الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
في زكاة الحرث والثمار وما يتعلق بها من الأحكام
أي في بيان زكاة الحرث والثمار، وبيان النصاب والأنواع التي تجب فيها الزكاة وما لا تجب وغير ذلك مما يتعلق بأحكام الزكاة.
قال رحمه الله تعالى: " نصاب الحبوب والثمار خمسة أوسق " ابتدأ بما في صحيح مسلم من قوله صلى الله عليه وسلم: " ليس في حب ولا تمر صدقة حتى تبلغ خمسة أوسق " وفي رواية للبخاري كما في الموطأ " ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة "
وفي الرسالة: ولا زكاة من الحب والتمر في أقل من خمسة أوسق. وذلك ستة أقفزه وربع قفيز. والوسق ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أربعة أمداد بمده عليه الصلاة والسلام. وقال النفراوي: والمد حفنة وهي ملء اليدين المتوسطتين لا مقبوضتين ولا مبسوطتين، ووزنه رطل وثلث بالبغدادي، فيكون الصاع خمسة أرطال وثلثا بالبغدادي، وحينئذ فالخمسة أوسق بالأرطال الشرعية ألف وستمائة رطل، كل رطل مائة وثمانية وعشرون درهما بالوزن المكي والرطل اثنتا عشرة أوقية، والأوقية أحد عشر درهما، ووزن الدرهم خمسون حبة وخمسا حبة وخمسآ حبة من متوسط الشعير ، وأما بالأرطال المصرية فالخمسة أوسق - كما قال الأجهورى - ألف رطل وأربعمائة رطل وخمسة وثمانون رطلا. فعلم أن الخمسة أوسق بالصيعان ثلاثمائة صاع ، وبالأمداد ألف مد ومائتا مد. وبما ذكرنا علم قدر النصاب بالكيل الشرعي والمصري، وبالوزن الشرعي والمصري اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " وهي ثلاثمائة صاع بالمدني " يعني فالخمسة الأوسق تعتبر بالصاع المدني وهو الذي تقدم وصفه. قال العلامة الدردير: كل صاع أربعة أمداد، كل مد رطل وثلث ، وكل رطل مائة وثمانية وعشرون درهما مكيا، لأنه ورد " الوزن وزن مكة والكيل كيل المدينة " لأن مكة محل التجارة الموزونة، والمدينة
محل الزروع والبساتين
فيعتنون بالكيل. وكل درهم خمسون حبة وخمسا حبة من وسط الشعير. قال في المجموع: فيوزن القدر المعلوم من الشعير ويكال. ثم الضابط مقدار الكيل، فلا يقال الوزن يختلف باختلاف الحبوب. وتقريب النصاب بكيل مصر أربعة أرداب وويبة - كيلتين بالكيل المصري - وذلك لأن كل ربع مصري ثلاثة آصع، فالأربعة أرداب وويبة ثلاثمائة صاع، وذلك قدر الخمسة الأوسق لأن الجملة ألف مد ومائتان. وهذا كيلها. ووزنها ألف وستمائة رطل اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " فيجب العشر فيما سقي سيحا أو بعلا، ونصفه فيما سقي نضجا " يعني أن المأخوذ من النصاب باختلاف السقي. قال النفراوي على الرسالة: لم يبين المصنف القدر المأخوذ من النصاب، وهو العشر فيما سقي بغير مشقة، فيدخل أرض السيح أي الماء الجاري، وما سقي من السماء، وما سقي بقليل ماء كالذرة الصيفي بأرض مصر فإنه يصب عليه قليل ماء عند وضع حبه في الأرض ثم لا يسقى بعد ذلك. ونصف العشر فيما سقي بمشقة كالدواليب، والدلاء، والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم. فيما سقت السماء والعيون العشر، وما سقي بالنضج نصف العشر وإن سقي بهما فعلى حكميهما. حيث تساويا أو تقاربا، فيؤخذ العشر من ذي السيح، ونصفه من ذي الآلة، وإن سقي بأحدهما أكثر فقيل الحكم للأكثر ويلغى الأقل، قيل لا تبعية وتعتبر القسمة. قال خليل: وإن سقي بهما فعلى حكميهما، وهل يغلب الأكثر؟ خلاف اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " فإن اجتمعا وتساويا فثلاثة أرباعه " يعني كما في الفقه على قول المالكية إن سقى بالآلة وبغيرها نظر للزمن، فإن تساوت مدة السقيين أو تقاربت أخرج عن النصف العشر وعن النصف الآخر نصف العشر فيخرج عن الجميع ثلاثة أرباع العشر. قال الدردير: وإن سقي بهما فعلى حكمهما، أي فالزكاة في ذلك الزرع تجري على حكم السقي بالآلة والسقي بغيرها بأن يقسم الخارج نصفين فيه العشر والآخر
فيه نصف العشر. وظاهره سواء استوى السقي بكل منهما في الزمن أو في عدد السقيات أم لا، وهو أحد المشهورين، والثاني يعتبر الأغلب لأن الحكم للغالب اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " فإن تفاوت فالمشهور اعتبار المأخوذ بهما. وقيل الأقل تابع " يعني تفاوت إحدى السقيات ينظر لكل، وأخذ بهما، فإذا كان السقي في ثلثي المدة بدون الآلة وفي ثلثها بالآلة أخرج عن ثلثي الخارج العشر، وعن ثلثه نصف العشر. وقيل العبرة للأكثر والأقل تابع له، لأن الحكم للغالب، وعلى هذا فيخرج عن الكل العشر. والحاصل أنهما قولان مشهوران.
ثم قال رحمه الله تعالى: " ويضم إلى البر الشعير والسلت والعلس " قال أبو محمد في الرسالة: ويجمع القمح والشعير والسلت في الزكاة. قوله في الزكاة لأنها جنس واحد، لا في البيوع، فأجناس. وما ذكره المصنف هنا من ضم العلس مع البر قيل بع، لكن المشهور في المذهب أن العلس يضم مع شيء، كالأرز والدخن والذرة لا يضم واحدة منها مع الأخرى. والعلس نوع من القمح إلا أنه لا يضم معها، وتكون الحبتان منه في قشرة واحدة، وهو طعام أهل اليمن. قال الدردير في أقرب المسالك: تضم القطاني لبعضها كقمح وسلت وشعير، لا علس وذرة ودخن وأرز وهي أجناس لا تضم. والزيتون والسمسم وبذر الفجل. والقرطم أجناس. والزبيب جنس والتمر جنس اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ويخرج من كل بحسابه " يعني يخرج من البر والشعير والسلت بقدر كل منها إذا حصل من اثنين أو مجموعها خمسة أوسق بحسبما تقدم في السقي من العشر أو نصفه. قال النفراوي: وتقدم أنه عند الضم يخرج من كل نوع بحسابه، وإن أخرجت من بعض الأنواع فقط أجزأ إن كان المخرج منه أعلى من المخرج عنه اهـ. والمتبادر أن الإخراج من الأعلى أفضل من المتوسط. قال في الفقه: فإن اجتمع النصاب من جيد ومتوسط ورديء أخرج زكاة الجميع من المتوسط، فإن أخرجها من
الجيد كان أفضل، ولا يجزئ الإخراج من الرديء لا عنه ولا عن غيره اهـ.
ثم قال رحمه الله تعالى: " كالقطاني " جمع القطنية كل ما له غلاف. وهي سبعة " الحمص، والعدس، واللوبيا، والترمس، والفول، والجلبان، والبسلة. قالا في الفقه: القطاني السبعة جنس واحد في الزكاة، تضم أنواعه بعضها إلى بعض، فإذا حصل من مجموعها نصاب فأكثر وجبت زكاة الجميع، ويخرج من كل نوع القدر الذي يخصه اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " بخلاف الذرة والأرز والدخن " وينبغي أن يكون العلس مع هذه الجملة كما تقدم. وفي الفقه أيضا. وأما الذي لا يضم بعضه إلى بعض: الأرز، والذرة، والعلس، والتمر، والزبيب، والدخن، فكل واحد منها ينظر إليه وحده، فإن حصل منه نصاب وجبت زكاته وإلا فلا، فلا يضم أرز لذرة، ولا تمر لزبيب، كما لا يضم فول إلى قمح، ولا عدس إلى شعير، مثلا اهـ. قال مالك في المدونة: القمح والشعير والسلت هذه الثلاثة الأشياء يضم بعضها إلى بعض في الزكاة. والأرز والذرة والدخن لا يضم إلى الحنطة ولا إلى الشعير ولا إلى السلت، ولا يضم بعضها إلى بعض، ولا يضم الأرز إلى الذرة، ولا إلى الدخن، ولا تضم الذرة أيضا إلى الأرز ولا إلى الدخن، ولا يضم الدخن إلى
الذرة، ولا إلى الأرز، ولا يؤخذ من الأرز ولا من الذرة، ولا من الذخن زكاة، حتى يكون في كل واحد منها خمسة أوسق. والقمح والسلت والشعير يؤخذ من جميعها إذا بلغ ما فيها خمسة أوسق، يؤخذ من كل واحد منها بحساب ما فيه.
والقطاني كلها الفول والعدس والحمص والجلبان واللوبيا وما ثبتت معرفته عند الناس أنه من القطاني فإنه يضم بعضه إلى بعض، فإذا بلغ جميعه خمسة أوسق أخذ من كل واحد منها بحصته من الزكاة اهـ.
ثم قال رحمه الله تعالى: " فيجب في الحب بيبسه وفي الثمر بزهوه " وما ذكره
من وجوب زكاة الحب بيبسه أحد الأقوال الثلاثة: قيل تجب بالحصاد لقوله تعالى: {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] قال مالك في الموطأ: إن ذلك الزكاة، وقد سمعت من يقول بذلك. وقيل إن وجوبها بالإفراك، هذا هو المشهور. وقد ذكر ابن جزي وقت الوجوب في الثمار، قال الطيب. وقيل الخرص. وقيل الجذاذ. وفي الزرع اليبس في المشهور. وثمرة الخلاف إذا مات المالك أو باع أو أخرج الزكاة بعد أحد الأوجه الثلاثة أو قبله اهـ بتوضيح. قال النفراوي: وقولنا وقت وجوب إخراج الزكاة لأن وقت الوجوب يدخل بمجرد الإفراك. قال خليل: والوجوب بإفراك الحب وطيب الثمر، فما أكل بعد الإفراك زمن المسبغة من القمح والشعير والفول يجب عليه أن يتحراه، ويؤدي زكاته من جنسه حبا ناشفا أو من ثمنه إن باعه، كما يجب عليه أن يتحرى ما تصدق به أو ما استأجر به. وأما الثمار فوقت الوجوب فيها يوم الطيب. قال مالك: إذا زهت النخل، وطاب الكرم، واسود الزيتون أو قارب، وأفرك الزرع، واستغنى عن الماء وجب فيه الزكاة اهـ. واعلم أنه قد بين العلامة الخرشي وجه الجمع بين الإفراك واليبس بقوله: والمراد بالإفراك أن يبلغ حدا يستغنى معه عن السقي وذهاب الرطوبة وعدم النقص وذلك إنما يكون بيبسه. والمراد بطيب الثمر بلوغه الحد الذي يحل بيعه فيه إلخ. قد ظهر أن الإفراك هو يبس الحب عن الرطوبة خلاف ما نقله الصاوي عن التتائي. قال في حاشيته على الدردير: والحق أن اليبس غير الإفراك كما هو معلوم بالمشاهدة اهـ. فتحصل في تعين وقت وجوب زكاة الحب ثلاثة أقوال، وشهر ابن جزي اليبس. وقيل الحصاد كما في الآية الكريمة. وشهر الجمهور الإفراك كما لخليل في المختصر وابن الحاجب وابن شاس كما هو نص المدونة، وضعفوا ما لابن عرفة من الوجوب باليبس اهـ. ذكره الصاوي في الحاشية، انظر الحطاب.
قال رحمه الله تعالى: " وتؤخذ بعد التصفية والجذاذ من عينه لا تجزئ قيمته
كان جيدا أو رديئا " المعنى: تؤخذ زكاة الحب بعد الوجوب والتصفية عن التبن والقشر الذي لا يخزن به عادة. وفي المواق قال ابن رشد تجب زكاة الزرع حبا مصفى. وقال القرافي العلس يخزن في قشرة كالأرز فلا يزاد في النصاب لأجل قشره. وكذلك الأرز قياسا على نوى التمر وقشر الفول الأسفل خلافا للشافعية اهـ. وقوله من عينه، أي يخرج زكاة شيء من نفسه لا من غيره كما لا تؤخذ القيمة. وتقدم لنا قول صاحب الرسالة أنه قال: ولا يؤخذ في ذلك عرض ولا ثمن، فإن أجبره المصدق على أخذ الثمن في الأنعام وغيرها أجزأه إن شاء الله.
وقال الشارح: وحاصل ما يتعلق بهذه المسألة أن إخراج العين عن الحرث والماشية يجزئ مع الكراهة على المشهور. وإخراج العرض عنهما أو عن العين لا يجزئ من غير نزاع. وكذا إخراج الحرث والماشية عن العين. وكذا إخراج الحرث عن الماشية أو عكسه اهـ.
ثم قال رحمه الله تعالى: " فإن اجتمعا وتساويا ففي كل بحسابه " يعني فإن اجتمع الجيد والرديء وتساويا فإنه يخرج الزكاة في كل بقدر حساب كل منهما.
قال خليل: وأخذ من الحب كيف كان، كالتمر نوعا أو نوعين، وإلا فمن أوسطها.
وفي أقرب المسالك: وأخذ عن أصنافهما من الوسط بخلاف غيرهما فمن كل بحسبه اهـ. وفي الحطاب: يعني أن الزكاة تؤخذ من الحب كيف كان، فإن كان جيدا أخذت منه، وكذا إن كان رديئا أو وسطا، فإن كان نوعين أو أنواعا فإنه يؤخذ من كل نوع عشرة أو نصف عشرة. قال اللخمي: إذا كان القمح مختلفا جيدا ورديئا أخذ من كل شيء بقدره، ولم يؤخذ الوسط، وكذلك إذا اجتمع القمح والشعير والسلت، أو اجتمع أصناف القطاني أخذ كل شيء بقدره. ولم يؤخذ من الوسط، وكذلك أصناف الزبيب. واختلف في التمر، فقال مالك إن كان جنسا واحدا أخذ منه ولم يكن عليه أن يأتي بأفضل منه، وإن كان أجناسا أخذ من الوسط. وقال في كتاب محمد: يؤخذ من كل صنف بقدره اهـ.
ثم قال رحمه الله تعالى: " وإن تفاوتا فالظاهر أنه كذلك. وقيل الأقل تابع، ومن المتنوع الوسط " يعني وإن تفاوتت الأصناف فالظاهر يخرج من كل صنف بقدره كما تقدم. وقيل يعتبر الأكثر فيخرج الجميع منها إلا إذا كثر الأصناف جدا ففي المتوسط. قال العدوي: فإذا كانت أربعة أعلى ودون ودون ودون كان الوسط صنفين، إذ الطرفان أعلاها وأدناها، ويبقى النظر إذا كانت خمسة متفاوتة فهل الوسط الثالث وهو الظاهر، أو ما بين الطرفين. وإنما خالف التمر غيره لأنه لو أخذ من كل نوع من التمر ما ينويه لشق ذلك لاختلاف ما في الحائط اهـ.
ثم قال رحمه الله تعالى: " ويخرص النخل والكرم إذا أزهيا بالحاصل جافا، فإن أكلوا أو باعوا ضمنوا " هذا شروع في بيان خرص النخل والعنب. ويخرص ما على النخل من الرطب تمرا، ومن الكرم زبيبا. قال رحمه الله تعالى:" وإن تركوا وتبين خطؤه وهو عارف فالظاهر الأخذ بما خرص " يعني أن الخارص إذا خرص النخل ثم ظهر خلاف ما خرص فإنه يؤخذ بهما خرص إذا كان عادلا عالما بذلك.
قال الدردير: وكفى مخرص واحد إن كان عدلا عارفا، قال الصاوي: أي لأنه حاكم فيجوز أن يكون واحدا. وكان عليه الصلاة والسلام يبعث عبد الله بن رواحة وحده خارصا إلى خيبر اهـ قال مالك في الموطأ: الأمر المجتمع عليه عندنا أنه لا يخرص من الثمار إلا النخل والأعناب فإن ذلك يخرص حين يبدو صلاحه ويحل بيعه، وذلك أن ثمر النخل والأعناب يؤكل رطبا وعنبا فيخرص على أهله للتوسعة على الناس، ولئلا يكون على أحد في ذلك ضيق فيخرص ذلك عليهم ثم يخلى بينهم وبينه يأكلونه كيف شاؤوا ثم يؤدون منه الزكاة على ما خرص عليهم عليهم اهـ.
وفي المدونة: فإن خرص الخارص أربعة أوسق فجد فيه صاحب النخل خمسة أوسق قال مالك أحب إلى أن يؤدي زكاته. لأن الخراص اليوم لا يصيبون، فأحب إلي أن يؤدي زكاته قبل أن يؤكل أول شيء منها. قال
وكذلك في العنب اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " وإن خرص جماعة واختلفوا أخذ بقول أعرفهم " قال الصاوي: سواء كان رأي الأقل أو الأكثر. والموضوع أنه وقع التخريص منهم في زمن واحد، وأما إذا وقع التخريص في أزمان فيؤخذ بقول الأول وأما استواؤهم في المعرفة فيؤخذ من كل واحد جزء على حسب عددهم، فإن كانوا ثلاثة أخذ من قول كل الثلث، وأربعة الربع، وهكذا. وإليه أشار رحمه الله بقوله:" وإن استووا وزع الواجب بحسب اختلافهم " قال الخرشي: فلو رأى أحدهم مائة وآخر تسعين، وآخر ثمانين يزكى عن تسعين، وليس ذلك أخذا بقول من رأى تسعين، إنما هو لموافقة ثلث مجموع ما قالوه اهـ.
ثم ذكر الجائحة فقال رحمه الله تعالى: " فإن أجيحت بعده فلا ضمان، فإن بقي نصاب لزم منه " يعني إن نزلت بها جائحة بعد التخريص بنحو أكل طير أو جراد أو دود أو جيش أو برد أو غير ذلك فإن بقي ما يوجب فيه الزكاة زكاه وإلا فلا. قال مالك في الموطأ: الأمر المجتمع عليه عندنا أن النخل يخرص على أهلها وثمرها في رؤوسها إذا طاب وحل بيعه، ويؤخذ منه صدقته تمرا عند الجذاذ، فإن أصابت الثمرة جائحة بعد أن تخرص على أهلها وقبل أن تجذ فأحاطت الجائحة بالثمر كله فليس عليهم صدقة، فإن بقي من الثمر شيء يبلغ خمسة أوسق فصاعدا
بصاع النبى صلى الله عليه وسلم أخذ منهم زكاتة ، وليس عليهم فيما أصابت الجائحة زكاة. وكذلك العمل فى الكرم اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ومن باع بعد الزهو ضمن ، فإن أفلس فهل يتبع أو يؤخذ من يد المشترى؟ " يعنى كما قال مالك في الموطأ: ومن باع زرعه وقد صلح ويبس في أكمامه فعليه زكاته، وليس على الذي اشتراه زكاة. وقال الزرقاني: لأن وجوبها بطيب الثمر فإذا باعها وقد وجبت زكاتها فقد باع حصته وحصة المساكين.
فيحمل على أنه ضمن ذلك لهم اهـ. وقوله فإن أفلس إلخ قال الخليل: والزكاة على البائع بعدهما إلا أن يعدم فعلى المشتري ، يعني إذا افتكر البائع وجب على المشتري أن يدفع الزكاة نيابة عن البائع إن بقي المبيع بيد المشتري أو فوته هو ثم يرجع على البائع بحصة ما أخرجه زكاة من الثمن وهو العشر أو نصفه ، فإن فات المبيع بسماوي أو أتلفه أجنبي فلا يزكيه المشتري ، بل وجب أن يزكيه البائع إن أيسر اهـ. قاله فى الإكليل. ومثله في الخرشي. وقال الدسوقي: هذا التفصيل الذي ذكره الشارح مثله في أبي الحسن ، إذ قال: إذا عدم البائع أخذت الزكاة من المشتري إن كان قائما بعينه أو أتلفه بأكل ونحوه. وإن تلف بسماوي أو أتلفه أجنبي فلا تؤخذ من المشتري وهو موافق لقول ابن القاسم في الرجوع على المشتري. ففي الأمهات: قال ابن القاسم: فإن لم يكن عند البائع شيء يأخذ منه المصدق ووجد المصدق الطعام بعينه عند المشتري أخذ المصدق منه الصدقة ورجع المشتري على البائع بقدر ذلك من الثمن. وقال سحنون: وقد قال بعض أصحاب مالك: ليس على المشتري شيء مطلقا كان المبيع قائما أو تلف بسماوي أو أتلفه هو أو أجنبي ، لأن البيع كان جائزا ويتبع بها البائع إذا أيسر اهـ
فتبين أن الزكاة تؤخذ من البائع أصالة ، وتارة من المشتري نيابة ، ثم يرجع بها على البائع ولا يتبع المشتري في حال عدمه ، ويتبع البائع وإن فى عدمه ، فتأمل.
ثم قال رحمه الله تعالى: " وهل يرجع بقدر الثمن أو يكلف شراء الجنس؟
قولان كالذي لا يتناهى " يعني لما تقرر رجوع المشتري على البائع فدفع ما وجب عليه من الزكاة نيابة عنه عند عدمه فهل يرجع بقدر الثمن أو يكلف على البائع بشراء جنس الطعام الذي دفعه المشتري للمصدق قولان. قال الدسوقي: والصواب أنه يرجع على البائع بما ينويه ما أداه زكاة من الثمن كما هو الواقع في عبارة ابن راشد اهـ. ومثله في الخرشي. ونص المدونة صريح فى رجوع المشتري على البائع بقدر ذلك من الثمن وهو قول ابن القاسم.
وقوله كالذي لا يتناهى أي كما يلزم عليه شراء شيء لا ينقطع وجوده كالموز فى بعض الأقطار ، هذا لمجرد التشبية بما
يسهل وجوده في كل وقت لاأن الزكاة تتعلق بالمشبه لأنه من الفواكه التي لا زكاة فيها فتنبه. ثم قال رحمه الله تعالى " وما يعتصر يوسق حبا ويؤخذ من دهنه " المعنى أن الذي يعتصر منه زيت إذا بلغ حبه النصاب تؤخذ زكاته من زيته. قال في الرسالة: ويزكى الزيتون إذا بلغ حبه خمسة أوسق أخرج من زيته ، فإن باع ذلك أجزأه أن يخرج من ثمنه إن شاء الله اهـ. قال النفراوي: والحاصل أن الزيتوت إذا كان له زيت يتعين الإخراج من زيته ، ولا يجزئ الإخراج من حبه ولا ثمنه إذا باعه ، وإن كان فى بلد لا زيت له فيها كزيتون مصر فيخرج من ثمنه من غير خلاف ، ومثله ما لا يجف من رطب مصر وعنبها وحمصها وفولها وفريكها إذا بيعت قبل جفافها ، إلا أن هذه يجوز إخراج زكاتها حبا يابسا كما تقدم في نحو الجلجلان اهـ. وفي الدردير: وزيت ما له زيت ، وجاز من حب غير الزيتون ، وثمن ما لا زيت له، وما لا يجف من عنب ورطب ولا يجزئ من حبه ، وكفول أخضر ، وجاز من حبه اهـ. فتحصل أن ذوات الزيوت الأربع وهي الزيتون والسمسم والقرطم وحب الفجل الأحمر كلها يجوز الإخراج من حبها وثمنها إذا باع ، إلا الزيتون فقط فإنه لا يجزئ الإخراج من حبه ولا من ثمنه إذا باع ، بل يتعين الإخراج من زيته على المعتمد ، كما صدر به صاحب الرسالة بقوله: ويزكى الزيتون إلى قوله من زيته.
ثم قال رحمه الله تعالى " ولا زكاة في شيء من النبات غير ما ذكرنا " يعني أي لا تجب الزكاة في شيء من النبات إلا ما تقدم ذكرنا إياه؛ لأن الأصناف التي تجب فيها الزكاة تنحصر في عشرين صنفا كما تقدم ، لا في تين ورمان وتفاح ، ولا في بزر كتان ولا في سجلهم وهو اللفت ، ولا جوز ولوز ، ولا في حب الفجل الأبيض والعصفر ، ولا في