المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وقال أبو محمد في الرسالة: " ولا بأس بالانتفاع بجلدها - أسهل المدارك «شرح إرشاد السالك في مذهب إمام الأئمة مالك» - جـ ١

[الكشناوي، أبو بكر]

فهرس الكتاب

- ‌خطبة الكتاب

- ‌ترجمة المصنف

- ‌كتاب الطهارة

- ‌فَصْلٌفي أحكام الميتات وأجزائها والمسكرات وغيرها

- ‌تنبيه:

- ‌فَصْلٌفي بيان أحكام قضاء الحاجة وما يتعلق بذلك

- ‌فَصْلٌفي بيان فرائض الوضوء

- ‌سنن الوضوء

- ‌فضائل الوضوء

- ‌مكروهات الوضوء

- ‌شروط صحة الوضوء ووجوبه

- ‌فَصْلٌفي نواقض الوضوء

- ‌فَصْلٌفي موجبات الغسل

- ‌فرائض الغسل

- ‌تنبيهات:

- ‌تتمة:

- ‌فَصْلٌفي المسح على الجبيرة

- ‌فَصْلٌفي المسح على الخفين

- ‌فَصْلٌفي التيمم

- ‌فَصْلٌفي أحكام الحيض

- ‌تنبيه:

- ‌فَصْلٌفي أحكام النفاس

- ‌كتاب الصلاة

- ‌فَصْلٌفي أحكام الأذان

- ‌تنبيه:

- ‌فَصْلٌفي شروط الصلاة

- ‌فَصْلٌفي ستر العورة في الصلاة وخارجها

- ‌فَصْلٌفي أركان الصلاة

- ‌سنن الصلاة

- ‌فَصْلٌفي فضائل الصلاة

- ‌فَصْلٌفي أحكام العاجز عن القيام في الصلاة

- ‌فَصْلٌفي بيان أحكام الجمع بين المغرب والعشاء ليلة المطر

- ‌فَصْلٌفي حكم الجماعة

- ‌فَصْلٌفي من يلحق بأحكام الجماعة

- ‌فَصْلٌفي قضاء الفوائت

- ‌حكم تارك الصلاة

- ‌فَصْلٌفي سجود السهو

- ‌فَصْلٌفي أحكام الرعاف

- ‌فَصْلٌفي بيان النوافل وأوقاتها وكيفيتها

- ‌ التراويح

- ‌الوتر سنة مؤكدة

- ‌ سجود التلاوة

- ‌خاتمة:

- ‌كتاب صلاة السفر

- ‌فَصْلٌفي حكم صلاة الخوف

- ‌فَصْلٌفي صلاة الجمعة

- ‌فَصْلٌفي صلاة العيدين

- ‌فَصْلٌفي صلاة الاستسقاء

- ‌فَصْلٌفي صلاة الكسوف

- ‌كتاب الجنائز

- ‌ خاتمة:

- ‌كتاب الزكاة

- ‌فَصْلٌفي زكاة الذهب والفضة

- ‌تنبيهان:

- ‌ الإبل

- ‌فَصْلٌفي زكاة الماشية وهي الإبل والبقر والغنم

- ‌ البقر

- ‌الغنم

- ‌ الخلطة

- ‌فَصْلٌفي زكاة الحرث والثمار وما يتعلق بها من الأحكام

- ‌فَصْلٌفى زكاة الفطر ومن تلزمه

- ‌فَصْلٌفيمن تصرف له الزكاة

- ‌كتاب الصيام

- ‌فَصْلٌ فيمن يلزمه القضاء دون الكفارة

- ‌فَصْلٌفيما يندب فعله للصائم

- ‌ الاعتكاف

- ‌كتاب الحج

- ‌فَصْلٌفي مواقيت الحج والعمرة

- ‌فَصْلٌفي أركان الحج وكيفية الإحرام

- ‌ قصيدة

- ‌فَصْلٌفي الفدية وما يتعلق بها من الأحكام

- ‌فَصْلٌفي الصيد وما يترتب فيه من الجزاء وعدمه

- ‌فَصْلٌفي دماء الحج مطلقا وسن الهدي وغيره مما يجزئ وما لا يجزئ

- ‌فَصْلٌفيما يتعلق بحج الصبي والعبد والمرأة وغيرهم

- ‌فَصْلٌفي العمرة وأحكامها

- ‌خاتمةفي زيارة النبي صلى الله عليه وسلم

الفصل: وقال أبو محمد في الرسالة: " ولا بأس بالانتفاع بجلدها

وقال أبو محمد في الرسالة: " ولا بأس بالانتفاع بجلدها إذا دبغ ولا يصلي عليه ولا يباع " وقال أبو الحسن عليه: ومفهوم الشرط أنه لا ينتفع به قبل الدبغ،

وهو كذلك باتفاق. وقوله: ولا يصلي عليه ولا يباع، ظاهر يدل على أن جلد الميتة ليس بطاهر. قال العدوي:

‌تنبيه:

لا يطهر الجلد عندنا بالدبغ، وأما قوله صلى الله عليه وسلم:" أيما إهاب " أي جلد " دبغ فقد طهر " فالمراد الطهارة اللغوية، بمعنى النظافة لا الشرعية اهـ.

وفي الخرشي: يعني أن جلد الميتة والمأخوذ من الحي نجس ولو دبغ على المشهور المعلوم من قول مالك، ولا يجوز بيعه ولا يصلى عليه. قال ابن رشد: ولا يؤثر دبغه طهارة في ظاهره ولا باطنه. وفي المدونة: " ومن صلى ومعه لحم ميتة أو عظمها أو جلدها أعاد في الوقت " وأيضا قال مالك: لا يعجبني أن يصلي على جلدها وإن دبغ اهـ. وقد ظهر لك أن جلد الميتة نجس، ولا يطهر بالدباغ إنما رخص في استعماله في اليابسات والماء المطلق كما تقدم، والرخصة لا تجاوز موردها.

وأما الكيمخت، وهو جلد الحمار أو الفرس أو البغل المدبوغ توقف الإمام فيه عن الجواب في حكمه أربعين يوما لما سئل عنه، وروي في المدونة أنه قال: لا أدري. وفي العتبية أنه قال: وتركه أحب إلي. ومنشأ الخلاف استعمال الصحابة الكيمخت. قال الخرشي: واختلفوا إذا صلى به هل يعيد في الوقت أو لا؟ والخلاف المذكور مبني هل هو نجس معفو عنه أو طاهر أو مستثنى من جلد الميتة المدبوغ، ورجح في الشامل أنه نجس. وقال التتائي وأبو الحسن: إنه طاهر معفو عنه ومستثنى من جلد الميتة المدبوغ اهـ، مع زيادة إيضاح. ونقل الصاوي عن الدسوقي: واختلف في توقف الإمام هل يعد قولا أو لا؟ والراجح الثاني. وقال واعلم أن استعماله ثلاثة أقوال: الجواز

ص: 55

مطلقا في السيوف وغيرها، وهو لمالك في العتبية. والجواز في السيوف فقط، وهو لابن المواز وابن حبيب. والكراهة مطلقا، قيل هذا هو الراجح الذي رجع إليه مالك، ولكن ذكر بعضهم أن الحق أنه طاهر، وأن استعماله جائز، أما مطلقا أو في السيوف لا مكروه. قال في الأصل وجه التوقف أن القياس يقتضي نجاسته ولا سيما من جلد حمار ميت، وعمل السلف في صلاتهم بسيوفهم وجفيرها منه يقتضي طهارته، والمعتمد كما قالوا إنه طاهر للعمل لا نجس معفو عنه، مستثنى من قولهم جلد الميتة نجس ولو دبغ. وانظر ما علة طهارته؟ فإن قالوا الدبغ، قلنا يلزم طهارة كل مدبوغ، وإن قالوا الضرورة، قلنا إن سلم فهي لا تقضي الطهارة بل العفو. وحمل الطهارة في كلام الشارع على اللغوية في غير الكيمخت وعلى الحقيقة في الكيمخت تحكم، وعمل الصحابة عليهم الرضا في جزئي يحقق العمل في الباقي اهـ الصاوي. كذا في الدسوقي، انظر الحطاب والله هو الهادي إلى الصواب

قال المصنف رحمه الله تعالى: " وسؤر الحيوان وعرقه طاهر " وقد تقدم لنا هذه المسألة عند قول المصنف: " ما أفضلته البهائم " وقد شرحناه هناك فراجعه إن شئت. وأما قوله وعرقه، أي ولا خلاف في طهارة العرق ولو من كافر أو شارب الخمر، لأن كل حي طاهر سواء آدميا أو غيره، وكذلك عرقه ولعابه ومخاطه ودمعه، وبيضه غير المذر المنتن فهو نجس.

قال رحمه الله: " إلا يتناول النجاسة فيكره " يعني أن سؤر الحيوان الذي تناول النجاسة كالجلالة مكروه، كما تقدم ذكره عند ول المصنف:" وسؤر ما لا يتوقى النجاسة " فراجعه إن شئت. وأما عرق من يتناول النجاسة - ويسمى بالجلالة - فإن كان متلطخا فعرقه نجس، وإن جسده غير ملطخ بها فعرقه طاهر.

ص: 56

قال المصنف رحمه الله: " إلا ما كان فيه نجاسة ظاهرة فيكون حكم سؤره حكم ما حلته نجاسة " يعني أنه إذا ريئت النجاسة في فم الدابة أو غيرها ظاهرة فحكمه حكم الماء الذي حلت فيه النجاسة، إلا أنه يكره مع وجود غيره كما تقدم عند قول المصنف:" ويسير حلته نجاسة لم تغيره ".

وقال خليل: " وإن ريئت على فيه وقت استعماله عمل عليها " قال الحطاب: والمعنى أن شارب الخمر والحيوان الذي لا يتوقى استعمال النجاسات إذا ريئت النجاسة على فيه وقت استعماله الماء أو الطعام عمل عليها، فإن غيرت الماء ضرت باتفاق، وإن لم تغيره فيكره استعماله مع وجود غيره، لأن الكلام في الماء القليل. وأما الطعام فإنه يطرح كله إن كان مائعا، وإن كان جامدا طرح منه ما أمكن السريان فيه اهـ.

وقال الخرشي: وإن علمت على فم الحيوان السابق أو عضو من أعضائه في جميع الصور، وقت استعماله الماء أو الطعام، أو قبل الاستعمال دون غيبة يمكن زوال أثرها عمل عليها، فيفرق بين قليل الماء وكثره، وتغيره وعدمه، وبين مائع الطعام وجامده، وطول المكث وعدمه اهـ. وكذا في الدردير.

قال المصنف رحمه الله: " ويجب غسل الإناء من ولوغ الكلب في الماء سبعا " قال: " إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات " اهـ، وقول المصنف: ويجب غسل الإناء إلخ المشهور في المذهب أن ذلك مندوب. قال في أقرب المسالك: " وندب إراقة ماء وغسل إنائه سبعا بلا نية ولا تتريب عند استعماله بولوغ كلب أو أكثر، لا طعام وحوض " اهـ. يعني أنه إذا ولغ كلب أو

أكثر في إناء

ص: 57

ماء أو أكثر ندب إراقة ذلك الماء، وندب غسل الإناء سبع مرات تعبدا، إذ الكلب طاهر، ولعابه طاهر، ولا يفتقر غسله لنية لأنه تعبد في الغير، كغسل الميت، ولا يندب التتريب بأن يجعل في أولاهن أو الأخيرة أو غيرها تراب؛ لأن طرق التتريب مضطربة ضعيفة لم يعول عليها الإمام، مع كون عمل أهل المدينة على خلافه ومحل ندب غسله سبعا عند إرادة استعماله لا قبلها، والباء في قوله بولوغ سببية، والولوغ: إدخال لسانه في الماء وتحريكه أي لعقه، وأما مجرد إدخاله بلا حرمة أو سقوط لعابه أو لحسه الإناء فارغا فلا يسبغ، كما لو ولغ في حوض أو طعام ولو لبنا فإنه لا بأس به، ولا يراق ولا يغسل سبعا. وأشار بقوله: كلب أو أكثر إلى أنه لا يتعدد الغسل سبعا بولوغ كلب مرات، أو كلاب متعددة اهـ الدردير.

وقال ابن جزي في القوانين: " المسألة الثانية في سؤر الكلب، ويغسل الإناء سبع مرات من ولوغه في الماء عند الأربعة، وزاد الشافعي التعفير بالتراب. وفي وجوب هذا الغسل واستحبابه قولان. وفي إراقة ما ولغ فيه قولان. وفي نجاسة ما ولغ فيه قولان. وفي غسله سبعا ون الولوغ في الطعام قولان. وفي تكرار الغسل لجماعة الكلاب ولتكرار الكلب الواحد قولان. وفي غسله سبعا من ولوغ الكلب المأذون في اتخاذه قولان. انتهى كلام ابن جزي. وقد تقدم لك جواب تلك الأقوال فيما بيناه كما في الدردير، وهو المشهور الذي به الفتوى. أما الجواب في الكلب المأذون أنه كغيره في استحباب الغسل والإراقة مطلقا، قال الحطاب: يعني أن الغسل لا يختص بالمنهي عن اتخاذه، بل يغسل من ولوغ المأذون في اتخاذه والمنهي عن اتخاذه. وهذا هو المشهور كما صرح ابن الفاكهاني في شرح العمدة، واقتصر عليه صاحب الوافي. قاله السيد في تصحيح ابن الحاجب. وقال في الشامل هو الأصح. وقيل يختص بالمنهي عن اتخاذه، وهما روايتان، قاله ابن عرفة، والعمل بالقول الأول وهو المشهور فتأمل اهـ.

ص: 58

قال المصنف رحمه الله: " وفي إلحاق الخنزير به، وفي إناء غير الماء والانتفاع بما فيه خلاف " وفي نسخة بحذف الفاء في قوله وفي إناء إلخ؛ لأن التي قبلها نابت عنها ولا حاجة إلى إعادتها.

ثم إنه لما ذكر حكم غسل الإناء وإراقة الماء الذي ولغ فيه الكلب أراد أن يبين ما في الخنزير والإناء غير الماء إذا ولغ فيه الكلب، وهل الخنزير يلحق بالكلب فيكون حكمه كحكم الكلب أم لا، وهل الطعام كالماء أم لا؟ خلاف، فالجواب أنه إذا ولغ الخنزير لا يجب ولا يندب بولوغه غسل الإناء سبعا، ولا إراقة الماء، ولا طرح الطعام. وقد سبق آنفا عن الدردير أنه إذا ولغ الكلب في

الطعام، أو لحس الإناء فارغا فلا يسبع، كما لو ولغ في حوض أو طعام ولو لبنا فإنه لا بأس به، وكذلك لا غسل ولا إراقة بولوغ الخنزير على المشهور في المذهب. وفي الحطاب: يعني أن الغسل خاص بالكلب، فلا يغسل الإناء من غيره وهو الظاهر من المذهب. قال ابن رشد: وهو الصحيح. وقيل يلحق به الخنزير؛ وهما روايتان. قاله ابن الحاجب وابن عرفة بناء على أن الغسل للتعبد أو للقذارة اهـ. وفي الخرشي: وقوله بولوغ كلب لا خنزير أو سبع فلا يستحب الغسل اهـ. وقد ظهر أن غسل الإناء سبعا وإراقة الماء مختص بالكلب فقط لا غير على المشهور. والله أعلم.

قال المصنف رحمه الله: " ولا خلاف في نجاسة الدم المسفوح " يعني أن الدم المسفوح هو الذي يسيل عند موجبه من ذبح أو جرح أو فصد نجس. قال الله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ} [البقرة: 173]. وقال: {أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} [الأنعام: 145] وغيرهما من الآيات.

واعلم أن الدم المسفوح لا خلاف في نجاسته، وهو حرام اتفاقا لا يجوز أكله كالميتة ولحم الخنزير، فإذا أصاب الثوب أو البدن أو مكان الصلاة وجب إزالته، فإن صلى به

ص: 59

وجبت الإعادة في الوقت على المشهور إن كان الدم كثيرا كالدرهم البغلي فأكبر، وإلا فلا شيء عليه. قال في الرسالة: ويغسل قليل الدم من الثوب، أي وجوبا، وقيل ندبا وهو الصواب ولا تعاد الصلاة إلا من كثيره. وقليل كل نجاسة غيره وكثيرها سواء. ودم البراغيث ليس عليه غسله إلا أن يتفاحش اهـ.

قال خليل عاطفا على النجس: " ودم مسفوح ولو من سمك وذباب " المواق عن ابن عرفة: مسفوح الدم نجس. وقال عز الدين: ويجب غسل محل الذكاة بالماء. وقال بعض الشيوخ: يجب أن يرفع بأنف البهيمة ليخرج الدم المسفوح.

قوله ولو من سمك وذباب، قال ابن يونس: الدم عند مالك كله سواء: دم حيض أو سمك أو ذباب أو غيره يغسل قليله وكثيره اهـ. قال الحطاب: اختلف الناس في السمك هل له دم أم لا؟ فقال بعضهم: لا دم له، والذي ينفصل عنه رطوبة تشبه الدم، ولذلك لا تسود إذا تركت في الشمس كسائر الدماء، بل تبيض، لكن هذا القائل اعترض عليه، انظره في الحطاب إن شئت اهـ.

قال المصنف رحمه الله: " والأوراث والأبوال والمني توابع، إلا أن يتغذى المأكول بنجاسة فينجس روثة وبوله لا لحمه " قوله والأوراث والأبوال، جمع روث وبول وهي فضلة الحيوان التي تخرج من أحد السبيلين، آدميا أو غيره، فإن كانت مما يؤكل لحمه كالإبل والبقر والغنم فلحمها وأراثها وأبوالها طاهرة، ما لم تتغذ بنجس وإن كانت تتغذى بالنجس فلحمها طاهر، وبولها وروثها نجاسة كأوراث

محرم الأكل: الخيل والبغال والحمير والخنزير، وجميع ما يكره أكله كالسباع ونحوها فأوراثها وأبوالها نجس. وأما الطيور إن كانت تستعمل النجاسة فذرقها نجس وإلا فطاهر، وهي محمولة على الطهارة حتى يتبين خلافها. قال بعضهم:

الطير محمول على الطهارة

إن لم تكن في فمه القذارة

ص: 60

وأما ما يكره أكله كالذئب ونحوه ولبنه مكروه، وروثه وبوله نجس ولو لم يأكل النجاسة، كمحرم الأكل من الخيل وما عطف عليه. وأما الدجاج إن كانت تأكل النجاسة، كمحرم الأكل من الخيل وما عطف عليه. وأما الدجاج إن كانت تأكل النجاسة فذرقها نجس واللحم طاهر كالطير. وقال ابن جزي في القوانين الفقهية: وأما فضلات الحيوان، فإن كانت مما ليس له مقر كالدمع، والعرق واللعاب فهي طاهرة من كل حيوان، إلا أنه اختلف في لعاب الكلب وعرق ما يستعمل النجاسات، كشارب الخمر والجلالة، وإن كانت مما له مقر. فأما الأبوال والرجيع فذلك من ابن آدم نجس إجماعا إلا أنه اختلف في بول الصبي الذي لا يأكل الطعام، وأبوال سائر الحيوانات تابعة للحومها في المذهب، فبول الحيوان المحرم الأكل نجس. وبول الحلال طاهر، وبول المكروه مكروه أي تحريما. وقال الشافعي: البول والرجيع نجس من كل حيوان اهـ. وقال الدردير: ومن النجس فضلة الآدمي من بول وعذرة، وفضلة غير مباح الأكل، وهو محرم الأكل كحمار، أو مكروهة كالهر والسبع. وفضلة مستعمل النجاسة من الطيور كالدجاج وغيره أكلا أو شربا، فإذا شربت البهائم من الماء المتنجس أو أكلت نجاسة ففضلتها من بول أو روث نجسة، وهذا إذا تحقق أو ظن، وأما لو شك في استعمالها، فإن كان شأنها استعمال النجاسة كالدجاج والفأرة والبقرة الجلالة حملت فضلتها على النجاسة، وإن كان شأنها عدم استعمالها كالحمام والغنم حملت على الطهارة اهـ. وأما قول المصنف:" والأرواث والأبوال والمني توابع " ليس على عمومه عند المالكية؛ لأن المني ليس بتابع للمأكول عندهم كما هو معلوم، بل إن المني والمذي والودي نجسة ولو من مباح الأكل، ولا يقاس على بول وعذرة من مباح الأكل، فإنهما طاهران ملحقان باللحم. قال في أقرب المسالك عاطفا على النجس:" والمني والمذي والودي ولو من مباح " قال الشارح: ومن النجس المني، وهو ما يخرج عند اللذة الكبرى عند الجماع ونحوه. والمذي وهو الماء الرقيق الخارج من الذكر أو فرج الأنثى

ص: 61

عند تذكر الجماع، والودي وهو ماء خاثر يخرج من الذكر بلال لذة، بل لنحو مرض أو يبس طبيعة، وغالبا يكون خروجه عقب البول، ولو كانت هذه الثلاثة من مباح الأكل، ولا تقاس على بول اهـ. وهذا وجه عدم متابعة المني للحم المأكول فتأمل.

قال المصنف رحمه الله: " وفي لبنه وبيضه ورماد النجاسة والمستحجر من الخمر في أوانيها خلاف " قوله وفي لبنه، الضمير عائد إلى المأكول الذي يتغذى بنجاسة. يعني أن هذه الأشياء الأربعة اختلف العلماء في طهارتها ونجاستها والمشهور في المذهب الطهارة. أما اللبن من المأكول لحمه الذي يستعمل النجاسة قد تقدم أنه طاهر؛ لأن النجاسة لا تخالطه. والحاصل أن لبن المأكول لحمه كالأنعام والمكروه كالسباع طاهر ولو كان يستعمل النجاسة، لأن اللبن يخرج منها طاهرا خالصا من غير شةب ولا اختلاط بشيء من النجاسة ولا غيرها، وقد أباحه الله عز وجل في كتابه العزيز بقوله تعالى:{وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ} [النحل: 66] صدق الله العظيم. وما قاله الخرشي عند قول صاحب المختصر: ولبن غيره تابع، وهو كذلك كالمصنف. ونص الخرشي على المختصر " يعني أن لبن غير الآدمي تابع للحمه، فإن كان محرم الأكل فلبنه نجس، وإن كان مكروه الأكل فلبنه مكروه شربه. وأما الصلاة به فجائزة كما قاله ابن دقيق العيد. ولبن الجن كلبن الآدمي لا كلبن البهائم، لجواز مناكحتهم، وجواز إمامتهم ونحو ذلك اهـ. الدردير على أقرب المسالك: " ومن الطاهر لبن الآدمي ولو كافرا، ولبن غير محرم الأكل ولو كان مكروها كالهر والسبع، بخلاف محرم الأكل كالخيل والحمير فلبنه نجس " اهـ. وأما بيض الجلالة فإنه طاهر. قال في المختصر: وبيضه ولو أكل نجسا إلا المذر والخارج بعد الموت، أي إلا بيض المذر وهو

ص: 62

ما تغير بعفونة أو زرقة أو صار دما فإنه نجس، أو خارج بعد الموت فإنه نجس أيضا. وقال الحطاب: وأما العرق والبيض وكذا اللبن فالخلاف فيها معروف بالطهارة والنجاسة والكراهة، حتى من اللآدمي وشارب الخمر. قال في التوضيح: والذي اختاره المحققون الطهارة اهـ.

وقال ابن القاسم: لبن الجلالة طاهر. اللخمي: ومثله بيضها ولبن شاربة الخمر اهـ. وقال ابن جزي في القوانين: (فرع) في البيض إذا سلق فوجد فيه فرخ ميت لم يؤكل، وإذا أخرج بيضة من دجاجة ميتة لم تؤكل. وقال ابن نافع تؤكل إذا اشتدت، كما لو ألقيت في نجاسة اهـ. وأما رماد النجاسة فهو أيضا طاهر، ومثله المستحجر من الخمر في أوانيها كما تقدم عليه. انظر جواب النفراوي في أول الفصل عند قول المصنف الميتات والمسكرات إلخ. قال الدردير: وخمر خلل أو حجر، ورماد نجس ودخانه. قال الشارح: وكذا الخمر إذا خلل بفعل فاعل، أو تحجر أي صار كالحجر في اليبس بفعل فاعل يصير طاهرا، وأولى لو تخلل بنفسه أو تحجر بنفسه.

ومن الطاهر رماد النجس كالزبل والروث النجسين، وأولى الوقود المتنجس فإنه يطهر بالنار، وكذا دخان النجس فإنه طاهر. ثم قال وما مشى عليه الشيخ ضعيف، والمراد بالشيخ صاحب المختصر خليل اهـ.

قال المصنف رحمه الله تعالى: " وفي الآدمي لا خلاف في نجاسة البول والعذرة والدم وشبهه، والقيء المتغير عن حال الطعام " يعني أنه قد تقدم أن البول والعذرة من الآدمي نجسان، والدم الكثير غير معفو عنه، ولا خلاف على ذلك عند المحققين. وقوله وشبهه أي كالقيح والصديد الكثيرين وكل ما لا يعفى عنه من النجاسة. وكذا من النجس القيء المتغير عن حال الطعام فهو نجس يجب غسله عن الثوب والجسد والمكان كما تقدم.

ص: 63

قال المصنف رحمه الله: " ولا خلاف في طهارة الدمع والبصاق والمخاط واللبن " وقد تقدم الكلام في هذه الأشياء المذكورة وكلها طاهرة لا خلاف في طهارتها. وفي المدونة: وعرق الدواب وما يخرج من أنوفها طاهر. العزية: كل حي فهو طاهر آدميا أو غيره، وكذلك عرقه ولعابه ومخاطه ودمعه، والبصاق كالمخاط كما نص بعضهم عليه اهـ.

قال المصنف رحمه الله: " والمشهور نجاسة منية " أي مني الآدمي إنه نجس على المشهور، وهو كذلك كما تقدم الكلام عليه عند قول المصنف: والأرواث والأبوال والمني توابع، فراجعه إن شئت.

قال رحمه الله: " وهل ينجس بالموت قولان " يعني هل الإنسان ينجس بالموت؟ فالجواب أنه لا ينجس بالموت، بل الآدمي طاهر حيا وميتا لإكرام الله له في قوله سبحانه:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70].

والخلاف الواقع في ميتة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. قال العلامة خليل في المختصر: " والنجس ما استثنى ولو قملة وآدميا والأظهر طهارته " قال الخرشي: يعني أن ميتة القملة نجسة لأن لها نفس سائلة، بخلاف البرغوث والبعوض والذباب ونحوها فإن ميتتها طاهرة لأن دمها منقول على المشهور. وأما ميتة الآدمي ولو كافرا فهي طاهرة على المعتمد. ومذهب ابن القاسم وابن شعبان وابن عبد الحكم نجاسته. وإلى الطهارة ذهب سحنون وابن القصار، واختاره القاضي عياض وابن رشد وغيرهما من الأشياخ. وإلى اختيار ابن رشد أشار المؤلف بقوله: والأظهر طهارته. قال عياض: لأن غسله وإكرامه يأبي تنجيسه، إذ لا معنى لغسل الميتة التي هي بمنزلة العذرة، ولصلاته، عليه السلام، على سهيل بن بيضاء في المسجد، ولما ثبت أنه، عليه السلام، قبل عثمان بن مظعون بعد الموت، ولو كان نجسا لما فعل، عليه

السلام، ذلك، إلى غير ذلك. وقال الحطاب: ولم أر تشهير القول

ص: 64

المصدر به عند المؤلف، ولا من اقتصر عليه، بل أكثر أهل المذهب يحكيهما من غير ترجيح.

ومنهم من رجح الطهارة، وإن أخذ اللخمي النجاسة من المدونة فقد أخذ عياض منها الطهارة وابن هارون، وهذا الخلاف لا يدخل عندي أجساد الأنبياء، بل يجب الاتفاق على طهارة أجسادهم، والخلاف في غير الأنبياء، وأما هم فأجسادهم بل جميع فضلاتهم طاهرة. والخلاف أيضا في طهارة ميتة الآدمي ونجاستها عام في المسلم والكافر اهـ. هذا، وقد جلبت لك بعض كلام الأشياخ من الاختلاف في طهارة ميتة الآدمي ونجاسته لتكون على بصيرة لتأخذ بالمشهور الذي اعتمد عليه المحققون، ولا يدخل شك ولا ريب في ذهنك. والمشهور الطهارة والله أعلم.

قال المصنف رحمه الله: " والمسك طاهر " يعني أن المسك لا خلاف في طهارته وهو الدم المنعقد يوجد عند بعض الحيوان كالغزال، أي يشبه الغزال، قال ابن جزي في القوانين: والمسك طاهر إجماعا. قال المواق في شرح المختصر نقلا عن اللخمي: اتفقوا على طهارة المسك وإن كان خراج حيوان لاتصافه بنقيض علة النجاسة. قال إسماعيل: فأرة المسك ميتة طاهرة. الباجي: إجماعا لانتقالها عن الدم، كالخمر للخل اهـ.

قال الشيخ خليل عاطفا في الطاهر: " ومسك فإرته " الخرشي: والمعنى أن من الطاهر المسك - بكسر فسكون - وهو دم منعقد استحال إلى صلاح، وكذا فأرته وهي وعاؤه الذي يكون فيه من الحيوان المخصوص؛ لأنه، عليه السلام، تطيب بذلك، ولو كان نجسا لما تطيب به، وبعبارة أخرى: المسك - بكسر فسكون - فارسي معرب، وتسميه العرب المشموم - خراج يتولد من حيوان كالغزال المعروف، ولا فرق بينهما إلا أن لهذه أنيابا نحو الشبر كأنياب الفيلة، ورجلاها أطول من يديها، توجد في الهند كما في الحطاب وبعد أن كان دما منعقدا يستحيل مسكا طيب الرائحة. وتوقف الشيخ زروق في

ص: 65

شرحه على هذا الكتاب في جواز أكل المسك بقوله: وانظر هل يجوز أكله كاستعماله؟ انظر ذلك فإني لم أقف فيه على شيء. قال الحطاب: لا ينبغي أن يتوقف في ذلك، وهو كالمعلوم من الدين بالضرورة، وكلام الفقهاء في باب الإحرام في أكل الطعام الممسك دليل على ذلك. والله أعلم. وأما فأفتى الشيخ سالم بطهارته بعد التوقف. انتهى الخرشي مع الاختصار. وطرف من الحطاب.

قال المصنف رحمه الله تعالى: " وإذا ماتت فأرة ونحوها في سمن جامد ونحوه طرحت وما حولها " وما ذكره المصنف في موت الفأرة في السمن الجامد

وهو كذلك كما في الرسالة، إلا أن يطول مقامها فيه فإنه يطرح كله. قاله سحنون.

وأما لو ماتت في المائع كالزيت فينجس كله، وإليه أشار المصنف بقوله:" وفي مائع ينجس ولا يطهر بغسله " وما ذكره مثل ما في الرسالة، ونصها: وما ماتت فيه فأرة من سمن أو زيت أو عسل ذائب طرح ولم يؤكل، ولا بأس أن يستصبح بالزيت وشبهه في غير المساجد، وليتحفظ منه، وإن كان جامدا طرحت وما حولها وأكل ما بقي. قال سحنون: إلا أن يطول مقامها فيه فإنه يطرح كله اهـ. قال النفراوي في الفواكه: قال خليل: وينجس كثير طعام مائع بنجس قل كجامد إن أمكن السريان، وإلا فبحسبه. والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:" إذا وقعت الفأرى في السمن فإن كان جامدا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعا فلا تقربوه " رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي. ومن ذلك مسألة ابن القاسم وهي: من فرغ عسر قلال سمن في زقاق، ثم وجد بقلة فأرة يابسة لا يدري في أي الزقاق فرغها، حرم أكل جميع الزقاق وبيعها، وهو كذلك على المشهور اهـ.

قال المصنف رحمه الله: " وتطهر أواني الخمر بغسلها " وفي بعض النسخ: ولا تطهر، وهو خطأ، والصحيح ما قررناه في هذه النسخة وإن كان في ذلك قولان، قال

ص: 66

ابن جزي في القوانين: وفي طهارة الفخار من نجس غواص كالخمر قولان اهـ، وقد تقدم لنا الكلام في آنية الخمر أنها تطهر إذا تحجرت الخمر فيها أو خللت، كما نقلناه عن الشيخ أحمد النفراوي في شرح الرسالة عند قول مؤلفها: وحرم الله سبحانه شرب الخمر قليلها وكثيرها إلخ. قال الشارح المذكور: هذا حكم الخمر إذا استمرت على حالها، وأما لو تحجرت أو تخللت فإنها تطهر، ويجوز بيعها وشربها، ويطهر إناؤها تبعا لها ولو فخارا بغواص، ولو ثوبا، ويصلي به من غير غسل، بخلاف الثوب المصاب بالبول أو الدم فلا بد من غسله ولو ذهبت عين النجاسة. والفرق أن نجاسة الخمر عارضة بالشدة، ونجاسة نحو البول أصلية، ولا فرق في ذلك بين تخليلها بنفسها أو بفعل فاعل، وإن اختلف في الإقدام على تخليلها بالجواز والكراهة اهـ: انظر إن شئت بقية الكلام في الشرح المذكور.

قال المصنف رحمه الله: " ويكفي في الصقيل كالسيف مبالغة المسح " قال خليل في المختصر عاطفا على عفي عنه: وكسيف صقيل لإفساده من دم مباح اهـ.

قال الدردير: دخل بالكاف ما شابهه في الصقالة كمدية ومرآة وجوهر وسائر ما فيه صقالة وصلابة مما يفسده الغسل، يعني أن كل ما كان صلبا صقيلا وكان يخشى فساده بالغسل كالسيف ونحوه فإنه يعفى عما أصابه من الدم كفي الغزو ودم القصاص والذبح والنحر والعقر والصيد ونحوها مما هو مباح فيعفى عنه بالمسح

دون الغسل. قال بعضهم: سواء أكان الدم كثيرا أم لا، مسحه أم لا على المعتمد.

وفي التوضيح: قال مالك: ولا بأس بالسيف في الغزو وفيه دم أن لا يغسل. قال ويصلى به. قال عيسى في روايته عن ابن القاسم عن مالك: مسحه من الدم أو لم يمسحه.

قال عيسى: يريد في الجهاد أو في الصيد الذي هو عيشه. انتهى كلام التوضيح.

ص: 67