المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلفي الصيد وما يترتب فيه من الجزاء وعدمه - أسهل المدارك «شرح إرشاد السالك في مذهب إمام الأئمة مالك» - جـ ١

[الكشناوي، أبو بكر]

فهرس الكتاب

- ‌خطبة الكتاب

- ‌ترجمة المصنف

- ‌كتاب الطهارة

- ‌فَصْلٌفي أحكام الميتات وأجزائها والمسكرات وغيرها

- ‌تنبيه:

- ‌فَصْلٌفي بيان أحكام قضاء الحاجة وما يتعلق بذلك

- ‌فَصْلٌفي بيان فرائض الوضوء

- ‌سنن الوضوء

- ‌فضائل الوضوء

- ‌مكروهات الوضوء

- ‌شروط صحة الوضوء ووجوبه

- ‌فَصْلٌفي نواقض الوضوء

- ‌فَصْلٌفي موجبات الغسل

- ‌فرائض الغسل

- ‌تنبيهات:

- ‌تتمة:

- ‌فَصْلٌفي المسح على الجبيرة

- ‌فَصْلٌفي المسح على الخفين

- ‌فَصْلٌفي التيمم

- ‌فَصْلٌفي أحكام الحيض

- ‌تنبيه:

- ‌فَصْلٌفي أحكام النفاس

- ‌كتاب الصلاة

- ‌فَصْلٌفي أحكام الأذان

- ‌تنبيه:

- ‌فَصْلٌفي شروط الصلاة

- ‌فَصْلٌفي ستر العورة في الصلاة وخارجها

- ‌فَصْلٌفي أركان الصلاة

- ‌سنن الصلاة

- ‌فَصْلٌفي فضائل الصلاة

- ‌فَصْلٌفي أحكام العاجز عن القيام في الصلاة

- ‌فَصْلٌفي بيان أحكام الجمع بين المغرب والعشاء ليلة المطر

- ‌فَصْلٌفي حكم الجماعة

- ‌فَصْلٌفي من يلحق بأحكام الجماعة

- ‌فَصْلٌفي قضاء الفوائت

- ‌حكم تارك الصلاة

- ‌فَصْلٌفي سجود السهو

- ‌فَصْلٌفي أحكام الرعاف

- ‌فَصْلٌفي بيان النوافل وأوقاتها وكيفيتها

- ‌ التراويح

- ‌الوتر سنة مؤكدة

- ‌ سجود التلاوة

- ‌خاتمة:

- ‌كتاب صلاة السفر

- ‌فَصْلٌفي حكم صلاة الخوف

- ‌فَصْلٌفي صلاة الجمعة

- ‌فَصْلٌفي صلاة العيدين

- ‌فَصْلٌفي صلاة الاستسقاء

- ‌فَصْلٌفي صلاة الكسوف

- ‌كتاب الجنائز

- ‌ خاتمة:

- ‌كتاب الزكاة

- ‌فَصْلٌفي زكاة الذهب والفضة

- ‌تنبيهان:

- ‌ الإبل

- ‌فَصْلٌفي زكاة الماشية وهي الإبل والبقر والغنم

- ‌ البقر

- ‌الغنم

- ‌ الخلطة

- ‌فَصْلٌفي زكاة الحرث والثمار وما يتعلق بها من الأحكام

- ‌فَصْلٌفى زكاة الفطر ومن تلزمه

- ‌فَصْلٌفيمن تصرف له الزكاة

- ‌كتاب الصيام

- ‌فَصْلٌ فيمن يلزمه القضاء دون الكفارة

- ‌فَصْلٌفيما يندب فعله للصائم

- ‌ الاعتكاف

- ‌كتاب الحج

- ‌فَصْلٌفي مواقيت الحج والعمرة

- ‌فَصْلٌفي أركان الحج وكيفية الإحرام

- ‌ قصيدة

- ‌فَصْلٌفي الفدية وما يتعلق بها من الأحكام

- ‌فَصْلٌفي الصيد وما يترتب فيه من الجزاء وعدمه

- ‌فَصْلٌفي دماء الحج مطلقا وسن الهدي وغيره مما يجزئ وما لا يجزئ

- ‌فَصْلٌفيما يتعلق بحج الصبي والعبد والمرأة وغيرهم

- ‌فَصْلٌفي العمرة وأحكامها

- ‌خاتمةفي زيارة النبي صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌فصلفي الصيد وما يترتب فيه من الجزاء وعدمه

من إحرامه ففعل سائر الممنوعات التي توجب الفدية فلا يلزمه إلا فدية واحدة ، وأما إن يظن الإباحة جهلا محضا فإن الفدية تتعدد ، وكذا يلزمه فدية واحدة إن أعتقد أن الإحرام يرتفض ويباح له فعل الممنوعات فرفضه ، وفعل جميع ما يوجب الفدية ، ومنه من أفسد إحرامه بالوطء ، ثم فعل موجبات الفدية متأولا أن الإحرام تسقط حرمته بالفساد وكذا تتحد الفدية إذا كانت نيته أن يفعل جميع ما يحتاج اليه من موجبات الفدية ولم يخرج للأول قبل فعل الثاني وألا تعددت ، وكذا تتحد الفدية إذا نوى التكرار وهو أن يلبس لعذر مثلا ثم يزول فيخلع ما لبسه وينوي عند خلعه أنه إن عاد إليه العذر عاد إلى اللبس أو يتداوى بدواء فيه طيب ينوى أنه كلما احتاج إلى الدواء فعله ، ومحل النية من حين لبسه لأجل العذر إلى حين نزعه. وأما من لبس ثوبا ثم نزعه ليلبس غيره ، أو نزع ثوبه عند النوم ليلبسه إذا استيقظ فقال سند هذا فعل واحد متصل في العرف ولا تضره تفرقته في الحس اهـ. ثم انتقل يتكلم في تحريم الصيد فقال رحمه الله تعالى

‌فَصْلٌ

في الصيد وما يترتب فيه من الجزاء وعدمه

أي في بيان أحكام صيد المحرم، ومن في الحرم ولو لم يكن محرما، وما يتعلق بذلك من تحريم أكل ذبحه، ووجوب جزائه إن قتله. قال الله تعالى في سورة المائدة:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] الآية دالة على منع الصيد مطلقا للمحرم ومن بالحرم، ثم خصصت الآية الثانية تحريم صيد البر دون البحر كما يأتي عن قريب.

ولذا قال رحمه الله تعالى: " يحرم على المحرم اصطياد جميع البري طائرا كان أو غيره " والبري بفتح الباء نسبة للبر ضد البحر، ويحل صيد البحر. قال تبارك وتعالى في سورة المائدة: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ

ص: 487

وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] يعني يجوز صيد البحري للمحرم وغيره ولو في الحرم ويحرم صيد البري في الحرم ولو للحلال. وأما إذا خرج الحلال المقيم بالحرم إلى الحل وأتى بصيد نفسه أو للحلال فإنه يجوز له وللمحرم أكله. وحاصل ما في المقام: أن الحلال إذا خرج للحل وأتى بصيد منه وأدخله الحرم فيجوز له تملكه وذبحه ، فإن كان من أهل الأفاق وجب عليه إرساله ولو أقام بمكة إقامة تقطع حكم السفر ، فإنه ذبحه حرم عليه سواء ذبحه وهو بمكة أو خرج به عن الحرم ، وإن كان أكله ولو بعد خروجه من الحرم دفع جزاءه سواء كان محرما أو حلالا. أما الحرم فواضح ، وأما الحلال فلأنه لما أدخله الحرم صار من صيد الحرم. وإن كان من أهل مكة جاز له ذبحه وأكله ولو اشتراه من آفاقي صاده في الحل. وفي حاشية الخرشي: أنه يجوز للحلال المقيم بالحرم ذبحه في الحرم ، ويباح أكله ولو كان الصائد له محرما قد تعدى ووهبه للحل في الحرم. وأما ما صيد بالحرم فلا يجوز ذبحه لساكن الحرم ولو كان الصائد حلالا اهـ.

قال رحمه الله تعالى " وقتله وأكله " معطوف على يحرم ، يعني يحرم على المحرم ومن بالحرم قتل الصيد البري ، وبقتله يلزمه جزاؤه ، ولا يجوز أكله لأنه ميتة. وحاصل المسألة أن من قتل حيوان البري لزمه الجزاء مثل ما قتل من النعم مطلقا باشر قتله بنفسه أو أمر غلامه بقتله ، سواء قتله عمدا أو خطأ أو نسيانا ، كان الصيد طائرا أو غيره مأكولا أو غير مأكول ، وحشيا أو متأنسا ، مملوكا لغيره أو مباحا ، قتله المحرم في الحل أو في الحرم ، وهو ميته لا يحل لأحد أكله اهـ وفي أقرب المسالك: وما صاده محرم أو صيد له ، أو ذبحه أو أمر بذبحه ، أو عليه فميتة كبيضه اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " لا ما صاده حلال لغير محرم " فيجوز أكله كما تقدم. قال الدردير وجاز أكل ما صاده حل لحل كإدخاله الحرم وذبحه به إن كان من ساكنيه ، أي أنه

ص: 488

يجوز لسكان الحرم أن يخرجوا للحل فيصطادوا ويدخلوا بالصيد الحرم فيذبحوه به وهو يجوز أكله لكل أحد ، بخلاف غيرهم إذا اصطادوا بالحل صيدا وخلوا به الحرم فيجب عليهم إرساله ، فإن ذبحوه به فميتة اهـ ومثله في الخرشي. وسئل مالك عما يوجد في لحوم الصيد على الطريق هل يبتاعه المحرم؟ فقال: أما ما كان من ذلك يعترض به الحاج ومن أجلهم صيد فإني أكرهه وأنهي عنه فأما أن يكون عند رجل لم يرد به المحرمين فوجده محرم فابتاعه فلا بأس به اهـ. وفي الحديث عن البهزي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يريد مكة وهو محرم ، حتى إذا كان بالروحاء إذا حمار وحشي عقير ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " دعوه فإنه يوشك أن يأتى صاحبه " فجاء البهزي وهو صاحبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم

فقال: يا رسول الله شأنكم بهذا الحمار ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فقسمه بين الرفاق " الحديث رواه مالك في الموطأ اهـ. قال رحمه الله تعالى:" فإن صاده أو أحرم وهو معه لزمه إرساله "يعني فإن صاد مريد الإحرام صيدا وأحرم بأحد النسكين ، أو أحرم والصيد معه لزمه إرساله والمشهور أن ملكه يزول عنه بنفس الإحرام ، وأنه يجب عليه إرساله فلو أرسله صاحبه فأخذه غيره قبل لحوقه بالوحش ولم يزل بيده حتى حل صاحبه ليس له أخذه ممن أخذة ، وهو لا خذه ، فلو لم يرسله صاحبه بل أبقاء بيده حتى حل لوجب عليه أن يرسله ، فلو لم يرفع صاحبه يده عنه حتى مات فإنه يلزمه جزاؤه ، وكذلك يلزمه جزاؤه إذا أبقاه بيده حتى حل ثم ذبحه قاله الخرشي اهـ. وقال الدردير: وزال به ـ أي بالإحرام ـ ملكه عنه فيرسله إن كان معه لا ببيته ولو أحرم منه أى من بيته ، فلا يلزمه إرساله بإحرامه من بيته على المعتمد. قال الصاوي: والفرق بين البيت والقفص أن القفص حامل له وينتقل بانتقاله ، والبيت مرتحل عنه وغير مصاحب له اهـ. ومثله في الخرشي.

قال رحمه الله تعالى " فأن عطب لزمه جزاؤه كما لو نفره ، أو تعلق

ص: 489

بحبالته ، أو سقط في بئر احتفرها لسبع ونحوه ذلك " يعني أنه إذا مات الصيد بأي سبب من الأسباب الذي تسبب المحرم في موته كمناولة سقوط ، أو إشارة ، أو أفزعه فوقع في حفرة وهلك ، أو نصب له شركا ومات به ، أو جرحه ، أو نتف ريشه ولم يتحقق سلامته فعليه الحزاء في كل واحدة من ذلك فإن بري ناقصا فلا جزاء عليه على المشهور. وما ذكره من لزوم الجزاء بسبب هو المذهب. قال خليل: وبسبب ولو اتفق كفزعه فمات ، أي فيلزم الجزاء بذلك عند ابن القاسم كما في الخرشي.

ونصه: المشهور ـ وهو قول ابن القاسم في المدونة ـ أن الجزاء يلزم المحرم بالتسبب الاتفاقي ، ومعناه أن المحرم لم يقصد قتل الصيد بوجه ، وإنما اتفق أن الصيد رآه ففزع منه فعطف فمات فإنه يلزمه جزاؤه ، لأنه من رؤيته ، وكذلك يلزمه الجزاء إذا ركز رمحا فعطف فيه صيد اهـ.

قال رحمه الله تعالى " فإن أكله فجزاؤه واحدا " يعني إذا أكل المحرم أو من بالحرم شيئا مما حرم عليه أكله فلا يتكرر عليه الجزاء بأكله بل عليه جزاء واحدا ، وغاية أمره أنه يستغفر الله بأكله الميتة إذ كان ذلك اختبارا ، وإن كان لمخمصة فلا جناح عليه في ذلك. وفي المواق: وما صاده المحرم فكالميتة لا يأكله حلال ولا حرام ، ولو وداه ثم أكل من لحمه فلا جزاء عليه لما أكل كأكله الميتة. وفيها: ما صاده المحرم فأذى جزاءه فلا يأكله ، فإن أكل منه لم يكن عليه جزاء آخر لأنه لحم ميتة وما لا يحل اهـ. وإليه أشار خليل بقوله: لا في أكلها. قال الخرشي: والمعنى أن المحرم إذا أكل من لحم صيد صاده ، أو صيد له فأخرج جزاؤه فإنه لا يلزمه جزاؤه ثانيا إذا أكل منه ثانيا لأنه ميتة ولا يلزمه شيء لأكل الميتة على المشهور اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " ولو كسره وتركه مخوفا لزمه جزاؤه " وتقدم أنه إذا تسبب

ص: 490

في إيقاعه في المهالك بأي سبب كان ولم يتحقق سلامته لزم عليه الجزاء فراجعه إن شئت.

قال رحمه الله تعالى: " فإن تلف فجزاءان لا إن برئ ولحق بالصيد " يعني إذا جرح المحرم الصيد ، أو نتف ريشه ، أو ضربه ضربا وجيعا مثلا وتركه مخوفا وشك في سلامته ودفع جزاؤه ثم تحقق موته فإنه يلزم عليه جزاء آخر إن تحقق تقدم الجزاء قبل موته وإلا فلا يتكرر ، كما إن برئ ولحق بالوحش. قال خليل: وكرر إن أخرج لشك ثم تحقق موته. وقال الخرشي: قد علمت أن الجزاء لا يجب إلا بعد تحقق موت الصيد ، فإذا جرح الصيد وغاب عنه ولم يعلم هل مات أم لا فأخرج جزاؤه على شك من موته ثم تحقق أنه مات بعد الإخراج فإنه يلزم أن يخرج جزاؤه ثانيا ولو كانت الرمية أنفذت مقاتله لأنه أخرج قبل الوجوب اهـ.

ثم ذكر رحمه الله تعالى كيفية الجزاء وأنواعه فقال " ثم الجزاء مثل الصيد من الأنعام أو ما يقاربه خلقة " يعني أن جزاء الصيد أحد الثلاثة على التخيير: إما مثل ما قتل من النعم وهو الإبل والبقر والغنم ، أو ما يقارب الصيد خلقه ، أو قيمته طعاما ، أو عدل ذلك صياما.

ثم فسر الجزاء بقوله رحمه الله تعالى: " ففي النعامة بدنه " أي ففي قتل النعامة تلزمه بدنه تجزئ في الأضحية وإن عن صغيرة أو مريضة. وكذلك إذا قتل

الزرافة تلزمه البدنة. قال رحمه الله تعالى: " وفي الظبي شاة كحمام الحرم " يعنى تلزم في قتل الظبي والضبع والثعلب شاه ، كما تلزم شاة تجزئ في الأضحية بقتل حمام الحرم. قال الدردير: وفي الضبع والثعلب شاة كحمام مكة والحرم ويمامة بلا حكم اهـ. قوله بلا حكم راجع إلى ما بعد الكاف. وأما الظبي والثعلب فلا بد لهما من الحكم. وقد ورد في الموطأ أن عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف ، رضي الله عنهما ، حكما على رجل أصاب ظبيا بعنز. وأما ما لا مثل له كضب وأرنب

ص: 491

ويربوع وحمام الحل ويمامه وسائر الطيور فحكومة بأن يحكمها على القاتل بإطعام أو صيام كما يأتي عن المصنف.

قال رحمه الله تعالى: " وفي حمام الحل حكومة " وتقدم أن حمام الحرم فيه شاة. وأما حمام الحل ويمامه ففيه حكومة. قال في إيضاح المناسك: وأما صيد الحمام واليمام بالحرم فلا تخيير في جزائه ، بل يجب على الصائد في الواحدة شاة كالهدي بلا حكم فإن لم يجدها صام عشرة أيام. وإنما خرج حمام الحرم عن الحكومة التي هي الأصل في الجزاء لقضاء سيدنا عثمان فيه بالشاة.

قال رحمه الله تعالى: " وفي حمار الوحش بقرة كالإبل " يعني وفي قتل حمار الوحش وبقره بقرة إنسية ، وتقدم أن في قتل الزرافة بدنة. والزرافة هي إبل الوحش. وفي توضيح المناسك: فأما جزاء الصيد فهو على التخيير ، وصفه التخيير أن يحكم القاتل حكمين عدلين فقيهن فيخيرانه بين أنواع الجزاء الثلاث: إما أن يخرج مثل ما قتل من الصيد أو ما قاربه ، فمثل بقر الوحش وحماره بقرة ، والنعامة بدنة ، والفيل بدنة خراسانية ذات سنامين لقرب الفيل من خلقتها ، والضبع والثعلب شاة. وأما ما صيد بمكة والحرم من الحمام واليمام وإن لم يتولد فيهما فإن قتل شيئا من ذلك والحال أنه بالحرم لزمه في كل واحدة شاة بلا حكم. فإن لم يجدها صام عشرة أيام. وأما إن كان بالحل فإنه يخير بين قيمته طعاما والصوم ، كبقية الطير مطلقا سواء كان في الحل أو الحرم فإنه يخير بين الإطعام والصوم. ويخير أيضا بين الإطعام والصوم في الضب والأرنب واليربوع اهـ هذا كالتلخيص لما تقدم

ثم قال رحمه الله تعالى: " أو قيمه الصيد حيا طعاما يطعمه المساكين مدا مدا ، والكسر مسكينا ولا يلزمه تكميله ـ بل يندب ـ أو يصوم عن كل مد أو كسره يوما يحكم به ذوا عدل " يعنى كما في توضيح المناسك: وإما أن يخرج قيمة الصيد طعاما وذلك بأن يقال كم يساوى هذا الصيد من الطعام بمحل تلفه ، فيقال كذا وكذا كمائه

ص: 492

مد فتدفع لفقراء محل التلف ، فإن لم يكن للصيد قيمة في محل تلفه قوم بأقرب مكان له قيمة فيه ، وكذا إن لم يكن بمحل التلف فقراء فإن الطعام

المقوم به يدفع إلى فقراء أقرب مكان إلى موضع التلف، لكل مسكين مد بمده صلى الله عليه وسلم، ولا يجزئ التقويم ولا الإطعام بغير محل التلف أو القريب منه، ولا يجزئ زائد ولا ناقص عن مد لمسكين، وإما أن يصوم أياما بعدد الأمداد، وكمل لكسر المد يوما كاملا وجوبا لأن الصيام لا يتبعض. أما إذا اختار الإطعام فإنه يندب له تكميل المنكسر وبعد أن يخيره الحكمان بين هذه الأنواع الثلاثة، فإذا اختار أحدها حكما عليه به، ثم بعد ذلك له أن يتنقل عما حكما به عليه إلى غيره من الأنواع إلا أن يلتزم ما حكما به عليه فقولان، والراجح أن له الانتقال، إن عرف ما حكما به والتزمه اهـ. قال مالك رحمه الله: أحسن ما سمعت في الذي يقتل الصيد فيحكم عليه في أن يقوم الصيد الذي أصاب فينظر كم ثمنه من الطعام فيطعم كل مسكين مدا، أو يصوم مكان كل مد يوما، وينظر كم عدة المساكين فإن كانوا عشرة صام عشرة أيام، وإن كانوا عشرين مسكينا صام عشرين يوما عددهم ما كانوا وإن كانوا أكثر من ستين مسكينا اهـ الموطأ.

قال رحمه الله تعالى: " وفيما لا مثل له إطعام أو صيام، وصغير الصيد ككبيره " وقد تقدم الكلام فيما لا مثل له من الصيد كضب وأرنب وقنفذ ويربوع وغيرها فراجعه إن شئت. وأما الصيد الذي له المثل الصغير منه والكبير والمعيب والسليم المأكول وغيره سواء في لزوم الجزاء في ذلك كالدية. قال رحمه الله تعالى: " وفي البيضة عشر ما في أمها " يعني كما في توضيح المناسك قال: إن كسر بيض الصيد، أو أنزله ناقصا، أو ضرب صيدا فألقى جنينا ميتا، ففي كل واحدة من البيض والجنين عشر دية الأم، والمراد بدية الأم قيمتها من الطعام أو عدله صياما، أي خير بين عشر قيمة أمه من الطعام وبين عدل ذلك صياما، بأن يصوم مكان كل مد يوما، وذلك فيما في جزاء أمه طعام، وهو غير حمام

ص: 493

الحرم ويمامه كما تقدم، وأما إن لم يكن في جزاء أمه طعام كالحمام واليمام إذا صيد بالحرم فإنه يلزم في جنينهما وبيضهما عشر قيمة الشاة طعاما، وهذا هو المراد بدية الأم هنا، فإن عجز عن عشر قيمة الشاة صام يوما. والمراد بالبيض غير المذر، وأما هو فلا شيء في كسره. وما ذكر في الجنين محله إن لم يستهل، فإن استهل فجزاؤه كأمه، ويندرج في أمه إن ألقته ميتا وهي ميتة. والاستهلال هنا كناية عن تحقق الحياة. وظاهر قول الشيخ خليل: والبيض أن فيه العشر من غير حكومة، كان بيض حمام أو غيره. وذكر سند أنه لا بد من حكم عدلين في البيض ولو كان بيض حمام الحرم. قال لأنه من باب الصيد والصيد لا بد فيه من حكمين اهـ.

ثم قال رحمه الله تعالى مخبرا بما استثناه الشارع، أي ما يباح قتله شرعا في

الحل والحرم بقوله: " ويجوز قتل ما يخاف كالسباع، والحية، والعقرب، والزنبور ، والفأرة ، والحدأة ، والأبقع ، ودفع الصائل " يعني أنه يستثنى مما حرم قتله من الصيد ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور " اهـ رواه مسلم كما في الموطأ ، قال شارحه: فنبه بالخمس على خمسه أنواع من الفسق: فنبه بالغراب على ما يجانسه من سباع الطير ، وكذا بالحدأة وبالعقرب على كل ما يلسع كالحية والزنبور ، وبالفأرة على ما يجانسها من هوام المنزل المؤذية ، وبالكلب العقور على كل مفترس اهـ. وقال العلامة المحقق الشيخ حسين بن إبراهيم في توضيح المناسك: ويستثنى من ذلك أيضا الغراب والحدأة إن كبرا ، وفي صغيرهما خلاف ، والفأرة والعقرب والحية وابن عرس فيقتلهن المحرم والحلال في الحل والحرم وإن لم تبدأ بالأذى ، وصغيرها ككبيرها ، وكذا عادي السباع كالأسد والنمر والذئب ونحوها إن كبرت ، ويكره قتل صغارها ، فإن قتلت فلا جزاء في قتلها ، وأما الكلب الإنسي فيجوز قتله في الإحرام وغيره ولا شيء في قتله.

ص: 494

وفي حاشية الخرشي: بل يندب قتله على المشهور. وكذا لا يجوز للحلال في الحرم قتل الوزغ ، ويكره قتله للمحرم وعليه جزاؤه وهو إطعام حفنة. وفي حاشية الخرشي: المراد بالكراهة الحرمة. وفي الدسوقي: وقد يقال الإطعام في قتله على جهة للندب فلا ينافي أن الكراهة على بابها للتنزيه. ومثله في المجموع.

ولا يقتل سباع الطير إلا أن تبدأ بالأذى. ويجوز قتل الزنبور وهو ذكر النحل، وإذا رأى الصيد معرضا للتلف فلا يجب عليه تخليصه، ويجوز للمحرم في الحل وفي الحرم ذبح ستة للأكل: الإبل، والبقر، والغنم ومن الطير البط والأوز. والدجاج اهـ.

قوله والأبقع لأنه مذكور في الحديث وهو الغراب الذي فيه بياض وسواد. وقوله ودفع الصائل يعني مما يجوز قتله في الحل والحرم، بل يجب قتل كل مؤذ. والصائل هو الذي يصول ويعدو على الإنسان سواء آدميا كالمحارب، أو غيره كالكلب العقور، وهو كل ما يعقر الناس ويعدو عليهم كالأسد ونحوه كما في الموطأ.

ثم قال رحمه الله تعالى: " ولا يحل صيد الحرم لحلال ولا لمحرم ولو رماه من الحل " يعني لا يجوز لأحد من المسلمين أن يقتل الصيد في الحرم لا لمحرم ولا لحلال، كما لا يجوز أكله وعليه جزاؤه، ولو كان الصائد من الحل والصيد في الحرم لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] الآية، كما تقدم.

ثم ذكر مسألة من المسائل التي فيها اختلاف كمسألة الدلالة على الصيد

وتفزيعه، أو سقوطه في بئر حفرها لماء فعطب فيها الصيد، ومنها هذه.

قال رحمه الله تعالى: " وفي العكس خلاف كفرع شجرة الحل في الحرم وبالعكس " يعني إذا كان الصائد بالحرم ورمى الصيد في الحل ففيه خلاف، وأما لو كان الصائد بالحل ورمى الصيد في الحرم فلا خلاف في تحريمه ووجوب جزائه. وإن رماه على الغصن والأصل في أحدهما هل عليه الجزاء ولا يؤكل؟ أم يؤكل ولا جزاء؟ أم الجزاء على المحرم دون الحلال في الحل؟ في ذلك

ص: 495

خلاف، فقال أبو البركات الشيخ أحمد الدردير في أقرب المسالك: والجزاء بقتله مطلقا ولو برمي من الحرم، أو له أو مرور سهم بالحرم، أو كلب تعين طريقه، أو إرساله بقربه فأدخله وقتله خارجه، أو على كسبع أو نصب شرك له اهـ. قال خليل: ورمي منه أو له.

وقال الخرشي: أي من رمى من الحرم صيدا في الحل فقتله فعليه الجزاء ولا يؤكل على المشهور نظرا لابتداء الرمية، وكذلك لا يؤكل الصيد اتفاقا وعليه أنه قتل صيدا في الحرم ولو أصابه في الحل فلا شيء عليه سواء قرب من الحرم أو بعد على المشهور اهـ.

وقال المواق نقلا عن المدونة: ومن رمى صيدا في الحرم من الحل، أو في الحل من الحرم فقتله فعليه الجزاء. وقال الباجي عند قول خليل كسهم مر بالحرم: أي ومن رمى من الحل صيدا في الحل إلا أن سهمه يمر على الحرم، فقال ابن القاسم: لا يأكله وعليه جزاؤه اهـ. هذه المسألة من المسائل ذوات الخلاف كما تقدم. قال خليل: ورميه على فرع أصله بالحرم، أو بحل وتحامل فمات به إن أنفذ مقتله، وكذا إن لم ينفذ على المختار اهـ. وقال الخرشي: المشهور أيضا أنه لا جزاء في هذه الصورة، وهي شجرة ثابتة أصلها بالحرم ومنها فرع في الحل وعليه طائر فرماه الحلال بسهمه فقتله، لأنه في الحل وهو مذهب المدونة. وقال الأبي: إذا كان الفرع خارجا عن حد الحرم يؤكل ولا جزاء.

قال العدوي في الحاشية: أي وهو خارج عن جدار الحرم ويؤكل. وأما لو كان الفرع مسامتا لجدار الحرم والطير فوقه فالظاهر أن فيه الجزاء كما لو كان الطير على الجدار نفسه، أو على غصن بالحرم وأصله في الحل، وأولى في الحرمة والجزاء وعدم الأكل إذا كان الغصن والأصل في الحرم اهـ. انظر شراح خليل والله أعلم تنبيه: اعلم أنه لم يذكر المصنف رحمه الله حكم قتل المحرم الجراد إلا عموم قوله يحرم على المحرم اصطياد جميع الصيد البري طائرا كان أو غيره. ونحن نذكر شيئا من ذلك فأقول كما قال الدردير: ولا شيء في الجراد إن عم واجتهد، وإلا فقيمته طعاما بالاجتهاد إن كثر، وفي الواحدة لعشرة حفنة، كتقريد البعير

ص: 496

والدود والنمل ونحوهما قبضة من طعام

من غير تفصيل بين قليله وكثيره اهـ. قال في توضيح المناسك: ولا شيء في جراد عم ولم يتحرز من إصابته، وأما إذا لم يعم أو عم ولم يتحرز من إصابته ففي الواحدة منه إلى العشرة حفنة، وفيما زاد على العشرة قيمته طعاما سواء قتله عمدا أو نسيانا أو انقلب عليه في نوم، ومتى قلنا بجواز قتل المحرم لحيوان بري فشرط الجواز أن ينوي بقتله دفع أذيته أو لا نية له. ولا يجوز له أن يقتله بنية تذكيته فإن وقع ونزل حرم عليه ذلك، وفي الجزاء نظر، والأظهر عدمه اهـ.

ثم انتقل إلى بيان حكم قطع الشجرة فقال رحمه الله تعالى: " ولا يجوز قطع شجره " أي لا يجوز للمحرم وغيره قطع شجر الحرم أو نباته الذي شأنه أن ينبت بنفسه إلا ما استثني منها لضرورة كما يأتي عن قريب. قال رحمه الله تعالى: " وكره الاحتشاش " أي في الحرم، وهو قول مالك في المدونة وغيرها أنه كره الاحتشاش في الحرم لمحرم أو حلال خيفة قتل الدواب، وكذلك للمحرم في الحال قال - أي الإمام - فإن سلموا من قتل الدواب فلا شيء عليهم، وأكره لهم ذلك. حمل أبو الحسن وسند الكراهة على بابها، وحمل ابن عبد السلام الكراهة في هذا على التحريم، قال أبو الحسن: أما لو تيقن قتل الدواب في الاحتشاش لمنع اهـ.

قال رحمه الله تعالى: " بخلاف الرعي وقطع الإذخر والسنا وما غرس " يعني قد استثنوا من حرمة قطع الشجر أشياء مما ذكروه لحاجة الناس إليه. قال في توضيح المناسك: وحرم قطع ما ينبت في الحرم بنفسه ولو استنبت إلا الإذخر والسنا والسواك والعصا، وقطع الشجر للبناء والسكنى بموضعه، وقطعه لإصلاح الحوائط والبساتين، والهش وهو تحريك الشجر بالمحجن ليقع الورق ولا يخبط ولا يكسر، ويجوز قطع ما شأنه أن يستنبت وإن نبت بنفسه كخس وحنطة وبطيخ، ويجوز أن يرعى دوابه في الحرمين الشريفين في الشجر والحشيش اهـ.

ص: 497

ثم قال رحمه الله تعالى: " وحرم المدينة كحرم مكة، وفي جزاء صيده خلاف " يعني أن حرم المدينة المنورة بأنوار ساكنها عليه أفضل الصلاة والسلام كحرم مكة المكرمة، إلا أن صيدها اختلف فيه هل فيه الجزاء أم لا. المشهور في المذهب عدم الجزاء. وفي إيضاح المناسك نقلا عن توضيحها وحد الحرم المدني الذي يحرم فيه الصيد ما بين الحرار الأربع، والمدينة داخله في حريم الصيد، ولا جزاء في صيد المدينة على مشهور المذهب. وأما حرمها الذي يحرم فيه قطع الشجر فهو بريد (1) من كل جهة مبدؤه من سورها الآن الذي هو طرف بيوتها

القديمة التي كانت في زمنه صلى الله عليه وسلم، فما كان خارجا عن سورها من البيوت يحرم قطع ما ينبت به، ولا يحرم قطع الأشجار التي بالمدينة، ويحرم نقل أجزاء الحرمين فإن وقع ففي وجوب رده إلى موضعه خلاف اهـ. قوله ويحرم نقل أجزاء الحرمين أي من الأحجار والأشجار والأغصان والكيزان المعمولة من ترابهما والأباريق ونحوها. كذا في كبير الخرشي اهـ.

وحد الحرم المكي الذي يحرم فيه الصيد وقطع الأشجار من جهة المدينة أربعة أميال. والمبدأ من الكعبة والانتهاء للتنعيم المسمى الآن بمساجد عائشة، والعوام يسمونه عمرة، ومن جهة العراق ثمانية أميال للمقطع وهو اسم مكان، ومن جهة عرفة تسعة أميال إلى حد عرفة، ومن جهة الجعرانة تسعة أميال أيضا إلى موضع سماه التادلي شعب آل عبد الله بن خالد، ومن جهة جدة عشرة أميال لآخر الحديبية، فهي داخلة، بخلاف اهـ. قاله في توضيح المناسك. وقال ابن مؤلفها العلامة محمد عابد في حاشيته نقلا عن حاشية الخرشي: أول من نصب الحدود للحرم سيدنا إبراهيم عليه السلام، ثم قصي، وقيل إسماعيل، ثم قصي ثم قريش بعد قلعهم لها، ثم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عام الفتح، ثم عمر بن الخطاب، ثم

(1) والبريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال.

ص: 498