الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الطهارة
الطهارة: مصدر طهر بضم الهاء أو فتحها، وهي لغة النظافة والنزاهة من الأدناس، وشرعا صفة حكمية توجب للموصوف بها جواز استباحة الصلاة به أو فيه أو له، فالأولان يرجعان للثوب والمكان، والأخير للشخص.
والطهارة قسمان: طهارة حدث، وطهارة خبث. والحدث هو المنع القائم بالأعضاء لموجب من بول ونحوه، أو جنابة، أو حيض أو نفاس، وإن كان الممنوع منه بالنسبة لمن يريد الدخول في الصلاة ثوبا أو مكانا فهي طهارة خبث، أي طهارة منه.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " لا يرفع الحدث والخبث إلا الماء المطلق " يعني أن الحدث والخبث لا يرفعان إلا بالماء المطلق، والحدث ينقسم إلى قسمين: الأكبر والأصغر، أما الأكبر فهو الجنابة والحيض والنفاس، والأصغر وهو البول، والغائط، والريح، والمذي، والودي، وخروج المني بغير لذة معتادة، والهادي: وهو الماء الذي يخرج من فرج المرأة عند ولادتها.
وأما الخبث فهو عبارة عن النجاسة القائمة بالشخص أو الثوب أو المكان، وهذه الأشياء هي المعبر عنها بالأحداث والأخباث، ولا يصح التطهير منها إلا بالماء الطاهر، وهو المطلق الذي أشار إليه المصنف بقوله:" وهو ما كان على خلقته أو تغير بما لا ينفك عنه غالبا كقراره والمتولد منه " وقال الله تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا} [الفرقان: 48]
الماء الطهور: ما كان طاهرا في نفسه مطهرا لغيره، كماء المطر والبحر والبئر إذا لم يتغير شيء من أوصافه الثلاثة وهي اللون والطعم والريح بما ينفك عنه غالبا كاللبن والعسل والصابون والسمن والعجين، وكله طاهر غير
مطهر، وإذا تغير الماء بكالخمر والعذرة والبول ونحوه فهو نجس، فإن تغير شيء من أوصافه الثلاثة بما ذكر ونحوه فلا يصح منه ولا الغسل ولا الاستنجاء.
والمتغير بالطاهر كاللبن طاهر في نفسه غير طهور، يستعمل في العادات كالطبخ والشرب، ولا يستعمل في العبادات كالوضوء والغسل.
والمتغير بالنجس كالعذرة ونحوها نجس لا يستعمل في شيء من العادات ولا
في شيء من العبادات، لكن يسقى به الزرع أو البهائم، وقول المصنف رحمه الله: أو تغير بما لا ينفك عنه إلخ هو ظاهر في أنه يجوز استعمال الماء المتغير بالمكان الذي عليه الماء كالتراب والحمأة والسبخة وجميع المواضع التي يتغير لون الماء بها كالزرنيخ والكبريت والكحل والنورة ونحوها، أو تغير بطول المكث فإنه لا يضر، أي فطاهر يستعمل في العادات والعبادات. وقال العلامة الشيخ محمد البشار في منظومته المشهورة الميمونة المسماة " بأسهل المسالك " في باب أقسام المياه وما يرفع الحدث، مشيرا لما قدمناه:
وكل ماء نازل من السما
…
أو نابع من أرض أو جار نما
باق على أوصافه أو غيرا
…
من أرضه أو ما عليه قد جرى
أو مكثه فمطلق طهور
…
يصح منه الشرب والتطهير
وإن يكن مغيرا بطاهر
…
ينفك عنه غالبا كالسكر
فطاهر مستعمل في العادة
…
من طبخ أو عجن خلا العبادة
وإن أشيب لونه أو طعمه
…
أو ريحه بالنجس نجس حكمه
وكره ما استعمل في رفع الحدث
…
كما قليل لم يغيره الخبث
وقوله وكره إلخ أنه ذكر أن الماء المستعمل في رفع الحدث يكره استعماله في رفع الحدث به مرة ثانية، لكن مع وجود غيره فإذا لم يوجد غيره وتعين فلا كراهة، ومثله جميع المياه
المكروهة تنفي الكراهة إذا فقد غيره، وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله:" ويكره الوضوء بالمستعمل، ويسير حلته نجاسة لم تغيره، وسؤر ما لا يتوقى النجاسة " اعلم أن الماء الذي يكره التطهير به مع وجود غيره كثير، منه ما ذكره المصنف وهو الماء المستعمل في رفع الحدث كما تقدم، ومنه الماء اليسير وهو ما كان قدر آنية الغسل للمغتسل أو آنية الوضوء للمتوضئ إذا حلت فيه نجاسة ولم تغيره فإنه يكره التطهير به مع وجود غيره. وما في رسالة القيرواني من قوله رحمه الله: وقليل الماء ينجسه قليل النجاسة وإن لم تغيره ضعيف.
ولا غرابة في ضعفه وإن كان هو قول ابن القاسم اهـ. الدردير، مع طرف من حاشية الصاوي عليه، ومنه - أي الماء المكروه - سؤر ما لا يتوقى النجاسة كجلالة إذا كان الماء قليلا دون الكثير، ومن الماء المكروه الذي ولغ فيه كلب أو كلاب، وندب إراقته وغسل الإناء سبعا بدون تتريب، ومن المكروه أيضا الماء المشمس الساخن من حرارة الشمس، خصوصا في القطر الحار، وذلك إذا كان في
أواني النحاس وإلا فلا كراهة فيه، ويكره الاغتسال في الماء الراكد إن لم يكن له مادة، أو كان كالبحر فلا يكره حينئذ، ومن المكروه ماء بئر أو صهريج مات فيه حيوان بري له دم سائل، لا كعقرب، ولا بحري كسمك، ولا كراهة في مثل هاتين.
وكل هذا ما لم يتغير الماء تغيرا فاحشا، فإن تغير طعمه أو لونه أو ريحه بذلك تغيرا فاحشا فلا يجوز استعماله في شيء من العبادات ولا في شيء من العادات.
قال المصنف رحمه الله: " لا ما أفضلته البهائم " البهائم جمع بهيمة وهي الدابة، وإن كانت البهيمة تخصص بالخيل والحمير والبغال، كما أن الأنعام تخصص بالإبل والبقر والغنم، وإلا أن هنا المراد العموم. يعني أنه لا يكره استعمال الماء الذي شربته البهائم وبقي منه شيء سواه في الإناء أو في البحر أو غيرهما، بل الباقي بعد شربها طاهر طهور، يجوز
استعماله في الغسل والوضوء ورفع حكم الخبث، ويستعمل في العادات، ما لم يتغير من نجاستها وإلا صار نجسا. وفي الحديث عن جابر قال:" سئل النبي صلى الله عليه وسلم أنتوضأ بما أفضلت الحمر؟ قال: نعم، وبما أفضلت السباع كلها " رواه الشافعي والبيهقي اهـ.
وفي القوانين لابن جوزي: " المسألة الخامسة " سؤر الدواب والسباع طاهر عند الإمامين. وقال أبو حنيفة: " الأسآر تابعة للحوم " اهـ.
وفي خطط السداد والرشد شرح مقدمة ابن رشد للعلامة التتائي عند قول الناظم رحمهما الله.
" والماء من فم الدواب القاطر
…
وسؤرها فذاك ماء طاهر "
يعني أن الماء السائل من فم الدواب عند شربها منه طاهر، وكذلك التي تركب. وفي القاموس: ما دب من الحيوان، وغلب على ما يركب. ويشمل سؤر الحائض والجنب وهو كذلك، وإن كان الآدمي لا يطلق عليه دابة في العرف غالبا. وسمع ابن وهب: سؤر البرذون والبغل والفرس طاهر وغيره أحب إلي، ولا بأس به ما كان على فيه نجاسة فيكون حكم سؤرة حكم حلته نجاسة أجره على حكمه اهـ.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " أو تطهرت منه امرأة خلت به " يعني أنه اتفق أهل المذهب على جواز استعمال الماء الذي خلت به المرأة بلا كراهة، وما نقلوه خارج المذهب من عن عدم الجواز من أحد قولي ابن حنبل. هو مردود باتفاق
مالك مع أصحابه
بالجواز فيه. قال خليل - عاطفا على المطلق: أو كان سؤر بهيمة أو حائض أو جنب أو فضلة طهارتهما.
قال المواق وغيره فيهما: لا بأس بسؤر الحائض والجنب، وما فضل عنهما من ضوء أو غسل لا بأس بشربه وبالوضوء منه والاغتسال به اهـ.
وقال الحطاب: قول مالك وجميع أصحابه أنه يجوز وضوء الرجل بفضل وضوء المرأة وعكسه لا خلاف بينهم في ذلك، وردوا على ابن حنبل لأنه لا تأثير لخلوتها به اهـ.
وفي القوانين الفقهية لابن جزي: ويجوز أن يتطهر الرجل بفضل المرأة لا خلافا لابن حنبل، وقد علمت أن قولته مردودة باتفاق مالك مع أصحابه بالجواز اهـ.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " وما تغير بمخالطة أجنبي كالخل والبول سلبة الطهورية وأكسبه حكمه " يعني أنه إذا تغير الماء بمخالطة شيء أجنبي تارة يكون الشيء المخالط طاهرا غير مطهر فقد تقدم أنه ماء طاهر في نفسه غير طهور، يستعمل في العادات كالطبخ والشرب ولا يستعمل في العبادات كالوضوء والغسل.
والمتغير بمخالطة النجاسة كالبول ونحوه نجس لا يستعمل في شيء من العادات ولا من العبادات؛ لأن مغيره سلبه الطهورية وأكسبه حكمه. وقد تقدم جميع ذلك عند قول المصنف " أو تغير بما لا ينفك عنه ".
ثم قال رحمه الله: " ويكره من آنية عظام الميتة وجلدها " يعني أن المشهور في المذهب كراهة استعمال آنية عظام المتة وجلدها بغير تحريم. وفي المدونة: وكره الادهان في أنياب الفيل والمشط بها والتجارة فيها، ولا ينتفع بشيء من عظام الميتة، ولا يوقد بها الطعام ولا الشراب اهـ.
قال ابن يونس: فإن فعل لم يفسد الشراب والطعام إلا أن يشوي عليها خبز أولحم؛ لأن ودك العظام ينجسه. ووجه قول مالك: إن الله حرم الميتة فكان الواجب أن يحرم منها كل شيء، إلا أن السنة خصت الانتفاع بالجلد وبقي ما سواه على أصل التحريم، خلا أن مالكا كرهه ولم يحرمه للخلاف اهـ.
وقال ابن المواز: كره مالك الادهان في أنياب الفيل وعظام الميتة والمشط بها وبيعها وشراؤها، ولم يحرمه لأن ربية وعروة وابن شهاب أجازوا ذلك اهـ.
وقال ابن سيرين وإبراهيم: لا بأس بتجارة العاج اهـ. المواق على خليل. ثم على القول المشهور من نجاسة الجلد المدبوغ يجوز استعماله في غير المائعات
كالحبوب والدقيق والخبز غير المبلول، وكذا يستعمل في الماء المطلق بأن يوضع فيه الماء سفرا وحضرا لأن الماء طهور لا يضره إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه اهـ. الدردير على أقرب المسالك. وقال النفراوي في الفواكه: ووقع الخلاف بين الشيوخ في نجاسة الزيت الموضوع في إناء العاج، والذي تحرر من كلام أهل المذهب أنه إن كان لا يتحلل منه شيء يقينا فإنه باق على طهارته كعظم الحمار البالي فإنه لا ينجس ما وقع فيه. وإن كان يمكن أن يتحلل منه شيء فلا شك في نجاسته، وقس على ذلك سائر أعيان النجاسة الجافة اهـ كذا في العدوي على أبي حسن.
وقال في المختصر: وفيها كراهة العاج. قال الخرشي: وفي المدونة كراهة عظم الفيل المذكي، وما تقدم من قوله:" وما أبين من عظم وقرن وعاج " في فيل لم يذك. وقال العدوي في حاشيته على الخرشي: وجه الكراهة تعارض مقتضى التنجيس، وهو جزئية الميتة، ومقتضى الطهارة وهو عدم الاستقذار لأنه مما يتنافس في اتخاذه. ونقل محشى
التتائي: أن المدونة وشراحها وشراح ابن الحاجب وغير واحد على أن الكراهة على التنزيه وعدم التحريم، والمراد عاج غير المذكي. ثم قال: فائدة: في البرزلي عن أبي زيد فيمن توضأ على شاطئ بحر وفيه عظم ميتة غطاه الماء والطين، أي ثم ظهر فغسل رجله وجعلها على العظم ثم نقلها إلى ثيابه إن ثوبه لا يتنجس. قال البرزلي: إن كان العظم يابسا فواضح، وإن كان فيه دسم ولحم فالثواب أن النجاسة تتعلق برجله إلا أن يوقن أن رطوبتها قد ذهبت جملة ولم يبق إلا رطوبة الماء فيكون كالعظم البالي اهـ. وقد علمت فيما تقدم مما أتينا به من تلك النصوص، وفهمت أن أواني العظام وجلد الميتة المدبوغ إذا وضع فيها الماء المطلق يجوز منها الوضوء والغسل وإزالة النجاسة، وغاية الأمر فيها الكراهة للخلاف، والكراهة لا تنافي الجواز. والله أعلم.
ثم قال: " ويحرم من النقدين ويجزئ " يعني اتفق الأئمة على أن استعمال أواني الذهب والفضة حرام، لما في الصحيحين عن حذيفة عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:" لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة " اهـ. وعن أم سلمة أن البخاري ومسلم اهـ. قال الشعراني في الميزان: ومن ذلك قول الأئمة الأربعة أن استعمال أواني الذهب والفضة حتى في غير الأكل والشرب حرام على الرجالة والنساء، إلا في قول للشافعي مع قول داود إنما يحرم الأكل والشرب خاصة اهـ.
وفي شرح الرسالة لابن ناجي عند قول مصنفها: وعن الشرب في آنية الذهب والفضة، وذكر - أي ابن ناجي - حديث حذيفة وحديث أم سلمة في منع استعمالها، ثم قال: واعلم أن أهل المذهب ألحقوا سائر الاستعمالات بالأكل والشرب في التحريم، وذهب بعض الظاهرية
إلى قصر المنع على الشرب خاصة اهـ. قال ابن جزي في القوانين: المسألة الثالثة في أواني الذهب والفضة: واستعمالها حرام على الرجال والنساء، واختلف في جواز اتخاذها من غير استعمال إلخ، انظره إن شئت اهـ. قال خليل في المختصر عاطفا على ما حرم استماله:" وإناء نقد " قال العدوي على الخرشي: فلا يجوز فيه أكل ولا شرب ولا طهارة وإن صحت الصلاة اهـ.
وفي الإكليل " وحرم استعمال إناء نقد ذهب أو فضة لأكل أو شرب أو غسل " اهـ. وفي أقرب المسالك " وعلى المكلف مطلقا اتخاذ إناء منهما ولو للقنية " يعني أنه يحرم على المكلف ذكرا كان أو أنثى اتخاذ إناء من ذهب أو فضة ولو لم يستعمله بالفعل؛ لأنه ذريعة للاستعمال، ومن المعلوم أن سد الذرائع واجب عند الإمام، فلا يجوز اتخاذه للادخار، أو لعاقبة الدهر، ولا التزين به على رف ونحوه، بخلاف الحلي يتخذها الرجل لعاقبة الدهر فجائز، وهو ظاهر، غذ الحلي يجوز استعمالها للنساء، والإناء لا يجوز استعماله لرجال ولا نساء اهـ. قال في العمدة " ويحرم استعمال آنية الذهب والفضة، ومن تطهر منهما أثم وصح " اهـ وقال الدسوقي: " فلا يجوز فيه أكل ولا شرب ولا طبخ ولا طهارة وإن صحت الصلاة " اهـ قال النفراوي في الفواكه: واختلف في إعادة من توضأ منهما، فقيل أبدا، وقيل في الوقت، وقيل لا إعادة. والقول بالأبدية ضعيف؛ لأن الصلاة تصح بالحرام. وقال خليل:" وعصى وصحت إن لبس حريرا أو ذهبا، أو سرق، أو نظر محرما، ومن حضرته صلاة وآلة إخراج الماء من النقد فإنه لا يخرج الماء بها، بل يتركها ويتيمم، لحرمة الوضوء منها من غير نزاع " اهـ، وقد بان لك وجه قول المصنف في تحريم استعمال النقدين مع صحة العمل إذا وقع ونزل. والله الموفق الصواب.
ثم قال رحمه الله تعالى: " ويجب التحري في اشتباه الطاهر والنجس، فيتوضأ بما يغلب على ظنه طهارته. وقيل يتوضأ من أحدهما ويصلي ويغسل أعضاءه من
الثاني ثم يتوضأ به ويصلي، فإن كثرت زاد على عدد النجاسة واحدة "
يعني أنه إذا اشتبهت الأواني الطاهرة والنجسة بكالبول وجب على مريد التطهير التحري في ذلك ويستعمل الآنية التي يغلب على ظنه طهارتها، وإن لم يغلب على ظنه طهارة شيء منها تركها وانتقل إلى التيمم. وهذا هو الصحيح إن شاء الله. وقيل يتوضأ من أحدهما إلى آخر ما قال المصنف. وهي المسألة المشهورة ذات
الخلاف. قال خليل في المختصر: " وإذا اشتبه طهور بمتنجس أو نجس صلى بعدد النجس وزيادة إناء " قال الشارح الدسوقي: " وحاصل المسألة أنه إذا كان عنده ثلاثة أوان نجسة أو متنجسة واثنان طهوران، واشتبهت هذه بهذه فإنه يتوضا ثلاثة وضوءات من ثلاثة أوان عدد الأواني النجسة، ويتوضأ وضوءا رابعا من إناء رابع، ويصلي بكل وضوء صلاة، وحينئذ تبرأ ذمته " اهـ، وقال أبو البركات أحمد الدردير عليه: ويبني على الأكثر إن شك فيه، وهذا إن اتسع الوقت، وإلا تركه وتيمم إن لم يجد طهورا محققا غير هذه الأواني، وإلا تركها وتوضأ. وأما لو اشتبه طهور بطاهر فإنه يتوضأ بعدد الطاهر وزيادة إناء، ويصلي صلاة واحدة ويبني على الأكثر إن شك اهـ. وقال النظيفي في الإفادة الأحمدية: لا يصح قول من قال يصلي بعدد النجس أو المتنجس وزيادة إناء، ويبنى على الأكثر إن شك فيه، فإذا كان عدد الطهور اثنين مثلا والنجس أو المتنجس اثنين برئت ذمته بثلاث صلوات، بثلاثة وضوءات، أو ثلاث فبأربعة، أو أربع فبخمسة، وهكذا. ثم قال - أي الخرشي -: وكلام المؤلف فيما إذا اتسع الوقت، وإلا تيمم، وهكذا وقع في مجلس المذاكرة، ثم ظهر أن هذا يجري فيه الخلاف في قوله: وهل إن خاف فواته باستعماله؟ خلاف، إذ هذا من أفراده، ويأتي أن المعتمد من الخلاف القول
بالتيمم، وأنه يعتبر خوف فوات الوقت الذي هو فيه. قاله بعض اهـ الخرشي. وقال يوسف بن سعيد الصفتي: فلو اشتبه الماء المطلق بغيره فيتوضأ بعدد غير المطلق ويزيد إناء بأن كان عنده خمسة أوان من الماء المطلق، وخمسة فيها ماء غير مطلق واشتبه المطلق بغيره، فيتوضأ بخمسة أوان ويزيد إناء ويصلي ست صلوات، ويفرد كل وضوء بصلاة، ويجزم النية عند كل وضوء وصلاة، هذا إذا كان غير المطلق نجسا، فإن كان طاهرا كما ورد فيجمع الوضوءات ويصلي صلاة واحدة. وقال ابن جزي في القوانين: المسألة الرابعة في اختلاط الأواني، وإذا اشتبه إناء طاهر بنجس ولم يميز الطاهر منهما ولم يكن له غيرهما، فقيل يتيمم ويتركهما وفاقا لابن حنبل. وقيل يتوضأ بالواحد ويصلي، ثم يتوضأ بآخر ويصلي. وزاد محمد بن مسلمة: ويغسل أعضاءه بالثاني قبل أن يتوضأ به اهـ. انظر الحطاب عند قول خليل: " وإذا اشتبه طهور بمتنجس أو نجس " إلخ تجد فيه ما يشفي الغليل في المسألة. والله تعالى أعلم.
قال المصنف رحمه الله: " وإذا مات بري ذو نفس سائلة في بئر فإن تغير " أي الماء طعما أو لونا أو ريحا " وجب نزحه حتي يزول التغير " ويعود كهيئته أولا طاهرا مطهرا. قال مالك في المدونة: من توضأ بماء وقعت فيه ميتة تغير لونه أو طعمه وصلى أعاد وإن ذهب الوقت، وغن لم يتغير لون الماء ولا طعمه أعاد ما دام في الوقت اهـ.
ثم قال: " فإن زال بنفسه فالظاهر عوده إلى أصله " يعني صار الماء طهورا خلافا لابن القاسم. وقال البناني: الأرجح أنه يطهر، وهو قول ابن وهب عن مالك، واعتمد عليه المصنف والأجهوري. وقال عبد الباقي: إنه
لا يطهر، ورجح ابن رشد ما لابن وهب. وقال الصاوي على الدردير: فيه نظر اهـ.
قال المصنف رحمه الله: " وإن لم يتغير استحب النزح بحسب الماء والميتة " يعني إذا مات حيوان بري، أي منسوب للبر ضد البحر لخلقه وحياته فيه، وكان له نفس أي دم سائل في الجسد وتغير الماء فغنه يجب نزح ماء البئر التي مات الحيوان المذكور فيها جميعه؛ لأنه صار نجسا في شيء من العبادة ولا شيء من العادات، وإن لم يتغير ندب النزح بقدر الماء قلة وكثرة، والحيوان صغرا وكبرا. وأما إن وقع حيا أو طرح ميتا وأخرج فلا نزح ولا كراهة. قال ابن جزي في القوانين:" المسألة التاسعة إذا وقعت دابة نجسة في بئر وغيرت الماء وجب نزح جميعه، فإن لم تغيره استحب أن ينزح منه بقدر الدابة والماء " اهـ. وفي المختصر: " وإذا مات بري ذو نفس سائلة براكد ولم يتغير ندب نزح بقدرهما " قال الشارح المواق: " انظر قوله براكد. ونص التلقين: البري ذو النفس السائلة ينجس بالموت، وينجس ما مات فيه من مائع غيره أو لم يتغيره، ولا ينجس الماء إلا أن يغيره، إلا أنه نزح اليسير بقدر الدابة وقدر ماء البئر، وذلك توق واستحب، وإن تغير نزح حتى يزول التغير.
وفي المدونة: " إن مات بري ذو نفس سائلة بماء لا مادة له كالجب لا يشرب منها ولا يتوضأ، وينزح الماء كله بخلاف ما له مادة " ابن عرفة: تطهير ذي المادة نزع ما يطيبها أصبغ: بقدر مائه والدابة ومكثها. وفي العتبية قال مالك في ثياب أصابها ماء بئر وقعت فيه فأرة فماتت وتسلخت: يغسل الثوب وتعاد الصلاة في الوقت، ابن رشد: هذا إن كان الماء لم يتغير، وغسل الثوب إنما هو استحباب فيما لا يفسده الغسل. التلقين، فيستحب
نزح البئر التي يموت بها ذو نفس سائلة ولم يتغير بحسب كبر الدابة وصغرها. المأزري: إنما كان النزح استحبابا لأن الماء لا تؤثر فيه النجاسة إلا إذا غيرته، ولأجل قول بعضهم: إن الحي إذا مات خرجت
منه بلة على وجه الماء فينزح من الماء قدر ما يقع في النفس أنها تذهب بذهابه.
الباجي: البرك الكبار جدا لا تفسد بما يموت فيها ما لم تتغير. وفي التمهيد في الحديث الخامس عشر لإسحاق بن أبي طلحة: لا عبرة بما حل بالماء إذا لم يتغير، بدليل بئر بضاعة يطرح فيها لحوم الكلاب والعذرة وأوساخ الناس اهـ المواق.
وقال الدردير على أقرب المسالك: وإذا مات الحيوان البري في الماء القليل أو الكثير له مادة أو لا كالصهاريج وكان له نفس سائلة أي دم يجري منه إذا جرح فغنه يندب النزح منه بقدر الحيوان من كبر أو صغر، وبقدر الماء من قلة وكثرة إلى ظن زوال الفضلات التي خرجت من فيه حال خروج روحه في الماء، وينقص النازح الدلو لئلا تطفو الدهنية فتعود للماء ثانيا، والمدار على ظن زوال الفضلات، فلو أخرج الحيوان من الماء قبل موته، أو وقع فيه ميتا، أو كان الماء جاريا، أو مستبحرا كغدير عظيم جدا، أو كان الحيوان بحريا كحوت، أو بريا ليس له نفس سائلة كعقرب وذباب لم يندب النزح، فلا يكره استعماله، كما لا يكره بعد النزح. هذا لم يتغير الماء بالحيوان المذكور، فإن تغير لونا أو طعما أو ريحا تنجس، لأن ميتته نجسة اهـ.
ولما أنهى الكلام على ما يرفع الحدث وحكم الخبث وغيرهما بالماء المطلق انتقل المصنف إلى ذكر بيان النجاسة والطهارة، وما وقع فيه الخلاف بين أهل المذهب، فقال رحمه الله تعالى: