الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
في بيان فرائض الوضوء
اعلم أن هذا الفصل عقده المصنف في بيان فروض الوضوء. والفروض جمع فرض جمع القلة، وأما الفرائض جمع فريضة، وهي جمع الكثرة، بمعنى مفروضة.
والفرض هو ما يثاب على فعله ويترتب العقاب على تركه، كالصلاة والصوم.
والوضوء - بضم الواو - هو الفعل، وبالفتح اسم للماء. وهو - أي الوضوء - مشتق من الوضاءة، وهي لغة الحسن والنظافة، واصطلاحا هو طهارة مائية تتعلق بأعضاء مخصوصة على وجه مخصوص وهي الأعضاء الأربعة اهـ. ذكره الصاوي.
اعلم أن الوضوء ليس من خصائص هذه الأمة على المعتمد، خلافا لمن قال: إنه من خصائصها، فهو ضعيف. قال الصفتي: والصحيح أن الوضوء فرض صبيحة ليلة الإسراء حين جاء جبريل فتوضأ وعلم النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء، ذكره جماعة من أهل الحديث، خلافا لبعض الشراح اهـ.
ومن فضائل الوضوء تكفير الذنوب، ورفع الدرجات، قال عليه الصلاة والسلام:" ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات. قالوا بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط " اهـ. رواه مسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة. وعن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يقول حين يفرغ من وضوئه: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء " رواه مسلم
وأصحاب السنن. وزاد الترمذي: " اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين " اهـ.
قال المصنف رحمه الله تعالى في بيان فرائض الوضوء: " فروض الوضوء " سبع على المذهب، الأولى:" غسل الوجه " والدليل على فرضيته قوله تعالى في سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى
الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} [المائدة: 6] يعني أنه يجب على المتوضئ أن يغسل جميع الوجه طولا وعرضا.
وكأن السائل سأل ما طول الوجه وما عرضه؟ فأجاب رحمه الله بقوله: حده طولا: " من منابت شعر الرأس المعتاد إلى آخر الذقن أو اللحية " يعني قد أخبر أن حد الوجه طولا من منابت شعر الرأس المعتاد إلى آخر الذقن للأمرد أو إلى آخر اللحية لمن له شعر اللحية، فيجب على الأغم - وهو من استرخى شعره - غسل بعض شعر رأسه لأنه من الوجه. قال الدردير: فيجب عليه أن يدخل في غسله ما نزل عن المعتاد، ولا بد من إدخال جزء يسير من الرأس، لأنه مما لا يتم الواجب إلا به. ولا يجب على الأصلع - وهو من انحسر شعر رأسه إلى اليافوج - أن يغسل ما انحسر عنه الشعر؛ لأنه من الرأس لا من الوجه، ويجب عليه أن لا ينتهي في غسله إلى منابت شعره اهـ.
وأجاب المصنف أيضا في حد عرض الوجه فقال: " و " حده عرضا " من الأذن إلى الأذن " قال الدردير: وحده عرضا من وتد الأذن على الوتد الآخر، فلا يدخل الوتدان في الوجه ولا البياض الذي فوقهما، ولا شعر الصدغين، ويدخل فيه البياض الذي تحتهما لأنه من الوجه.
والحاصل أن بعض الصدغ من الوجه، وهو العظم الناتئ فما دونه، وبعضه من الرأس وهو ما فوقه من الشعر، فما بين شعر الصدغين من الوجه قطعا، وشعر الصدغين من الرأس قطعا، وما فوق الوتدين من البياض من الرأس كذلك، وما تحت الوتدين من الوجه فيغسل. ودخل في الوجه الجبينان وهما المحيطان بالجبهة يمينا وشمالا اهـ. نقله الصاوي عن حاشية العدوي.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " و " الفريضة الثانية من فرائض الوضوء " غسل اليدين مع المرفقين " يعني أنه أخبر أن غسل اليدين إلى المرفقين من فرائض الوضوء والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} كما تقدم في الآية الشريفة. قال عبد السميع في شرح العزية: نبه بمع إشارة إلى أن الغاية في الآية داخلة. والمرفق بكسر أوله وفتح ثالثه: آخر الذراع المتصل بالعضد اهـ. وفي الرسالة: ثم يغسل يده اليمنى ثلاثا أو اثنتين، يفيض عليها الماء ويعركها بيده اليسرى، ويخلل أصابع يديه بعضها ببعض، ثم يغسل اليسرى كذلك ويبلغ فيهما بالغسل إلى المرفقين يدخلهما في غسله. وقد قيل إليهما حد الغسل، فليس بواجب إدخالهما فيه، وإدخالهما أحوط لزوال تكلف التحديد اهـ.
قال المصنف رحمه الله: " و " الفريضة الثالثة من فرائض الوضوء: " مسح جميع
الرأس مباشرة " يعني أن مسح جميع الرأس من فرائض الوضوء. والدليل على ذلك قوله تعالى {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} قال الدردير على أقرب المسالك: الفريضة الثالثة مسح جميع الرأس، من منابت الشعر المعتاد من المقدم إلى نقرة القفا، مع مسح شعر صدغيه مما فوق العظم الناتئ في الوجه. وأما هو فلا يمسح بل يغسل في الوجه.
ويدخل في الرأس البياض الذي فوق وتدي الأذنين كما مر، ومع مسح ما استرخى من الشعر ولو طال جدا، وليس على الماسح
من ذكر أو أنثى نقض مضفوره، ولو اشتد الضفر ما لم يكن بخيوط كثيرة، وإلا نقض لأنها حائل، واغتفر الخيطان.
وأما الغسل فلا بد فيه من نقض ما اشتد ضفره ولو بنفسه بحيث لا يظن سريان الماء في خلاله، كالمضفور بخيوط كثيرة، وأدخل الماسح يده وجوبا تحت الشعر المستطيل في رد المسح، إذا كان لا يحصل التعميم إلا به. ومحل قولهم الرد سنة أي بعد التعميم، ذكره الأجهوري، ورد بأن جميع نصوص أهل المذهب على أن الرد بعد مسح ظاهر الشعر أولا سنة، ولا يجب رد أصلا اهـ. قال في الرسالة: ثم يأخذ الماء بيده اليمنى فيفرغه على باطن يده اليسرى، ثم يمسح بهما رأسه يبدأ من مقدمه من أول منابت شعر رأسه وقد قرن أطراف أصابع يديه بعضهما ببعض على رأسه وجعل إبهامه على صدغيه، ثم يذهب بيديه ماسحا إلى أطراف شعر رأسه مما يلي قفاه، ثم يردهما إلى حيث بدأ، ويأخذ بإبهاميه خلف أذنيه إلى صدغيه، وكيفما مسح أجزأه إذا أوعب رأسه. الحطاب: والمشهور من المذهب أن مسح جميعه واجب، فإن ترك بعضه لم يجزه. وقال ابن ناجي في شرح قول الرسالة: وكيفما مسح أجزأه إذا أوعب رأسه: ظاهر كلام الشيخ أنه إن ترك بعضه وإن قل لا يجزئه، وهو كذلك عند مالك اهـ.
قال الشيخ يوسف الصفتي: تنبيه: الدليل لنا على وجوب مسح جميع الرأس التمسك بظاهر القرآن وفعله عليه الصلاة والسلام، ففي الموطأ والصحيحين:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه " فهذا صريح في أنه مسح جميعه. وأما القرآن فقوله تعالى: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} لأن الباء للإلصاق، وأما كونها للتبعيض فلم يصححه أهل اللغة. وقال ابن جني: لا يعرفه أصحابنا البصريون. وقال بعضهم: لم أر أحدا نقله عن الكوفيين ولا عن غيرهم اهـ.
وعلى ما تقرر من أن الباء هي للإلصاق (1) أشار به المصنف في قوله:
" مباشرة " أي بيديك ملاصقا بهما على رأسك، وإليه أشار صاحب الرسالة في صفة المسح بقوله: وقد قرن أطراف أصابع يديه بعضها ببعض على رأسه إلى آخر كلامه، فإن ترك مسح جميع الرأس بطل المسح على المشهور في المذهب.
قال المصنف رحمه الله: " و " الفريضة الرابعة من فرائض الوضوء: " غسل الرجلين مع الكعبين " يعني أن غسل الرجلين مع الكعبين من فرائض الوضوء كما سبق في الآية الكريمة. وقال الخرشي: ووجوب غسل الرجلين ثابت بالكتاب والسنة والإجماع والقياس. قال الدردير على أقرب المسالك: الفريضة الرابعة غسل جميع الرجلين، أي القدمين مع إدخال الكعبين في الغسل، وهما العظمان النلتئان، أي البارزان أسفل الساق تحتهما مفصل الساق. والمفصل بفتح الميم وكسر الصاد المهملة واحد المفاصل، وبالعكس اللسان. ويجب تعهد ما تحتهما كالعرقوب والأخمص بالغسل وكذا سائر المغابن. أي وجميع ما لا يكاد يداخله الماء بسرعة فليبالغ بالعرك مع صب الماء كما في الرسالة اهـ.
قال المصنف رحمه الله: " وفي تخليل الأصابع خلاف " قال في المختصر: وندب تخليل أصابعها: يعني أن تخليل أصابع الرجلين مندوب على المشهور في المذهب، ومقابله أنه يجب وهو ضعيف، وإن رجحه بعضهم. وفي الدردير: وندب تخليل أصابع الرجلين. يبدأ ندبا بخنصر اليمنى ويختم بإبهامها من أسفلها بسبابته، ثم يبدأ بإبهام اليسرى ويختم بخنصرها كذلك. والدلك باليد اليسرى اهـ.
وقال في العزية: وندب تخليل أصابعهما: قال الشارح: وإنما كان التخليل مندوبا لا واجبا لأن شدة التصاق
(1) وقيل ليس هومباشرة بل هو مقصد آخر في كتب النحو اهـ.
الأصابع صيرها كالعضو الواحد، وهذا حكمها في الوضوء، وأما في الغسل فالتخليل واجب على أقوى القولين اهـ. وفي الرسالة: وإن شاء خلل أصابعه في ذلك، وإن ترك فلا حرج، والتخليل أطيب للنفس فلا يبقى معه شك.
وفي الأخضري: ويجب تخليل أصابع اليدين، ويستحب في أصابع الرجلين. فقد بان لك ان المشهور في تخليل أصابع الرجلين الندب، والله أعلم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " و " الفريضة الخامسة من فرائض الوضوء: " الموالاة مع الذكر والقدرة " يعني أن الفريضة الخامسة من فرائض الوضوء الموالاة، بشرط الذكر والقدرة، وتسقط مع العجز والنسيان. وقد اختلف أهل المذهب في وجوب الموالاة وسنيتها كما في المختصر، والمشهور الوجوب. قال في أقرب المسالك: وموالاة إن ذكر وقدر. وقال الشارح: الفريضة السادسة الموالاة بين أعضاء الوضوء بأن لا يتراخى بينهما، والتعبير بالموالاة أولى من التعبير بالفور، لأنه يوهم العجلة حين غسل الأعضاء، وليس هو المراد. ومحل
وجوب الموالاة إن كان ذاكرا قادرا عليها، فإذا فرق بين الأعضاء اختيارا مع القدرة عليها بطل ما فعله من الوضوء وأعاده بالنية، وإن فرق ناسيا أنه في حال الوضوء، أو عاجزا عنها ففيه تفصيل، وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله:" ففي النسيان يبني مطلقا، وفي العجز ما لم يطل الفصل " يعني إنما يبني الناسي مطلقا بنية الإتمام كالعاجز إن لم يفرط، وإلا بنى ما لم يطل بجفاف عضو وزمن اعتدالا، كالعامد. وقال الشارح: يعني أن من فرق بين الأعضاء ناسيا كونه في وضوئه فإنه يبنى على ما فعل، طال الزمن أو لم يطل، ولو أكثر من نصف النهار بنية إتمام الوضوء وهو معنى الإطلاق. وأما لو فرق عاجزا عن إكمال الوضوء، لم يكن مفرطا في أسباب العجز كما لو أعد ماء كافيا لوضوئه فأهريق منه، أو غصب، أو أكره على عدم الإتمام فإنه يبني كالناسي مطلقا طال أو لم يطل، وإن كان مفرطا كما لو أعد من
الماء ما لا يكفيه ولو ظنا ولم يكفه، فإنه يبني على ما فعل ما لم يطل الفصل، وصار حكمه حكم العامد المختار، كالذي يغسل بعض الأعضاء بمكان ثم ينتقل لتكميله بمكان آخر، أو استمر في مكانه تاركا لتكميل وضوئه قصدا بلا رفض، فإن طال ابتدأ وضوءه وجوبا لعدم موالاة، والطول يقدر بجفاف العضو الأخير لزمن العدل. أي الذي لا حرارة به ولا برودة فيه ولا شدة هواء، ويعتبر أيضا اعتدال العضو أي توسطه بين الحرارة والبرودة احترازا من عضو الشاب والشيخ الكبير السن. ولا بد من اعتبار اعتدال المكان أيضا بأن لا يكون القطر حارا ولا باردا انتهى. قاله الدردير على أقرب المسالك. انظر الصفتي عند قول عبد الباري: والفور، تجد هناك جل ما قررناه فيما نقله عن الخرشي والحاشية.
ثم ذكر المصنف رحمه الله الفريضة السادسة وذكرها على خلاف أسلوبه فقال: " والنية شرط " أخبر رحمه الله أن النية شرط، لو قال والنية فرض، أو قال ونية رفع الحدث في ابتدائه أو استباحة ما منعه، أو أداء الفرض كما فعل غيره لكان أحسن؛ لأن التعبير بالشرط يوهم عدم الفريضة؛ لأن الشرط غير الفرض على المعروف، وهو خارج عن الماهية، والفرض داخل في الماهية. هذا هو المشهور (1).
وقد قال بعضهم في تعليقة على هذا الكتاب: اعلم أن كتاب الإرشاد ألفه صاحبه على طريقة مالكية العراق، فهو يمثل أسلوبهم ويمشي على ما رجحوه من الروايات واستظهروه من الأقوال مما يخالف ما عرفه متأخرو المالكية الذين اقتصروا على مختصر الشيخ خليل وشروحه وحواشيه، فإذا رأى القارئ شيئا هنا يخالف ما في المختصر أو
(1) وفي القاموس المحيط: (الشرط إلزام الشيء والتزامه)، وهو معنى الفرض. والشرط واللزوم والركن والفرض، وكل هذا يرجع إلى مقصد واحد. اهـ مصححه.
الرسالة، أو العزية فليحمل على تخالف طريقتي العراقيين وغيرهم. وهذه أهم فوائد هذا المتن مع وضوح عبارته وخلوها من الحشو والتعقيد اهـ.
قال المصنف رحمه الله: " ففي طهارة الحدث ينوي به رفع الحدث أو استباحة ما يمنعه " وفي نسخة في طهارة بلا زيادة الفاء. وما قررناه أثبت، يعني أنه المترتب على الأعضاء أو أستباحة ما منعه الحدث، أو يقصد أداء فرض الوضوء.
والأولى ترك التلفظ بذلك؛ لأن حقيقة النية بالقلب لا علاقة لها باللسان اهـ الدردير.
ثم اعلم أن المقصود بالنية في جميع الأعمال تمييز العبادات عن العادات، وتمييز بعض العبادات عن بعضها، ولذا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:" إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى " رواه الشيخان.
قال المصنف رحمه الله: إن المتوضئ ينوي ما ذكر من رفع الحدث ونحوه: " عند غسل الوجه، وقيل عند المضمضة " يعني أنه اختلف الأئمة في أي عضو ينوي عنده المتوضئ. قيل عند غسل الوجه وهو المشهور. وقيل عند المضمضة.
وقيل عند غسل اليدين حين الشروع في الوضوء لئلا يخلو غسل اليدين عن النية.
وقد علمت أن المشهور الذي عليه أهل المذهب أنه ينوي عند غسل الوجه. قال الشيخ صالح عبد السميع في هداية المتعبد: النية هي قصد الشيء مقرنا بفعله، فإن كان ذلك الشيء وضوءا فينوي عند غسل الوجه استباحة الصلاة أو رفع الحدث أو الفريضة، ومحلها القلب، وتكون عند أول مفعول كالوجه في الوضوء، وعند تكبيرة الإحرام في الصلاة اهـ. وقوله ففي طهارة الحدث إلخ أما طهارة الخبث فلا نية لها. إزالة نجاسة، إلا المذي ففي وجوب النية في غسل الذكر منه وعدمها قولان أرجحهما عدم الوجوب كما تقدم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " واستدامتها شرط إلى آخره، ولا يضره
اختلاسها ما لم يقصد رفضها " يعني أنه قد أخبر أن الاستمرار في نية الوضوء وإجرائها في القلب من أوله إلى آخره شرط في الإجزاء، إلا أنه يغتفر ذهابها عن القلب بعد الإتيان بها، وإليه أشار صاحب المختصر: " وعزوبها بعده ورفضها مغتفر " قال الخرشي عليه: والمعنى أن الذهول عن النية بعد الإتيان بها في محلها عند غسل الوجه مغتفر لمشقة استصحابها، وإن كان هو الأصل: والمسألة الثانية رفض النية، وهو لغة الترك، والمراد به هنا تقدير ما وجد من العبادات والنية كالعدم، وذكر المؤلف أنه مغتفر أيضا بعد كمال الوضوء أو في أثنائه إذا رجع
وكمله بنية رفع الحدث بالقرب على المشهور، لا إن لم يكمله، أو كمله بنية التبرد، أو بعد طول. والحج كالوضوء عكس الصلاة والصوم، فإن رفض النية فيهما غير مغتفر. انظر فيه بقية الكلام اهـ.
قال العلامة الشيخ يوسف بن سعيد الصفتي: فرع: من ذهب إلى الميضأة ليتوضأ فلما وصل إليها توضأ ولم يستحضر النية أجزأه قصده الأول، وكذا من أمر زوجته أو خادمه أن يضع له الماء ليتوضأ ولم يستحضر النية عند أخذه ذلك، لأن طلبه الماء قرينة على قصد الطهارة، وهو عين النية كما في الشبرخيتي اهـ. وفي أقرب المسالك: ولا يضر عزوبها بخلاف الرفض في الأثناء لا بعده كالصلاة والصوم. يعني أن عزوب النية أي ذهابها بعد أن أتى بها في أوله بأن لم يستحضرها عند فعل غير الفرض الأول لا يضر في الوضوء، بخلاف الرفض، أي الإبطال في أثنائه بأن يبطل ما فعله منه، كأن يقول بقلبه أبطلت وضوئي فإنه يبطل على الراجح، ويجب عليه ابتداؤه إن أراد به صلاة ونحوها، بخلاف رفضه بعد إتمامه فلا يضر، وجاز له أن يصلي به، إذ ليس من نواقضه إبطاله بعد الفراغ منه.
ومثل الوضوء الغسل. وأما الصلاة والصوم فيرتفضان في الأثناء قطعا، وعليه القضاء والكفارة في الصوم لا بعد تمامها على أظهر القولين المرجحين. وأما الحج والعمرة فلا يرتفضان مطلقا. ويرتفض التيمم مطلقا ما لم يصل به لضعفه اهـ.
وقد نظم ذلك الشيخ يوسف بن سعيد الصفتي رحمه الله بقوله:
والغسل الوضوء في الأثناء
…
ارتفضا فقط بلا خفاء
كالصوم والصلاة في المشتهر
…
ومثله اعتكافهم في الأظهر
تيمم يرفض يا ذا مطلقا
…
هذا هو القول الذي قد ارتقى
والحج والعمرة مطلقا فلا
…
يرتفضان فافهمن ما نقلا
ثم قال المصنف رحمه الله: " و " الفريضة السابعة من فرائض الوضوء: " الدلك في المغسول كانت صغرى أو كبرى، والغسل مرة يسقط الفرض إن أوعب " يعني أخبر المصنف أن الفريضة السابعة من فرائض الوضوء الدلك، وهو إمرار اليد على العضو مع الماء، ولا يشترط مقارنته للصب، بل الدلك عقب صب الماء، وهو أصح الأقوال. قال الحطاب: فأما حقيقة الدلك في الوضوء والغسل فهي إمرار اليد على العضو. قال في المدونة: وإذا انغمس الجنب في نهر ينوي به الغسل لم يجزه حتى يمر بيديه على جميع جسده، وكذلك لا يجزيه الوضوء حتى يمر بيديه على مواضع الوضوء. وقال أبو البركات الشيخ أحمد الدردير: وذلك خفيف بيد، ثم قال: وهو إمرار اليد على العضو ولو بعد صب
الماء كما قاله ابن أبي زيد، وهو المعتمد. والمراد باليد باطن الكف، ويندب أن يكون الدلك خفيفا مرة واحدة، ويكره التشديد والتكرار لما فيه من التعمق في الدين المؤدي للوسوسة. وقال الصفتي في الحاشية عند قول عبد الباري: والتدليك، أي في المغسول، ولا يسقط بالنسيان، وتجوز الاستنابة عليه لضرورة، وينوي المستنيب دون النائب، وتمنع الاستنابة عليه لغير ضرورة اتفاقا، فإن وقع ففي الإجزاء وعدمه قولان مشهوران. وأما الاستنابة على صب الماء فجائزة اتفاقا ولو لغير ضرورة، لما ورد " أن المغيرة بن شعبة صب على النبي صلى الله عليه وسلم الماء وهو يتوضأ " وقد تجب الاستنابة كالأقطع. ويكفي في الدلك غلبة الظن على المعتمد، ولا يشترط اليقين. أفاده