الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جزي ـ: من أصابه المرض بعد الإحرام لزمه أن يقيم على إحرامه حتى يبرأ وإن طال ذلك خلافا لأبى حنيفة فإن عنده كالمحصر بالعدو ، فإذا برأ اعتمر وحل من إحرامه بعمرته وليس عليه عمل ما بقى من المناسك ، فإذا كان العام القابل قضى حجته فرضا كان أو تطوعا وأهدى هديا بقدر استطاعته ، فإن لم يجد هديا صام صيام المتمتع ثلاثة في الحج وسبعه إذا رجع ، فإن تمادى به المرض حتى دخلت عليه أشهر الحج من قابل وهو محرم أقام على إحرامه حتى يقضى حجه ولا عمرة عليه ، وعليه الهدى استحبابا. وحكم المحبوس بعد إحرامه ، والضال عن الطريق ، والغالط في حساب الأيام ، والجاهل بأيام الحج حتى فاته
كحكم المريض في كل ذكرنا اهـ. وإلي جميع ما تقدم أشار خليل بقوله: وإن حصر على الإفاضة أو فاته الوقوف بغير كمرض أو خطأ عدد أو حبس بحق لم يحل إلا بعمل عمرة بلا إحرام إلخ. راجع ما قاله الأجهوري عند قول خليل أو حبس بحق، انظره في حاشية العدوي على الخرشي اهـ.
ولما أنهى الكلام فيما يتعلق بحج الصبي ومن عطف عليه انتقل يتكلم على بيان العمرة وأحكامها. فقال رحمه الله تعالى:
فَصْلٌ
في العمرة وأحكامها
أي في بيان فضل العمرة وأحكامها. وفي الحديث عن أبي هريرة قال:: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه " وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما. والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " اهـ. رواهما البخاري ومسلم كلاهما عن مالك. وفيهما أيضا عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " عمرة في رمضان تعدل حجة معي " اهـ. والأحاديث في فضلها كثيرة. وبدأ بحكمها فقال رحمه الله تعالى:
" العمرة سنة مرة في العمر " وهي في اللغة الزيارة، وفي الشرع: عبادة يلزم المحرم بها الطواف بالبيت سبعا والسعي بين الصفا والمروة كذلك. يعني أن العمرة سنة مؤكدة مرة في العمر. قال مالك: العمرة سنة، ولا نعلم أحدا من المسلمين أرخص في تركها، قال: ولا أرى لأحد أن يعتمر في السنة مرارا. قاله في الموطأ اهـ. وقال خليل في منسكه: وهي سنة على المشهور، وفي توضيح المناسك: وتستحب في كل عام مرة، ويكره تكرارها في العام على المشهور، وأجاز تكرارها مطرف وابن الماجشون.
وقال ابن حبيب: لا بأس بالعمرة في كل شهر مرة، ويستثنى من كراهة تكرارها في العام الواحد من تكرر دخوله إلى مكة من مواضع يجب عليه الإحرام منها اهـ. قال ابن جزي: وحكمها في الاستطاعة والنيابة والإجازة كحكم الحج.
قال رحمه الله تعالى: " ومحظوراتها كالحج " يعني أن ممنوعات العمرة كممنوعات الحج، وما كان ممنوعا في الحج فهو ممنوع في العمرة. قال في الرسالة: ويجتنب في حجه وعمرته النساء والطيب ومخيط الثياب والصيد وقتل الدواب وإلقاء التفث ولا يغطي رأسه في الإحرام، ولا يحلقه إلا من ضرورة ثم يفتدي اهـ.
ثم قال رحمه الله تعالى: " وأركانها الإحرام والطواف والسعي " يعني أن
أركان العمرة كأركان الحج سوى الوقوف بعرفه جزءا من ليله النحر. قال في توضيح المناسك: وأركانها ثلاثة: الإحرام ، والطواف ، والسعي. فإذا أتم سعيه كرة له أن يفعل شيئا من ممنوعات الإحرام غير الوطء قبل الحلاق ، فإن فعلها أو شيئا منها فلاشيء عليه ، ومن ذلك أن يغسل رأسه بغاسول ونحوه كما قال ابن القاسم. وإن حصل منه مذي فلا هدى عليه ، وإن وطئ أو أنزل وجب عليه الهدى. وهذا ما عليه الأجهوري. وقال
السنهوري: إن كل ما أوجب هديا في الحج يوجب هديا في العمرة ، فإن حصل منه مذى مثلا قبل الحلاق وجب عليه هدي ، كذا في المحموع وغيره اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ويحل بالحلاق أو التقصير " يعني إذا أتم سعي العمرة فإنه يحلق رأسه أو يقصره. قال في الرسالة: ثم يحلق رأسه وقد تمت عمرته. والحلاق أفضل في الحج والعمرة. والتقصير يجزئ. وليقصر من جميع شعره. وسنه المرأة التقصير اهـ كما تقدم في الحج.
قال رحمه الله تعالى: " ويصح الإحرام بها في جميع السنة إلا أيام التشريق " قال ابن جزئ في القوانين الفقهية: وتجوز في جميع السنة إلا في أيام الحج لمن كان مشغولا بأفعال الحج. وأفضلها في رمضان. وقال أبو حنيفة تكره للحاج وغيره في خمسة أيام متوالية. عرفة ، والنحر ، وأيام التشريق اهـ. وفي توضيح المناسك وللعمرة ميقاتان: زماني ومكاني فالزماني جميع السنة ولو يوم عرفه ويوم النحر وأيام التشريق لمن لم يحرم بحج ، فيعمل عمل العمرة والناس في الموقف بعرفه لأمر عمر ، رضي الله عنه ، لأبي أيوب الأنصاري وهبار بن الأسود حين قدما عليه يوم النحر ، وقد فاتهما الحج ، أن يتحللا بفعل عمرة من إحرامهما بالحج ويقضياه قابلا ويهديا كما في الموطأ. وأما من كان محرما بحج مفردا أو قارنا فإنه يمتنع إحرامه بها حتى يكمل حجه وتمضى أيام التشريق ، فإن أحرم بها قبل الزوال من اليوم الرابع من أيام منى لم تنعقد ، وإن أحرم بها بعد الزوال منه وكان قد طاف وسعي لحجه وأكمل رمى الجمار انعقد إحرامه بها مع الكراهة ، إلا أنه لا يفعل فعلا من أفعالها إلا بعد الغروب من ذلك اليوم ، وإن طاف وسعي قبل الغروب فهما كالعدم ، وإن خرج إلى الحل فلا يدخل الحرم حتى تغرب الشمس لأن دخول الحرم بسبب العمرة عمل لها ، وهو ممنوع من عملها ، فإذا دخل قبل الغروب لأجلها أعادة والمكاني يختلف باختلاف الناس ، فالواصل إلى مكة من الآفاق
إذا أراد الإحرام بالعمرة ميقاته أحد مواقيت الحج الخمسة المتقدمة ، ويستمر يلبى حتى يصل إلى حدود الحرم فيقطعها حينئذ كما مر ، وإن كان منزله من دون المواقيت
فميقاته منزله على ما تقدم، وإن كان من أهل مكة أو مقيما بها فميقاته الحل من أي جهة، والأفضل أن يبعد عن طرف الحل، وأفضل جهات الحد الجعرانة، ثم التنعيم. قال النووي: ثم الحديبية، فإذا أحرم بها من الحل فيستمر يلبي إلى بيوت مكة، فإذا أحرم وصل البيوت قطع التلبية حينئذ، ولا يجوز الإحرام بها من مكة أو الحرم، فإن أحرم بها منهما فالمعروف من المذهب انعقادها ولا دم عليه على المعروف، ويؤمر بالخروج إلى الحل قبل أن يطوف ويسعى لها، فإن طاف وسعى لها قبل خروجه إلى الحل فطوافه وسعيه كالعدم، وإن حلق رأسه لزمته الفدية، ويؤمر بإعادة الطواف والسعي والحلاق بعد الخروج إلى الحل اهـ.
وإلى ما تقدم أشار رحمه الله تعالى فقال: " ومن أحرم من الميقات قطع التلبية إذا دخل الحرم، ومن الجعرانة إذا دخل مكة، ومن التنعيم إذا دخل الحرم لطول زمانه بالتلبية والمحرم بها أيضا من الجعرانة أو التنعيم يقطع إذا دخل بيوت مكة، هذا مذهب المدونة، وفي الجلاب: لا يقطع في التنعيم إلا إذا رأى البيت اهـ. وتقدم الكلام في قطع التلبية عند قول المصنف فإذا رأى البيت قطع التلبية فراجعه إن شئت.
قال رحمه الله تعالى: " وإذا حاضت المعتمرة قبل طوافها انتظرت الطهر فإن ضاق الوقت أردفت الحج وسقط عمل العمرة " قال مالك في المرأة التي تهل بالعمرة ثم تدخل مكة موافيه للحج وهي حائض لا تستطيع الطواف بالبيت: إنها إذا خشيت الفوات أهلت بالحج وأهدت وكانت مثل من قرن الحج والعمرة وأجزأ عنها طواف واحد كما في الموطأ اهـ. قال الباجي: قوله إنها إذا خشيت الفوات أهلت
بالحج وأهدت يريد لقوانها، قال وكانت مثل من قرن الحج والعمرة، يريد أنها في أحكامها مثل التي قرنت الحج والعمرة، إلا أن التي أحرمت بهما من ميقاتها يلزمها طواف الورود، وهذه التي أردفت الحج بمكة لا يلزمها ذلك لأنها أحرمت بالحج من الحرم ولا يلزمها للحج الورود، والمعتمر لا يلزمه ذلك أيضا، وإنما يطوف عند ورود طواف عمرته اهـ. وعن ابن عباس مرفوعا " أن النفساء والحائض تغتسل وتحرم وتقضي المناسك كلها غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر " اهـ أخرجه الترمذي.
قال رحمه الله تعالى: " والمستحاضة تغتسل تحرم وتقف وتنتظر الطهر للطواف. والله أعلم " وفي الحديث عن عائشة، رضي الله عنها:" أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال: " لا
إن ذلك عرق وليس بالحيضة، ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي " اهـ.
فعلمنا أن دم الاستحاضة ليس بالحيض، ولا يمنع شيئا من العبادة. والمعنى أن المستحاضة تغتسل بالإحرام لأنه سنة لكل من يريد الإحرام ولو حائضا أو نفساء، لما في الموطأ عن أسماء بنت عميس أنها ولدت محمد بن أبي بكر بالبيداء وذكر ذلك أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" مرها فلتغتسل ثم لتهل " اهـ والاستحاضة لا تمنع شيئا مما يمنعه الحيض، لكن يستحب لها أن تتوضأ لكل صلاة كما يسن لها الغسل عند الإحرام بحج أو عمرة، وكذلك إذا انقطع عنها الدم إن ميزت به، قال ابن جزي: وأما دم الاستحاضة فهو الخارج من الفرج على المرض فلا تنتقل المستحاضة إلى حكم الحائض إلا بثلاثة شروط: أحدها أن يمضي لها من الأيام في الاستحاضة مقدار أقل الطهر. ثانيها أن يتغير الدم عن صفة الاستحاضة إلى الحيض فإن دم الحيض أسود غليظ ودم الاستحاضة أحمر رقيق والصفرة والكدرة حيض. ثالثها أن تكون المرأة مميزة ولا تمنع الاستحاضة شيئا مما يمنع من الحيض، ويستحب للمستحاضة
أن تتوضأ لكل صلاة وأوجبه الشافعي اهـ. وقوله وتقف وتنتظر الطهر للطواف، يعني أن المستحاضة يجوز لها أن تقف بعرفة وتؤدي جميع المناسك مثل الحائض إلا أن الحائض تمكث حتى تطهر لا بد منه أو يمضي من الزمان قدر ما يحبس النساء الدم فإذا مضى ذلك ولم ينقطع صارت مستحاضة بعد أيام الاستظهار. قال مالك في المرأة حاضت بمنى قبل أن تفيض فإن كريها يحبس عليها أكثر مما يحبس النساء الدم. قال الشارح أبو الوليد الباجي: أي يحبس عليها بقدر ما يحكم للمرأة بأنها حائض، فإذا حكم لها بالاستحاضة اغتسلت وطافت ورجعت اهـ. قال الحطاب: فإن مضى قدر حيضها والاستظهار ولم ينقطع الدم فظاهر المدونة أنها تطوف لأنها مستحاضة اهـ. وقال الدردير في المستحاضة: لكن يندب إذا انقطع أن تغتسل. وقال الصاوي أي لأجل النظافة وتطييب النفس كما يندب غسل المعفوات إذا تفاحش ذلك والاستحاضة من جملتها والله أعلم.
ولما كان المصنف لم يذكر زيارة النبي صلى الله عليه وسلم في إرشاده معتمدا لشهرتها أو لغرض آخر أتيت هنا بذكر شيء منها، وختمت بها هذا الجزء تبركا، كما ختم بذكرها بعض الصالحين مناسكهم، فقلت مستعينا بالله تعالى: