الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحرم ومثله تاسوعاء وهو تاسع محرم. قال الخرشي: والمعنى أن صيام يوم عاشوراء ويوم تاسوعاء مستحب وإنما قدم عاشوراء لأنه أفضل من تاسوعاء لأنه يكفر سنة، وقد صامه النبي صلى الله عليه وسلم قبل فرض رمضان. وأما تاسوعاء: فقد تمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم صيامه، لقوله:" لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع " رواه مسلم. وفي رواية: " فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع " فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال القرطبي في تفسيره: ولم يصم النبي صلى الله عليه وسلم قط، ببينة قوله لئن بقيت إلى قابل الحديث. وقد ذكر العلماء اثنتي عشرة خصلة مستحبة تفعل في يوم عاشوراء انظرها في الخرشي اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " والاثنين والخميس " يعني من الأيام الفاضلة التي يستحب فيها الصوم يوم الاثنين ويوم الخميس. وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الاثنين فقال: " ذلك يوم ولدت فيه وبعثت فيه وفيه أنزل القرآن " رواه أبو داود ومسلم. وصامهما رسول الله صلى الله عليه وسلم كما شهد بذلك حديث أبي قتادة. وسئل النبي عن ذلك فقال: " إن أعمال العباد تعرض يوم الاثنين ويوم الخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم " اهـ. رواه أصحاب السنن.
ثم انتقل يتكلم على
الاعتكاف
لما فيه من المناسبة بينه وبين الصوم فقال رحمه الله تعالى:
باب الاعتكاف
وفي نسخة ذكر هنا فصل بعد الباب والصواب حذفه اكتفاء بذكر الباب.
والاعتكاف لغة العكوف وهو اللزوم، وشرعا لزوم مسلم مميز مسجدا مباحا بصوم ليلة ويوما لعبادة قاصرة بنية، كافا عن الجماع ومقدماته اهـ.
وعبارة صاحب العزية:
وحقيقته اللبث في المسجد للعبادة على وجه مخصوص. وأقله يوم وليلة، وأكمله عشرة أيام. وهو من نوافل الخير اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " الاعتكاف ملازمة المسجد ليلا ونهارا مع النية والصوم مشتغلا بالعبادات " يعني أن الاعتكاف عبادة مخصوصة، وهي ملازمة المسجد، كما قال الله تعالى:{وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] مع النية والصوم مشتغلا بالعبادة المخصوصة، وهي الصلاة، وتلاوة القرآن وذكر الله تعالى كالهيللة والحمدلة، والاستغفار، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وينبغي أن يستغرق أوقاته بذلك، لأن المقصود تصفية النفس وصرفها عن شهواتها الدنيوية، كما قال رحمه الله تعالى:" تاركا للأسباب الدنيوية إلا لضرورة تحصيل طعامه " يعني كما قال مالك في المدونة، ومثله في الموطأ: المعتكف مقبل على شأنه لا يعرض لغيره مما يشغل به نفسه من التجارات أو غيرها. وقال: لا بأس أن يشتري ويبيع
الشيء الخفيف لعيشه الذي لا يشغله. وأما شراؤه أو بيعه للتجارة داخل المسجد فيكره اهـ. وفي النفراوي: فالحاصل أنه يكره بيعه أو شراؤه للتجارة مطلقا أي سواء كان خارج المسجد أو داخله، ويجوز لغيرها مما لا يستغنى عنه ولو خارجه بحيث لا يجاوز محلا قريبا يمكن الشراء منه، ويشترط أن لا يجد من يشتري له وسئل مالك: أيجلس العلماء ويكتب العلم؟ فقال: لا يفعل إلا الأمر الخفيف، والترك أحب إلي اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " واشتراطه الخروج ملغى، ويبطل بالخروج إلا لحاجة الإنسان أو طعامه، ولو لعيادة أو صلاة جنازة أو جمعة " يعني لا شرط في الاعتكاف سواء قبل الدخول أو بعده. قال ابن عرفة: وشرط منا فيه لغو. وقال خليل: وإن شرط سقوط القضاء لم يفده اهـ. وقال مالك في المدونة: لا أسمع أن أحدا من أهل العلم يذكر أن في الاعتكاف شرطا لأحد، وإنما الاعتكاف عمل من الأعمال كهيئة الصلاة والصوم
والحج، فمن دخل في شيء من ذلك فإنما يعمل فيه بما مضى من السنة في ذلك، وليس له أن يحدث في ذلك غير ما مضى عليه الأمر بشرط يشترطه أو بأمر يبتدعه، وإنما الأعمال في هذه الأشياء بما مضى فيها من السنة، وقد اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرف المسلمون سنة الاعتكاف. اهـ. ومثله في الموطأ. وقوله: ويبطل بالخروج إلخ هذا شروع في ذكر مبطلاته. أي ويبطل الاعتكاف بالخروج عن المعتكف بغير حاجة الإنسان، ولو لعيادة مريض أو لصلاة الجنازة، أو كان خروجه لجمعة كما يأتي عن قريب. ويبطل أيضا بفعل الكبائر كشرب الخمر. وبالجماع، أو مقدماته ليلا أو نهارا. ولا يصلي على على الجنازة ولو لاصقته، ولا يعود مريضا إلا إذا كان بقربة، ويكره أكله بفناء المسجد.
وكذلك فعل غير ذكر وتلاوة وصلاة.
قال رحمه الله تعالى: " ويستحب أن لا ينقص عن عشرة أيام " قال في الرسالة: وأقل ما هو أحب إلينا من الاعتكاف عشرة أيام. ومن نذر اعتكاف يوم فأكثر لزمه، وإن نذر ليلة لزمه يوم وليلة. قال خليل: ولزم يوم إن نذر ليلة، وكذا عكسه، بخلاف ما لو نذر بعض يوم أو بعض ليلة فلا يلزمه شيء، إلا أن ينوي الجوار فيلزمه ما نوى اهـ. انظر النفراوي.
قال رحمه الله تعالى: " ويجوز في كل مسجد إلا من تلزمه الجمعة فيتعين الجامع " يعني أن الاعتكاف جائز في كل مسجد من المساجد إلا من تلزمه الجمعة ونوى من الأيام التي تدركه فيها فيتعين الجامع، وإلا خرج وبطل بالخروج. قال ابن جزي: فإن نوى اعتكاف مدة يتعين عليه إتيان الجمعة في أثنائها تعين الجامع،
لأنه إن خرج إلى الجمعة بطل اعتكافه، خلافا لأبي حنيفة وابن الماجشون اهـ.
قال أبو الحسن في العزية: المسجد من أركان الاعتكاف، فلا يصح في غيره. قال شارحها: ولا يشترط كون المسجد جامعا إلا أن يكون المعتكف نوى أو نذر أياما تأخذه فيها الجمعة وكان ممن تجب عليه
فيجب عليه الاعتكاف في الجامع فيما تصح فيه الجمعة دائما، لا برحبته الخارجة عنه. وأما رحبته الداخلة فيه فيصح فيها، إذ هي عبارة عن صحن الجامع، فإن لم يخرج حرم عليه ولم يبطل اعتكافه، لأنه لم يرتكب كبيرة بناء على ما ذهب إليه الحطاب في باب الجمعة من أن تركها مرة من غير عذر صغيرة، ولا يعد مرتكبا كبيرة إلا أن يتركها ثلاث مرات متواليات خلافا لأصبغ اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ويدخل معتكفه قبل الفجر " وما ذكره المصنف من دخول المعتكف في معتكفه قبل الفجر وإن كان جائزا إلا أنه خلاف المندوب، فالمندوب الدخول قبل غروب الشمس. قال مالك في الموطأ: يدخل المعتكف المكان الذي يريد أن يعتكف فيه قبل غروب الشمس من الليلة التي يريد أن يعتكف فيها حتى يستقبل باعتكافه أول الليلة التي يريد أن يعتكف فيها اهـ. انظر شرحه للزرقاني. وقال أبو محمد في الرسالة: وليدخل معتكفه قبل غروب الشمس من الليلة التي يريد أن يبتدئ فيها اعتكافه. قال شارحها: ليستكمل الليلة. وحكم الدخول في ذلك الوقت الوجوب إن كان الاعتكاف منذورا، والندب إن لم يكن منذورا، وعلى الوجهين لو أخر دخوله ودخل قبل الفجر أجزأه، قال خليل عاطفا على المندوبات: ودخوله قبل الغروب. وصح إن دخل قبل الفجر لأنه أدرك محل النية، بل ولو دخل مع الفجر بناء على صحتها مع الفجر، لكن مع الإثم على التأخير في الاعتكاف المنذور. وإنما أجزأه مع مخالفته الواجب بناء على أن أقله يوم اهـ. قلت: وما ذكره من هذا البناء مرجوح. انظر حاشية العدوي على الخرشي.
قال رحمه الله تعالى: " فإن دخل بعده بطل " يعني إن دخل المعتكف محل اعتكافه بعد طلوع الفجر بطل اعتكافه. قال ابن جزي في القوانين: وأما زمانه فأقله يوم وليلة والاختيار أن لا ينقص عن عشرة أيام ولا حد لأقله عندهما (1). ويستحب أن يدخله قبل
(1) أي عند الشافعي وأبي حنيفة.
غروب الشمس من ليلة اليوم الذي يبدأ فيه، فإن فعل ذلك أجزأه اتفاقا، وإن دخل بعد الفجر لم يجزه، وإن دخل بين المغرب والعشاء ففي الصحة
والبطلان قولان اهـ. وفي الصاوي: قال ابن الحاجب: من دخل قبل الغروب اعتد بيومه، وبعد الفجر لا يعتد به، وفيما بينهما قولان المشهور الاعتداد. وقال سحنون: لا يعتد. وحمل بعضهم قول سحنون على النذر، والقولين بالاعتداد على النفل. ولكن المعتمد الاعتداد مطلقا نفلا أو نذرا اهـ. وما ذكره ابن جزي وابن الحاجب هو مذهب الجمهور خلافا للأوزاعي ومن معه القائلين إنما السنة أن يدخل المعتكف اعتكافه بعد صلاة الصبح مستدلين بظاهر حديث عائشة. انظر الزرقاني على الموطأ اهـ. وقال مالك في حديث أبي سعيد الخدري في الاعتكاف: إن ذلك يعجبني، وعلى ذلك رأيت أمر الناس أن يدخل الذي يريد الاعتكاف في العشر الأواخر حين تغرب الشمس من ليلة إحدى وعشرين، ويصلي المغرب فيه ثم يقيم. فلا يخرج إلى أهله حتى يفرغ من العيد. وذلك أحب الأمر إلى فيه اهـ المدونة. وما ذكره الإمام من حديث أبي سعيد من أن المعتكف لا ينصرف إلى أهله حتى يصلي العيد أشار إليه المصنف بقوله رحمه الله تعالى:" ومعتكف العشر الأواخر لا ينصرف إلى أهله إلا بعد شهود العيد " قال في الرسالة: ومن اعتكف أول الشهر أو وسطه خرج من اعتكافه بعد غروب الشمس من آخره. وإن اعتكف بما يتصل فيه اعتكافه بيوم الفطر فليبت ليلة الفطر في المسجد حتى يغدو منه إلى المصلى. قال مالك: بلغني أنه عليه الصلاة والسلام كان يفعل ذلك عند اعتكافه العشر الأواخر من رمضان اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " والمرأة كالرجل فلا يصح في بيتها " يعني أن الاعتكاف لا يصح في البيوت، بل في المساجد ولو لامرأة، فالمسجد شرط في صحته كما تقدم. قال النفراوي: فلا يصح في بيت، ولا في مسجد محجر، ولا في سطح المسجد، ولا في بيت
قناديله ولو كان المعتكف امرأة اهـ. قال الحطاب عند قول خليل ومسجد: أي في صحته بمطلق مسجد، أي مسجد مباح. قال ابن رشد: وأما الاعتكاف في مساجد البيوت فلا يصح عند مالك لرجل ولا لامرأة، خلاف قول أبي حنيفة في أن المرأة تعتكف في مسجد بيتها اهـ. وقال مالك في الموطأ: الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أنه لا يكره الاعتكاف في كل مسجد يجمع فيه ولا أراه كره الاعتكاف في المساجد التي لا يجمع فيها إلا كراهية أن يخرج المعتكف من مسجده الذي اعتكف فيه إلى الجمعة أو يدعها، فإن كان مسجدا لا يجمع فيه الجمعة ولا يجب على صاحبه إتيان الجمعة في مسجد سواه فإني لا أرى بأسا بالاعتكاف فيه، لأن الله تبارك وتعالى قال:{وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} فعم الله المساجد كلها، ولم يخص شيئا منها اهـ. ومثله في المدونة.
ثم قال رحمه الله تعالى: " ومن عرض له ما يمنعه إتمامه من مرض أو حيض ولم يمكنه المقام خرج وعليه حرمة الاعتكاف، فإذا زال عذره عاد في الفور " يعني أن المعتكف إذا عرض له عذر في أثناء اعتكافه وقبل إتمام ما نواه أو نذره، فإن كان عذره خفيفا لا يمنعه المكث في المسجد فلا يخرج، وإن كان مما يمنع المكث فيه كالحيض والإسهال والمرض الشديد وجب عليه الخروج إلى منزله، فإذا زال عنه العذر رجع إلى المسجد وقتئذ وحرمة الاعتكاف معه في حالة العذر، وإن تأخر عن المسجد بعد العذر بطل الاعتكاف. قال في الرسالة. وإن مرض خرج إلى بيته، فإذا صح بنى على ما تقدم، وكذلك إن حاضت المعتكفة وحرمة الاعتكاف عليهما في المرض، وعلى الحائض في الحيض، فإذا طهرت الحائض أو أفاق المريض في ليل أو نهار رجعا ساعتئذ إلى المسجد اهـ. قال خليل: وبنى بزوال إغماء أو جنون، كان منع من الصوم لمرض أو حيض أو عيد، وخرج وعليه حرمته، فإن أخره بطل إلا ليلة العيد أو يومه وأخر رجوعه إلى المسجد حتى مضى يوم العيد وتالياه في عيد الأضحى فإن اعتكافه
لا يبطل، بخلاف ما لو طهرت الحائض أو صح المريض وأخر كل الرجوع إلى المسجد فإن اعتكافه يبطل لصحة صوم ذلك اليوم لغيرهما، بخلاف يوم العيد فإن صومه لا يصح لأحد اهـ الخرشي.
قال رحمه الله تعالى: " وإن شرط عدم القضاء لمرض أو غيره لم يفده على المشهور " يعني كما قال الخرشي: إن المعتكف إذا اشترط ما ينافي اعتكافه، بأن قال إن حصل له مانع يوجب القضاء لا أقضى، فإن شرطه لا يفيده ويصح اعتكافه على مقتضى الاعتكاف المشروع. قال ابن عرفة: وشرط منافيه لغو. وقال صاحب الشامل: فإن شرط سقوط القضاء لحدوث مرض أو غيره لم يفده على المشهور، وثالثهما إن وقع بعد الدخول وإلا بطل اهـ. وتقدم لنا هذه المسألة عند قول المصنف واشتراطه الخروج ملغى فراجعه إن شئت.
قال رحمه الله تعالى: " ويحرم على المعتكف الاستمتاع ليلا أو نهارا لا عقد نكاح. والله أعلم " يعني كما قال مالك في الموطأ: لا بأس بنكاح المكتف نكاح الملك، ما لم يكن المسيس. والمرأة أيضا تنكح نكاح الخطبة ما لم يكن المسيس. ويحرم على المعتكف من أهله بالليل ما يحرم عليه منهن بالنهار، ولا يحل لرجل أن يمس امرأته وهو معتكف لا يتلذذ منها بقبلة ولا غيرها، ولم أسمع أحدا يكره للمعتكف ولا للمعتكفة أن ينكحها في اعتكافها ما لم يكن المسيس
فيكره. ولا يكره للصائم أن ينكح في صيامه، وفرق بين نكاح المعتكف ونكاح المحرم، أن المحرم يأكل ويشرب ويعود المريض، ويشهد الجنائز. ولا يتطيب.
والمعتكف والمعتكفة يدهنان ويتطيبان، ويأخذ كل واحد منهما من شعره، ولا يشهدان الجنائز، ولا يصليان عليها، ولا يعودان المريض، فأمرهما في النكاح مختلف، وذلك الماضي من السنة في نكاح المحرم والمعتكف والصائم اهـ. وفي المدونة:
وإن جامع في ليل أو نهار ناسيا، أو قبل أو باشر أو لامس فسد اعتكافه وابتدأه اهـ. انظر الحطاب.
ولما أنهى الكلام على دعائم الإسلام الثلاث، وهي الصلاة والزكاة والصوم وما يتعلق بجميع ذلك انتقل يتكلم على الدعامة الرابعة، وهي الحج فقال رحمه الله تعالى: