المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلفي سجود السهو - أسهل المدارك «شرح إرشاد السالك في مذهب إمام الأئمة مالك» - جـ ١

[الكشناوي، أبو بكر]

فهرس الكتاب

- ‌خطبة الكتاب

- ‌ترجمة المصنف

- ‌كتاب الطهارة

- ‌فَصْلٌفي أحكام الميتات وأجزائها والمسكرات وغيرها

- ‌تنبيه:

- ‌فَصْلٌفي بيان أحكام قضاء الحاجة وما يتعلق بذلك

- ‌فَصْلٌفي بيان فرائض الوضوء

- ‌سنن الوضوء

- ‌فضائل الوضوء

- ‌مكروهات الوضوء

- ‌شروط صحة الوضوء ووجوبه

- ‌فَصْلٌفي نواقض الوضوء

- ‌فَصْلٌفي موجبات الغسل

- ‌فرائض الغسل

- ‌تنبيهات:

- ‌تتمة:

- ‌فَصْلٌفي المسح على الجبيرة

- ‌فَصْلٌفي المسح على الخفين

- ‌فَصْلٌفي التيمم

- ‌فَصْلٌفي أحكام الحيض

- ‌تنبيه:

- ‌فَصْلٌفي أحكام النفاس

- ‌كتاب الصلاة

- ‌فَصْلٌفي أحكام الأذان

- ‌تنبيه:

- ‌فَصْلٌفي شروط الصلاة

- ‌فَصْلٌفي ستر العورة في الصلاة وخارجها

- ‌فَصْلٌفي أركان الصلاة

- ‌سنن الصلاة

- ‌فَصْلٌفي فضائل الصلاة

- ‌فَصْلٌفي أحكام العاجز عن القيام في الصلاة

- ‌فَصْلٌفي بيان أحكام الجمع بين المغرب والعشاء ليلة المطر

- ‌فَصْلٌفي حكم الجماعة

- ‌فَصْلٌفي من يلحق بأحكام الجماعة

- ‌فَصْلٌفي قضاء الفوائت

- ‌حكم تارك الصلاة

- ‌فَصْلٌفي سجود السهو

- ‌فَصْلٌفي أحكام الرعاف

- ‌فَصْلٌفي بيان النوافل وأوقاتها وكيفيتها

- ‌ التراويح

- ‌الوتر سنة مؤكدة

- ‌ سجود التلاوة

- ‌خاتمة:

- ‌كتاب صلاة السفر

- ‌فَصْلٌفي حكم صلاة الخوف

- ‌فَصْلٌفي صلاة الجمعة

- ‌فَصْلٌفي صلاة العيدين

- ‌فَصْلٌفي صلاة الاستسقاء

- ‌فَصْلٌفي صلاة الكسوف

- ‌كتاب الجنائز

- ‌ خاتمة:

- ‌كتاب الزكاة

- ‌فَصْلٌفي زكاة الذهب والفضة

- ‌تنبيهان:

- ‌ الإبل

- ‌فَصْلٌفي زكاة الماشية وهي الإبل والبقر والغنم

- ‌ البقر

- ‌الغنم

- ‌ الخلطة

- ‌فَصْلٌفي زكاة الحرث والثمار وما يتعلق بها من الأحكام

- ‌فَصْلٌفى زكاة الفطر ومن تلزمه

- ‌فَصْلٌفيمن تصرف له الزكاة

- ‌كتاب الصيام

- ‌فَصْلٌ فيمن يلزمه القضاء دون الكفارة

- ‌فَصْلٌفيما يندب فعله للصائم

- ‌ الاعتكاف

- ‌كتاب الحج

- ‌فَصْلٌفي مواقيت الحج والعمرة

- ‌فَصْلٌفي أركان الحج وكيفية الإحرام

- ‌ قصيدة

- ‌فَصْلٌفي الفدية وما يتعلق بها من الأحكام

- ‌فَصْلٌفي الصيد وما يترتب فيه من الجزاء وعدمه

- ‌فَصْلٌفي دماء الحج مطلقا وسن الهدي وغيره مما يجزئ وما لا يجزئ

- ‌فَصْلٌفيما يتعلق بحج الصبي والعبد والمرأة وغيرهم

- ‌فَصْلٌفي العمرة وأحكامها

- ‌خاتمةفي زيارة النبي صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌فصلفي سجود السهو

‌فَصْلٌ

في سجود السهو

أي إن المصنف عقد هذا الفصل في بيان أحكام سجود السهو وصفته ومحله. والسهو بمعنى الذهول عن الشيء سواء تقدم ذكره أم لا؛ لأنه أعم من النسيان. وحكمه - أي سجود السهو - أنه سنة على المشهور كما في المختصر،

وهو مذهب المصنف، ولذا قال رحمه الله تعالى:" سجود السهو يجزئ عن ترك السنن " وأنه عبر بالإجزاء إشارة لما في حكمه من الخلاف حتى في المذهب. قال ابن جزي في القوانين: سجود السهو واجب وفاقا لأبي حنيفة. وقيل سنة وفاقا للشافعي. وقيل بوجوب القبلي خاصة اهـ وفي الطراز: وجوب البعدي قاله التتائي، وقد علمت أن المشهور سنيته كما تقدم. قال أبو البركات الشيخ أحمد الدردير في أقرب المسالك: يسن لساه عن سنة مؤكدة أو سنتين خفيفتين، أو مع زيادة ولو شكا سجدتان قبل السلام، ولو تكرر إلخ. ولا فرق في سنية سجود السهو بين الفرض والنافلة، كما لا فرق في ذلك بين القبلي والبعدي. وقول المصنف:(يجزئ عن ترك السنن) يشعر بأن غير السنة كالفرض لا ينجبر بالسجود، وهذا أيضا إشارة إلى أن محل السجود ترك السنة المؤكدة كما تقدم بيان ذلك. قال العلامة الشيخ صالح عبد السميع في هداية الناسك: ليس كل نقص ينجبر بالسجود، إذ من النقص ما لا ينجبر إلا بالإتيان به، مثل لو ترك ركنا من الصلاة كالركوع مثلا، ومنه ما لا يطلب له سجود مثل ما لو ترك فضيلة أو سنة خفيفة، بل السجود للفضيلة مبطل للصلاة، وإنما الذي ينجبر بالسجود السنن المؤكدة وهي ثمانية. قراءة ما زاد على أم القرآن، والسر والجهر في الفريضة كل في محله، والتكبير سوى تكبيرة الإحرام، وقول سمع الله لمن حمده، والتشهد الأول، والجلوس له، والتشهد الأخير. ولا يسجد لغير هذه الثمانية، فمن ترك شيئا من هذه الثمانية سجد سجدتين قبل السلام وبعد أن يتمم تشهده الأول والثاني ثم يتشهد ويسلم، إذ من سنة السلام أن يعقب تشهدا، وهو

ص: 271

اختيار ابن القاسم.

وقيل لا يعيد التشهد وهو مروي عن مالك أيضا، واختياره عبد الملك لأن سنة الجلوس الواحد لا يتكرر فيه التشهد مرتين اهـ.

قال المصنف رحمه الله تعالى: " وهو للزيادة " في الصلاة يسجد لذلك " بعد السلام " يعني أن المصلي يسجد سجدتين بعد أن يسلم، ولا يقرأ لهما شيئا، وذلك لأجل الزيادة كما قال العلامة عبد الرحمن الأخضري: وللزيادة سجدتان بعد السلام، يتشهد بعدهما ويسلم تسليمه أخرى اهـ قال ابن جزي في صفة السجود: يكبر للسجدتين في ابتدائهما وفي الرفع منهما، واختلف هل يفتقر البعدي إلى نية الإحرام أم لا قلت: والصحيح أن البعدي يفتقر إلى النية: كما يأتي عن المصنف ويتشهد للبعدي ويسلم، وأما القبلي فإن السلام من الصلاة يجزئ عنه، وفي التشهد له روايتان اهـ. وفي الرسالة: وكل سهو في الصلاة بزيادة فليسجد له سجدتين بعد السلام يتشهد لهما ويسلم منهما، ولك سهو بنقص فليسجد له قبل

السلام إذا تم تشهده ثم يتشهد ويسلم. وقيل لا يعيد التشهد. قال في أقرب المسالك: وأعاد تشهده بلا دعاء قلت: إعادة التشهد هو المشهور كما في الشارح.

وقال الصاوي في حاشيته عليه: قوله: وأعاد تشهده أي استنانا على المشهور خلافا لمن قال بعدم الإعادة، وخلافا لمن قال بالندب اهـ وفي العزية: ويعيد التشهد في القبلي ثم يسلم اهـ.

قال المصنف رحمه الله تعالى: " وللنقص أو اجتماعهما قبله " يعني أن المصلي يسن له أن يسجد سجدتين قبل السلام إن نقص سنة أو سنتين أو أكثر غير خفيفة بل مؤكدة، أو نقص مع زيادة. قال العلامة الشيخ عبد الباري في مقدمته: وإن نقص وزاد سجد قبل سلامه لأنه يغلب جانب النقص على جانب الزيادة. وفي العزية: ومحل سجود السهو مختلف، فالزيادة فقط يسجد لها بعد السلام، والنقص فقط أو النقص والزيادة يسجد لهما قبل السلام اهـ. كما نص عليه في الرسالة فراجعه إن شئت.

قال المصنف رحمه الله تعالى: " ولا يتكرر بتكرره " أي إن سجود السهو

ص: 272

لا يتكرر ولو تكرر السهو، أي بمعنى موجب السجود، أي وكان التكرار قبل السجود، أما إن كان التكرار بعده فإن السجود يتكرر، كما إذا سجد المسبوق مع إمامه القبلي ثم سها في قضائه بنقص أو زيادة فإنه يسجد لسهوه ولا يجتزئ بسجوده السابق مع الإمام، وإليه أشار الأخضري: وإذا سها المسبوق بعد سلام الإمام فهو كالمصلي وحده، أو تكلم المصلي بعد سجوده في القبلي وقبل سلامه فإنه يسجد بعد السلام أيضا، وكذا إذا زاد سجدة في القبلي فإنه يسجد بعد السلام. وقيل لا شيء عليه، كما لا شيء عليه أصلا لو زاد سجدة في البعدي نقله الصاوي عن الدسوقي اهـ باختصار.

ثم بين المصنف صفة السجود بقوله: " ويحرم للتين بعد السلام " هذا تصريح من المصنف على أن البعدي يفتقر إلى نية كما قررناه سابقا، وعلى أنهما سجدتان لا أكثر ولا أقل ويسجدهما وهو جالس " ويتشهد ويسلم " منهما تسليمة أخرى كما تقدم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: " ومن سها عنهما فعلهما متى ذكر " يعني أن من ترك سجدتي السهو سواء كان الترك سهوا أو عمدا أو غيرهما فإنه يطالب بإتيانهما ولو بعد طول الزمان لأن السجود البعدي ترغيم للشيطان فناسب أن يسجده وإن طال الزمان، بخلاف القبلي فإنه جابر لنقص الصلاة فلذا طلب وقوعه فيها أو عقبها مع القرب. قال في الرسالة: ومن نسي أن يسجد بعد السلام فليسجد متى ما ذكره وإن طال ذلك، وإن كان قبل السلام سجد إن كان قريبا، وإن بعد

ابتدأ صلاته إلا أن يكون ذلك من نقص شيء خفيف كالسورة مع أم القرآن أو تكبيرتين، أو التشهدين وشبه ذلك فلا شيء عليه اهـ.

قال المصنف رحمه الله تعالى: " وهل يتشهد للتين قبله قولان " وتقدم أن

ص: 273

المشهور من القولين إعادة التشهد في القبلي استنانا. قال المصنف رحمه الله تعالى: " فإن سها عنهما فعلهما بعده " يعني إن سها المصلي عن السجود القبلي ولم يتذكر حتى سلم فإنه يسجدهما. قال الأخضري: ومن نسي السجود القبلي حتى سلم سجد إن كان قريبا، وإن طال أو خرج من المسجد بطل السجود القبلي حتى سلم معه إن كان على ثلاث سنن أو أكثر من ذلك، وإلا فلا تبطل. ومن نسي السجود البعدي سجده ولو بعد عام اهـ.

قال المصنف رحمه الله تعالى: " فإن طال الفصل أو انتقضت طهارته فقيل تبطل، وقيل لا إلا أن يترك فعلا كالجلوس الأول " يعني أن من نسي السجود القبلي ولم يتذكر إلا أن سلم وطال هل يبطل السجود فقط مع صحة صلاته، أو بطلت الصلاة؟ فأجاب العلامة الشيخ عبد الرحمن الأخضري بقوله رحمه الله: ومن نسي السجود القبلي حتى سلم سجد إن كان قريبا، وإن طال أو خرج من المسجد بطل السجود وتبطل الصلاة معه إن كان على ثلاث سنن أو أكثر من ذلك، وإلا فلا تبطل.

قال الشارح: يعني أن من نسي السجود القبلي أي الذي يفعل قبل السلام حتى سلم من صلاته فلا يخلو إما أن يكون تذكره له عن قرب من انصرافه من الصلاة وحينئذ يأتي به ولا شيء عليه، وناب السجود البعدي عن السجود القبلي لعذره بالنسيان، وإن طال تذكره بأن بعد ما بين تذكره وانصرافه من الصلاة أو خرج من المسجد بطل السجود وتبعه بطلان الصلاة حيث كان مترتبا عن نقص ثلاث سنن. قال التتائي كالتحقيق: كنسيان الجلوس الوسط، أو ثلاث تكبيرات، أو تحميدات، وأما إن كان مترتبا عن سنتين خفيفتين كالسورة التي تقرأ بعد أم القرآن، وكالتحميدتين وطال الأمر فلا سجود عليه ولا بطلان اهـ هداية المتعبد. وقال ابن جزي: وإن نسي القبلي سجد ما لم يطل أو يحدث، فإن طال أو أحدث بطلت الصلاة على المشهور. وقيل إنما تبطل إن كان عن

ص: 274

نقص فعل لا قول، فإن ذكر البعدي في صلاة تمادى وسجد بعدها، وإن ذكر القبلي فهو كذاكر صلاة في صلاة اهـ.

قال المصنف رحمه الله تعالى: " ويرجع تاركه ما لم يستقل عن الأرض، فإن عاد بعده بطلت إلا أن يرجع ساهيا أو جاهلا " يعني أن من سها عن الجلوس الأول يؤمر بالرجوع قبل أن يستقل قائما، وإن رجع فلا سجود عليه إلا أن يفارق الأرض بيديه وركبتيه، فإن رجع مفارقة الأرض فإن يسجد بعد السلام للزيادة،

وأما بعد الاستقلال فلا يرجع، فإن رجع بعد استقلاله قائما بطلت صلاته في القول الأصح. وقيل لا تبطل. قال في الرسالة: ومن قام من اثنتين رجع ما لم يفارق الأرض بيديه وركبتيه، فإذا فارقها تمادى ولم يرجع وسجد قبل السلام اهـ انظر شراح الرسالة. قال العلامة الشيخ عبد الرحمن الأخضري: ومن قام من ركعتين قبل الجلوس فإن تذكر قبل أن يفارق الأرض بيديه وركبتيه رجع إلى الجلوس ولا سجود عليه، وإن فارقها تمادى ولم يرجع وسجد قبل السلام، وإن رجع بعد المفارقة وبعد القيام ساهيا أو عامدا صحت صلاته وسجد بعد السلام اهـ. يعني أن حكم من قام من اثنتين من صلاة الفريضة قبل أن يجلس أي تزحزح للقيام ثم تذكر قبل أن يفارق الأرض بيديه وبركبتيه فإنه يرجع ثم يتشهد ويتم صلاته ولا سجود عليه على المشهور لخفة الأمر في ذلك، فإن تمادى على القيام عامدا بطلت صلاته على المشهور؛ لأنه ترك ثلاث سنن عامدا. وقيل لا تبطل على الخلاف في ترك السنة عمدا، فحكم الرجوع الوجوب على الأول والسنة على الثاني، وإن تمادى ناسيا سجد قبل السلام. قوله فارقها تمادى ولم يرجع وسجد قبل السلام، وإن رجع بعد المفارقة وبعد القيام ساهيا أو عامدا صحت صلاته وسجد بعد السلام، هذا صادق بصورتين: الأولى: أن يفارق الأرض بيديه وركبتيه ولم يعتدل قائما، ثم تذكر بعد أن فارق الأرض بيديه وركبتيه، والثانية: أن يفارق الأرض ويعتدل قائما، والحكم

ص: 275

فيهما واحد وهو ما ذكره المصنف أنه يتمادى على صلاته ولا يرجع ويسجد قبل السلام، لكن عدم الرجوع في الأولى على المشهور وعليه لا تبطل صلاته إن رجع إلى الجلوس عمدا أو سهوا أو جهلا ويسجد بعد السلام لتحقق الزيادة، وفي الثانية: متفق عليه، فإن رجع إلى الجلوس عامدا ففي التوضيح المشهور الصحة، وعليه يسجد بعد السلام لتحقق الزيادة، وإن رجع جاهلا ففي النوادر عن سحنون تفسد صلاته، وإن رجع ناسيا فلا تبطل صلاته اتفاقا. قاله العلامة الشيخ صالح بن عبد السميع الآبي الأزهري في هداية المتعبد، وفي شرحه على الرسالة المسمى بثمر الداني اهـ. قال خليل في المختصر: ورجع تارك الجلوس الأول إن لم يفارق الأرض بيديه وركبتيه ولا سجود، وإلا فلا تبطل إن رجع ولو استقل، وتبعه مأمومه وسجد بعده اهـ. انظر شراحه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: " أما الأركان فلا يجزئ إلا الإتيان بها " يعني أن من ترك ركنا من أركان الصلاة فلا يجزئه السجود لأن السجود لا يجبر الركن بل الواجب الإتيان به قبل فوته. قال المصنف: " ما لم يفت محل التلافي، فإن فات بطلت الركعة " فقط ويطالب بإتيانها إن كان بقرب ذلك بأن يرجع ويحرم بنية إتمام

الصلاة ويأتي بتلك الركعة المتروكة ويتشهد ويسلم ثم يسجد بعد السلام. هذا إن كان الترك من الركعة الأخيرة. قال في الرسالة: ومن انصرف من الصلاة ثم ذكر أنه بقي عليه شيء منها فليرجع إن كان بقرب ذلك، فيكبر تكبيرة يحرم بها ثم يصلي ما بقي عليه، وإن تباعد ذلك أو خرج من المسجد ابتدأ صلاته، وكذلك من نسي السلام اهـ. قال خليل: وبنى إن قرب ولم يخرج من المسجد بإحرام ولم تبطل بتركه وجلس له على الأظهر، وأعاد تارك السلام التشهد اهـ. وفي الأخضري: ومن نقص فريضة فلا يجزيه السجود عنها. قال الشارح لأن جبر الخلل الواقع في الصلاة بالسجود مخصوص بغير الفرائض. وأما الفرائض فلا تجبر بالسجود اتفاقا، بل إن أمكنه تدارك المتروك أتى به وإلا بطلت الصلاة،

ص: 276

فمن تيقن أنه ترك ركعة كاملة، أو شك في الترك حال تشهده وقبل سلامه فلا بد من الإتيان بتلك الركعة، وكيفية الإتيان بها أنه يأتي بها بانيا على ما سبق من الركعات، فلو كانت تلك الركعة إحدى الأوليين فإنه يسجد بعد ذلك قبل السلام لانقلاب الركعات فيتحقق له الزيادة والنقص، فإن لم تكن من إحدى الأوليين فإنه يسجد بعد الإتيان بتلك الركعة بعد السلام لتمحيض الزيادة. انظر اختلاف العلماء فيمن سها عن قراءة الفاتحة في ركعة في هداية المتعبد اهـ.

قال المصنف رحمه الله تعالى: " ومن ذكر في آخر صلاته سجدة لا يعلم محلها سجد وأتى بركعة " واحدة " عند ابن القاسم " بأن يسجد تلك السجدة المتروكة ثم يأتي بركعة ويتشهد ويسلم ويسجد بعد السلام " وقال أشهب بركعة فقط " أي إذا كانت السجدة المتروكة من الركعة الأخيرة فيسجدها كما قال المصنف رحمه الله تعالى: " وفي كونها من الأخيرة يسجد لا غير " وحاصل ما ذكره المصنف وغيره على ما نقله العلامة الشيخ حسين بن إبراهيم المغربي ثم المكي أنه ذكر فائدة جليلة في فتاويه قال: إذا ترك ركنا من أركان الصلاة سهوا فإن كان من الركعة الأخيرة ولم يسلم فإنه يتداركه، فإن كان المتروك الفاتحة انتصب قائما فيقرؤها ثم يتم ركته، وإن كان الركوع رجع قائما ثم يركع، وإن كان الرفع منه رجع محدودبا فإذا وصل حد الركوع اطمأن ثم يرفع ويكمل ركعته، وإن كان سجودا واحدا سجده وهو جالس وأعاد التشهد وسلم، وإن كان سجدتين وتذكرهما وهو جالس وقد انحط بنية الجلوس فإنه يرجع قائما ليأتي بالسجدتين منحطا لهما منه، فإن لم يفعل وسجدهما من جلوس سهوا فقد نقص الانحطاط للسجدتين وهو ليس بواجب، إذ لو كان واجبا لم ينجبر بسجود السهو فإنه لو انحط أولا للجلوس

ثم سجد السجدتين منه فإن صلاته لا تبطل، لكنه يكره تعمد ذلك، فإن سلم من الأخيرة معتقدا الكمال ثم تذكر ترك ركن منها فات التدارك واستأنف ركعة بدلها إن

ص: 277

لم يطل فإن طال بطلت صلاته. ويسجد بعد السلام في جميع ما تقدم للزيادة. وإن كان الركن المتروك من غير الأخيرة وتداركه إن لم يعقد ركوع الركعة التي بعدها، فإن عقده برفع الرأس من الركوع بطلت ركعة النقص ورجعت الثانية أولى، فإن كانت ركعة النقص هي الأولى صارت الثانية مكانها ويأتي بركعة بأم القرآن وسورة ويتشهد ويسجد بعد السلام، وإن كانت ركعة النقص هي الثانية صارت الثالثة ثانية، وهي بفاتحة فقط فيتشهد بعدها ويأتي بركعتين بفاتحة فقط ويسجد قبل السلام لنقص السورة من التي صارت ثانية مع الزيادة، وإذا كانت ركعة النقص هي الثالثة صارت الرابعة ثالثة ويسجد بعد السلام، وإذا تذكر وهو في الجلوس الثاني أنه ترك ركنا من الأولى رجعت الثانية أولى والثالثة ثانية والرابعة ثالثة فيأتي بركعة بالفاتحة فقط سرا ويسجد قبل السلام لنقص السورة والتشهد الأول لأنه صار ملغى بوقوعه بعد الأولى والزيادة ظاهرة، وكذا إن تذكر بعد السلام بقرب يلغه، فإن بطلت اهـ " قرة العين، بفتاوى علماء الحرمين " للشيخ حسين إبراهيم مفتي السادة المالكية بمكة المكرمة سابقا رحمه الله تعالى.

قال المصنف رحمه الله تعالى: " ومن جهل كم صلى بنى على الأقل " يعني من أن نسي عدد ما صلى فإنه يبني على اليقين؛ لأن الذمة لا تبرأ إلا باليقين. قال في الرسالة: ومن لم يدر ما صلى أثلاث ركعات أم أربعا بنى على اليقين وصلى ما شك فيه وأتى برابعة وسجد بعد سلامه اهـ.

قال المصنف رحمه الله تعالى: " فإن ترك الفاتحة من ركعة أجزأه السجود على الأشهر إلا أن تكون ثنائية فتبطل على قول القاضي " يعني أن المصلي إذا ترك الفاتحة في ركعة واحدة اختلف العلماء فقيل يعيد الصلاة، وقيل يلغي الركعة ويقضيها، وقيل يسجد للسهو قبل السلام والقول الأخير هو الذي مشى عليه المصنف بقوله أجزأه السجود على الأشهر إلخ. وقوله على قول القاضي يعني به الشيخ أبا محمد عبد الله

ص: 278

بن أبي زيد القيرواني. قال العلامة الشيخ صالح بن عبد السميع في هداية المتعبد: واختلف في السهو عن القراءة في ركعة من غير الصبح كالرباعية كالرباعية أو الثلايتة على ثلاثة أقوال كلها في المدونة، فقيل يجزئ عن القراءة في ركعة من غير الصبح سجود السهو قبل السلام، واختار هذا القول عبد الملك بناء على أنها فرض في الجل وقيل بلغيها أي الركعة التي ترك منها قراءة الفاتحة ويأتي بركعة بدلها لفوات تداركها ويسجد بعد السلام حيث جلس بعد ركعتين صحيحتين بحيث قرأ فيهما الفاتحة والسورة، وإلا سجد قبل السلام لزيادة

الركعة الملغاه ونقص الجلوس والسورة من الثانية التي ظنها ثالثة، واختار هذا القول ابن القاسم، وهذا يقتضي وجوبها في كل ركعة. وصحح ابن الحاجب القول بوجوبها في كل ركعة. وقال ابن شاس هي الرواية المشهورة. وقيل يسجد قبل السلام ولا يأتي بركعة بدلها ويعيد الصلاة احتياطا. قال الأجهوري: وإنما أمر بالاحتياط لبراءة ذمته مراعاة لمن يقول بوجوبها في كل ركعة وبإعادة افترقت الرواية الثالثة من الأولى اهـ. وتقدم لنا الكلام في تارك الفاتحة في الركن الرابع من أركان الصلاة عند قول المصنف: والمشهور وجوبها إلخ فراجعه إن شئت.

قال المصنف رحمه الله تعالى: " وإن ترك تكبيرة الإحرام ابتدأ " يعني أن المصلي إذا ترك تكبيرة الإحرام وجب عليه أن يبتدئ صلاته لبطلانها لعدم الركن الأول وكأنه لم يدخل الصلاة. قال مالك في الموطأ، ومثله في المدونة فيمن نسي تكبيرة الافتتاح أنه يستأنف صلاته. وقال في إمام نسي تكبيرة الافتتاح حتى يفرغ من صلاته، قال أرى أن يعيد ويعيد من خلفه الصلاة، وإن كان من خلفه قد كبروا فإنهم يعيدون اهـ. وتقدم لنا الكلام على تكبيرة الإحرام في الركن الثاني من أركان الصلاة فراجعه إن شئت.

ص: 279

قال المصنف رحمه الله تعالى: " والمؤتم يحرم ويدرك ما لم يركع إمامه، وقيل ما لم يرفع " يعني أن المأموم يحرم ويدرك الإمام ما لم يعقد إمامه ركعة، فإذا عقدها فاته محل التدارك. واختلف هل عقد الركعة يكون بالركوع أو برفع الرأس منه، والمشهور عند ابن القاسم أن عقد الركعة يكون برفع الرأس من الركوع إلا في مسائل فيتفقان فيها، على أن عقدها يحصل بوضع يديه على ركبتيه. وتلك المسائل هي ترك سر أو جهر بموضعهما، وتقديم السورة على أم القرآن، وتكبير عيد، وسجدة تلاوة، وذكر بعض صلاة، وإقامة مغرب عليه وهو بها، فإن عقد الركعة يحصل في الجميع بالركوع أي بالانحناء. وبه يفوت محل التدارك. وقول المصنف ما لم يركع، وقيل ما لم يرفع إشارة إلى القولين. وقال العلامة المحقق مفتي المالكية بمكة سابقا الشيخ حسين بن إبراهيم المغربي في " قرة العين " فيمن ترك ركنا من أركان الصلاة أنه يتداركه ما لم يعقد ركوع الركعة التي بعدها إلى أن قال: فإن عقده برفع الرأس من الركوع لأن عقده عند ابن القاسم برفع رأسه مطمئنا معتدلا، فمن لم يعتدل تدارك ما فاته. قال: وكذا المسبوق إذا كبر للإحرام وانحنى بعد رفع الإمام رأسه وقبل اعتداله فقد أدرك الركعة معه إلا في مسائل فعقد الركوع فيها بالانحناء عند ابن القاسم، وهي كما تقدم ترك الركوع من ركعة فيفوت لمجرد الانحناء من التي تليها، وتقوم هذه الركعة مقام ما قبلها، أو ترك سر الفاتحة، أو سورة فيفوت تداركه بالانحناء، فإن خالف وعاد للقراءة على سنتها بطلت صلاته، أو ترك جهر كذلك، أو ترك تكبير عيد كلا أو بعضا حتى انحنى فكذلك، أو ترك سورة بعد فاتحة، أو ترك سجدة تلاوة في فرض أو نفل حتى انحنى ساهيا عنها، أو ذكر بعضا من صلاة أخرى قبل التي هو فيها، والمراد بالبعض المتروك ما يشمل البعض حقيقة أو حكما كالسجود القبلي المترتب عن ثلاث سنن فبالانحناء

ص: 280

يفوت التدارك وتبطل الصلاة التي ترك منها البعض الحقيقي أو الحكمي للطول بالركوع.

ثم قال: هذا حاصل ما في أقرب المسالك مع زيادة من حاشية الخرشي اهـ.

قال المصنف رحمه الله تعالى: " فإن أدركه راكعا فأمكنه أن يحرم ويدركه قبل رفعه صحت، وبعد رفعه الصحيح أنه يبتدئ، وقيل إن كبر للركوع مضى وأعاد إيجابا. وقال ابن الماجشون استحبابا " يعني أن المسبوق الذي أدرك الإمام راكعا فإن أمكنه أن يكبر وهو قائم قبل اعتدال الإمام قائما فعل ولحقه وقد حصلت له تلك الركعة وصحت. وإن تحقق أنه ما حصل له الركوع إلا من بعد رفع رأسه واعتداله قائما فالصحيح أنه لا يعتد بتلك الركعة، فإن اعتد بها بطلت صلاته ووجب عليه الإعادة. وقيل إن كبر للركوع مضى مع إمامه وأعاد صلاته إيجابا. وقال ابن الماجشون يعيدها استحبابا، ولعل وجه قول ابن الماجشون ما رواه مالك رحمه الله في الموطأ من أهن قال: ولو سها مع الإمام عن تكبيرة الافتتاح وكبر في الركوع الأول رأيت ذلك مجزيا عنه إذا نوى بها تكبيرة الافتتاح اهـ. قال العلامة ابن رشد في المقدمات في الكلام على تكبيرة الإحرام: فإذا نسي المأموم تكبيرة الإحرام وكبر للركوع ولم ينو بها تكبيرة الإحرام تمادى مع الإمام وأعاد، وإن نوى بها تكبيرة الإحرام أجزأته صلاته وحمل عنه الإمام القراءة اهـ. وتقدم لنا الكلام في المسبوق الذي أدرك بعض صلاة الإمام فراجعه إن شئت في فصل المنفرد بصلاة من هذا الكتاب.

ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: " ويسجد المؤتم لسهو إمامه " يعني أن المأموم غير المسبوق يسجد مع إمامه مطلقا قبليا أو بعديا، أي يلزمه أن يتابعه في سجود سهوه مهما كان.

ص: 281

قال رحمه الله: " فأما المسبوق إن سجد إمامه قبل سلامه سجد معه " على المشهور، وأما إن كان سجوده بعديا فلا يسجد معه حتى يأتي بقضاء ما عليه ثم يسجد بعدي إمامه، فإن قدمه على القضاء أو سجد مع الإمام عمدا، أو كان تقدمه ذلك عمدا أو جهلا بطلت صلاته، لا إن كان ذلك سهوا فيسجد بعد السلام، وكذلك تبطل صلاته إن سجد القبلي مع الإمام إن لم يدرك معه ركعة، ثم إن المأموم مطالب بالسجود إن تركه الإمام. فإن كان السجود مترتبا عن ثلاث سنن

وتركه الإمام ولم يسجد له وسجده المأموم بطلت صلاة الإمام دون صلاة المأموم، وتزاد هذه على قولهم كل صلاة بطلت على الإمام بطلت على المأموم إلا في سبق الحدث ونسيانه اهـ شارح العزية.

قال المصنف رحمه الله تعالى: " وقام " أي المسبوق " للقضاء بعد سلامه " الضمير عائد للإمام، يعني أن المسبوق إذا سلم الإمام قام ليقضي ما فاته من الصلاة. قال المصنف رحمه الله تعالى:" وإن سجد بعد السلام لم يسجد معه " يعني أن المسبوق إذا ترتب على إمامه السجود البعدي فلا يسجد معه كما تقدم قال الأخضري: والمسبوق إن أدرك مع الإمام أقل من ركعة فلا يسجد معه لا فبليا ولا بعديا، فإن سجد معه بطلت صلاته، وإن أدرك ركعة كاملة أو أكثر سجد معه القبلي وأخر البعدي حتى يتم صلاته فيسجد بعد سلامه، فإن سجد مع الإمام فهو كالمصلي وحده، وإذا ترتب على المسبوق بعدي من جهة إمامه وقبلي من جهة نفسه أجزأه القبلي اهـ.

قال المصنف رحمه الله تعالى: " وهل يقوم " المسبوق " للقضاء بعد سلامه من الصلاة أو من السجود؟ قولان " يعني اختلف أهل المذهب في المسبوق بعد سلام الإمام

ص: 282

هل يقوم لقضاء ما فاته من الصلاة قبل فراغ إمامه من السجود البعدي، أو ينتظره حتى يسلم منه، قال ابن جزي في القوانين: المسألة الخامسة المسبوق إن سها بعد سلام الإمام وأما سهو إمامه فإن كان قبليا سجد معه مطلقا. وقال إسحاق يسجد بعد فراغه من قضائه مطلقا. وقال الشافعي يسجد معه ثم يسجد بعد فراغه. وعلى المذهب فاختلف هل يقوم لقضائه إذا سلم الإمام أو ينتظره حتى يفرغ من سجوده اهـ قلت: المشهور أن المسبوق لا يقوم لذلك إلا بعد سلام الإمام. والله الموفق للصواب.

قال المصنف رحمه الله تعالى: " ويسجد المؤتم بعد قضائه " يعني أن المسبوق يسجد بعد السلام بعد إتيانه بما عليه مما فاته مع الإمام، كما إذا زاد إمامه وسجد لسهوه فإنه يسجد بعد إتمام صلاته كما تقدم. قال المصنف رحمه الله تعالى:" والإمام يحمل سهو المؤتم " يعني أن الإمام يحمل سهو المأموم، ما لم يترك ركنا من أركان الصلاة، فإذا ترك المؤتم ركنا من أركان الصلاة فإن الإمام لا يحمله عنه إلا إذا كان الركن المتروك فاتحة فيحملها عنه الإمام، بل إنه يكره للمأموم قراءتها خلف الإمام في الصلاة الجهرية عند المالكية. وقول المصنف:

والإمام يحمل سهو المؤتم، قال العلامة الصاوي في حاشيته على أقرب المسالك: لا مفهوم السهو بل إذا تعمد ترك جميع السنن فإن الإمام يحملها عنه اهـ.

قال المصنف رحمه الله تعالى: " وفي تعمد ترك سنة قولان بالسجود وعدمه " يعني اختلف في ترك سنة واحدة عمدا من سنن الصلاة بالسجود قبل السلام وعدمه. وقيل تبطل به الصلاة. وفي العزية قال بعضهم: لو ترك الجهر عامدا فقيل يستغفر الله ولا شيء عليه. وقيل تبطل صلاته لأن هذا من التهاون بالسنن كما يتهاون بالفريضة. قال شارحها: ولا مفهوم للجهر بل كل سنة تركت عمدا في الصلاة فيها هذان القولان اهـ. وقال ابن جزي في

ص: 283

مبطلات الصلاة: وكذلك ترك سنة من سننها المذكورة عمدا يفسدها عند بعضهم اهـ. وفي المكروهات: وكره ترك سنة خفيفة عمدا من سننها كتكبيرة وتسميعة. وحرم ترك المؤكدة، قاله الدردير. وقال الصاوي في حاشيته: قوله وحرم ترك المؤكدة، أي وفيها قولان بالبطلان وعدمه والراجح يستغفر الله ولا شيء عليه. قال والجزم بالحرمة مشكل غاية الإشكال حيث كان متفقا على سنتيها، ولم يكن فيها قول بالفريضة اهـ قلت: الحاصل أن الراجح فيمن ترك سنة واحدة عمدا أن يستغفر الله ولا شيء عليه. والله أعلم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: " ولا سجود لترك فضيلة " يعني أن الفضائل لا سجود لها، بل نصوا على أن من سجد قبل السلام لنقص فضيلة أعاد صلاته أبدا. مثال ذلك ما لو ترك القنوت في الصبح فظن أنه يجبر بالسجود فسجد له قبل السلام بطلت صلاته ووجب عليه الإعادة أبدا اهـ.

قال المصنف رحمه الله تعالى: " وعمدا الكلام لا لإصلاحها مبطل وإن قل لا سهوه إلا، يكثر " يعني أن من تكلم في الصلاة متعمدا بطلت صلاته، إلا لإصلاحها فلا تبطل بقليله بل بكثيره. وقال في المدونة: من تكلم في صلاته ناسيا بنى على صلاته ثم سجد بعد السلام، وإن كان مع الإمام فإن الإمام يحمل ذلك عنه. وفيها أيضا عن مالك بإسناده عن أبي هريرة يقول:" صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر فسلم في ركعتين، فقال ذو اليدين فقال أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ذلك ما لم يكن، فقال قد كان بعض ذلك يا رسول الله، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال: أصدق ذو اليدين؛ فقالوا نعم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتم ما بقي من الصلاة ثم سجد سجدتين بعد السلام وهو جالس " اهـ قال العلامة الشيخ عبد اللطيف المرداسي في عمدة البيان: أن من تكلم ساهيا وكان قليلا فإنه يجزئه

عن ذلك سجود السهو بعد السلام، لأن الكلام إذا كان سهوا وكان قليلا فمنجبر، وأما الكثير ولو كان سهوا فمبطل لكون المصلي يخرج بسببه عن معنى الصلاة. وأما من تكلم عامدا

ص: 284

لغير إصلاح الصلاة بطلت صلاته سواء كان الكلام قليلا أو كثيرا، حراما كان أو واجبا. وأما لإصلاح الصلاة فالمشهور لا تبطل صلاته. وقال ابن كنانة تبطل. وأما الجاهل قيل حكمه كحكم الساهي. وقيل حكمه كحكم العامد. وأما المكره على الكلام فقال ابن شاس تبطل صلاته اهـ.

قال المصنف رحمه الله تعالى: " وسعال وعطاس وغلبة بكاء " يعني أن المصلي إذا عرضت له هذه الأشياء فلا سجود عليه ولا تبطل صلاته إلا إذا كانت شديدة ومنعته من الإتيان بشيء من الفرائض فتبطل صلاته وإلا فجميعها مغتفر. قال الأخضري: وبكاء الخاشع في الصلاة مغتفر. وقال ابن جزي في القوانين: المسألة الثالثة فيما يشبه القول فالنفخ غير مبطل. وقيل يبطل عمده ويسجد لسهوه، والبكاء خشوعا حسن وإلا فهو كالكلام. والأنين كالكلام إلا أن يضطر إليه. والقهقهة تبطل مطلقا. وقيل في العمد. والتبسم مغتفر. وقيل يسجد له بعد السلام لأنه زيادة. وقيل قبل السلام لنقص الخشوع، والتنحنح لضرورة لا يبطل، ودونها فيه قولان. وقراءة كتاب إن حرك به لسانه كالكلام، وإلا فمغتفر إلا أن يطول اهـ. وفي المدونة عن مالك فيمن عطس وهو في الصلاة أنه لا يحمد الله، فإن فعل ففي نفسه. قال ابن القاسم: ورأيته يرى أن ترك ذلك خير له اهـ. ولذا قال بعضهم: ومن عطس في صلاته فلا يشتغل بالحمد، أي لا يقل الحمد لله، فإن فعل أي فإن قالها فلا شيء عليه، ولا ينبغي تشميت العاطس في حال الصلاة، فإن شمته أحد فلا يرد عليه لأنه في مناجاة مولاه. ومن تثاءب في الصلاة سد فاه، أي فليضع يده على فيه، ولا ينفث إلا في ثوبه من غير إخراج حروف. قال ابن القاسم: ورأيت مالكا إذا أصابه التثاؤب يضع يده على فيه وينفث في غير صلاة. قال ولا أدري ما فعله في الصلاة اهـ المدونة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: " ويبطلها سهو الحدث وغلبته " يعني أن الصلاة تبطل

ص: 285

بالحدث مطلقا سواء كان عمدا أو سهوا أو غلبة. قال الدردير في مبطلات الصلاة: وبطرو ناقص، أي ناقص لوضوئه من حدث أو سبب أو تذكره، ولا يسري البطلان للمأموم بحصول ذلك للإمام إلا بتعمده لا بالغلبة والنسيان. قاله الصاوي. وعبارة الشيخ صالح في الإكليل عند قول الشيخ خليل وبحدث: أي

بطلت أي الصلاة بحصول ناقض فيها غلبة أو نسيانا لفذ أو مأموم، أو إمام. ولا يسري البطلان لصلاة مأمومية، فيستخلف من يتم بهم، فإن لم يستخلف وكمل بهم، أو عمل عملا بعد حدثه واتبعوه فيه بطلت عليهم، كتعمده الناقض اهـ.

قال المصنف رحمه الله تعالى: " والقهقهة " وهي تقلص الشفتين مع التكشر عن الأسنان عند الإعجاب مع الصوت، وإلا فهو الضحك، والتبسم دونه. وقيل هو أول الضحك كما في الخرشي. والمعنى أن القهقهة من مبطلات الصلاة، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى ذات يوم مع أصحابه وبين يديه حفرة فأقبل رجل للصلاة وفي عينيه شيء فسقط في تلك الحفرة فضحك بعض أصحابه، فلما سلم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" من ضحك منكم فليعد الصلاة " اهـ قاله الليث بن سعد كما في المدونة. قال العلامة عبد الرحمن الأخضري: ومن ضحك في صلاته بطلت صلاته سواء كان عامدا أو ساهيا، ولا يضحك في صلاته إلا غافل متلاعب، والمؤمن إذا قام للصلاة أعرض بقلبه عن كل ما سوى الله تعالى، ويترك الدنيا وما فيها حتى يحضر بقلبه جلال الله تعالى وعظمته، ويرتعد قلبه وترهب نفسه من هيبة الله جل جلاله، فهذه صلاة المتقين اهـ. قال الشيخ خليل في المختصر: وبطلت بقهقهة، وتمادى المأموم إن لم يقدر على الترك اهـ انظر الخرشي. قال المصنف رحمه الله تعالى:" لا التبسم " أي لا تبطل به الصلاة. قال المصنف رحمه الله تعالى: " وهل يسجد له قولان " يعني هل يسجد المصلي سجود السهو إذا تبسم أم لا سجود عليه؟ قال الخرشي وغيره إنه لا سجود عليه سواء كان

ص: 286