الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالله من سوء العاقبة. قلت: ما ذكره المؤلف وتبعه الشارح من تكفير المصلي بغير وضوء عامدا محمول على ترك الوضوء جحدا أو استخفافا وتهاونا بالأوامر وعدم المبالاة، كما ذكره الشارح، وأما من فعل ذلك كسلا أو عجزا أو جهلا أو نسيانا أو بالضرورة مع اعتقاده وجوب الطهارة، وهو مسلم موحد مؤمن بالله ورسوله فإنه لم يكن كافرا، ولم يخرجه ذلك من الإسلام، كما هو اعتقاد كثير من المحققين. وغاية الأمر أنه عاص لله ورسوله وتجب عليه التوبة مع وجوب إعادة الصلاة أبدا لأنها باطلة هذا هو المفهوم من كلام بعض المحققين رحمهم الله تعالى. نسأل الله أن يرزقنا العمل بالكتاب والسنة إنه ولي التوفيق.
ولما أنهى الكلام على النواقض أراد الشروع في ذكر موجبات الغسل
فَصْلٌ
في موجبات الغسل
هذا الفصل عقده المصنف رحمه الله تعالى في بيان موجبات الغسل وأنواعه، وفرائضه، وسننه، ومستحباته، وجميع أحكامه.
أما أنواع الغسل فإنه ينقسم إلى أربعة أقسام: واجب، وسنة، ومندوب، وجائز.
أما الواجب فهو غسل الجنابة. والجنابة قسمان: أحدهما خروج المنى بلذة معتادة، في نوم أو يقظة، بجماع أو غيره كما يأتي عن المصنف. والمنى هو الماء الدافق، أي يتدفق عند خروجه دفعة بعد دفعة، وغالبا لونه أبيض خاثر رائحته كرائحة الطلع أو العجين، فإن خروج بلذة معتادة من الجماع فما دونه وجب الغسل إجماعا، وإن خرج بغير لذة، أو
بلذة غير معتادة لم يجب الغسل. والثاني مغيب الحشفة أو قدرها من مقطوعها في أي فرج كان.
وأشار المصنف إلى القسم الأول من قسمي الجنابة فقال: " الغسل يوجبه خروج المني على العادة ولو في النوم " يعني أن خروج المني على وجه العادة والصحة من موجبات الغسل، سواء كان خروجه في حال اليقظة أو في النوم. قال الدردير في أقرب المسالك: يجب على الكلف غسل جميع الجسد بخروج مني بنوم مطلقا، أو يقظة إن كان بلذة معتادة من نظر أو فكر فأعلى، ولو بعدها ذهابها، وإلا وجب الوضوء فقط اهـ وقال الشارح: اعلم أن موجبات الغسل أربعة: خروج المني، ومغيب الحشفة، والحيض، والنفاس، والمراد بالمكلف البالغ العاقل ذكرا أو أنثى، فخروج المني من الذكر أو الأنثى في حالة النوم يوجب الغسل مطلقا بلذة معتادة أم لا، بل إذا انتبه من نومه فوجد المني ولم يشعر بخروجه، أو خرج بنفسه وجب عليه الغسل على ما استظهره الشيخ على الأجهوري. انظره في الصاوي اهـ.
وأشار المصنف إلى الثاني من قسمي الجنابة وهو مغيب الحشفة أو قدرها من مقطوعها في الفرج مطلقا بقوله: " و " من موجبات الغسل على المكلف " إيلاج الحشفة أو قدرها في فرج " قال الخرشي: الموجب الثاني للغسل مغيب حشفة بالغ على الفاعل والمفعول. قال عياض: الحشفة بفتح الشين: الكمرة، وهي رأس الذكر، وكذلك يجب على المرأة الغسل بإدخال ذكر البهيمة اهـ. وقال الدردير: وبمغيب الحشفة أو قدرها في فرج مطيق وإن بهيمة أو ميتا. الشارح: الموجب الثاني للغسل تغييب المكلف جميع حشفته أي رأس ذكره، أو تغييب قدرها من مقطوعها في فرج شخص مطيق للجماع قبلا أو دبرا من ذكر أو أنثى ولو غير بالغ، أو كان المطيق بهيمة أو ميتا، وعلى ذي الفرج إن بلغ، أي يجب الغسل على
صاحب الفرج المغيب فيه إن كان بالغا، وإلا فلا
يجب على غير المكلف، ولا بتغييب الحشفة في غير فرج كالأليتين والفخذين، ولا في فرج غير مطيق اهـ.
وإليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله: " وإن كان غير بالغ لم يلزمها إلا أن تنزل أو يكون مراهقا " المراهق هو الذي قارب البلوغ، فلا يجب عليه الغسل إذا وطئ زوجته، لكن ينبغي لوليه أن يأمره بالغسل استحبابا وإليه أشار المصنف بقوله:" وهل يؤمر به تمرينا قولان " وقد علمت أن المشهور من القولين أنه يؤمر به ندبا. وفي أقرب المسالك: وندب لمأمور الصلاة كصغيرة وطئها بالغ وإلا فلا.
هذا هو المعتمد. والحاصل أن الصور أربع: لأن الواطئ والموطوء إما بالغان، وإما بالغ وصغيرة، وإما صغير وبالغة، وإما صغيران: فالأولى يجب فيها الغسل عليهما اتفاقا، وفي الثانية يجب الغسل على الواطئ دون موطوءته ما لم تنزل، وكذا في الرابعة اهـ الصاوي. وبالغ المصنف في إيجاب الغسل على المرأة بقوله رحمه الله:" ولو عزل. أو وطئ بين الفخذين فسبق الماء إلى فرجها فأنزلت أو التذت لزمها " يعني أن الرجل لو عزل عن امرأته بأن جامعها ولم ينزل في فرجها بل خارج الفرج فلا غسلا عليها ما لم تنزل (1) وإن أنزلت وجب عليها الغسل. وكذا لو وطئ بين فخذيها وسبق الماء في فرجها فأنزلت لزمها الغسل. وأما لو سبق إليها والتذت من غير إنزال فلا غسل عليها خلافا لمفهوم ما للمصنف من قوله أو التذت؛ لأن معناه أو التذت بدون إنزال لزمها الغسل، مع أن التذاذها بلا إنزال لا يوجب الغسيل. لا بمني وصل للفرج ولو التذت. الخرشي يعني أنه لا يجب الغسل ولا الوضوء بمني وصل لفرج المرأة ولو التذت إلا أن تنزل فيجب عليها
(1) فقه المسألة: أن الرجل إذا جامع زوجته وعزل عنها، أي أنزل خارج الفرج، فقد وجب عليها الغسل أنزلت أو لم تنزل، لأنها إذا لم تنزل فقد وجب عليها الغسل من التقاء الختانين وهذا يتفق مع المتن ويخالف ما ذكره الشارح. (الزاوي).
حينئذ الغسل. وإنما لم يوجب الوضوء لأنه ليس بحدث ولا سبب ولا غيرهما مما ينقضه اهـ.
ثم انتقل المصنف إلى موجب آخر فقال رحمه الله تعالى: " و " من موجبات الغسل " انقطاع دم الحيض " والحيض شرعا هو الدم الخارج بنفسه من فرج المرأة الممكن حملها عادة غير زائد على خمسة عشر يوما، من غير مرض ولا ولادة. وقوله انقطاع دم الحيض، وانقطاعه يكون بالقصة البيضاء، أو الجفوف كما سيأتي
عن المصنف في فصل الحيض والنفاس ، فإذا انقطع دم الحيض وجب عليها الغسل بلا تأخير.
قال المصنف رحمه الله: " و " من موجبات الغسل أيضا انقطاع دم " النفاس " والنفاس شرعا: هو الدم الخارج من القبل بسبب الولادة غير زائد على ستين يوما، فإذا على ستين يوما فليس بنفاس، فلا تستظهر، بل تغتسل وتصلي كما يأتي عن المصنف في محله. قال الدردير متنا وشرحا: وبحيض ونفاس ولو بلا دم، ولا باستحاضة، وندب لانقطاعه. يعني الموجب الثالث والرابع الحيض ولو دفعة، والنفاس ولو خرج الولد بلا دم أصلا، ولا يجب بخروج دم الاستحاضة لكن يندب لها الغسل إذا انقطع لأجل النظافة وتطييب النفس، كما يندب غسل المعفوات إذا تفاحشت لذلك، والاستحاضة من جملتها.
قال المصنف رحمه الله تعالى " و " من موجبات الغسل على المشهور كما استحسنه ابن عبد السلام وخليل من روايتين عن مالك وهو الأقوى " خروج الولد وإن لم تر دما " خلافا للخمي القائل: فلو خرج الولد جافا لم يجب الغسل.
والمعتمد ما مشى عليه المصنف كما في أقرب المسالك. وفي الخرشي: ووجوب الغسل في حال خروج الولد بلا دم أصلا بناء على إعطاء الصورة النادرة حكم غالبها؛ لأن الغالب خروج
الولد بدم، أي معه أو قبله أو بعده لأجله، وهو المعبر عنه بالنفاس كما تقدم اهـ بزيادة إيضاح.
قال المصنف رحمه الله: " و " من موجبات الغسل على المشهور في المذهب " إسلام الكافر، ويجزيه عند اعتقاده قبل تلفظه به " يعني قد أخبر أن من موجبات الغسل إسلام الكافر، فإذا أسلم وجب عليه الغسل لأنه جنب. قال خليل: ويجب غسل كافر بعد الشهادة بما ذكر، أي بمني، أو مغيب حشفة بالغ، وبحيض ونفاس. وقول المصنف: ويجزئه أي الغسل عند اعتقاده قبل التلفظ به.
والضمير في به عائد إلى الإسلام، وهو هنا بمعنى القصد والتصديق بالقلب.
قال خليل: وصح أي غسله قبلها، أي الشهادة وقد أجمع على الإسلام، لا الإسلام، أي لا يصح الإسلام من الكافر الأصلي قبل نطقه بالشهادتين إلا لعجز يمنعه من النطق بها بنحو خرس. قال الخرشي: يعني أن الشخص الكافر ذكرا كان أو أنثى إذا أسلم وتلفظ بالشهادتين وجب عليه الغسل إذا تقدم له سبب يقتضي وجوب الغسل من جماع أو إنزال أو حيض أو نفاس للمرأة، فإن لم يتقدم له شيء منها. أي من ذلك بأن بلغ الكافر بالسن مثلا وأسلم، فلا يجب عليه الغسل على المشهور، بل يندب عند ابن القاسم. وقيل يجب غسله مطلقا تعبدا، وشهره
الفاكهاني اهـ كذا في الحطاب. وقد ثبت بهذا أن موجبات الغسل ستة: الأول: خروج المني بلذة معتادة. والثاني: مغيب الحشفة في الفرج. والثالث: انقطاع دم الحيض. والرابع: انقطاع دم النفاس. والخامس: خروج الولد ولو جافا على المشهور. والسادس: إسلام الكافر على الخلاف، وإليه ذهب المصنف وصاحب المختصر وغيرهما من أئمة المذهب. وأطلق الدردير. وقيل إن غسل الكافر للجنابة لا للإسلام، وإليه بعض المحققين، ومنهم أبو محمد. قال في الرسالة في باب جمل: والغسل على من أسلم فريضة لأنه جنب.
قلت: وإذا تحقق أنه جنب فيرجع إلى
معنى خروج المني أو مغيب الحشفة كما تقدم فتكون الموجبات للغسل خمسة. ومما يؤيد هذا ما ذكره الحطاب من قول خليل وابن بشير: أنه قال: ثم اختلف القائلون بالوجوب هل ذلك للإسلام أو لأن الكافر جنب؟ اهـ. قال الحطاب: قلت: بل القول بالوجوب للإسلام جعله الفاكهاني هو المشهور في المذهب. ونصه: الاغتسالات الواجبة خمسة: وهي الجنابة، والحيض، والنفاس، والتقاء الختانين، وإسلام الكافر على المشهور في هذا الأخير. انتهى هكذا قال في أول باب ما يجب منا الوضوء والغسل اهـ.
قال المصنف رحمه الله: " ينوي رفع الجنابة " يعني ينوي الكافر عند إرادة غسله رفع الجنابة؛ لأنه جنب، هذا إذا تقدم له موجب مما تقدم من موجبات الغسل وهذا أيضا يدل على أن الغسل للجنابة لا للإسلام كما تقدم للمصنف، وحينئذ يرجع القول بأنه للجنابة، والكافر جنب كما هو ظاهر النصوص، ولذا أطلق الشيخ أحمد الدردير في شرح مختصر خليل بقوله: سواء نوى بغسله الجنابة أو الطهارة أو الإسلام؛ لأن نيته الطهر من كل ما كان فيه حال كفره وهو يستلزم رفع الحدث اهـ. انظر الدسوقي.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " فإن عدم الماء تيمم " يعني أن الكافر إذا أراد الدخول في الإسلام ولم يجد الماء للغسل فإنه يتيمم لعموم قوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} } إلى {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا} [المائدة: 6]. فهذا عام للجنب وغيره.
ومن أراد من الكفار الدخول في الإسلام ولم يجد الماء فإنه يتيمم. قال ابن القاسم في المدونة: والنصراني عندي جنب، فإذا أسلم اغتسل، أو تيمم، فإن تيمم ثم أدرك الماء فعليه الغسل اهـ. وقال أيضا: وإذا تيمم النصراني للإسلام نوى بتيممه ذلك تيمم الجنابة اهـ.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " يبدأ بغسل يديه والأذى عن بدنه " هذا شروع