار إلا من شذ. والله تعالى أعلم. هذا ما يتعلق بميتة البحري

وأما ما يتعلق بخشاش الأرض وهو المقصود بما ليس له نفس سائلة، وتسمى بالهوام وهي من المستثنى بقول المصنف:" إلا دواب الماء وما ليس له نفس سائلة " فميتته طاهرة ولو جعلا، دويبة تدفع النجاسة بأنفها وتستعمل النجاسة. وثبت في إناء فيه ماء أو في قدر فيه طعام فإنه يتوضأ بذلك الماء، ويؤكل ما في القدر، وخشاش الأرض الزنبور والعقرب الصرصار والخنفساء، وبنات وردان، وما أشبه هذا من الأشياء، وقال مالك في بنات وردان، والعقرب، والخنفساء، وخشاش الأرض، ودواب الماء مثل السرطان والضفدع: ما مات من هذا في طعام أو شراب فإنه لا يفسد الطعام ولا الشراب اهـ. قال خليل في المختصر: فصل " الطاهر ميتة ما لا دم له " وقال الشارح: يعني أن الطاهر أنواع: منها ميتة الحيوان البري الذي لا دم فيه، وهو الذي يقال فيه ليس له نفس سائلة كما تقدم بيان ذلك، ولو كانت فيه رطوبة كالعنكبوت، والجداجد،

ص: 49

والعقرب، والزنبور، والصرصار، والخنافس، وبنات وردان، والجراد والنحل والدود والسوس.

وفي ميتة ما لا نفس له سائلة طريقتان في المذهب الأولي أنها طاهرة باتفاق، وهذه طريفة ابن بشير. قال في العتبية: وأما البري مما لا نفس له سائلة لا ينجس بالموت بلا خلاف، والطريقة الثانية أن فيها قولين، المشهور أنها طاهرة. قال في التوضيح: نقل سند عن سحنون أنها نجسة لكنها لا تنجس غيرها اهـ، الحطاب. ونقل المواق عن التلقين أنه قال: ما لا نفس له سائله كالزنبور، والعقرب، والخنفساء والصرصار، وبنات وردان، وشبه ذلك حكمه حكم دواب البحر، لا ينجس في نفسه ولا ينجس ما مات فيه من مائع أو ماء، وكذلك ذباب العسل والباقلاء ودود الخل. عياض: في قول التلقين نظر، والصواب أنه لا يؤكل ما لا نفس له سائله إذا كان مختلطا بالطعام وغالبا عليه، وإن تميز الطعام منه أكل الطعام دونه، إذ لا يؤكل الخشاش على الصحيح من المذهب إلا بذكاة، الباجي: ما لا دم فيه ولا دم له كالخنفساء، لا ينجس بالموت، إلا أن من احتاجه لدواء أو غيره ذكاه بما يذكي به الجراد، ويجب أن يبين إذا باع طافي الحوت، وإلا فللمشتري الرد اهـ. وفي أقرب المسالك وجراد، وخشاش أرض، كعقرب، وخنفساء، وجندب، وبنات وردان، ونمل، ودود، فإن مات بطعام وميز عنه أخرج لعدم ذكاته، وإن لم يمت جاز أكله بنيتها، وإن لم يميز طرح إلا إذا كان أقل. وأكل دود كالفاكهة معها مطلقا، وقال الصاوي في الحاشية: قوله وجاز أكله أي خشاش الأرض إن قبلته طبيعته، وإلا فلا يجوز حيث ترتب عليه ضرر، لأنه قد يعرض للطاهر المباح ما يمنع أكله كالمريض إذا كان يضر به نوع من الطعام لا يجوز له أكله اهـ. قلت فمن

هذه الحيثية ينبغي ألا يؤكل الجعل المذكور في أول هذه المسألة وإن كان من الخشاش لاستقذاره وكراهية النفوس له،

ص: 50

ورب شيء طاهر لا يجوز أكله إلا لدواء اهـ. وفي حاشية الخرشي: أي إن الحيوان الذي لا دم له كالعقرب والذباب والخنافس، وبنات وردان، والجراد، والدود، والنمل، وما في معناها - وهو مراد أهل المذهب بما لا نفس له سائله - طاهر وإن مات حتف أنفه، ومعنى حتف أنفه خروج روحه من أنفه بنفسه، وإنما كان ما ذكر طاهرا لعدم الدم منه الذي هو علة الاستقذار إلى أن قال: ثم إنه لا يلزم من الحكم بطهارة ما لا دم له أن يؤكل بغير ذكاة، لقول صاحب المختصر: وافتقر نحو الجراد لها بما يموت به، فإذا مات ما لا نفس له سائله في طعام واختلط به وغلب على الطعام لم يؤكل، وإن تميز الطعام منه أكل الطعام دونه، إذ لا يؤكل الخشاش على الصحيح إلا بذكاة كما أشار به القاضي عياض، وقد تقدم لنا ذلك في هذا الكتاب. ثم قال: وظاهره أن الطعام إذا كان هو الغالب أنه يؤكل، والمراد بغلبته كونه كثيرا والخشاش قليلا، وأما لو كان الطعام على النصف من الخشاش فلا يؤكل بمنزلة الغالب، كما هو عند ابن يونس، خلافا لصاحب التلقين، والمعول عليه كلام ابن يونس اهـ. وفي هذا كفاية لمن استغنى ومن يريد أكثر من ذلك فعليه بالمطولات. ثم قال المصنف رحمه الله تعالى:" وأجزاء الميتة نجسة إلا الشعور ومشبهها من الريش " يعني أنه قد تقدم عند ذكر الميتات على الجملة بقوله " الميتات والمسكرات نجسة " وهنا يذكر الأجزاء ليرتب عليها ما استثنى من الشعور والريش وما أشبه ذلك فيها من المعنى المعتبر. ثم اعلم أن أجزاء ميتة حيوان البر غير الخشاش نجسة، وإن كان في بعضها اختلاف خارج المذهب. قال العلامة أحمد بن جزي في القوانين الفقهية: وأما أجزاء الحيوان فإن قطعت منه في حال حياته فهي نجسة إجماعا إلا الشعر والصوف والوبر، وإن قطعت بعد موته، فإن حكمنا بالطهارة فأجزاؤه كلها طاهرة، وإن حكمنا بالنجاسة فلحمه نجس. وأما العظم وما في معناه كالقرن والسن والظلف فهي نجسة من

ص: 51

الميتة خلافا لأبي حنيفة، وأما الصوف والوبر والشعر فهي طاهرة من الميتة خلافا للشافعي اهـ. وفي المختصر: الطاهر ميت ما لا دم له، إلى أن قال: وصوف، ووبر، وزغب ريش، وشعر ولو من خنزير إن جزت. قال الخرشي: يريد طاهر من سائر الحيوانات ولو أخذت بعد الموت، لأنه مما لا تحله الحياة، وما لا تحله الحياة لا ينجس بالموت، وأيضا فإنه طاهر قبل الموت فبعده كذلك عملا بالاستصحاب. والمراد بزغب الريش ما يشبه الشعر من الأطراف، ولا فرق في المذهب بين الصوف المحرم وشعره ووبره، وبين صوف غيره وشعره ووبره، ولكن الطهارة في

ذلك مشروطة بجزه ولو بعد النتف. ويستحب غسلها إن جزت من ميتة كما في المدونة والرسالة اهـ. وفي أقرب المسالك " والنجس ميت غير ما ذكر، وما خرج منه، وما انفصل منه، أو من حي مما تحله الحياة كقرن، وعظم، وظفر، وظلف، وسن، وقصب ريش، وجلد ولو دبغ، وجاز استعماله بعد الدبغ في يابس وماء " اهـ.

وفي الرسالة وينتفع بصوف الميتة وشعرها وما ينزع منها في الحياة، وأحب إلينا أن يغسل، ولا ينتفع بريشها، ولا بقرنها وأظلافها وأنيابها، وكره الانتفاع بأنياب الفيل. وكل شيء من الخنزير حرام، وقد أرخص في الانتفاع بشعره اهـ. نقل الحطاب عن ابن فرحون: الشعر بفتح العين وسكونها يطلق على شعر الإنسان وغيره من الدواب والسباع فهو عام، والصوف للشاة أي الغنم والمعز، فهو أخص منه، والوبر بفتح الموحدة: صوف الإبل والأرانب ونحوهما، وما ذكره موافق لما في الصحاح. وفي القاموس الشعر ما ليس بصوف ولا وبر، والريش للطائر، والزغب ما اكتنف القصبة اهـ. وأما أجزاء الآدمي ففيه خلاف وتفصيل كما سيأتي عند قول المصنف: وهل ينجس بالموت؟ قولان:

قال رحمه الله: " وفي طرف القرن والظلف والعاج خلاف " الحطاب والقرن والعظم معروفان، والظلف بالظاء للبقرة والشاة والظبي. والظفر أيضا بالظاء، للبعير والأوز

ص: 52

والدجاج والنعامة. والعاج عظم الفيل، واحده عاجة. قاله في الصحاح اهـ. أما العاج فقد تقدم فيه عند قول المصنف " ويكره من آنية عظام الميتة وجلدها " فراجعه إن شئت، وأما قوله وفي طرف القرن إلخ كأنه لما تكلم في أجزاء الميتة وكان من جملتها طرف قرن وما عطف عليه أراد أن يذكر ما فيها من الخلاف في المذهب، كأنه سأله سائل: هل حكم الأطراف كحكم أصلها، أو هي طاهرة كسائر الطاهرات؟ فأجاب: في ذلك خلاف. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة بقوله: وتقدم أن في القرن والظلف والسن ثلاثة أقوال، ثالثها الفرق بين طرفها وأصلها، وكذلك في العظم، حكاها غير واحد. وحكى الباجي فيه الفرق بين أن يصلق أو لا كأحد الأربعة في أنياب الفيل اهـ. وفي الرسالة: ولا ينتفع بريشها ولا بقرنها وأظلافها وأنيابها. وقال أبو الحسن في كفاية الطالب: قوله ولا ينتفع بريشها أي الميتة، ظاهره مطلقا، وفيه تفصيل؛ لأن أصله الرطب لا يجوز الانتفاع به مطلقا من غير خلاف، وأعلاه يجوز الانتفاع به من غير خلاف، وفيما بينهما قولان بالجواز والمنع وهو المشهور. وكذا أي لا يجوز الانتفاع بقرنها أي الميتة، وأظلافها وأنيابها، ظاهره على جهة التحريم؛ لأن الحياة تحله اهـ. وقد رجح العدوي في حاشيته على كفاية الطالب نجاسة كل من ريش وقرن وظلف

وأنياب وعظم الميتة، ولم يستثن منها شيئا من ذلك بقوله المعتمد أن رؤوس الريش من الميتة نجس، ومثله رؤوس القرن وقال أيضا: الراجح أن أعلاه كأسفله في النجاسة وعدم الانتفاع فأحرى الوسط اهـ. قلت: هذا وقد رجع إلى الأصل في نجاسة طرف القرن، وطرف قصبة ريش وما ذكر معهما.

وقال خليل في سياق كلامه على النجس: " وما أبين من حي وميت من قرن وعظم وظلف وظفر وعاج " قال الحطاب: يعني أن ما أبين من حي أو ميت من هذه الأشياء فإنه نجس. وفي قوله " وقصب ريش " قال الخرشي: أي النجس قصبة ريش، وهي

ص: 53

التي يكتنفها الريش، وسواء أصلها على المشهور، هذا في القصبة، وأما الزغب فقد تقدم أنه طاهر إن جز اهـ.

" قلت " فالحاصل أن ما أبين من حي وميت من قرن، وعظم، وظلف، وعاج، وظفر، وقصبة ريش، وجلد ولو دبغ كلها نجسة. وأما ما لا تحله الحياة من الأطراف في جميع ما ذكر فإنها طاهرة مع الكراهة لما فيها من القال. والله أعلم اهـ.

ثم قال المصنف رحمه الله: " وما أبين من حي فهو ميتة " هذا تقدم الكلام عليه في المسائل السابقة بان ما أبين من الحي والميت من قرن وما عطف عليه نجس فلا حاجة لنا إلى تكراره.

قال المصنف رحمه الله: " وفي طهارة جلدها بالدباغ خلاف " وهذا أيضا تقدم لنا الكلام فيها عند قول المصنف: ويكره من آنية عظام الميتة وجلدها، إلا أن هناك تكلمنا في حكم الجواز باستعماله، ومراد المصنف هنا في حكمه بعد الدباغ، وذكر أن فيه خلافا، فالمشهور عند المحققين من أهل المذهب أن طهوريته لغوية لا حقيقية، فهو نجس حقيقة ولو بعد الدبغ، هذا هو المعتمد. ثم على القول المشهور من نجاسة جلد الميتة المدبوغ يجوز استعماله في اليابسات كالحبوب والدقيق والخبز غير المبلول، وكذا يستعمل في الماء المطلق بأن يوضع فيه الماء سفرا وحضرا لأن الماء طهور لا يضره إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه. وأما المائعات كالسمن والعسل والزيت وسائر الأدهان والماء غير المطلق كماء الورد، ومن ذلك الخبز قبل جفافه والجبن فإنه لا يجوز وضعه فيه، ويتنجس بوضعه فيه.

قال الدردير: وهذا معنى قوله وجاز استعماله بعد الدبغ في يابس وماء، تبع في ذلك قول خليل: ورخص فيه مطلقا إلا من خنزير بعد دبغه في يابس وماء اهـ.

ص: 54