الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإذا سلم قامت لقضاء ما عليها، وسجدت البعدي بعد القضاء هكذا يفعل الإمام والمأموم في صلاة الخوف إن أمكن تقسيم الجيش. وأما إن لم يمكن ذلك فبقدر الإمكان. وإليه أشار رحمه الله بقوله:" وإن اشتد البأس " بأن لا يمكن تقسيم الجيش ولا ترك القتال
لبعض القوم " صلوا بحسب الإمكان مشاتا أو ركبانا، أو إيماء طاردين، أو مسابقين، أو مسايفين حيثما توجهوا ولا يلزمهم طرح ما تلطخ بالدم " فالمعنى أنهم يلزمهم أداء الصلاة بقدر الإمكان، سواء ماشين أو ساعين، راجلين أو راكبين، بل ولو في حالة المضاربة والمسايفة، متوجهين إلى القبلة أو غير متوجهين إليها. قال العلامة خليل في المختصر: وإن لم يمكن أخروا لآخر الاختياري وصلوا إيماء، كأن دهمهم عدو بها أي هجم عليهم. وحل للضرورة مشي وركض وطعن وعدم توجه، وكلام وإمساك ملطخ اهـ. وقول خليل وحل إلخ وكذلك حل رمي بنبل وغيرها، وكلام لغير إصلاحها ولو كثر إن احتيج إليه فيما يتعلق بهم، كتحذير غيره ممن يريده أو أمره بقتله، وكتشجيع وافتخار عند الرمي، ورجز إن ترتب على ذلك توهين العدو اهـ قاله العدوي على أبي الحسن.
ثم قال رحمه الله تعالى: " فإن أمنوا في أثنائها أتموها صلاة أمن " أي إذا حصل الأمن وزال عنهم الخوف في الصلاة أتموها كصلاة أمن بركوع وسجود تامتين.
ولما أنهى الكلام على صلاة الخوف وما يتعلق بها انتقل يتكلم على أحكام صلاة الجمعة، فقال رحمه الله تعالى:
فَصْلٌ
في صلاة الجمعة
أي في بيان ما يتعلق بصلاة الجمعة وشروطها، وآدابها، ومكروهاتها، وموانعها، وبعض
فضائلها. وقد ثبتت فرضيتها بالكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب: فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9] إلخ السورة. وأما السنة فما أخرجه ابن ماجه في حديث طويل عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: " واعلموا أن الله افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا في يومي هذا في شهري هذا في عامي هذا إلى يوم القيامة، فريضة مكتوبة} الحديث. وقال صلى الله عليه وسلم: " من ترك الجمعة ثلاثا من غير عذر طبع الله على قلبه " رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن. وقد انعقد الإجماع سلفا وخلفا على فرضية صلاة الجمعة. وهي فرض عين عند الجمهور كما في القوانين لابن جزي. وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله " تلزم الجمعة كل مسلم حر ذكر مكلف متوطن " يعني أن الجمعة تلزم كل مسلم حر ذكر مكلف مستوطن. قد ذكر رحمه الله لوجوب الجمعة أربعة شروط كغيره. قال العلامة الدردير في أقرب المسالك: الجمعة فرض عين على الذكر الحر غير المعذور المقيم ببلدها أو بقرية
نائية عنها بكفرسخ من المنار، وإن غير مستوطن، أي بأن كان مقيما ببلدها المجاورة أو تجارة أو غير ذلك إقامة تقطع حكم السفر، وإن لم تنعقد به، فلا تجب على مسافر إذا لم ينو إقامة أربعة أيام صحاح. فعلم أن شروط وجوبها أربعة: الإسلام، والذكورية، والحرية، والسلام من الأعذار المسقطة لها اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " وهي ركعتان يجهر فيهما " يعني أن صلاة الجمعة ركعتان يجهر الإمام فيهما بالقراءة. قال في الرسالة: ويصلي الإمام ركعتين يجهر فيهما بالقراءة، يقرأ في الأولى بالجمعة ونحوها وفي الثانية بهل أتاك حديث الغاشية ونحوها اهـ. قال رحمه الله تعالى:" يخطب قبلهما خطبتين قائما متوكئا " يعني يجب على الإمام أن يخطب خطبتين قبل الصلاة بأن يجلس قليلا ثم يقوم متوكئا على شيء كالسيف. قال في الرسالة:
والخطبة فيها واجبة قبل الصلاة، ويتوكأ الإمام على قوس أو عصا، ويجلس في أولها وفي وسطها وتقام الصلاة عند فراغها اهـ.
قال رحمه الله مشيرا لجميع ذلك: " يفصل بينهما بجلسة خفيفة " أي مقدار الجلوس بين السجدتين. وقيل قدر ما يقرأ قل هو الله أحد. قال العلامة الشيخ الزروق في شرح الرسالة: يعني أنه يجلس بين الخطبة الأولى والثانية وقيل للقيام للخطبة للسنة. وقال أبو الحسن: والأصل فيما ذكر استمرار العمل على ذلك في جميع الأمصار والأعصار منذ زمانه صلى الله عليه وسلم إلى هلم (1). وأخذ من قوله اهـ. ثم قال رحمه الله تعالى: " يختم الأولى بآيات من القرآن، والثانية باذكروا الله يذكركم أو غير ذلك " يعني أنه يستحب ختم الخطبة الأولى بالآيات، كذلك يستحب بدؤها بالحمد لله وختمها بالاستغفار، وكذلك تخفيفها لحديث مسلم " طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه " والثانية أقصر. وقال بعضهم: ويكفي في الخطبة أن يقول الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد فأوصيكم بتقوى الله، وأحذركم من عصيانه ومخالفته اهـ قال النفراوي: وتصح من محض قرآن مشتمل على تحذير وتبشير وبعض مواعظ كسورة ق اهـ. وفي الخرشي: وأول من قرأ في الخطبة إن الله يأمر بالعدل والإحسان الآية عمر بن عبد العزيز. وأول من قرأ في الخطبة إن الله وملائكته يصلون على النبي المهدي العباسي اهـ.
ثم قال رحمه الله تعالى: " وأقلها ثناء على الله، وصلاة على رسوله، وتحذير وتبشير " قال الحطاب: جزم ابن العربي أن أقلها حمد الله والصلاة على
نبيه صلى الله عليه وسلم وتحذير وتبشير، ويقرأ شيئا من القرآن اهـ. قال الدسوقي عند قول خليل مما تسميه العرب خطبة. قال بعض المحققين: الخطبة عند العرب تطلق على ما يقال في المحافل من الكلام المنبه به على أمر مهم لديهم، والمرشد لمصلحة تعود عليهم حالية أو مآلية، وإن لم يكن فيه موعظة أصلا عن تحذير أو تبشير أو قرآن يتلى. وقول ابن العربي أقل الخطبة
(1) قوله إلى هلم: أي إلى الآن وبعد الآن. كما يقولون: وهلم جرا. يقصدون التتابع.
حمد الله والصلاة والسلام على نبيه صلى الله عليه وسلم وتحذير وتبشير وقرآن، مقابل للمشهور كما في ابن الحاجب وعلى المشهور فكل من الحمد والصلاة على النبي والقرآن مستحب اهـ البناني. زاد العلامة صالح عبد السميع وقال: ولا يشترط كونها سجعا فلو نظمها أو نثرها صحت نعم تندب إعادتها إن لم يصل فإن صلى فلا تعاد. والدعاء فيها للسلطان بدعة مكروهة اهـ. انظر جواب ابن عرفة في الحطاب.
ثم قال رحمه الله تعالى: " وهل يشترط الطهارة قولان " قال العلامة العدوي على كفاية الطالب: قوله قولان مشهوران، المشهور منهما أنه لا يشترط فيهما الطهارة، غايته أنه يكره أن يخطب غير متطهر اهـ. قال عبد الباري العشماوي: ويستحب فيهما الطهارة، قال شارحه: فلو خطب محدثا أجزأه. وفي حاشية الصفتي عليه: ويكره تركها لأن الطهارة ليست من شروط الخطبة، وإن كان يحرم عليه في الكبرى من حيث المكث بالجنابة في المسجد اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ويجب الإنصات لها والبعيد يتحرى وقتها وينصت " يعني أن الإنصات وقت الخطبة واجب كما قرره العلماء بالأدلة. قال أبو الحسن في كفاية الطالب عند قول صاحب الرسالة: وينصت للإمام في خطبته أي الأولى والثانية، وفي الجلوس بينهما مطلقا سمع الخطبة أو لم يسمعها، سب الإمام من لا يجوز سبه أو مدح من لا يجوز مدحه. وقال ابن حبيب: يجوز الكلام إذا تكلم الإمام بما لا يجوز، وصوبه اللخمي، واقتصر عليه صاحب المختصر. ولا يشمت عاطسا، وإذا عطس هو حمد الله سرا في نفسه، ولا يسلم، ولا يرد سلاما، ولا يحصب من تكلم ولا يشرب الماء. والأصل فيما ذكر قوله تعالى:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُوا} [الأعراف: 204] على أحد التفاسير أنها نزلت في الخطبة. وقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: " إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت " سمي
الأمر بالمعروف لغوا فغيره أولى. واللغو: الكلام الذي لا خير فيه. وظاهر كلام الشيخ أن الكلام بعد الفراغ من الخطبة بين النزول من المنبر والصلاة جائز، وهو مذهب المدونة. ويجوز الكلام حال الخطبة في مسائل منها الذكر القليل عند سببه، والتأمين عند سماع الخطيب لمغفرة أو نجاة من النار،
والتعوذ عند سماع ذكر النار والشياطين، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره، كل ذلك سرا على الصحيح اهـ.
ثم قال رحمه الله تعالى: " والداخل والإمام يخطب لا يحيي المسجد ولا يسلم " يعني أن الداخل في المسجد حال الخطبة لا يصلي تحية المسجد على المشهور في المذهب، خلافا للسيوري القائل بجواز النافلة للداخل حال الخطبة، وهو من أهل المذهب (1)، وما ذهب إليه السيوري لم يصحبه عمل، فهو منسوخ كما في الإكليل. قال ابن جزي: ولا يصلي التحية إذا خرج الإمام، خلافا للسيوري والشافعي وابن حنبل. وقال في التوضيح: وهو مذهب الشافعي لحديث سليك الغطفاني، وفيه " أنه عليه الصلاة والسلام قال له لما جلس إذا جاء أحدكم للجمعة والإمام يخطب فليصل ركعتين خفيفتين ثم يجلس " وتأوله ابن العربي على أن سليكا كان صعلوكا ودخل ليطلب شيئا، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يصلي لأجل أن يتفطن له فيتصدقوا عليه. اهـ الدسوقي نقلا عن البناني، وقول المصنف: ولا يسلم أي يحرم على الداخل السلام والإمام يخطب. قال في حاشية الخرشي: أي لا يجوز لمن كان يسمع الخطبة أن يسلم أو يرد اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " وليؤم الخاطب، فإن أم غيره فالمشهور بطلانها "
(1) أي والحديث الذي أخذ به منسوخ اهـ شارحه.
قال العلامة عبد الباري العشماوي: ويشترط أن يكون المصلي بالجماعة هو الخاطب إلا لعذر يمنعه من ذلك من مرض أو جنون أو نحو ذلك، ويجب انتظاره للعذر القريب على الأصح اهـ. وقال أبو الحسن: والمطلوب أن يكون الذي خطب هو الإمام، فإن طرأ ما يمنع إمامته كحدث أو رعاف فإن كان الماء بعيدا فإنه يستخلف اتفاقا، وإن قرب فكذلك عند مالك، وحيث يستخلف ففي المدونة يستخلف من حضر الخطبة، وإذا ذكر منسية بعدما خطب صلاها ثم صلى الجمعة ولا شيء عليه اهـ. وقال مالك في المدونة في الإمام يحدث يوم الجمعة، فيخرج ولم يستخلف، فيتقدم رجل من عند نفسه بالقوم ولم يقدموه هم ولا إمامهم: إن ذلك مجزئ عنهم، وهو بمنزلة من قدمه الإمام أو من خلفه. والجمعة في هذا وغيرها سواء اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ويستحب لها الطيب والتجمل والغسل متصلا بالغدو، والمشي والتهجير به " يعني أن الشخص يستحب له التطيب (1) والتجمل
بالثياب في يوم الجمعة. وفي الرسالة: وليتطيب لها ويلبس أحسن ثيابه. وقال قبل ذلك: والغسل لها واجب، أي وجوب السنن، والتهجير حسن وليس ذلك في أول النهار اهـ بتصرف. قال مالك في الموطأ: ومن اغتسل يوم الجمعة معجلا أو مؤخرا وهو ينوي بذلك الجمعة فأصابه ما ينقص وضوءه فليس عليه إلا الوضوء وغسله ذلك ومجزئ عنه اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " وتلزم من منزله على دون ثلاثة أميال لوقت يدركها، والأعمى يمكنه إتيانها ولو بقائد " يعني أن من كان منزله قريبا من الجامع على ثلاثة أميال أو دونها لزمه السعي إلى الجمعة. وفي ابن حمدون على الميارة عند قول الناظم قريب بكفرسخ. قال: قرره مياره على أن الكاف استقصائية، وقرره بعضهم على أنها غير استقصائية،
(1) هذا لغير النساء، وأما هن فمكروه في حقهن اهـ شارحه.
فيدخل ربع الميل أو ثلثه، وهما قولان مبنيان على التحديد أو التقريب. وظاهر الرسالة الأول، فلا تجب على من زاد عليه ولو قلت الزيادة، وهو رواية أشهب، ومذهب ابن القاسم أنه تقريب فتجب في الزيادة اليسيرة. ومثل من كان على كفرسخ من كان مسكنه خارجه وأخذه الوقت داخل الفرسخ إن كان مقيما، وأما إن كان مجتازا فلا يجب عليه السعي كما ذكره الجزولي وغيره. وعلى هذا فالمراعي شخصه لا مسكنه اهـ. والتحديد المذكور إنما هو في حق الخارج عن بلد الجمعة. وأما من هو فيها فتجب عليه ولو كان من المسجد على ستة أميال. وأما قوله رحمه الله: والأعمى إلخ أي تلزم الجمعة الأعمى إن كان يمكنه الإتيان إليها ولو بقائد. وقال العلامة عبد الباري في الأعذار المانعة للجمعة: ومن ذلك الأعمى الذي لا قائد له، أما لو كان له قائد، أو كان ممن يهتدي للجامع بلا قائد فلا يجوز له التخلف عنها اهـ.
ثم ذكر الأعذار التي تسقط بها الجمعة فقال رحمه الله تعالى: " وتسقط عن المريض والممرض، وبالمطر، وكثرة الوحل، وخوف ظالم أو لص، ولا خوف حبس في حق وهو معلي به، ولا بشهود العيد " قوله لا خوف حبس إلخ لقوله عليه السلام: " مطل الغنى ظلم " والظالم لا رخصة له في التخلف عنها. وقوله ولا بشهود العيد، قال في المدونة: ما قول مالك إذا اجتمع الأضحى والجمعة أو الفطر والجمعة فصلى رجل من أهل الحضر العيد مع الإمام، ثم أراد أن لا يشهد الجمعة هل يضع ذلك عند شهوده صلاة العيد ما وجب عليه من إتيان الجمعة؟ قال لا: وكان مالك يقول: لا يضع ذلك عنه ما وجب عليه من إتيان الجمعة اهـ وقال صاحب العزية: ويسقط فرض الجمعة بمرض يتعذر معه الإتيان، أو لا يقدر إلا بمشقة شديدة، وبتمريض قريب، وبخوف ظالم يؤذيه في ماله أو نفسه، أو خوف
نار أو سارق أو حبس الغرماء له وهو معسر، وبالوحل الكثير، والمطر الشديد، وأكل الثوم، والعري أي ليس عنده ما يستر به عورته اهـ.
ثم ذكر شروط صحة الجمعة بقوله رحمه الله تعالى: " وشروط صحتها إمام، ومسجد وخطبة، وموضع الاستيطان، وجماعة يمكنهم المثوى به من غير عدد محصور " يعني أن الجمعة لها شروط صحة ويعبر عنها بشروط الأداء كما أن لها شروط وجوب، وتقدم أن شروط وجوبها أربعة وهي الإسلام، والحرية، والذكورية، والاستيطان ببلدها أو قريبا منها بكفرسخ، وأما شروط صحتها فأربعة أيضا الإمام، والمسجد، والخطبة، وحضور الجماعة التي تنعقد بهم. وقال صاحب العزية: ولأدائها أربعة شروط الأول الإمام المقيم، فلا تصح أفذاذا، ولا بإمام مسافر، الثاني الجماعة وهي غير محدودة بعدد مخصوص، ولكن لا تجزئ منها الثلاثة ولا الأربعة وما في معنى ذلك، بل لا بد أن يكونوا عددا تتقرى بهم قرية مستغنين عن غيرهم آمنين على أنفسهم. وهذا العدد شرط في الابتداء لا في الدوام، فإن انفضوا من خلف الإمام وبقي منهم اثنا عشر لسلامه صحت وإلا فلا.
الثالث الجامع، وهو شرط لها، فلا تصح في غيره، ولا على سطحه، ولا في بيت قناديله، وتصح في صحن المسجد ورحابه والطرق المتصلة به، إلا في حق الإمام فلا تصح له إلا في المسجد ولو ضاق، فإن وقع ونزل بأن صلى الإمام على السطح أو في بيت قناديل أو في رحاب المسجد أو الطريق ولو اتصلت الصفوف به بطلت عليه وعليهم. الرابع الخطبة قبل الصلاة، ولا تصح الخطبة إلا بحضور الجماعة التي تنعقد بهم الجمعة اهـ مع إيضاح. وقد تقدم الكلام على الخطبة فراجعه إن شئت.
ثم قال رحمه الله تعالى: " ولها أذانان الأول على المنارة، والآخر بين يدي الإمام إذا جلس على المنبر فإذا فرغوا أخذ في الخطبة " قال أبو محمد في الرسالة: والسنة المتقدمة أن يصعدوا حينئذ على المنار فيؤذنون، ويحرم حينئذ البيع، وكل ما يشغل عن السعي إليها، وهذا الأذان الثاني أحدثه بنو أمية اهـ. وقوله بنو أمية يعني عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو أول أمراء بني أمية اهـ. قال النفراوي: قال ابن حبيب كان النبي
صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد رقي المنبر فجلس ثم يؤذن المؤذنون، وكانوا يؤذنون على المنار واحدا بعد واحد، فإذا فرغ الثالث قام النبي صلى الله عليه وسلم يخطب وكذا في زمن أبي بكر وعمر، ثم لما كثرت الناس أمر عثمان بإحاث أذان سابق على الذي كان يفعل على المنار وأمرهم بفعله بالزوراء عند الزوال، وهو موضع بالسوق ليجتمع الناس، ويرتفعوا من السوق، فإذا خرج
وجلس على المنبر أذن المؤذنون على المنار. ثم إن هشام بن عبد الملك في زمن إمارته على المدينة أمر بنقل الأذان الذي كان على المنار بأن يفعل بين يديه عند جلوسه على المنبر، فصار الأمر إذا خرج هشام وجلس على المنبر أذن المؤذنون كلهم بين يديه، فإذا فرغوا خطب، ولهذا قال الجلاب: ولها أذانان، أحدهما عند الزوال والآخر عند جلوس الإمام على المنبر، والثاني منهما آكد من الأول، وعنده يحرم البيع والشراء. هذا هو الصحيح الذي عليه مالك وابن القاسم وابن حبيب وعبد البر وغيرهم من الأئمة المحققين. انظر الفواكه وفيه مقابل الصحيح وتأمل.
ثم قال رحمه الله تعالى: " ومن أدرك منها ركعة فقد أدركها، فإن أدرك دونها صلى ظهرا، وهل يبني على إحرامه قولان " المشهور من القولين أنه لا يبني على إحرامه بل يقطع ويصلي ظهرا بإحرام جديد. قال خليل في من رعف مع الإمام وإن لم يتم ركعة في الجمعة ابتدأ ظهرا بإحرام جديد. قال الدردير عليه: ولا يبني على إحرامه الأول. الدسوقي قوله ولا يبني على إحرامه: أي بناء على عدم إجزاء نية الجمعة عن الظهر. وقال ابن القاسم: يبني على إحرامه ويصلي أربعا بناء على إجزاء نية الجمعة عن الظهر. والقول بعدم البناء على إحرامه وهو المشهور، وعليه فلو بنى على إحرامه وصلى أربعا فالظاهر الصحة كما قاله الحطاب اهـ، قال العلامة ابن جزي في القوانين: إذا لم يدرك المسبوق ركوع الركعة الأخيرة فدخل في السجود أو الجلوس فقد فاتته الصلاة
كلها، فيقوم فيصليها كاملة، فإن جرى له ذلك في الجمعة صلاها ظهرا أربعا وقال أبو حنيفة ركعتين جهرا اهـ.
ثم قال رحمه الله تعالى: " ومن صلى الظهر لوقت يدرك منها ركعة فهي باطلة " هذه الجملة ساقطة في بعض النسخ، والصواب إثباتها. قال خليل في المختصر: وغير المعذور إن صلى الظهر مدركا لركعة لم يجزه. وعبارة صاحب أقرب المسالك: وغير المعذور إن صلاة مدركا لركعة لو سعى لم يجزه كمعذور زال عذره أو صبي بلغ اهـ. قال الخرشي: يعني أن غير المعذور ممن تلزمه الجمعة إذا أحرم بالظهر وكان بحيث لو سعى إلى الجمعة لأدرك منها ركعة فإن الظهر لا تجزئه على الأصح (1) وهو قول ابن القاسم وأشهب وعبد الملك لأن الواجب عليه جمعة ولم يأت بها ويعيد ظهرا إن لم يمكنه جمعة، وسواء أحرم بالظهر مجمعا على أنه لا يصلي الجمعة أم لا، عمدا أو سهوا، وإن لم يكن وقت
إحرامه مدركا بركعة من الجمعة لو سعى إليها أجزأته ظهره. وظاهر قوله لم تجزه سواء كانت تجب عليه وتنعقد به، أو تجب عليه ولا تنعقد به كالمسافر الذي أقام في محل الجمعة إقامة تقطع حكم السفر. وأما من لا تجب عليه أصلا فإنه من المعذورين أو غير مكلف فتجزئه صلاة الظهر ولو كان يدرك صلاة الجمعة اهـ.
ثم قال رحمه الله تعالى: " ومن لا تلزمه تنوب عن ظهره " يعني أن من لا تلزمه الجمعة كالعبد والمسافر إذا حضرها وصلاها تجزئه عن الظهر ولا يطالب بها وفي الحديث " الجمعة على كل مسلم إلا على أربعة العبد والمرأة والصبي والمريض إذا كان لا يقدر على السعي " اهـ وفي الرسالة: ولا تجب على مسافر، ولا على أهل منى، ولا على عبد، ولا امرأة، ولا صبي، وإن حضرها عبد أو امرأة فليصليها وتكون النساء
(1) قوله على الأصح، عبارة ابن جزي: من ترك الجمعة لغير عذر وصلى ظهرا أربعا فإن كان بعد صلاة الجمعة أجزأه مع عصيانه، وإن كان قبلها وجبت عليه الجمعة اهـ.
خلف صفوف الرجال، ولا تخرج إليها الشابة اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " وتاركها لغير عذر لا يصلي الظهر جماعة " يعني أن من ترك الحضور إلى الجمعة بغير عذر لا يصلي الظهر جماعة. قال خليل: ولا يجمع الظهر إلا ذو عذر اهـ قال الخرشي: يعني لا يصلي الظهر جماعة من غير كراهة من فاتته الجمعة إلا ذو عذر لا يمكن معه حضورها من سفر ومرض وسجن فليطلب منه الجمع اهـ.
تنبيه: تكره صلاة الظهر جماعة يوم الجمعة لغير أرباب الأعذار الكثيرة الوقوع وأما أرباب الأعذار الكثيرة الوقوع فالأولى لهم الجمع. ويندب صبرهم إلى فراغ صلاة الجمعة وإخفاء جماعتهم لئلا يتهموا بالرغبة عن الجمعة. واحترزنا بكثرة الوقوع عن نادرة الوقوع كخوف بيعة الأمير الظالم، فإنه يكره للخائف الجمع، وإذا جمعوا لم يعيدوا على الأظهر خلافا لمن قال بإعادتهم إذا جمعوا. وقد وقعت هذه المسألة بالإسكندرية، فتخلف ابن وهب وابن القاسم عن الجمعة فلم يجمع ابن القاسم، ورأى أن ذلك نادر، وجمع ابن وهب بالقوم وقاسها على المسافر، ثم قدما على مالك فسألاه فقال: لا تجمعوا ولا يجمع إلا أهل السجن والمرض والمسافر اهـ الصاوي على أقرب المسالك.
ثم قال رحمه الله تعالى: " وقدوم المسافر والعتق والبلوغ والإفاقة لوقت يدركها يوجب إتيانها " يعني أن قدوم المسافر والعتق والبلوغ والإفاقة لوقت يدركها يوجب إتيانها " يعني أن قدوم المسافر لبلده أو المحل الذي نوى فيه الإقامة تقطع حكم السفر بحيث لو سعى إلى الجمعة يدرك منها ركعة يوجب عليه إتيانها.
قال خليل: أو صلى الظهر ثم قدم اهـ. قال الخرشي: عطف على أدرك، يريد أن المسافر إذا صلى الظهر قبل قدومه من السفر في جماعة أو فذا أو صلاها مع
العصر كذلك ثم قدم وطنه أو غيره ناويا إقامة تقطع السفر فيجد الناس لم يصلوا الجمعة فإنه يلزمه أن يصليها معهم عند مالك لتبين استعجاله اهـ.
ونقل عن أبي محمد: إن صلى صبي ثم احتلم قبل الغروب بخمس ركعات أعاد ظهرا، وفي من سقطت عنه جمعة قولان. وعن ابن رشد إن برأ مريض
أو عتق عبد لإدراكه ركعة منها بعد أن صلاها ظهرا ففي لزومها قولان. قال ابن شاس: وتلزم من أدركها لزوال عذره ولو صلى كالبلوغ. فتحصل من تلك النصوص أن من زال عذره من مرض أو سجن أو قدوم من السفر، أو بلغ الصبي أو عتق العبد، أو أفاق المجنون، أو انتبه النائم، أو تذكر الساهي لمقدار ما يدرك أحدهم ركعة من الجمعة لزمه إتيانها ولو صلاها ظهرا مطلقا صلاها فذا أو جماعة، حضرا أو سفرا. وقيل يعيد الظهر استحبابا إن صلاها قبل زوال العذر اهـ.
ثم قال رحمه الله تعالى: " ومن زالت عليه الشمس وهو يريد سفرا لزمته " يعني أن من أراد أن يسافر في يوم الجمعة ولم يخرج حتى زالت عليه الشمس لزمته صلاة الجمعة، إلا أن يعلم ويتحقق أنه يدركها في البلد الذي أراد أن يسافر إليه.
قال ابن جزي في القوانين: الفرع الثالث يجوز السفر يوم الجمعة قبل الزوال، وقيل يكره وفاقا للشافعي وابن حنبل، ويمنع بعد الزوال وقبل الصلاة اتفاقا اهـ.
قال عبد الباري: ويحرم السفر عند الزوال من يوم الجمعة على من تجب عليه الجمعة اهـ، يعني لا يجوز السفر بعد الزوال لتعلق الخطاب به. ومحل الحرمة ما لم يحصل له ضرر بعدم السفر عند الزوال من ذهاب ماله ونحوه، كذهاب رفقة فإنه يباح له السفر حينئذ. ومحل الحرمة أيضا ما لم يتحقق إدراك الجمعة، أما إن تحقق إدراكها بقرية جمعة أخرى قبل إقامتها فيها فيجوز سواء كان قصده مجرد المرور بتلك القرية أو الإقامة فيها ولو لم ينو إقامة أربعة أيام، أفاده الصفتي نقلا عن العدوي اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ولا يقام في مصر جمعتان " هذا هو المشهور كما نص عليه المتقدمون. قال خليل في المختصر: وبجامع مبني متحد، والجمعة للعتيق وإن تأخر أداء اهـ. قال المواق نقلا عن الجلاب: لا تصلى الجمعة في مصر واحد في مسجدين، فإن فعلوا فالصلاة صلاة أهل المسجد العتيق.
وقال أبو محمد: إن كان في البلد جامعان فالجمعة
لمن صلى في الأقدم، صلى فيه الإمام أو في الأحدث اهـ. وقال النفراوي في الفواكه: وإن تعدد فالجمعة للعتيق إلا أن يكون البلد كبيرا بحيث يعسر اجتماعهم في محل، ولا
طريق بجواره تمكن الصلاة فيها فيجوز حينئذ تعدده بحسب الحاجة، كما ارتضاه بعض شيوخ المذهب. ثم قال: ينبغي أن يلحق بذلك وجود العداوة المانعة من اجتماع الجميع في محل واحد، بل لو قيل إن هذا أولى لجواز التعدد لما بعد اهـ. وفي بعض تقييدات هذا المحل لبعض الأفاضل أنه قال: ورجح المتأخرون جواز تعدد الجمعة وعليه العمل عندنا بالمغرب، وهو الصواب إلى آخر ما قال اهـ.
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: " ووقتها كالظهر " يعني أن وقت صلاة الجمعة كوقت صلاة الظهر، أوله زوال الشمس عن كبد السماء ممتدا للغروب على المشهور. وقيل إلى الاصفرار. وقيل إلى القامة. وقال الخرشي: وهذا إذا أخرها الإمام والناس لعذر. وفي المدونة: قال ابن القاسم: إن أخر الإمام صلاة الجمعة حتى دخل وقت العصر فيصلي الجمعة بهم ما لم تغب الشمس وإن كان لا يدرك بعض العصر إلا بعد الغروب اهـ. وإذ ذهبنا على المشهور من أن وقت الجمعة ممتد للغروب فهل هو مقيد بأن يخطب ويصلي ويبقى من الوقت ما يدرك ركعة من العصر قبل الغروب، أو لا يعتبر بقاء ما يدرك فيه ركعة من العصر فيصلي الجمعة ولو علم أنه لا يدرك العصر إلا بعد الغروب قولان اهـ انظر الحطاب.