الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فضائل الصلاة
ولما أنهى الكلام على سنن الصلاة انتقل يتكلم في بيان فضائلها فقال رحمه الله تعالى:
فَصْلٌ
في فضائل الصلاة
أي في فضائل الصلاة. والفضائل جمع فضيلة، وهي ما يثاب فاعلها ولا يأثم تاركها ويعبر عنها بالمستحبات. والتعبير بالمندوبات أعم وأشمل. وفضائل الصلاة كثيرة. قال صاحب العزية: ومستحبات الصلاة تزيد على ثلاثين فضيلة، وأنهاها
بعضهم إلى نحو الخمسين فضيلة كما في حاشية الصاوي على الدردير.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " وفضائلها " أي فضائل الصلاة، وعدها المصنف ثلاث عشرة فضيلة، الأولى " رفع اليدين مع الإحرام حذو منكبيه " يعني أخبر المصنف أن من فضائل الصلاة رفع اليدين عند الشروع في تكبيرة الإحرام فقط حتى تقابل الأذنين أو المنكبين، ويستحب كونهما مكشوفتين حال الرفع وسترهما بالثياب مذموم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " و " اختلف " هل على صفة الراهب " أي الذي يجعل ظهورهما للسماء وبطونهما للأرض وهو الراجح عند الفاكهاني " أو " على صفة " النابذ " وهو الذي يجعل بطونهما للسماء وظهورهما للأرض، وتسمى هذه الصفة صفة الراغب وقد فسر قوله تعالى بهاتين الصفتين، أي صفة الراهب وصفة الراغب " يدعوننا رغبا ورهبا " ومن صفة النابذ أن يجعل أصابعهما قائمتين ثم ينبذ بهما برفق،
كنابذ الدنيا وراء ظهره. وحكى المصنف أي صفة منها أفضل؟ في ذلك " قولان " المشهور منهما على صفة النابذ كما في الخرشي، ونصه بعد قول خليل في المندوبات كرفع يديه إلخ: والمعنى أنه يندب للمصلي رفع يديه عند إحرامه حين يشرع في التكبير، يحاذي بهما منكبيه قائمة رؤوس أصابعهما مما يلي السماء على صورة النابذ للشيء، لا على صورة الراهب، بأن يجعل ظهورهما مما يلي السماء وبطونهما مما يلي الأرض، ولا الراغب بأن تكون اليدان قائمتين يحاذي كفاه منكبيه وأصابعه أذنيه. وجعل الأجهوري في شرحه كون الرفع على صورة الراهب هو المذهب، وكذا عند الفاكهاني. انظر بقية الكلام في الخرشي اهـ. قال النفراوي على الرسالة: ويستحب كشفهما عند الإحرام، كما يستحب إرسالهما بعد التكبير لكراهة القبض في المفروضة، ويكون إرسالهما برفق، ولا يرفعهما إلى قدام. وحكمة استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام إما لمخالفة المنافقين في ضم أذرعهم إلى أجنابهم حرصا على بقاء أصنامهم تحت آباطهم، فأمرنا بالرفع لمخالفتهم، وإما للإشارة إلى أن المصلي قد رفض الدنيا وأقبل على ربه اهـ النفراوي.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " وهل الأفضل عقدهما تحت صدره " وهو الراجح عند الجمهور خارج المذهب " أو إرسالهما " وهو المشهور في المذهب في الفرض عند السادة المالكية.
قال المصنف: في ذلك " قولان " ولم يطلع المصنف على أرجحية أحدهما. والمحل يحتاج إلى بيان الوافر. وإني إن شاء الله سأؤلف رسالة في هذين الأمرين
يستغني بها الطالب المنصف، ويشفي بها العليل المستقم، ويروي بها الغليل المتأسف، ويستريح بها المتعصب؛ لأن هذا الشرح لا يحمل ما أردنا إيراده. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتمم لنا المراد في الدنيا وفي المعاد إنه ولي التوفيق.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " وهل يرفعهما عند الركوع والرفع منه خلاف " يعني أن المصلي هل يرفع يديه عند الركوع وعند رفعه منه أم لا؟ فالجواب أنه لا يرفع يديه في شيء من ذلك إلا عند تكبيرة الإحرام فقط، قال مالك في المدونة لا أعرف رفع اليدين في شيء من تكبير الصلاة لا في خفض ولا في رفع إلا في افتتاح الصلاة يرفع يديه شيئا خفيفا، والمرأة في ذلك بمنزلة الرجل اهـ. قال كرفع يديه مع إحرامه فقط، أي لا مع هوية للركوع، ولا مع رفعه منه، ولا إثر قيامه من اثنتين اهـ. قاله في جواهر الإكليل. وكذا في الدردير. وقال أبو الحسن في كفاية الطالب: وظاهر كلام الشيخ أن الرفع مختص بتكبيرة الإحرام، وهو كذلك على المشهور، فلا يرفع عند الركوع، ولا عند الرفع منه، ولا في القيام من اثنتين اهـ. قال الدسوقي قوله: لا مع ركوعه ولا مع رفعه أي ولا مع رفعه منه، وهذا هو أشهر الروايات عن مالك في المواق عن الإكمال، وهو الذي عليه عمل أكثر الأصحاب. قال وفي التوضيح: الظاهر أنه يرفع يديه عند الإحرام والركوع والرفع منه والقيام من اثنتين؛ لورود الأحاديث الصحيحة بذلك اهـ. لكن العمل بالمشهور كما تقدم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " و " الفضيلة الثانية من فضائل الصلاة " كمال السورة " يعني أنه قد تقدم في أول السنن أن قراءة ما تيسر بعد الفاتحة هو سنة من سنن الصلاة، وأما إكمال السورة كلها فمندوب، قال العلامة الدردير في أقرب المسالك: وإكمال سورة بعد الفاتحة. الصاوي في حاشيته عليه. قوله وإكمال سورة أي فالسورة ولو قصيرة أفضل من بعض سورة ولو كثر. والمعنى أنه يندب للمصلي أن يكمل قراءة سورة ولا يقتصر على بعضها ولو كان بعضها طويلا، وإن كان الاقتصار جائزا فالأفضل إكمال السورة:
قال المصنف رحمه الله تعالى: " و " الفضيلة الثامنة من فضائل الصلاة " تطويل القراءة في الصبح والظهر قدرا غير شاق " يعني أن تطويل القراءة في الصبح والظهر مستحب، وذلك قدر ما لا يشق على نفسه إن كان فذا، أو على المأموم إن كان إماما لقوله
تعالى: {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] لأن الدين يسر. وفي الحديث: " إن هذا الدين يسر، ولن يشاد أحد هذا الدين إلا غلبه " وأما التطويل فمندوب إذا كان منفردا فيما لا يشق عليه، أو كان إماما وطلب
المأموم التطويل بلسان المقال أو الحال، وإلا فالتقصير في حقه أفضل؛ لأن في الناس الكبير والضعيف والمريض وذا الحاجة كما في الحديث. قال خليل: وتطويل قراءة صبح، والظهر تليها. الشارح يعني أنه يستحب للفذ أن يقرأ في صلاة الصبح بسورة من طوال المفصل، والظهر تليها في الطول عند مالك، وعند أشهب مثلها، ومثل الفذ في استحباب التطويل الإمام إذا طلب منه الجماعة التطويل، أو فهم منهم ذلك وإلا فالمطلوب منه التقصير. والمفصل من الحجرات، وقيل من شورى إلى عبس، وسمي بالمفصل لكثرة فصل سورة بالبسملة اهـ. الخرشي مع التقديم: وفي الحطاب قال الشيخ زروق في العصر والمغرب يشتركان في قصر القراءة إلا أن العصر أطول. وقيل لا، وهو المشهور. وما ورد في الصحيح من قراءة سورة الأعراف، وسورة الطور، والمرسلات في صلاة المغرب إنما ذلك ورد لبيان الجواز.
وقد قرأ صلى الله عليه وسلم في الصبح بالمعوذتين لبيان الجواز، رواه النسائي اهـ. مع حذف. قال مالك في المدونة: أطول الصلوات قراءة الصبح والظهر. وقال غيره ويخففها في العصر والمغرب، ويوسطها في العشاء، انظر المواق. وفي الرسالة: ثم تقرأ سورة من طوال المفصل، وإن كانت أطول من ذلك فحسن بقدر التغليس اهـ.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " و " الفضيلة الرابعة من فضائل الصلاة " تقصيرها " أي تقصير القراءة " في المغرب " يعني أنه يندب تقصير القراءة في صلاة المغرب بأن يقرأ فيها بالقصار من السور، أولها من والضحى إلى الناس، والمشهور أن القراءة في صلاة العصر كالمغرب بالقصار خلافا للمصنف. قال:" و " الفضيلة الخامسة والسادسة من فضائل الصلاة " توسطها " أي توسط القراءة " في العصر والعشاء " وتقدم آنفا أن المشهور في
العصر كالمغرب يقرأ فيهما بالقصار. قال الدردير في أقرب المسالك في المندوبات: وتقصيرها بمغرب وعصر، وتوسط بعشاء. العزية وتقصيرها في العصر والمغرب وتوسطها في العشاء وفي المختصر:" وتقصيرها بمغرب وعصر كتوسط بعشاء " قال الشارح: وكذلك يستحب تقصير القراءة في المغرب والعصر بالقصار، وأولها من الضحى إلى الآخر، كما يستحب أن يقرأ العشاء بما بين الطول والقصر، وأوله من عبس إلى الضحى، وهذا مع الاختيار، وأما مع الضرورة كسفر أو إضرار فالتخفيف على حسب الإمكان اهـ الخرشي، قال المصنف رحمه الله تعالى:" و " الفضيلة السابعة من فضائل الصلاة " تأمين المؤتم والمنفرد سرا " يعني أن المأموم يؤمن عند قول إمامه ولا الضالين، وكذا المنفرد إذا أتم الفاتحة فإنه يقول آمين في السرية والجهرية على الاستحباب، والإسرار بها مستحب آخر وفي الرسالة: فإذا قلت ولا الضالين
فقل آمين إن كنت وحدك أو خلف إمام، وتخفيها، ولا يقولها الإمام فيما جهر فيه، ويقولها فيما أسر فيه وفي قوله إياها في الجهر اختلاف اهـ. قال في المختصر: وتأمين فذ مطلقا، وإمام بسر، ومأموم بسر أو جهر إن سمعه على الأظهر، وإسرارهم به. قال الخرشي: أي إنه يندب على المذهب تأمين الفذ، أي قوله آمين عقب ولا الضالين في قراءته، سواء كانت قراءة الصلاة سرا أو جهرا، كما يندب للإمام التأمين على قراءته في السرية وكذا مأمومه، وأما في الجهرية فلا يندب للمأموم إن سمع قراءة الإمام لأنه مؤمن حينئذ على دعائه، فإن لم يسمعه فلا، على الأظهر عند ابن رشد؛ لأنه ليس معه دعاء يؤمن عليه، لا لنفسه لأنه لا يقرأ، ولا لإمامه لعدم سماعه، والتأمين إجابة وهي فرع السماع، فلو تحرى كما قاله ابن عبدوس لربما أوقعه في غير موضعه، وربما صادف آية عذاب، وكل من طلب منه التأمين إماما كان أو غيره يستحب له الإسرار به لأنه دعاء والأصل فيه الإخفاء اهـ في العزية: والتأمين سرا، وهو قول آمين بعد
الفراغ من الفاتحة بالمد مع التخفيف اسم الله تعالى (1)، ونونه مضمومة على النداء، والتقدير يا آمين استجب (2) دعاءنا. ولا يؤمن المأموم خلف الإمام في الجهرية إلا إذا سمع قراءته اهـ.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " والإمام يؤمن في السرية " وهو كذلك لا خلاف فيه " ويقول " أي الإمام على السنية " إذا رفع رأسه " أي حال رفعه " من ركوعه: سمع الله لمن حمده " يجهر به ولو كانت الصلاة سرية، وتقدم الكلام عليه في السنن فراجعه إن شئت.
قال المصنف رحمه الله تعالى " و " الفضيلة الثامنة من فضائل الصلاة أن يقول " المأموم ربنا ولك الحمد " أي بعد قول الإمام سمع الله لمن حمده، وتقدم عن الصفتي أن الإمام يخاطب بسنة وهي سمع الله لمن حمده، والمأموم يخاطب بمندوب، وهو ربنا ولك الحمد، والفذ يجمع بينهما، والترتيب بينمها مندوب كما مر، وإليه أشار المصنف بقوله:" والمنفرد يجمعهما " كما تقدم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " و " الفضيلة التاسعة من فضائل الصلاة " التسبيح في الركوع والسجود " يعني أن التسبيح في حال الركوع والسجود من هيئات الصلاة، أي من فضائلها. قال خليل: وتسبيح بركوع وسجود. وقال غيره:
والتسبيح في الركوع والسجود، الشارح لقوله صلى الله عليه وسلم:" أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فادعوا فيه بما شئتم فقمن - أي حقيق - أن يستجاب لكم " وفي الرواية " وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فإنه قمن أن يستجاب لكم " اهـ وبهاتين الروايتين تعلم أن الدعاء في السجود مطلوب، ولأن السجود من مواضع الإجابة للدعاء.
وفي الحديث قال عليه الصلاة
(1) قال في الجواهر المضيئة: لم يصح نقله على أنه اسم من أسمائه تعالى. بل هو اسم فعل لطلب الإجابة.
(2)
هذا على أنه اسم من أسمائه تعالى، وقد علمت أنه لم يصح نقله. وعلى أنه اسم فعل فنونه مفتوحة.
والسلام: " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فاجتهدوا في الدعاء " هذا. والحديث يدل على أن الركوع لا يدعو فيه ولا يقرأ، وأما السجود فله أن يقرأ ويدعو فيه بما شاء من خيري الدنيا والآخرة. وفي الدسوقي: وأما السجود فيه بين التسبيح والدعاء بما شاء اهـ. وينبغي تقديم التسبيح على الدعاء، والاقتصار على أحدهما يفرت المستحب الآخر. والتسبيح يحصل بأي لفظ كان. قال الصفتي: والأفضل أن يقول في السجود سبحان ربي الأعلى، وفي الركوع سبحان ربي العظيم، لما رواه عقبة بن عامر لما نزل قوله تعالى: فسبح باسم ربك العظيم قال عليه الصلاة والسلام: " اجعلوها في ركوعكم " فلما نزل سبح اسم ربك الأعلى قال عليه الصلاة والسلام " اجعلوها في سجودكم " اهـ قال ابن شعبان: قال الله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: 48] فحق على كل قائم إلى الصلاة أن يقول سبحان ربي العظيم وبحمده اهـ الحطاب.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " و " الفضيلة العاشرة من فضائل الصلاة " القنوت في ثانية الصبح سرا " يعني أن القنوت من فضائل الصلاة، وله معان كثيرة، انظر الزرقاني على الموطأ. والمراد به هنا الدعاء بخير، ولا يكون عند مالك إلا في ثانية الصبح فقط، والإسرار به مندوب. العزية: والقنوت في الصبح فقط بعد الفراغ من القراءة في الركعة الثانية قبل الركوع سرا. وإن نسي وتذكر بعد الركوع أتى به بعد رفعه منه ثم يهوي إلى السجود قال في أقرب المسالك: وندب القنوت بأي لفظ بصبح، وإسراره، وقبل الركوع. هذا هو المشهور.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " وقبل الركوع أفضل " وندب لفظه الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم أي الذي اختاره الإمام مالك رحمه الله هو " اللهم إنا نستعينك، ونستغفرك، ونؤمن بك، ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك، ونخنع لك، ونخلع ونترك من يكفرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد،
وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخاف عذابك الجد، إن عذابك بالكافرين ملحق " قال الشيخ الزروق في شرحه على الرسالة: وليس في صحيح الرواية ونتوكل عليك، وثبت في بعض النسخ اهـ. قال الصاوي في حاشيته على أقرب المسالك: ولم يثبت في رواية الإمام " ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك " وإنما ثبت في
رواية غيره. قال النفراوي: والصواب عدم زيادتها. وقال العلامة الشيخ صالح عبد السميع في الثمر الداني: قيل الصحيح أن قوله ونتوكل عليك زيد في الرسالة، وليس منها. وفي رواية ونثني عليك الخير وما يجري على ألسنة العامة من لفظ كله بعد قوله الخير غير مثبت في الرواية، مع أن العبد لا يطيق كل الثناء عليه، فتركه خير، ومثله في شرحه على العزية اهـ.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " و " الفضيلة الحادية عشرة من فضائل الصلاة أنه لا " يكبر " في حال انتقاله إلى الثالثة حتى يستوي " قائما " معتدلا بعد قيامه " من " ركعتين " اثنتين " و " إذا استوى قائما " أي معتدلا يكبر ويقرأ. وفي الدردير: والتكبير حالة الخفض والرفع، إلا في القيام من التشهد فللاستقلال. قال الصاوي عليه: قوله فللاستقلال، أي لأنه كمفتتح صلاة، ويؤخر المأموم قيامه حتى يستقل إمامه، وكل من الفذ والإمام والمأموم لا يكبر إلا بعد استقلاله اهـ، وما ذكره الدردير كذا في المختصر ونصه: وتكبيره في الشروع إلا في قيامه من اثنتين فلاستقلاله. وفي الرسالة: ثم يقوم فلا يكبر حتى يستوي قائما. هكذا يفعل الإمام والرجل وحده. وأما المأموم فبعد أن يكبر الإمام يقوم المأموم أيضا فإذا استوى قائما كبر اهـ. والمعنى في الجميع والله أعلم أن المصلي سواء كان إماما أو غيره يستحب له أن لا يكبر في حال قيامه من الجلوس الأول الذي بعد ركعتين حتى يستقل قائما لعمل أهل المدينة بذلك، أو لكونه كمفتتح صلاة، لما قيل من أن الصلاة فرضت ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة
السفر وزيد في صلاة الحضر اهـ رواه الإمام في الموطأ بإسناده عن عائشة، رضي الله تعالى عنها. ومما ينبغي للإنسان في الصلاة وخارجها أن يكثر الخشوع والدعاء، لأن الدعاء مخ العبادة كما في الحديث.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " ولا بأس بالدعاء " بمعنى يندب الدعاء في الصلاة نافلة أو مكتوبة " في جميع هيئات الصلاة إلا في الركوع " يعني يندب للمصلي أن يتضرع إلى الله تعالى في جميع الحالات إلا في حال الركوع فإن المطلوب فيه تعظيم الرب سبحانه، والدعاء فيه مكروه. وسئل مالك في الموطأ عن الدعاء في الصلاة المكتوبة فقال لا بأس بالدعاء فيها " قلت " وأما الدعاء قبل الدخول في الصلاة وبعد الإقامة فجائز بل مندوب، وعن مالك، رضي الله عنه: ندب قوله قبلها سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، وجهت وجهي الآية (1) اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين
المشرق والمغرب، ونفتي من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، واغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد. قال ابن حبيب: يقوله بعد الإقامة وقبل الإحرام. قال في البيان: وذلك حسن اهـ جواهر الإكليل. وأما الدعاء قبل الركوع وفي حال الرفع من الركوع فلا يكره، بل هو جائز. والدعاء بين السجدتين مستحب. وكان صلى الله عليه وسلم يقول بينهما " اللهم اغفر لي واسترني واجيرني وارزقني واعف عني وعافني " ويستحب الدعاء في السجود وبعد التشهد الأخير، وفي المختصر: ودعاء بتشهد ثان. المواق: قال ابن عرفة يستحب الدعاء عقب التشهد الأخير. وندب الدعاء في القنوت. قال الزروق في شرح الرسالة: والمشهور لا يتقيد للقنوت دعاء أي مخصوص، ودعا بما أحب وإن لدينا، ولو قال: يا فلان فعل الله بك كذا، لم تبطل على
الأصح كما في المختصر، وفي الجلاب: إنما يدعو في القيام بعد القراءة، وفي الجلوس بعد التشهد.
والحاصل أنه ينبغي أن يعتني الإنسان بالدعاء في حال الصلاة وخارجها في غير أوقات النهي؛ لأن الدعاء مخ العبادة، وأن من رزقه الله بالدعاء لم يحرمه الإجابة كما في الحديث. انظر تفسير قوله تعالى:{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ} [الشرح: 7] إلخ في " الدر المنثور في التفسير بالمأثور "(1) للعلامة الحافظ السيوطي تجد فيه الأحاديث بالأسانيد المتصلة إلى عباس وإلى ابن مسعود وغيرهما، وتجد أن أكثر المفسرين في الآية فهموا أنها أمر من الله تعالى إلى المصلي بالدعاء والاجتهاد في السؤال. والله أعلم بالصواب.
فائدتان: الأولى: نقل سيدي عبد الوهاب الشعراني عن الخضر أنه قال: سألت أربعة وعشرين ألف نبي عن استعمال شيء يأمن به العبد من سلب الإيمان فلم يجبني منهم أحد، حتى اجتمعت بمحمد صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فأخبرني عن جبريل عن الله " أن من واظب على قراءة آية الكرسي، وآمن الرسول إلى آخر السورة، وشهد الله إلى قوله الإسلام، وقل اللهم مالك الملك إلى قوله بغير حساب، ولقد جاءكم رسول من أنفسكم إلى آخر السورة، وسورة الإخلاص، والمعوذتين، والفاتحة عقب كل صلاة أمن من سلب الإيمان " اهـ. الثانية: الدعاء بلا واسطة من خصوصيات هذه الأمة بخلاف الأمم السابقة فكانوا إذا نزل عليهم كرب ذهبوا إلى أنبيائهم يسألون لهم اهـ أفادهما الصفتي نقلا عن بعضهم.
واعلم أن المصنف رحمه الله اكتفى بذكر بعض الفضائل عن البعض
اختصارا، ونحن إن شاء الله نأتي ببقيتها إتماما وتبركا فقلت: منها أي من الفضائل تقديم يديه حين يهوي بهما للسجود على ركبتيه، وتقديم ركبتيه على يديه عند القيام. ومنها عقد الخنصر
(1) رد أحد الفضلاء على هذه المسألة فراجعه في آخر هذا الجزء.
والبنصر والوسطى من اليد اليمنى مادا السبابة والإبهام منها في التشهدين، ويحرك السبابة ويعتقد بالإشارة بها أنها مطردة للشيطان، ويبسط اليسرى. ومنها وضع اليدين على الركبتين في الركوع مع تفرقة أصابعهما.
ومنها وضعهما حذو أذنيه أو قربهما في السجود مع ضمهما واستقبالهما للقبلة. ومنها مجافاة الرجل دون المرأة بأن يبعد بعدا وسطا في السجود بين ركبتيه، وبين مرفقيه وجنبيه، وبين فخذيه. ومنها تقصير الركعة الثانية عن الأولى، وتقصير الجلوس الأول عن الثاني ومنها كون التشهد الثاني أطول من الأول. ومنها النظر إلى موضع السجود في القيام، وهل النظر إلى موضع السجود أفضل للمصلي مطلقا، أو النظر إلى الكعبة لمن في المسجد الحرام؟ فيه نظر. ومنها التيامن عند السلام في الفرض بحيث ترى صفحة الوجه. ومنها اعتدال الصفوف لأنه من كمال الصلاة كما في الحديث. ومنها ترك التسمية في الفريضة على المشهور في المذهب، وتقدم الكلام عليه في الركن الرابع من أركان الصلاة فراجعه إن شئت. ومنها نية الأداد في الوقتية والقضاء في الفائتة خروجا من الخلاف. ومنها نية عدد الركعات كذلك. قال الدردير في أقرب المسالك: وندب نية الأداء وضده، وعدد الركعات، وخشوع، واستحضار عظمة الله تعالى وامتثال أمره اهـ. وفضائل الصلاة كثيرة جدا. واقتصر المصنف على اثنتي عشرة أو أقل، وزدت عليه بعض ما أمكنني إحضاره بدون تكلف، فلله الحمد. فعليك بالمطولات أيها الطالب الراغب إن شئت. وأيضا سكت المصنف عن ذكر مكروهات الصلاة اكتفاء بذكر الفضائل، اعتمادا على أن لها أضدادا، فكل فضيلة يضادها مكروه فتأمل.
أحكام السترة
ولما أنهى الكلام على الفضائل انتقل المصنف يتكلم في بيان المار الذي يمر بين يدي المصلي رحمه الله تعالى:
فَصْلٌ
في أحكام السترة
والأصل في هذا الفصل ما في الموطأ عن أبي جهيم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه " وعن كعب الأحبار أنه قال: " لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يخسف به خيرا له من أن يمر بين يديه " وغير ذلك مما ورد. والمعنى أن المرور
بين يدي المصلي ممنوع شرعا باعتبار تأثيم المار تارة، أو مكروه باعتبار عدم تأثيمه تارة أخرى. فقال رحمه الله تعالى:" من لا يأمن المرور بين يديه يصلي إلى السترة " يعني أن من يأمن المرور بين يديه، ولم يخش أن يمر بين يديه أحد فله أن يصلي بغير سترة، سواء كان في الحضر أو في السفر. قال مالك في المدونة: ويصلي في الموضع الذي يأمن فيه من مرور شيء بين يديه إلى غير سترة اهـ.
قال العلامة الشيخ أحمد الدردير في أقرب المسالك في مندوبات الصلاة: وسترة لإمام وفذ خشيا مرورا بمحل سجودهما. أي يندب للإمام والفذ أن يجعل كل واحد منهما سترة بين يديه لمنع المار بين يدي كل منهما إن خشي المرور، ولا تبطل الصلاة بالمرور أصلا.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " ولا تبطل بمرور شيء بين يديه " لقول مالك في المدونة: لا يقطع الصلاة شيء من الأشياء مما يمر بين يدي المصلي اهـ. وقال خليل
في المختصر: وأثم مار له مندوحة، ومصل تعرض اهـ. قال الخرشي يعني أن المار إذا كان له سعة في ترك المرور بين يدي المصلي ومر فإنه يأثم، كان بين يدي المصلي سترة أم لا، تعرض المصلي أم لا، فإن كان لا مندوحة له والمصلي هو الذي تعرض للمرور، بأن صلى لغير سترة بنمحل يخشى به المرور وهو قادر عليها أو على الانحياز إلى شيء فلا إثم على المار ويأثم المصلي فقط؛ حيث حصل المرور له في المحل المذكور، كما لا إثم على واحد منهما بمرور من لا مندوحه له ولا تعرض، فالصور أربع. يأثمان، وعكسه، يأثم المار لا يصلي، وعكسه. هذا في غير مصل وطائف، وأما هما فقد قال الدردير: وأثم مار غير طائف، ومصل له مندوحة، ومصل تعرض. قال الصاوي في حاشيته عليه أي فلا يمنع مرور الطائف بين يدي المصلي بل يكره فقط إن كان للطائف مندوحة وإلا جاز، ومثل الطائف المار بالحرم المكي لكثرة زواره إن لم يكن بين يديه سترة وإلا منع إن كان له مندوحة اهـ. قال الخرشي: الحاصل أنه يجوز المرور بين يدي المصلي لسترة ولغيرها إن كان المار مصليا ولو كان له مندوحة، ويكره إن كان المار طائفا وله مندوحة، وأما إن كان المار غير مصل ولا طائف فيحرم مروره بين يدي المصلي إن كان له مندوحة. هذا بغير المسجد الحرام مطلقا، وبه إن صلى لسترة، فإن صلى لغير سترة لم يحرم المرور بين يديه، وإن كان للمار مندوحة فقول المؤلف وأثم مار إلخ أي مار غير مصل ولا طائف، هذا ما لم يكن المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام من غير سترة فإنه لا يحرم المرور بين يديه ولو كان للمار مندوحة اهـ مع إيضاح. قال العلامة الزرقاني في
شرحه على الموطأ: وقد قسم المالكية أحوال المار والمصلي في الإثم وعدمه أربعة أقسام: يأثم المار دون المصلي، وعكسه. ويأثمان جميعا، وعكسه. فالأول إذا صلى إلى سترة وللمار مندوحة فيأثم دون المصلي. الثاني إذا صلى في مشرع مسلوك بلا سترة أو متباعدا عنها ولا يجد المار مندوحة فيأثم المصلي لا المار. الثالث مثل الثاني لكن
يجد المار مندوحة فيأثمان جميعا. الرابع مثل الأول لكن لا يجد المار مندوحة فلا يأثمان اهـ.
ثم وصف المصنف أقل ما يجزئ المصلي من السترة فقال رحمه الله تعالى: " وأقلها ذراع " هذا هو المشهور في المذهب، وفي الصحيح " عن عائشة أنها قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن سترة المصلي فقال: " مثل مؤخرة الرحل " أخرجه مسلم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " في غلظ الرمح " قال مالك في المدونة: السترة قدر مؤخرة الرحل في جلة الرمح اهـ. قال العدوي في حاشيته على الخرشي: قوله في غلظ رمح أي إن أقل ما تكون أن تكون في غلظ رمح إلخ.
وأولى إذا كان أغلظ، فإن كان أدنى من غلظ رمح فلا يحصل به المطلوب. وقوله وطول ذراع، وأولى أطول من ذلك، فإن كان أدنى من ذلك فلا يحصل الندب اهـ. وعدها عبد الرحمن الأخضري سنة من سنن الصلاة بقوله والسترة لغير المأموم، وأقلها غلظ رمح وطول ذراع، طاهر ثابت غير مشوش اهـ. وفي كون السترة سنة، أو مستحبة، أو واجبة أقوال في المذهب. . . انظره في الحطاب.
ثم ذكر المصنف الأشياء التي لا تصح أن يستتر بها فقال رحمه الله تعالى: " لا بخط أو أجنبية، ولا صغير لا يثبت، ولا دابة ولا نائم، وحلق المتكلمين " يعني أن هذه الأشياء كلها لا ينبغي أن تكون سترة للمصلي لما فيها من العلل. قال خليل: لا دابة، وحجر واحد، وخط، وأجنبية، وفي المحرم قولان. وقول المصنف لا بخط أي لا يستتر بخط يخطه في الأرض من المشرق للمغرب أو من جهة القبلة إلى الجهة التي تقابلها، ومثل الخط الحفرة والماء والنار. وقوله أو أجنبية، فالأجنبية لا يصح سترة بين يدي المصلي لأنها مشتغلة، ولما يغلب الظن من الافتنان
بها. وقوله ولا صغير لما فيه من اللعب، فالصغير الذي لا يثبت لا يصح أن يكون سترة لأنه مشغل. قال الخرشي: وأما الكبير لا بأس بالاستتار به. ونصه: لا بأس بالاستتار بظهر الرجل إذا رضي أن يثبت له، والصبي الذي يثبت مثله، وإن كان لا يتحفظ من الوضوء اهـ. وقوله ولا دابة، والعلة فيها إما لنجاسة فضلتها كالبغال، وإما لخوف زوالها، وإما لهما، فهو محترز طاهر، أو ثابت، أو هما معا، فإن كانت طاهرة الفضلة وثبتت بربط ونحوه جاز اهـ. قاله
الدردير. قوله ولا نائم، فالنائم مشغل باعتبار ما يعرض له من خروج شيء منه يشوش على المصلي، أو كشف عورته، أو تقدير انتباهه وذهابه. وقوله وحلق المتكلمين، قال الصفتي نقلا عن الخرشي وحاشيته: ومن المشغل النائم، والمأبون الذي يفعل به في دبره، وحلق المحدثين والمتكلمين في الفقه وغيره فلا يستتر بهم. وأما لو كانوا ساكتين فيستتر بهم إذا لم يكن وجوه بعضهم إليه وإلا فهو مشغل، وكذا يكره الاستتار بالكافر لأن شأنه النجاسة اهـ. وأما قول سيدي خليل: وحجر واحد، أي أنه يكره استتار به مع وجود غيره لشبهه بعبادة الصنم، فإن لم يجد غيره جاز الاستتار به مائلا عنه يمينا أو شمالا، ومفهوم واحد جوازه بأكثر من واحد، فهو كذلك، وأما الأحجار فجائز اهـ قاله الأبي في الإكليل مع طرف من الخرشي.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " بخلاف الطائفين " يعني أن الطائف بحول الكعبة المشرفة يجوز له المرور بين يدي المصلي بحسبما تقدم عن قريب عند قول المصنف ولا تبطل بمرور شيء بين يديه فراجعه إن شئت.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " يدنو منها ولا ينصبها قبالة وجهه " يعني أن المصلي يندب له أن يدنو، أي أن يقرب من سترته بحيث يكون بينه وبينها قدر ممر الشاة.