الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عثمان بن عفان، ثم معاوية، ثم عبد الملك بن مروان، ثم المهدي العباسي. وهؤلاء أظهروا ما حدده سيدنا إبراهيم بعد درسه لا أنهم أحدثوا حدودا من عند أنفسهم اهـ مع زيادة من الحطاب على منسك خليل. ثم اعلم أنه لا جزاء عندنا في قطع شجر الحرم، بل يجب على من قطعه الاستغفار كعقد المكاح. قال مالك في الموطأ: ليس على المحرم فيما قطع من الشجر في الحرم شيء، ولم يبلغنا أن أحدا حكم عليه فيه بشيء وبئس ما صنع اهـ وقال ابن جزي في القوانين: ولا يقطع شيئا من شجر الحرم يبس أم لا، فإن فعل استغفر الله ولا شيء عليه. وقال الشافعي: في الشجرة الكبيرة بقرة، وفي الصغيرة شاة اهـ.
ثم انتقل يتكلم على دماء الحج فقال رحمه الله تعالى:
فَصْلٌ
في دماء الحج مطلقا وسن الهدي وغيره مما يجزئ وما لا يجزئ
أي في بيان أحكام دماء الحج والعمرة أو غيرهما كالنذر، أما دماء الحج فهي على ثلاثة أنواع: الهدي والفدية وجزاء الصيد. قال رحمه الله تعالى: " دماء الحج كلها هدي إلا نسك الأذى " يعني أن دماء الحج كلها تسمى هديا إلا ما استثنى منها
فهي فدية الأذى وجزاء الصيد، فكل منهما يختص بأحكام وشروط تأتي بمحلها إن شاء الله تعالى. قال خليل: وغير الفدية والصيد مرتب هدي، ثم ذكر مراتب الدماء فقال رحمه الله تعالى:" وأعلاه بدنة وأدناه شاة " يعني الأفضل ما يهدى به من الأنعام البدنة لكثرة لحمها. قال الصاوي: لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أكثر هداياه الإبل، نحر في حجة الوداع مائة باشر منها ثلاثا وستين، ونحر علي سبعا وثلاثين.
ويؤخذ من هذا الحديث أن مباشرة النحر بيده أفضل إلا للضرورة فيستنيب المسلم، لأن الكافر لا مدخل له في القرب، عكس الضحايا فإن الأفضل فيها الضأن لأنه صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين اهـ. قال خليل:
وندب إبل فبقر، قال الخرشي: قد علمت السلام كان أكثر هداياه الإبل. وضحى بكبشين ثم البقر، ثم الغنم لأن الأفضل في باب الهدايا كثرة اللحم، عكس باب الضحايا اهـ. وفي الرسالة: وأما في الهدايا فالإبل أفضل، ثم البقر، ثم الضأن، ثم المعز. وفي توضيح المناسك: ويستحب في الهدي واجبا كان أو تطوعا كونه من الإبل، ثم من البقر، ثم من الضأن، ثم من المعز، وكونه ذكرا وفحلا إن لم يكن الخصي أسمن، وكونه سمينا وأبيض وأقرن اهـ. وسيأتي في الضحايا أنه عليه السلام:" ضحى بكبش أقرن يطأ في سواد، ويبرك في سواد وينظر في سواد. زاد النسائي: ويأكل في سواد " رواه مسلم وغيره اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " وتقليده تعليق نعل في عنقه، وإشعاره شق صفحة سنامه اليسرى " وفي الموطأ عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا أهدى هديا من المينة قلده وأشعره بذي الحليفة، يقلده قبل أن يشعره، وذلك في مكان واحد وهو متوجه إلى القبلة، يقلده بنعلين، ويشعره من الشق الأيسر ثم يساق معه حتى يقف به مع الناس بعرفة، ثم يدفع به معهم إذا دفعوا، فإذا قدم منى غداة النحر نحره قبل أن يحلق أو يقصر، وكان هو ينحر هديه بيده يصفهن قياما ويوجههن إلى القبلة ثم يأكل ويطعم اهـ. وقد تقدم الكلام في التقليد والإشعار في فصل أركان الحج عند قوله:" فمن يريد الإحرام إذا أتى الميقات إن كان معه هدي قلده وأشعره " فراجعه إن شئت.
ثم قال رحمه الله تعالى: " وهو في السلامة والسن كالأضحية " يعني كما قال خليل: وسن الجميع وعيبه كالضحية. والمعتبر حين وجوبه وتقليده قال الشارح: والمعنى أن سن جميع دماء الحج من إبل وبقر وغنم: نسك، أو جزاء، أو هدي عن نقص أو نذر، أو تطوع. وعيبه مما يجزئ معه وما لا يجزئ
كالأضحية الآتية في بابها. والمعتبر في مساواة الدماء بالضحايا في السن والعيب إنما هو من حين وجوبه وتقليده ، لا يوم نحره
على المشهور اهـ. في توضيح المناسك: ويشترط فيه ـ أي في الهدي ـ سواء كان واجبا أو تطوعا من السن والسلامة من العيب ما يشترط في الأضحية. فالسن إن كان من الإبل أن يكون ابن خمس سنين ودخل في السادسة ، وإن كان من البقر أن يكون ابن ثلاث سنين ودخل في الرابعة ، وإن كان من الضأن أن يكون ابن سنه ودخل في الثانية أي دخول ، فلو ولد الضأن يوم عرفة في العام الماضي كفى ذبحه يوم النحر ، وأن كان من المعز أن يكون ابن سنة ودخل في الثانية دخولا بينا كشهر. والسلامة من العيوب أن لا يكون مكسور القرن يدمى ، وأما إن برئ فيجزئ ، وأن لا يكون دائم الجنون بأن كان لا يهتدي معه لما ينفعه ولا يتجنب ما يضره ، وأن لا يكون بين المرض والجرب والبشم والهزال والعرج والعور ، وأما خفيف ما ذكر فيجزئ. والمراد بالبشم التخمة. والمراد بين العور ذاهب بصر إحدى العينين ، ولو كانت صورة العين قائمة. وكذا ذاهب أكثره ، فإن كان بالعين بياض لا يمنع البصر أجزأ وأن لا يكون أبتر لا ذنب له ولا أبكم أي فاقد الصوت ، ولا أبخر ولا يابس الضرع جميعه ، فإن أرضعت الشاة ببعضه فلا يضر. ولا مشقوق أكثر من ثلث الأذن. ولا مكسور أكثر من سن إن كان لغير إثغار أو كبر ، والواحدة لا تمنع الإجزاء على الأصح. ولا ذاهب ثلث الذنب ولا نصفه الأذى. ولا ناقص شيء من الأعضاء إلا إن كانت الخصية فلا يمنع الإجزاء. وأن لا يكون صغير الأذنين صغرا فاحشا ، وأن لا تكون أمه وحشية وأبوه من الأنعام باتفاق. وكذلك إن كان أبوه وحشيا وأمه من الأنعام على المعتمد. والمعتبر في سلامته من العيوب المذكورة وقت التقليد والإشعار والتعيين ، فلو كان سالما وقت تعيينه ثم طرأ عليه عيب أجزأ سواء كان واجبا وتطوعا على المذهب. ولو عين الهدى وهو معيب ثم سلم لم يجزه اهـ.
ثم قال رحمه الله تعالى: " فيوقفه بعرفة وينحره بمنى وما لم يوقف منحره مكة ، وسبيل ولدها سبيلها " يعنى يجب أن يقف به بعرفة وينحره بمنى إن ساقه
في الحج ، وإن لم يوقف بعرفة فمحل ذبحه مكة. قال في الرسالة: فمن قرن أو تمتع من غير أهل مكة فعليه هدى يذبحه أو ينحره بمنى إن أوقفه بعرفه ، وإن لم يوقفه بعرفة فلينحره بمكة بالمروة بعد أن يدخل به من الحل ، فإن لم يجد هديا فصيام ثلاثة أيام في الحج ، يعني من وقت أن يحرم ألي يوم عرفة فإن فاته ذلك صام أيام منى وسبعة إذا اهـ. وقال خليل عاطفا على المندوبات: ووقوفه به المواقف ، والنحر بمنى إن كان في حج ووقف به هو أو نائبه ، كهو بأيامها وإلا فمكة. قال
الحطاب: الاستحباب راجع لإيقافه جميع المواقف ، وليس المراد أن إيقافه في كل موقف مستحب لأن إيقافه بعرفه شرط في ذبحه بمنى. وقال ابن هارون نقلا عن التوضيح: وأما اشتراط كون الوقوف بالهدى ليلا فلا أعلم في ذلك خلافا. لأن كل من اشترط الوقوف بعرفه جعل حكمه حكم ربه فيما يجزى من الوقوف اهـ. قال في توضيح المناسك: ويستحب إحضار الهدي المشاعر كالمشعر الحرام ومنى وعرفة ألا منحور منى فإحضاره عرفة واجب. ثم قال: اعلم أن الهدى مطلقا كان لنقص في حج أو عمرة ، أو تطوعا لا بد فيه من الجمع بين الحل والحرم ، فلا يجزئ ما اشترى بمنى وذبح بها لأن من الحرم. وكل هدي استوفى شروطا ثلاثة يجب ذبحه بمنى على الراجح. وقيل يندب. والوجوب ليس شرطا فيصح ذبحه بمكة مع الشروط: الشرط الأول أن يساق الهدى في إحرام حج ، الثاني أن يقف به هو أو نائبه جزءا من الليل بعرفه ، فلا يكفى وقوف التجار به ، إلا إذا اشتراه منهم ووكلهم في الوقوف به ، الثالث أن يكون ذبح الهدى أو نحره في يوم النحر أو تالييه ، فإن فقدت هذه الشروط أو بعضها وجب ذبحه بمكة ، والأفضل بمكة المروة ، ومكة كلها منحر ، ولا يجزئ ذبحه بمنى حينئذ ، والأفضل بمنى عند جمرة العقبة ، ولا يجوز النحر دونها مما يلي مكة لأنه ليس من منى اهـ مع طرف من الدسوقي. قوله: وسبيل ولدها سبيلها يعنى إذا ولدت الهدى ولدا فسبيل ولدها سبيل الأم يجب نحره معها حيث نحرت ، هذا إذا ولدته بعد التقليد
والأشعار ، وأما لو ولدته قبل ذلك فحمله ونحره معها مندوب إن أمكن ، وإلا فحكمه كهدى التطوع إذا عطبت قبل محلها من أنها تنحر ويترك بينها وبين الناس يأكلون ، ولا يأكل هو ، فإن أكل منها شيئا ضمن بدله. قال خليل: وحمل الولد على غير إلخ قال الخرشي: يعني أن الإنسان إذا أهدى بدنه وقلدها وأشعرها ثم ولدت فإنه يلزمه أن يحمل ولدها وجوبا معها ألي مكة ، إذ لا محل له دون البيت ، فإن لم يجد غيرها يحمله عليه على أمه إن كان فيها قوة ، وإن نحره دون البيت وهو قادر على تبليغه هدى بدله ، فإن لم يمكن حمله عليها لعجزها عن ذلك إما لضعفها أو لخوف موتها فإنه يتركه من يحفظه حتى يشتد ، فإن لم يمكن تركه عند من يحفظه بأن كان في فلاة من الأرض مثلا فإنه يصير حكمه كهدي التطوع ، وإن كانت من الهدى الواجب. قاله عبد الملك اهـ.
ثم انتقل في بيان ما تقدم من الترتيب في الهدي بعد العجز عن الذبح فقال رحمه الله تعالى " فمن عدمه صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع " تلك عشرة كاملة كما في الآية. في المدونة إنما يجوز الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إن لم يجد هديا صام قبل يوم النحر ثلاثة أيام وسبعة إذا رجع ، فإن لم
يصمها قبل يوم النحر صامها أيام التشريق يفطر يوم النحر الأول ويصومها فيما بعد يوم النحر ، فإن لم يصمها في أيام التشريق فليصمها بعد ذلك إذا كان معسرا اهـ. وإلى ما تقدم أشار رحمه الله تعالى بقوله:" ويجوز قبل رجوعه " يعني يجوز لمن عدم الهدى وفاته صيام الثلاثة قبل الوقوف أن يصوم ثلاثة أيام بمنى ، أو بمكة قبل رجوعه إلى مكة أو إلى بلده ، ويصوم السبعة حيث شاء. هذا إذا حصل موجب الهدى قبل الوقوف. أما إذا حصل بعد الوقوف بعرفة فإنه إذا لم يجد هديا صام عشرة أيام حيث شاء ، ويستحب تتابعها. وإن قدر على الهدى قبل أن يصوم وجب الرجوع إلى الأصل وهو الهدى ، فلا يجزيه الصيام حينئذ فتأمل. وقال في توضيح المناسك:
وما ذكر من صوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع محله إذا تقدم النقص على وقوفه كدم التمتع ، والقران ، وترك التلبية ، وتعدي الميقات. وتأخير الثلاثة أو بعضها لغير عذر إلي أيام منى مكروه على المعتمد ، فيصوم الأيام الثلاثة التي بعد يوم النحر ، وهى أيام التشريق ، وإن حرم صوم ثاني النحر وثالثه في غير هذا. وكره صوم رابعة تطوعا. فإن لم يصمها وأخرها ولو عمدا صامها متى شاء، وصلها بالسبعة أولا. ،وأما إذا تأخر النقص عن الوقوف بعرفة كترك النزول بالمزدلفة ، وترك رمى الجمار أو المبيت بمنى ، فإنه يصوم العشرة متى شاء اهـ.
قال رحمه الله تعالى:" والمعتمر يتطوع به ، ثم يصير قارنا يلزمه آخر لقرانه " وما ذكره من إلزامه هديا آخر خلافا لما في خليل ونصه: وإن أردف لخوف فوات أو لحيض أجزأ التطوع لقرانه. قال الخرشي: المشهور أن الهدى يجب بالتقليد أو الإشعار ، أحرم الإنسان بعمرة وساق معه هديا تطوعا وقد قلده أو أشعره ثم خاف إن تشاغل بعمل العمرة فاته الحج ، أو حاضت وخافت فوات الحج فإنهما يردفان الحج على العمرة ويصير كل منهما قارنا ويجزئه هذا الهدى الذي قلده أو أشعر قبل الإرداف عن دم القران. وهدي التطوع هو ما سيق لغير شيء وجب أو يجب في المستقبل اهـ. وقال في توضيح المناسك: إن ساق هدي التطوع في إحرام العمرة ثم أردف عليها الحج ، أو حج متمتعا أجزأ عن القران والتمتع ، ولو وجب بالتقليد والإشعار اهـ خلافا لما قال المصنف من أنه يلزمه هدي آخر لقرانه. لكن في الحطاب ما يؤيده. والله أعلم بالصواب اهـ.
ثم انتقل يتكلم في بيان ما يتعلق بجواز الأكل وما لا يجوز أكله ، فقال رحمه الله تعالى:" ويجوز الأكل منه " أي من كل هدى ترتب عن نقص أي بترك الواجب في حج وعمرة ونحو ذلك ، كهدى الفساد ، أو الفوات ، أو المذي ، أو التمتع والقران ، وكهدى التطوع بلغ المحل. وقال في توضيح المناسك: تنبيه يجوز
لرب هدي التمتع والقران
ونحوهما الأكل منه قبل المحل لأنه يلزمه بدله ، ويجوز له الأكل بعده ، والتزود وإطعام الغنى والقريب ، والتصدق والإهداء بالكل والبعض بلا حد. وكره أكله كله.
ثم ذكر ما استثني عن أكله فقال رحمه الله تعالى: " إلا جزاء الصيد ، وفديه الأذى ، ونذر المساكين ، وهدى التطوع يعطف قبل محله " يعني يحرم عليه أكل ما استثنى من جزاء الصيد وما عطف عليه. قال في الرسالة: ولا يأكل من فدية الأذى ، وجزاء الصيد ، ونذر المساكين ، وما عطب من هدى التطوع قبل محله. ويأكل مما سوى ذلك إن شاء اهـ. وقال الدردير في اقرب المسالك: ولا يؤكل من نذر مساكين عين ولو لم يبلغ الحل كهدى تطوع نواه لهم وفديه ، كنذر لم يعين وجزاء صيد ، وفديه نوى بها الهدى بعد المحل ، وهدى تطوع عطب قبله ، ويأكل مما سوى ذلك مطلقا واه إطعام الغنى والقريب. ورسوله كهو. والخطام والجلال كاللحم فإن أكل ربه من الممنوع أو أمر غير مستحق ضمن بدله إلا نذر مساكين عين فقدر أكله اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ومن أكل مما ليس له أكله ضمن. وهل لحما أو قيمة قولان " قال العلامة الصاوي في حاشيته على الدردير: الحاصل أن رب الهدي الممنوع من الأكل منه إن أكل لزمه هدي كامل إلا في نذر المساكين المعين، إذا أكل منه فقولان في قدر اللازم له، وإن أمر أحدا بالأكل فإن أمر غنيا لزمه هدي كامل إلا في نذر المساكين المعين فلا يلزمه إلا قدر أكله فقط. ويحتمل أن يجري فيه القولان الجاريان في أكله هو. وأما الرسول فإن أمر غير مستحق أو أكل وهو غير مستحق فإنه يضمن قدر ما أمر به أو أكله فقط في جميع الممنوع منه، وإلا فلا ضمان. هذا هو الصواب اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ولا يركب ولا يحمل عليه إلا لضرورة فإذا زالت بادر إلى النزول والحط عنه " يعني أن المطلوب في الهدي عدم ركوبها إلا لضرورة. قال خليل: وندب عدم ركوبها بلا عذر. قال الخرشي: يعني أن الهدي يندب لصاحبه
عدم ركوبه إذا كان لا عذر له ولا يحمل عليها زاده ولا شيئا يتبعها، وأما مع العذر فإنه يجوز له أن يركبها، فلو تلفت في هذه الحالة فإنه لا شيء عليه، وإذا ركبها لغير عذر وتلفت ضمنها. وقال ابن عبد السلام: ركوب الهدي لضرورة جائز، ولغير ضرورة المشهور كراهته، والقول الثاني جوازه ما لم يكن ركوبا فادحا اهـ الحطاب. والدليل على جواز ركوبها ما في الحديث عن أبي هريرة: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة مقلدة فقال: اركبها، فقال يا رسول الله إنها
بدنه فقال اركبها " وفي راوية لمسلم " ويلك اركبها ، ويلك اركبها " وفي أخرى للبخاري أى من رواية عكرمة قال الراوي " فلقد رايته راكبها يساير النبي صلى الله عليه وسلم والنعل في عنقها " اهـ وعن مالك: لا يلزمه النزول بعد الراحة. وإذا نزل لحاجه أو لليل لم يركبها أيضا حتى يحتاج إلى ذلك كأول مرة اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ولا تجوز الشركة في الهدي " يعني كما في الموطأ عن مالك أنه سمع بعض أهل العلم يقول: لا يشترك الرجل وامرأته في بدنه واحدة ، لينحر كل منهما بدنه اهـ وقال في المدونة: لا يجوز أن يشترك في شيء من الهدى لا في تطوعه ، ولا في واجبه ، ولا في هدي نذر ، ولا في هدي نسك ، ولا جزاء الصيد اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ويفسد الحج بالوطء واستدعاء المنى ما بين الإحرام ورمى جمرة العقبة ، ويلزمه إتمامه والقضاء ، والهدى يسوقه في حجة القضاء " يعنى كما في الدردير عاطفا على ما يحرم على المحرم. قال والجماع ومقدماته. وأفسد مطلقا ، كاستدعاء منى وإن بنظر أو فكر إن وقع قبل يوم النحر أو فيه فبل رمى عقبه وإفاضة ، أو قبل تمام سعى العمرة وإلا فهدى ، كإنزال بمجرد نظر أو فكر ، وإمذاؤه وقبلة بفم ، ووجب إتمام المفسد إن لم يفته الوقوف ، وإلا تحلل بعمرة ، فإن لم يتمه فهو باق على إحرامه ، فإن أحرم فلغو. وقضاؤه ، أي ووجب قضاؤه ، وفوريته ، وقضاء القضاء ،
وهدى له ، وتأخير للقضاء ، وأجزأ إن قدم واتحد ، أي هدي الفساد وإن تكرر موجبه بنساء اهـ. وقال في توضيح المناسك: يحرم على المحرم مغيب الحشفة أو مثلها من مقطوعها في القبل والدبر من آدمي أو غيرة ، وإن لم ينزل ، ناسيا أو عامدا ، مكرها أو طائعا ، فاعلا أو مفعولا. ويفسد بذلك الحج ولو من صبى ، أو في غير مطيقة ، أو كان على الحشفة ساتر كثيف ، أو غابت في هو الفرج ، كذا لعبد الباقي ، وخصه البناني بموجب الغسل. ويفسد أيضا بإخراج المنى بقبلة أو جسة أو غير ذلك ولو لم يستدم ، وباستدامة ، نظر أو فكر فإن أنزل بمجرد النظر أو بمجرد الفكر من غير استدامة لم يفسد ، ولكن يجب الهدى بذلك. وفساد الحج بما ذكر إن وقع قبل التحللين: الأصغر وهو رمى جمرة العقبة كما تقدم ، والأكبر وهو طواف الإفاضة ، وقبل مضي يوم النحر. وحيث فسد الحج فيجب إتمامه إن أدرك الوقوف ، فإن لم يدركه لصد ونحوه وجب تحلله منه بفعل عمرة. ولا يجوز له البقاء على إحرامه لقابل ، لأن فيه التمادي على الفاسد مع إمكان التخلص منه. ويجب القضاء على الفور في قابل سواء كان ما أفسده واجبا أو تطوعا. ويجب الهدي وينحره في حجة القضاء ، وإن قدمه أجزأه
وكذلك يجب إتمام العمرة وقضاؤها على الفور إن فسدت. ولا يتكرر الهدي بتكرر الوطء سواء كان في امرأة واحدة أو أكثر ، فإن لم يتم حجة الفاسد ، وأحرم بقضائه في السنة الثانية فهو باق على إحرامه الفاسد ، ويكمله في السنة الثانية ، ولا يكون ذلك قضاء عما أفسده ، ويقضيه في السنة الثالثة. وإن أفسد القضاء لزمه قضاء القضاء أيضا ، وأما إن وقع ذلك المفسد بعد رمى جمرة العقبة وقبل طواف الإفاضة أو وقع قبلهما بعد يوم النحر ، أو وقع بعد الطواف وقبل ركعتيه ، أو وقع بعد الطواف بركعتيه وقبل السعي ، فيجب عليه هدى وعمرة في هذه الصور الأربع. وإنما طولب بالعمرة ليأتي بطواف وسعي لا خلل فيهما. وأما إن وقع منه ذلك بعد طواف الإفاضة وركعتيه وبعد السعي وقبل رمي جمرة العقبة أو وقع بعد ما ذكر وقبل الحلق فيجب عليه هدي فقط ولم يطلب بالعمرة في هاتين الصورتين لسلامه الطواف والسعي من الخلل اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ويفارق الموطوءة فيها من حين إحرامه إلى التحلل ، ويقضي على صفة ما أفسد " قال العلامة الصاوي نقلا عن الدسوقي: ويجب علية مفارقة من أفسد معها من حين إحرامه بالقضاء لتحلله خوفا من عوده لمثل ما مضي ، ولا يراعى في القضاء زمن إحرامه بالمفسد ، فلمن أحرم في المفسد من شوال أن يحرم بالقضاء من ذي الحجة بخلاف الميقات المكاني إن شرع فإنه يراعي ، فمن أحرم بالمفسد من الجحفة مثلا تعين إحرامه بالقضاء منها ، بخلاف ما إذا لم يشرع بأن أحرم في العام الأول قبل المواقيت فلا يجب الإحرام في القضاء إلا منها ، فإن تعدى الميقات المشروع الذي أحرمه منه أولا فدم ولو تعداه بوجه جائز ، كما لو استمر بعد الفساد بمكة إلى قابل وأحرم بالقضاء منها. وأما لو تعداه في عام الفساد فلا يتعداه في عام القضاء اهـ.
قال رحمه الله تعالى: " ولا ينكح المحرم ولا ينكح حتى يحل. ويحل بالإفاضه جميع محظورات الإحرام " قوله: حتى يحل ، وفي نسخة حتى يتحلل بلامين. وفي الموطأ عن عثمان بن عفان كان يقول:" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ينكح المحرم ولا ينكح ، ولا يخطب " " اهـ. وقد ورد أن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، رد نكاح المحرم كما في الموطأ اهـ. بمعناه. قال ابن جزي في القوانين الفقهية: فلا يجوز للمحرم أن يقرب امرأة بوطء ولا تقبيل ولا لمس ، ولا ينكح ولا ينكح ، ولا يخطبها لنفسه ولا لغيره. ويفسخ نكاحه وإنكاحه قبل البناء وبعده ، خلافا لأبى حنيفة في العقد والخطبة. ويجوز له ارتجاع المطلقة الرجعية ما دامت في عدتها. ويجوز له شراء الجواري من غير وطء اهـ. قال في توضيح المناسك:
يحرم على المحرم أن يعقد نكاحا لنفسه أو لغيره. وكل نكاح كان الولي فيه محرما أو الزوج أو الزوجة فهو باطل ، يفسخ قبل البناء وبعده بطلاق ، ولو ولدت الأولاد ولا يتأبد تحريمها ، لكن إن كان الفسخ قبل الدخول فلا شيء لها ، وإن كان بعده فلها الصداق ، لأن كل مدخول بها الصداق. ويستمر التحريم