المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الجنائز وينبغي للعاقل أن يتذكر ويتفكر، ولا يتغافل عن الموت - أسهل المدارك «شرح إرشاد السالك في مذهب إمام الأئمة مالك» - جـ ١

[الكشناوي، أبو بكر]

فهرس الكتاب

- ‌خطبة الكتاب

- ‌ترجمة المصنف

- ‌كتاب الطهارة

- ‌فَصْلٌفي أحكام الميتات وأجزائها والمسكرات وغيرها

- ‌تنبيه:

- ‌فَصْلٌفي بيان أحكام قضاء الحاجة وما يتعلق بذلك

- ‌فَصْلٌفي بيان فرائض الوضوء

- ‌سنن الوضوء

- ‌فضائل الوضوء

- ‌مكروهات الوضوء

- ‌شروط صحة الوضوء ووجوبه

- ‌فَصْلٌفي نواقض الوضوء

- ‌فَصْلٌفي موجبات الغسل

- ‌فرائض الغسل

- ‌تنبيهات:

- ‌تتمة:

- ‌فَصْلٌفي المسح على الجبيرة

- ‌فَصْلٌفي المسح على الخفين

- ‌فَصْلٌفي التيمم

- ‌فَصْلٌفي أحكام الحيض

- ‌تنبيه:

- ‌فَصْلٌفي أحكام النفاس

- ‌كتاب الصلاة

- ‌فَصْلٌفي أحكام الأذان

- ‌تنبيه:

- ‌فَصْلٌفي شروط الصلاة

- ‌فَصْلٌفي ستر العورة في الصلاة وخارجها

- ‌فَصْلٌفي أركان الصلاة

- ‌سنن الصلاة

- ‌فَصْلٌفي فضائل الصلاة

- ‌فَصْلٌفي أحكام العاجز عن القيام في الصلاة

- ‌فَصْلٌفي بيان أحكام الجمع بين المغرب والعشاء ليلة المطر

- ‌فَصْلٌفي حكم الجماعة

- ‌فَصْلٌفي من يلحق بأحكام الجماعة

- ‌فَصْلٌفي قضاء الفوائت

- ‌حكم تارك الصلاة

- ‌فَصْلٌفي سجود السهو

- ‌فَصْلٌفي أحكام الرعاف

- ‌فَصْلٌفي بيان النوافل وأوقاتها وكيفيتها

- ‌ التراويح

- ‌الوتر سنة مؤكدة

- ‌ سجود التلاوة

- ‌خاتمة:

- ‌كتاب صلاة السفر

- ‌فَصْلٌفي حكم صلاة الخوف

- ‌فَصْلٌفي صلاة الجمعة

- ‌فَصْلٌفي صلاة العيدين

- ‌فَصْلٌفي صلاة الاستسقاء

- ‌فَصْلٌفي صلاة الكسوف

- ‌كتاب الجنائز

- ‌ خاتمة:

- ‌كتاب الزكاة

- ‌فَصْلٌفي زكاة الذهب والفضة

- ‌تنبيهان:

- ‌ الإبل

- ‌فَصْلٌفي زكاة الماشية وهي الإبل والبقر والغنم

- ‌ البقر

- ‌الغنم

- ‌ الخلطة

- ‌فَصْلٌفي زكاة الحرث والثمار وما يتعلق بها من الأحكام

- ‌فَصْلٌفى زكاة الفطر ومن تلزمه

- ‌فَصْلٌفيمن تصرف له الزكاة

- ‌كتاب الصيام

- ‌فَصْلٌ فيمن يلزمه القضاء دون الكفارة

- ‌فَصْلٌفيما يندب فعله للصائم

- ‌ الاعتكاف

- ‌كتاب الحج

- ‌فَصْلٌفي مواقيت الحج والعمرة

- ‌فَصْلٌفي أركان الحج وكيفية الإحرام

- ‌ قصيدة

- ‌فَصْلٌفي الفدية وما يتعلق بها من الأحكام

- ‌فَصْلٌفي الصيد وما يترتب فيه من الجزاء وعدمه

- ‌فَصْلٌفي دماء الحج مطلقا وسن الهدي وغيره مما يجزئ وما لا يجزئ

- ‌فَصْلٌفيما يتعلق بحج الصبي والعبد والمرأة وغيرهم

- ‌فَصْلٌفي العمرة وأحكامها

- ‌خاتمةفي زيارة النبي صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌ ‌كتاب الجنائز وينبغي للعاقل أن يتذكر ويتفكر، ولا يتغافل عن الموت

‌كتاب الجنائز

وينبغي للعاقل أن يتذكر ويتفكر، ولا يتغافل عن الموت وما بعده لأنه يأتي لا محالة. وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أكثروا ذكر هاذم اللذات الموت " رواه الترمذي والنسائي وابن حبان، وفي الرسالة: والفكرة في أمر الله مفتاح العبادة، فاستعن بذكر الموت والفكرة فيما بعده، وقد أوضح المصنف في هذا الكتاب كيفية ما يفعل بالميت من إغماضه إذا قضى بنزع روحه، وغسله، وتكفينه، وتحنيطه، وحمله إلى قبره بعد الصلاة عليه، ودفنه هناك، وما يتعلق به من مؤن التجهيز فقال رحمه الله تعالى:" يوجه المختصر إلى القبلة " المحتضر من حضره الموت. قال النفراوي: لأن القبلة أفضل الجهات. وفيه التفاؤل بأنه من أهلها، ولما روي عن عمر، رضي الله عنه، أنه قال لابنه: إذا حضرتني الوفاة فاصرفني إلى القبلة. ومثله عن علي، رضي الله عنه. . والمستحب في صفة الاستقبال أن يجعل على جنبه الأيمن وصدره إلى القبلة، كما يستحب أن يوضع في قبره على جنبه الأيمن مستقبلا. وهذا بخلاف للغسل، فيستحب وضعه على جنبه الأيسر ليبدأ بغسل الجنب الأيمن.

ومقدمات الموت إحداد بصره، وشخوصه إلى السماء. قال خليل عاطفا على المندوب: وتقبيله عند إحداده على أيمن ثم ظهر، ويكره أن يستقبل به القبلة قبل ظهور علامات الموت كما يفعله العوام، فإن ذلك يؤذي المريض اهـ قال رحمه الله تعالى:" ويلقن الشهادتين ويقرأ عنده يس " يعني يستحب أن يلقن المحتضر بأن يقول الجالس عنده: لا إله إلا الله محمد رسول الله. قال النفراوي ولو لم يقل أشهد، ولا بد من جمع محمد رسول الله مع لا إله إلا الله، إذ العبد لا يكون مسلما إلا بهما. والأصل في ذلك قوله

ص: 347

صلى الله عليه وسلم: " لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ليكون ذلك آخر كلامه " فإن قالها مرة ثم تكلم بغيرها أعيدت، فإن لم يتكلم ترك. قاله زروق اهـ قوله ويقرأ عنده يس، والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:" اقرأوا على موتاكم يس " رواه أبو داود والنسائي. وفي الرسالة: وأرخص بعض العلماء في القراءة عند رأسه بسورة يس ولم يكن ذلك عند مالك أمرا معمولا به. قلت والأفضل قراءتها للمحتضر عند رؤية علامة الموت، لخبر: " إذا قرئت عليه سورة يس بعث الله ملكا

لملك الموت أن هون على عبدي الموت " وحديث أبي الدراء: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من ميت تقرأ عنده سورة يس إلا هون الله عليه " اهـ.

ثم قال رحمه الله تعالى: " فإذا قضى أغمض وشد لحياه وسجي " يعني إذا مات يستحب إغلاق عينيه برفق، بأن يأخذ الماء ويمسح به على عيني الميت، ويستحب أن يتولى ذلك من هو أحب وأرفق به من أوليائه. ويستحب شد لحييه بعصابة ويربطهما من فوق رأسه لينطبق فاه؛ لأن عدم إغماضه وشد لحييه يقبح منظره اهـ. قال ابن جزي: فإذا قضى غمضت عيناه، ووجب له أربعة حقوق: أن يغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن. قوله: وسجي أي غطي بثوب زيادة على ما عليه حال الموت، ويستحب تليين مفاصله برفق عقب الموت فيرد ذراعيه لعضديه وفخذيه لبطنه تسهيلا على الغاسل اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " ثم يؤخذ في غسله فيرفع على سرير ويجرد الرجل وتستر عورته " يعني ثم يشرع في الغسل بأن يوضع على شيء مرتفع كسرير وتستر عورته وجوبا. قال خليل: وستر الغاسل من سرته لركبته عنه وعن غيره من الأجانب عند تجريده للغسل. ومحل الوجوب إذا كان الغاسل غير سيد وغير زوج وإلا ندب فقط. والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " لا ينظر لفخذ حي ولا ميت " وصفة سترها

ص: 348

أن يلف خرقه ويضعها على قبله، ثم يجعل ثوبا آخر بدبره. وأما غسل المرأة للمرأة فإنها تستر من سرتها إلى ركبتها. ولا يطلع على المغسول غير غاسله والمعين له، قاله النفراوي اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " ويوضأ ويغسل كالجنب، يكرر وترا إحداهن بالماء القراح، ويجعل في بعضهن سدر إن احتاج إلى ذلك، وفي الأخيرة كافور، ولا تباشر عورته إلا لضرورة ويعصر بطنه برفق، ولا يؤخذ له ظفر ولا شعر، ولا يحضره إلا من يساعد في غسله " يعني يستحب أن يوضأ الميت قبل الشروع في تغسيله. قال في الرسالة: وإن وضئ وضوء الصلاة فحسن، وليس بواجب اهـ.

قوله كالجنب، أي كغسل الجنابة سواء، إلا أن هذا لا يحتاج إلى نية بخلاف الجنابة. قواه: يكرر وترا أي يستحب أن يغسل الميت وترا ثلاثا أو خمسا أو سبع غسلات. قال مالك: وليس لغسل الميت عندنا شيء موصوف، وليس لذلك صفة معلومة، ولكن يغسل فيطهر. قاله في الموطأ. ومثله في الرسالة. ونصها: وليس في غسل الميت حد ولكن ينقى ويغسل وترا بماء وسدر، ويجعل في الأخيرة كافور كما ذكره المصنف. وقوله بالماء القراح: بفتح القاف الذي لا يشوبه شيء كما مر في الماء المطلق. والمراد بالغسل أن ينقى بالماء الطاهر ولو ماء زمزم فإنه

يجوز أن يغسل الميت به على المشهور، لما يرجى فيه من البركة للميت. والمشهور أن الغسل تعبدي. وقوله: ويعصر بطنه برفق إلخ وفي الرسالة: ولا تقلم أظفاره، ولا يحلق شعره، ويعصر بطنه عصرا رفيقا إلى أن قال: ويقلب لجنبه في الغسل أحسن، وإن أجلس فذلك واسع اهـ.

ثم قال رحمه الله تعالى: " يتولى ذلك الغسل في الرجل الرجال وفي المرأة النساء. فإن لم يكن فالمحارم وراء ثوب؛ فإن لم يكن يممته أجنبية إلى المرفقين وييممها إلى الكوعين " يعني يتولى غسل الميت الرجال إن كان رجلا، ويتولى ذلك النساء إن

ص: 349

كانت امرأة. قال مالك في المدونة. في الرجل يموت في السفر وليس معه إلا نساء أمه أو أخته أو عمته أو خالته أو ذات رحم محرم منه فإنهن يغسلنه ويسترنه.

قال وكذلك المرأة تموت في السفر مع الرجال ومعها ذو رحم محرم منها يغسلها من فوق الثوب. وهذا إذا لم يكن نساء، وفي المسألة الأولى إذا لم يكن رجال ، وقال مالك: إذا مات الرجل مع النساء وليس معهن رجل ولا منهن ذات محرم منه تغسله ييممنه بالصعيد، فيمسحن بوجهه ويديه إلى المرفقين، يضربن بأكفهن الأرض ثم يمسحن بأكفهن على وجه الميت، ثم يضربن بأكفهن الأرض، ثم يمسحن بأكفهن على يدي الميت إلى الرفقين. قال وكذلك المرأة تموت مع الرجال إلا أن الرجال لا ييممون المرأة إلا إلى الكوعين فقط ولا يبلغون بها المرفقين اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " وإباحة الاستمتاع إلى حين الموت يبيح الغسل من الجانبين، فلو مات فوضعت جاز لها غسله، ولو أبانها فمات لامتنع. وفي الرجعية خلاف " يعني أن إباحية الاستمتاع إلى حين الموت تبيح الغسل لأحد الجانبين. قال الدردير: وقدم الزوجان بالقضاء إن صح النكاح ولو بالفوات. وإباحة الوطء برق تبيح الغسل بلا قضاء اهـ. وفي الرسالة: ولا بأس بغسل أحد الزوجين صاحبه من غير ضرورة. قال النفراوي: والمعنى أن الحي من أحد الزوجين يقدم في تغسيل صاحبه بالقضاء على أقارب الميتة وعلى من أوصته أيضا. ويندب له القيام بأخذ حقه. والدليل على ما ذكر أن أسماء بنت عميس غسلت زوجها أبا بكر وهو خليفة، وأن أبا موسى الأشعري غسلته زوجته. وأوصت فاطمة عليا أن يغسلها، فكان يصب الماء على أسماء المذكورة وهي تغسلها، وما هذا إلا لثبوت حق الحي في التغسيل.

قال في التوضيح: وفي حكم الزوجين السيد مع أمته وأم ولده. قال خليل: وإباحة الوطء للموت برق تبيح الغسل من الجانبين، بخلاف المكاتبة والمبعضة، والمعتقة لأجل والمشتركة، فلا يحل للحي منهما تغسيله لحرمة الاستمتاع بهن. وتقديم السيد على أولياء

ص: 350

الأمة بالقضاء، بخلاف الأمة فلا يقضي لها بالتقديم على أولياء سيدها

اهـ. قوله: ولو أبانها إلخ أما البائنة فلا يجوز للبائن تغسيلها ولا هي له كالرجعية، ولا تغسيل لواحد منهما على الآخر. قال الخرشي: وهو مذهب المدونة اهـ.

ثم قال رحمه الله تعالى: " فإذا فرغ نشف بخرقة وأدرج في أكفانه " والمعنى أنه يندب بعد الفراغ من الغسل تنشيف الميت بخرقة نظيفة قبل إدراجه في الكفن بدون تأخير كما سيأتي صفة تحنيطه وإدراجه على وجه الاستحباب. قال رحمه الله تعالى: " وكفنه ومؤنته واجبان في ماله وسطا بالمعروف مقدما على الديون والوصايا، فإن كان عديما ففي بيت المال، فإن لم يكن فعلى المسلمين " يعني قد بين مخرج الكفن بقوله: وكفنه ومؤنته إلى آخره. وفي المدونة: وكذلك تكفينه أيضا واجب، ويتعين في ماله من رأس المال إن كان له مال، ثم على من يلزمه ذلك من سيد إن كان عبدا باتفاق، أو زوج أو أب أو ابن على اختلاف، وهو مذكور مسطور في الأمهات. ثم على جميع المسلمين على الكفاية. والذي يتعين منه تعين الفرض ستر العورة. وما زاد على ذلك فهو سنة، فإن تشارح الأولياء فيما يكفنونه به قضى عليهم أن يكفنوه في نحو ما كان يلبسه في الجمع والأعياد، إلا أن يوصي بأقل من ذلك فتتبع وصيته، وإن أوصى أن يكفن بسرف فقيل إنه يبطل الزائد. وقيل إنه يكون في الثلث. وما يستحب في صفة الكفن وما يتقى منه مذكور في الأمهات فلا معنى لذكره اهـ المدونة. وفي أقرب المسالك: وهو من مال الميت كمؤن التجهيز تقدم على دين غير المرتهن، فعلى المنفق بقرابة أو رق لا زوجية، فمن بيت المال، فعلى المسلمين. والواجب ستر العورة والباقي سنة. ومثله في المختصر اهـ. وفي الرسالة آخر باب النفقة: وعليه أن ينفق على عبيده ويكفنهم إذا ماتوا. واختلف في كفن الزوجة فقال ابن القاسم في مالها. وقال عبد الملك في مال الزوج. وقال سحنون إن كانت مليئة ففي مالها، وإن كانت فقيرة ففي مال الزوج اهـ.

ص: 351

ثم قال رحمه الله تعالى: " وأقله ثوب يدرج فيه " قال النفراوي قال خليل: هل الواجب ثوب يستره، أو ستر العورة والباقي سنة؟ والراجح الأول، وهو ستر جميع الجسد. والخلاف في الذكر. وأما المرأة فيجب ستر جميع جسدها. وأما التكفين وهو إدراج الميت في الكفن فواجب اتفاقا، كمواراته في التراب اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " وأكمله للرجل خمسة: قميص، وإزار، وعمامة، ولفاقتان. وللمرأة سبعة: حقو، وقميص، وخمار، وأربع لفائف " قال النفراوي: واختلف العلماء في قول عائشة: كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب إلخ ليس فيها قميص ولا عمامة، فحمله الشافعي على أن ذلك ليس بموجود في الكفن. وقال:

فيسن للرجل ثلاثة أثواب خاصة ليس فيها قميص ولا عمامة. وحمله أبو حنيفة ومالك على أنه ليس بمعدود بل يحتمل أن تكون الثلاثة الأثواب زيادة على القميص والعمامة، فنقل عنهما استحباب زيادة القميص والعمامة اهـ. قال في الرسالة: ويستحب أن يكفن الميت في وتر: ثلاثة أثواب، أو خمسة، أو سبعة.

وما جعل له من أزرة وقميص وعمامة فذلك محسوب في عدد الأثواب الوتر اهـ.

ثم قال رحمه الله تعالى: " وهو تابع للنفقة وفي الزوجة الموسرة قولان. قيل عليها وقيل عليه " وتقدم قول أئمة المذهب واختلافهم في هذه المسألة كما نقله صاحب الرسالة فراجعه إن شئت.

قال رحمه الله تعالى: " ويستحب تجميره ويذر الحنوط على كل لفافة وعلى مفاصله ومساجده، ويلضق على منافذه قطن محنط، فإذا أدرج شد عند رأسه ووسطه ورجليه " قوله: تجميره بالجيم المعجمة أي تبخيره بالعود وغيره. قال في الرسالة: وينبغي أن يحنط ويجعل الحنوط بين أكفانه وفي جسده ومواضع السجود اه ـ. النفراوي: وصفة اإدراج أن تبسط الوافية أولا ويجعل عليها الحنوط أي الطيب،

ص: 352

ثم تجعل التي تليها في القصر عليها ويجعل عليها الحنوط، ثم يوضع الميت عليها بعد تجفيفه بخرقة نظيفة، ثم يلف عليه الكفن ويربط من عند رأسه ورجليه ويحل عند الدفن اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " ثم يحمل على نعشه إلى المصلى، والمشي أمامه أفضل " يعني ثم بعد إدراجه في أكفانه رشد ما ذكر فيحمل على السرير إلى موضع الصلاة الذي كانوا يصلون فيه على الجنازة عادة، كالمصلى كما قال المصنف رحمه الله تعالى. وقال صاحب الرسالة: والمشي أمام الجنازة أفضل. قال الشارح لما روي من " أنه صلى الله عليه وسلم كان يمشي أمام الجنازة والخلفاء بعده " ولأنه شافع وحق الشافع أن يتقدم، فالمشي أمامها محصل لفضيلتين المشي والتقدم ، ويكره الركوب إلا لعذر أو بعد الدفن فلا بأس به حينئذ. وهذا في حق الرجال الماشين. وأما في حق النساء والراكبين فالمندوب في حقهم التأخر. قال خليل: ومشي مشيع، وإسراعه، وتقدمه، وتأخر راكب وامرأة. وإنما استحب اإسراع بالجنازة لخبر " أسرعوا بجنائزكم فإنما هو خير تقدمونهم إليه أو شر تضعونه عن رقابكم ". ثم إذا وصلوا به المصلى وضعوه هناك وصلوا عليه.

قال رحمه الله تعالى: " فيصلى عليه، وهي فرض كفاية " أي على المشهور قال في الرسالة: والصلاة على موتى المسلمين فريضة يحملها من قام بها، وكذلك

مواراتهم بالدفن، وغسلهم سنة واجبة اهـ. وقال المواق: وأما الخلاف في الصلاة عليه فقال عياض: الصلاة على الجنائز من فروض الكفاية، وقيل سنة وروى الجلاب عن مالك هي فرض كفاية. وقال الخرشي: وكذلك اختلف هل الصلاة عليه واجبة وجوب الكفاية؟ وعليه الأكثر، وشهره الفاكهاني وغيره، أو سنة. وأما دفن الميت أي مواراته وكفنه كفاية من غير خلاف إلا ابن يونس فإنه حكى سنية كفنه، ولذا قدم المؤلف ذكر الدفن

ص: 353

على الكفن وإن كان متأخرا عنه في الوجود اهـ. وفي أقرب المسالك كما في المختصر: غسل الميت المسلم المستقر الحياة غير شهيد المعترك بمطلق كالجنابة، والصلاة عليه فرض كفاية، ككفنه ودفنه اهـ. وقال ابن رشد في المقدمات: وأما الصلاة عليه فقيل إنها فرض على الكفاية، كالجهاد يحمله من قام به، وهو قول ابن عبد الحكم إلى أن قال: قد اختلف في وجوب القول به. وقيل إنها سنة على الكفاية وهو قول أصبغ اهـ.

ثم ذكر رحمه الله كيفية الصلاة عليه بقوله: " يكبر أربع تكبيرات ليس فيها قراءة، بل يثنى على الله تعالى عقيب الأولى، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم عقيب الثانية، ويدعو عقيب الثالثة " قال في الفقه على المذاهب الأربعة في صفة الصلاة على الميت في مذهب المالكية قالوا صفتها أن يقوم المصلي عند وسط الميت إن كان رجلا، وعند منكبيها إن كانت امرأة، ثم ينوي الصلاة على من حضر من أموات المسلمين، ثم يكبر تكبيرة الإحرام مع رفع يديه عندها كما في الصلاة، ثم يدعو أي يثني على الله كما تقدم، ثم يكبر تكبيرة ثانية بدون رفع يديه، ثم يدعو أيضا أي يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يكبر ثالثة بدون رفع يديه، ثم يدعو، ثم يكبر رابعة بدون رفع يديه ثم يدعو، ثم يسلم تسليمة واحدة على يمينه يقصد بها الخروج من الصلاة كما تقدم في الصلاة. ولا يسلم غيرها ولو كان مأموما، ويندب الإسرار بكل أقوالها إلا الإمام فيجهر بالتسليم والتكبير ليسمع المأمومين كما تقدم. ويلاحظ في كل دعاء أن يكون مبدوءا بحمد الله تعالى وصلاة على نبيه عليه الصلاة والسلام اهـ.

ثم قال رحمه الله تعالى: " والمستحب " أي المختار من الأدعية " اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك كان يشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك وأنت أعلم به، اللهم إن كان

ص: 354

محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده. وفي المرأة اللهم إنها أمتك. وفي الطفل اللهم اجعله سلفا وفرطا وذخرا وشفيعا لوالديه ولمن شيعه ومن صلى عليه والحقه بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. ويسلم عقيب

الرابعة " هذا الدعاء من المستحسنات. والذي في الرسالة أشمل منه وأحسن وهو: الحمد لله الذي أمات وأحيا والحمد لله الذي يحيي الموتى؛ له العظمة والكبرياء، والملك والقدرة والسناء، وهو على كل شيء قدير. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت ورحمت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك، أنت خلقته ورزقته وأنت أمته زأنت تحييه وأنت أعلم بسره وعلانيته جئناك شفعاء له فشفعنا فيه. اللهم إنا نستجير بحبل جوارك له إنك ذو وفاء وذمة، اللهم قه من فتنة القبر ومن عذاب جهنم اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه وعافه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بماء وثلج وبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه. اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه. اللهم إنه قد نزل بك وأنت خير منزول به؛ فقير إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه. اللهم ثبت عند المسألة منطقة ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به. اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده. تقول هذا بإثر كل تكبيرة. وتقول بعد الرابعة: اللهم اغفر لحينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا إنك تعلم منقلبنا ومثوانا، ولوالدينا ولمن سبقنا بالإيمان وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام، وأسعدنا بلقائك وطيبنا للموت وطيبه لنا، واجعل فيه راحتنا ومسرتنا. ثم تسلم. وإن كانت امرأة قلت: اللهم إنها أمتك، ثم تتمادى بذكرها على التأنيث اهـ.

قال النفراوي: وهذا الدعاء اختاره

ص: 355

المصنف، يعني صاحب الرسالة لما قيل من أن بعضه مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضه عن بعض الصحابة والتابعين، فلا ينافي أنه غير متعين، بل الأفضل دعاء أبي هريرة كما تقدمنا، وإن كان يكفي مطلق دعاء، بل لو قال المصلي على الجنازة: اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه لكفى وإن صغيرا اهـ. قلت كما في الثمر الداني؛ لأن الأدعية المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم والمروية عن أصحابه، رضي الله تعالى عنهم، في ذلك مختلفة، منها ما اختاره مالك في الموطأ وهي التي ذكرها المصنف هنا، لأنها حازت فضيلة الاختصار لمن اقتصر عليها، أنها سهلة على المصلي. وذلك كله واسع. نسأل الله حسن القبول.

ثم قال رحمه الله تعالى: " ولا يصلى على سقط لم يستهل صارخا " قال مالك في المدونة: لا يصلى على الصبي، ولا يرث ولا يورث، ولا يسمى، ولا يغسل ولا يحنط حتى يستهل صارخا. وهو بمنزلة من خرج ميتا. وفيها أيضا عن ابن شهاب لا يصلى على السقط، ولا بأس أن يدفن مع أمه، وفي الرسالة ولا يصلى على من لم يستهل صارخا. قال النفراوي: بأن نزل من بطن أمه ميتا. وقال

خليل عاطفا على المكروه: ولا سقط لم يستهل، ولو تحرك، أو عطس، أو بال، أو رضع إلا أن تتحقق الحياة، وغسل دمه، ولف بخرقة وووري. وحكم غسل الدم الندب. وحكم المواراة واللف بخرقة الوجوب. ولا يسأل، ولا يبعث، ولا يشفع إن لم تنفخ فيه الروح. والنهي عن الصلاة فيه نهي الكراهة، وأما القتيل في سبيل الله فالنهي فيه نهي التحريم. وكذا الغسل. قال مالك في المدونة: الشهيد في المعترك لا يغسل، ولا يكفن، ولا يحنط، ولا يصلى عليه، ويدفن بثيابه لقوله صلى الله عليه وسلم:" زملوهم بكاومهم فإنهم يبعثون يوم القيامة اللون لون الدم والريح ريح المسك " ولذلك قال رحمه الله تعالى: عاطفا على سقط.

" ولا قتيل في سبيل الله ولا يغسل " قد تقدم الكلام فيه آنفا فراجعه

ص: 356

إن شئت. قال رحمه الله تعالى: " ولا على قبر " أي يصلى على قبر الميت إذا دفن بدون صلاة بعد الغسل خلافا لما في الرسالة، ونصها: ومن دفن ولم يصل عليه وووري فإنه يصلى على قبره. قال شارحها قال خليل: ولا يصلى على قبر إلا أن يدفن بغيرها فيصلى على القبر، ظاهره ولو كان عدم الصلاة عمدا، كما أن ظاهره أن مجرد تمام الدفن مجوز للصلاة على القبر، وليس كذلك، بل يجب إخراجه ولو تم دفنه إلا أن يخشى تغيره. قال ابن رشد: والفوات الذي يمنع إخراج الميت من قبره للصلاة عليه خشية تغيره. قاله ابن القاسم وسحنون وعيسى. ومحل طلب الصلاة على القبر عند خشية تغيره إذا ظن بقاؤه أو شك فيه. وأما لو تيقن ذهابه ولو بأكل سبع، فإنه لا يصلى عليه. وقولنا بعد الغسل للاحتراز عما لو دفن قبل غسله فإنه لا يصلى على قبره ويجب إخراجه للغسل إلا أن يخشى تغيره فيسقطان لتلازمهما. قال العلامة الأجهوري في شرح خليل: المفهوم من كلام ابن رشد أن المدفون من غير غسل أو من غير صلاة يخرج ما لم يخرج ما لم يخف تغيره اهـ.

ثم قال رحمه الله تعالى عاطفا على سقط: " ولا على غائب ولا تكرر " أي تطره الصلاة على شخص غائب من غريق وأكيل سبع، وميت في محل أو بلد آخر.

وصلاته عليه الصلاة والسلام على النجاشي من خصوصياته على المشهور. قال ابن جزي في الشرط الخامس في الصلاة على الميت أن يكون حاضرا، فلا يصلى على غائب عند الجمهور، يعني جمهور أهل المذهب. انظر شراح خليل عند قوله: ولا غائب. وقوله: ولا تكرر أي تكرر الصلاة على الميت مرتين أو أكثر إذا صلت عليه جماعة على المشهور. قال في الرسالة: ولا يصلى على من قد صلى عليه، أي على جهة الكرامة. قال النفراوي: وأما لو صلي عليه منفردا لندب صلاة الجماعة عليه. وفي الفقه على المذاهب الأربعة: يكره تكرار الصلاة على الجنازة، فلا يصلى

عليها إلا مرة واحدة حيث كانت الصلاة الأولى جماعة، فإن صلي عليها أولا بدون جماعة أعيدت ندبا في جماعة ما لم تدفن، خلافا للشافعية

ص: 357

والحنابلة القائلين بجواز تكرار الصلاة لمن لم يصل أولا ولو بعد الدفن، انظر قولهما إن شئت اهـ.

ثم قال رحمه الله تعالى: " ويكره الصلاة لأهل الفضل على أهل البدع والأهواء، أو مقتول في حد " قال في المدونة: لا يصلى على المبتدعة، ولا يعاد مرضاهم، ولا تشهد جنائزهم أدبا لهم، فإن خيف ضيعتهم غسلوا وكفنوا وصلى عليهم غير أهل الفضل. قال خليل عاطفا على المكروه: وصلاة فاضل على بدعي أو مظهر كبيرة، والإمام على من حده القتل بحد أو قتل وإن تولاه الناس دونه، وإن مات قبله فتردد. فالحاصل أنه يكره صلاة الفاضل والصالح على البدعي ونحوه، كما كره صلاة الإمام على المقتول بحد أو قود. وإن مات قبل تنفيذ ذلك عليه خوفا من القتل، قال اللخمي: لا يصلى عليه وقال أبو عمران يصلى عليه.

قال المواق: والأول أظهر بناء على أن سبب عدم الصلاة عليه حكم الإمام بقتله، فكراهية الصلاة عليه باقية ولو مات قبل تنفيذ حد أو قود. وأما أصل الصلاة عليه فهي فرض كفاية إلا أنه لا يصلي عليه الإمام وكما لا يصلي أهل الفضل على البدعي. والدليل أي في الصلاة عليهم للحكم بإسلام الجميع، وقد قال صلى الله عليه وسلم:" صلوا عن من قال: لا إله إلا الله " أي ومحمد رسول الله. وفي الرسالة: ويصلى على قاتل نفسه. ويصلى على من قتله الإمام في حد أو قود، ولا يصلي عليه الإمام. قال النفراوي: وأشار إلى أن الذي يباشر الصلاة على أرباب العاصي غير أهل الفضل والصلاح. والمراد يكره لهم ذلك اهـ مع إيضاح.

ثم قال رحمه الله تعالى: " ويصلى على أكثر الجسد، وفي أقله خلاف " يعني اتفق أهل المذهب على الصلاة على أكثر الجسد كالثلثين، واختلفوا في أقله، والصحيح عدم الصلاة عليه. وقال في الرسالة: ويصلى على أكثر الجسد، واختلف في الصلاة على مثل اليد والرجل قال أبو الحسن: ولا يصلى على نصف الجسد عند ابن القاسم. قال العدوي: هذا هو المعتمد. وقال الصاوي على أقرب المسالك: ولا تجب الصلاة عليه إلا

ص: 358

إذا وجد الثلثان فأكثر، ويلغى الرأس، فالعبرة بثلثي الجسد كان معهما رأس أم لا، فإن وجد أقل من الثلثين ولو معه الرأس كره تغسيله والصلاة عليه اهـ. وقال ابن جزي في الشرط الثالث: أن يوجد جسده أو أكثره، فلا يصلى على عضو، خلافا للشافعي اهـ.

ثم قال رحمه الله تعالى: " وتكره عند الطلوع والغروب إلا أن يخاف تغيره " يعني أن صلاة الجنازة مكروهة عند طلوع الشمس وعند غروبها إلا أن يخاف

تغيرها فتجوز. قال مالك في المدونة: لا بأس بالصلاة على الجنازة بعد العصر ما لم تصفر الشمس، فإذا اصفرت الشمس فلا يصلى على الجنازة إلا أن يكونوا يخافون عليه. وقال مالك: لا بأس بالصلاة على الجنازة بعد الصبح ما لم يسفر، فإذا أسفر فلا يصلى عليها إلا أن يخافوا عليها فلا بأس إن خافوا عليها أن يصلوا عليها بعد الإسفار. وعنه في الموطأ أن عبد الله بن عمر قال: يصلى على الجنازة بعد العصر وبعد الصبح إذا صليتا لوقتهما. قال الباجي أي لوقت الصلاتين المختار، وهو في العصر إلى الاصفرار وفي الصبح إلى الإسفار اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " ومن دفن بغير صلاة أخرج لها ما لم يظن تغيره " وتقدم الكلام على هذه الجملة عند قوله ولا على قبر. انظر قول ابن رشد هناك.

ثم قال رحمه الله تعالى: " ويقدم الموصى إليه رجاء دعائه، ثم الحاكم، ثم العصبة، وأولاهم أقواهم تعصيبا، فإن اجتمعوا وتشاحوا فبالقرعة " والمعنى أن الوصي مقدم بالصلاة على الميت رجاء بركة دعائه كما قال المصنف، وإن لم يكن، أو قام به عذر فالخليفة، ثم أقرب العصبة، فيقدم ابن فابنه، ثم أب فأخ فابنه، فجد فعم فابنه. وقدم الشقيق على غيره. وقدم الأفضل عند التساوي وإن كان ولي امرأة كما لو اجتمع ميتان ذكر وأنثى لكل منهما ولي وكان ولي المرأة أفضل من ولي الرجل فيقدم ولي المرأة الأفضل إذا صلي عليهما معا صلاة واحدة اهـ الدردير مع طرف من الدسوقي. وإن اجتمع الأولياء وتساووا في الفضل فالقرعة. هذا إذا تشاحوا وتنافسوا في الصلاة عليه. وأما الزوج فهو

ص: 359

مؤخر. قال مالك في المدونة: العصبة أولى بالصلاة على الميتة من زوجها، وزوجها أولى بالدخول بها في قبرها من عصبتها. وأهل الفضل لا يرون لزوج المرأة إذا توفيت حقا أن يصلي عليها وثم أحد من أقاربها اهـ. وتقدم أن الزوج مقدم أن الزوج مقدم على أوليائها بالقضاء في تغسليها إذا طلب ذلك. فتأمل.

ثم قال رحمه الله تعالى: " وإذا اجتمع جنائز في صلاة جعل الرجل مما يلي الإمام، ثم الصبي، ثم الخنثى، ثم الحرة، ثم العبد، ثم الأمة " يعني يجوز جمع الجنائز في صلاة بلا ضرورة، بل هو أفضل من إفراد كل واحد بصلاة لرجاء عود بركة بعضهم على بعض. قال خليل: يلي الإمام رجل، فعبد فخصي، فخنثى كذلك وفي الصنف أيضا الصف. قال الخرشي: ذكر المؤلف اثنتي عشرة مرتبة، فيلي الإمام الأحرار الذكور البالغون، ثم أحرار الذكور البالغون، ثم العبيد البالغون، ثم العبيد الصغار، ثم الخصي الحر البالغ، ثم الخصي الحر الصغير، ثم الخصي العبد الكبير، ثم الخصي العبد الصغير، ثم الخناثى الأحرار البالغون، ثم

الخناثى الأحرار الصغار، ثم الخناثى العبيد الكبار، ثم الخناثى العبيد الصغار، ولم يذكر مراتب النساء الأربع للعلم بتأخرهن عن الجميع، وهي حرة بالغة، فصغيرة، فأمة بالغة، فصغيرة. وزاد ابن محرز بعد الخصي وقبل الخنثى أربعا للمجبوبين فقال: حر رجل، فطفل، فعبد رجل، فطفل. وعلى هذا فالمراتب عشرون: حر كبير، ثم حر صغير، ثم عبد كبير، ثم عبد صغير، ثم خصي حر كبير، ثم خصي حر صغير، ثم [خصي](1) عبد كبير، ثم [خصي] عبد صغير، ثم [مجبوب] عبد صغير، ثم خنثي حر كبير، ثم [خنثى] حر صغير، ثم [خنثى] عبد كبير، ثم [خنثى]

(1) هذه الزيادات لا بد منها. ولا تتم المراتب العشرون إلا بها. وهي إن كانت مقدرة، ولكن القارئ قد لا يهتدي إليها فذكرها أولى.

ص: 360

عبد صغير، ثم حرة كبيرة؛ ثم حرة صغيرة، ثم أمة كبيرة، ثم أمة صغيرة، قال ابن رشد: فإن تفاضلوا فب العلم والفضل والسن قدم إلى الأمام أعلمهم، ثم أفضلهم، ثم أسنهم، فمعنى قوله: كذلك حر بالغ ثم صغير، ثم عبد كبير، ثم صغير في كل من الخصي والخنثى. ثم هذا الترتيب مستحب، فإن حصل تساو من كل وجه أقرع إلا أن يتراضى الأولياء على أمر اهـ انظر مراتب قول خليل وفي الصنف أيضا الصف.

ثم قال رحمه الله تعالى: " ومن أدرك بعض الصلاة فإن تركت له الجنازة أتمها، وإلا كبر نسقا وسلم " قال في أقرب المسالك كما في المختصر: وصبر المسبوق للتكبير، فإن كبر صحت ولا يعتد بها؛ ودعا إن تركت وإلا والى اهـ.

قال الخرشي: يعني أن المسبوق إذا سلم الإمام فإنه يدعو بين تكبيرات قضائه إن تركت الجنازة، ويخفف في الدعاء. إلا يؤخر رفعها فيتمهل في دعائه، وإن رفعت فورا فإنه يوالي بين التكبير ولا يدعو لئلا تصير صلاة على غائب. وما ذكره خليل من التفصيل وجيه لنفع الميت بالدعاء. وأيده البناني. قال الدسوقي؛ خلافا لما في حاشية العدوي على الخرشي؛ لأنه قال: تنبيه ما ذكره المصنف من التفصيل مخالف لمذهب المدونة الذي هو المعتمد كما يفيده ابن عرفة من أنه يواليه مطلقا، أي سواء تركت أو رفعت فورا اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " ثم يحمل إلى القبر فيدفن في حفرة تكتم رائحته وتمنعه من السباع " يعني بعد تغسيله والصلاة عليه يحمل إلى القبر، وليس لحمل الميت عندنا كيفية معينة، ولا عدد الحاملين، بل يجوز أن يحمله أربعة أشخاص

فأكثر أو أقل. ويستحب حمل الصغير على أيدي الناس، ولا يتعين البدء بناحية من نواحي النعش، والتعيين من البدع. قال خليل عاطفا على الجائزات: وحمل غير أربعة، وبدء بأي ناحية والمعين مبتدع. وينبغي أن يكون القبر متوسطا بقدر ما يحرس الميت من السباع ويمنع الرائحة. قال مالك: أحب إلي أن تكون الحفرة مقتصدة لا عميقة جدا ولا قريبة من أعلى

ص: 361

الأرض جدا اهـ. ثم إذا وضع على شفير الحفرة يدخل فيه برفق، وإليه أشار رحمه الله بقوله:" ويسل من قبل رأسه " أي يدخل القبر منه خلافا لعبد الله بن يزيد الكوفي من أنه أدخل الميت من قبل رجليه، وقال هذا من السنة، وهو خلاف عمل أهل المدينة من الصحابة والتابعين.

قال رحمه الله تعالى: " فيوضع في اللحد أفضل من الشق " يعني أن اللحد أفضل من الشق إذا كانت الأرض صلبة، وهو أي اللحد أن يحفر في أسفل القبر من جهة القبلة تسع الميت. وفي الرسالة: واللحد أحب إلى أهل العلم من الشق، وهو أن يحفر للميت تحت الجرف في حائط قبلة القبر، وذلك إذا كانت تربة صلبة لا تتهيل ولا تتقطع اهـ. وفي الحديث عن سعد بن أبي وقاص قال:" ألحدوا لي لحدا، وانصبوا علي اللبن نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه مسلم. وأما الشق، وهو أن يحفر له حفرة كالنهر ويبنى جانباها باللبن أو غيره ويجعل بينهما شق يوضع الميت فيه ويسقف عليه، ويرفع السقف قليلا بحيث لا يمس الميت، ويجعل في شقوقه قطع اللبن، ويوضع عليه التراب. قال أبو الحسن اهـ.

ثم قال رحمه الله تعالى: " ويحل شد رأسه ووسطه ورجليه " قال الصاوي: يعني إذا وضع في القبر يحل عقد كفنه، ويمد يده اليمنى على جسده ويعدل رأسه بالتراب ورجلاه برفق، ويجعل التراب خلفه وأمامه لئلا ينقلب، فإن لم يتمكن من جعله على شقه الأيمن فعلى ظهره مستقبلا للقبلة بوجهه، فإن لم يمكن فعلى حسب الإمكان. وهذه الصفة هي التي أشار بها الدردير في المندوبات قال: ووضعه على أيمن مقبلا وقول واضعه باسم الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم تقبله بأحسن قبول اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " ويطبق باللبن، وسد خلله بالطين، ويهال عليه التراب، ويستحب لمن دنا منه أن يحثو فيه ثلاث حثوات " يعني بعد حل ربطات الكفن

ص: 362

يطبق على الميت ويسد الخلل بالطين أو غيره سدا محكما لئلا يظهر منه رائحة كما تقدم، ثم يهال عليه التراب، ويندب لمن قرب منه أن يحثو ثلاث حثوات من التراب لخبر " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على عثمان بن مظعون، وأتى القبر فحثى عليه ثلاث حثوات وهو قائم " اهـ رواه الدارقطني عن عامر بن ربيعة.

قال رحمه الله تعالى: " ويكره بناؤه وتجصيصه " يعني أنه يكره البناء على القبر كما يكره تبييضه. قال في الرسالة: ويكره البناء على القبر وتجصيصه اهـ وقال مالك في المدونة: أكره تجصيص القبور والبناء عليها. وهذه الحجارة التي تبنى عليها. والدليل على كراهية ذلك نهيه عليه الصلاة والسلام عن تجصيص القبور والبناء عليها. وورد أيضا أن الملائكة تكون على القبر تستغفر لصاحبه ما لم يجصص، فإن جصص تركوا الاستغفار. وقال خليل عاطفا على المكروهات: أو تبييضه وبناء عليه، انظر شرحه إن شئت.

وقال رحمه الله تعالى: " وتحرم النياحة وإظهار الجزع واللطم والشق " وأخبر رحمه الله أن هذه الأشياء كلها محرمة، وهو كذلك. وفي الرسالة: وينهى عن الصراخ والنياحة. قال الشارح: وسائر الأقوال القبيحة. فالنهي للتحريم حيث استلزم أمرا محرما، لخبر " ليس منا من ضرب الخدود ولا من شق الجيوب " وروي " أنا برئ ممن حلق وصلق وخرق " والصلق: الصياح في البكاء وقبح القول. وروي أن النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب. واعلم أن البكاء على ثلاثة أقسام: جائز مطلقا، وهو ما كان بمجرد إرسال الدموع من غير صوت، وحرام مطلقا وهو ما كان بالصوت والأقوال القبيحة، وجائز عند الموت لا بعده وهو ما كان بالصوت من غير قول قبيح معه، قاله النفراوي في الفواكه.

قال رحمه الله تعالى: " ويستحب التعزية فيقال: أحسن الله عزاءك، وألهمك الصبر، وغفر لميتك، أو غير ذلك مما يحضره، والله أعلم " قال العلامة أحمد

ص: 363