الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما أنهى الكلام على أعيان النجاسات والطهارة أراد المصنف الانتقال إلى بيان آداب من يريد قضاء الحاجة، فقال رحمه الله تعالى:
فَصْلٌ
في بيان أحكام قضاء الحاجة وما يتعلق بذلك
هذا الفصل معقود لآداب قضاء الحاجة مما يستحب على المكلف عند البول أو الغائط، وتسمى حاجة الإنسان. قال رحمه الله:" مريد البراز في الصحراء يطلب موضعا مطمئنا رخوا بعيدا عن الناس " وفي الحديث الصحيح عن المغيرة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب المذهب أبعد " وفي رواية لأبي داود: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد " اهـ. وقول المصنف رخوا والرخو: محل لين سهل كتراب ورمل. قال خليل: ندب لقاضي الحاجة جلوس، ومنع - أي كره - برخو نجس.
قال الخرشي: والمعنى أنه يندب لمريد البول إذا كان المكان رخوا طاهرا الجلوس لأنه أقرب للستر، ويجوز له القيام إذا أمن الاطلاع، وإن كان رخوا نجسا منع الجلوس لئلا ينجس ثوبه، وتعين القيام حيث أراد البول في ذلك المحل، وأما لو أراد الغائط فإنه لا يجوز له القيام كما في التوضيح وغيره اهـ باختصار.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها " وفي الصحيحين عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يوليها ظهره، شرقوا أو غربوا " اهـ. وفي العزية: وأن لا يستقبل القبلة ولا يستديرها إذا كان في الفضاء ولم يكن فيه ساتر، فإن كان فيه ساتر ففي منعه قولان، المختار منهما المنع. وأما فعله في المنزل فيجوز مطلقا، أعني سواء أكان هناك ساتر أم لا، أكان هناك مشقة أم لا اهـ.
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: " ولا يكشف عورته حتى يدنو من الأرض " وفي الحديث الصحيح عن ابن عمر قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد حاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض " اهـ.
قال الخليل في المختصر: وستر إلى محله. وقال في محل آخر: وبالفضاء تستر وبعد اهـ.
قال الخرشي عليه: يعني أن من الآداب أن يديم الستر إلى محل خروج الأذى فيديمه إلى دنوه من الأرض إذا لم يخش على ثيابه وإلا رفع قبله ما لم يره أحد وإلا وجب الستر. قوله: وبالفضاء إلخ، أي وندب لمن أراد قضاء الحاجة في الفضاء أن يستتر عن أعين الناس بكشجرة، وأن يبعد لا يسمع له صوت ولا يرى له عورة اهـ.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " ويتقي الظل والشاطئ والراكد والجحر " يعني أنه يجب عليه أن يتجنب الملاعن. وفي الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اتقوا اللاعنين، قالوا وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم " اهـ. رواه مسلم وأبو داود. وعن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم: " اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل " رواه أبو داود.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبال في الجحرة لأنها مساكن الجن. رواه النسائي وأبو داود عن عبد الله بن سرجس اهـ. وفي المختصر: واتقاء جحر، وريح، ومورد، وطريق، وظل، وصلب اهـ. وفي العزية: وأن يجتنب الموضع الصلب والماء الدائم، وأن يغطي رأسه، وأن لا يتكلم إلا لمهم كخوف فوات نفس أو مال، وأن يتقي الريح والجحر والملاعن الثلاث، وهي مواضع جلوس الناس وطرقاتهم اهـ.
قال المصنف رحمه الله: " وفي الكنف يزيل عنه اسم الله تعالى " والكنف جمع كنيف، وهو المحل المعد لقضاء الحاجة في الدور، أو المواضع التي تعد لذلك ويسمى بالمرحاض، والحنفية، وبيت الماء؛ لأنه لا يخلو عن الماء غالبا.
والمعنى أنه إذا أراد الدخول في الكنيف لا ينبغي أن يدخل فيه بشيء من أسماء الله تعالى، كالخاتم وقد روى أبو داود عن أنس قال:" كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء نزع خاتمه ".
وقد نقل المواق عن الحاوي في شرح قول خليل: وبكنيف، نحى ذكر الله.
وقال: قاضي الحاجة نحى اسم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وقال الجزولي: من آداب الحدث أن لا يدخل الخلاء بما فيه اسم الله تعالى إكراما له، كالدرهم والخاتم وغير ذلك، كما كره مالك أن يعامل أهل الذمة بالدرهم عليه مكتوب اسم الله، لكن قال سند: جوز مالك أن يدخل الخلاء ومعه الدينار والدرهم عليه مكتوب اسم الله اهـ قلت:
لعل هذا من باب الضرورات لأنها تبيح المحظورات. والله أعلم.
قال المصنف رحمه الله: " يقدم رجله اليسرى قائلا باسم الله أعوذ بالله من
الخبث والخبائث ومن الرجس النجس ومن الشيطان الرجيم " وفي نسخة ومن النجس وهو خطأ، والصحيح ما قررناه. وفي الحديث: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال " اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث " رواه أنس في الصحيحين وروى فيهما زيادة " من الرجس النجس الشيطان الرجيم " وعن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول: باسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، قاله في غاية المأمول. وكذا في العزية.
قال المصنف رحمه الله: " واليمنى في الخروج قائلا: الحمد لله الذي أذهب عني
الأذى وعافاني " وعن عائشة قالت: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: " غفرانك " اهـ، رواه أصحاب السنن. وفي المختصر: قال الدردير على أقرب المسالك: من الآداب أن يقدم حال دخوله الكنيف رجله اليسرى ويؤخرها حال خروجه منه، بأن يقدم في الخروج رجله اليمنى، ذلك عكس المسجد، فإنه يندب له تقديم اليمنى دخولا وتقديم اليسرى خروجا لشرفه، كما يندب في تنعله تقديم اليمنى وفي خلع النعال تقديم اليسرى. وأما المنزل فيقدم اليمنى دخولا وخروجا اهـ.
قال المصنف رحمه الله: " ويجتهد في الاستبراء " يعني إذا قضى الإنسان حاجته وجب عليه الاستبراء بالسلت والنتر إن كانت بولا، أو بالاستنجاء أو الأحجار إن كانت غائطا لإزالة الأذى عن مخرجها، ولا يصلي بها وهي في جسده.
قال خليل في المختصر: ووجب استبراء باستفراغ أخبثيه مع سلت ذكر ونتر خفا. كذا في أقرب المسالك. قال الدردير عليه: يجب على من قضى حاجته أن يستبرئ أي يخلص مجرى البول من ذكره بسلته بأن يجعل إصبعه السبابة من يده اليسرى تحت ذكره من أصله، والإبهام فوقه ثم يسحبه برفق حتى يخرج ما فيه من البول. والنتر بسكون التاء المثناه: جذبه. وندب أن يكون كل منهما برفق، وهو معنى قوله: أي الشيخ خليل خفا - بفتح الخاء - حتى يغلب على الظن خلوص المحل، ولا يتتبع الأوهام فإنه يورث الوسوسة وهي تضر بالدين اهـ.
قال المصنف رحمه الله: " ويستجمر بثلاثة أحجار، وفي معناها كل جامد طاهر غير محترم، ويجزئ الواحد إن أنقى، ويزيد عليها إن احتاج، والماء أفضل كجمعهما " يعني فراغه من الاستبراء على الوصف المتقدم أنه يجب أن يستنجي ويستعمل الأحجار وترا. قال أبو محمد في الرسالة: وصفة الاستنجاء أن يبدأ بعد
غسل
يده فيغسل مخرج البول، ثم يمسح ما في المخرج من الأذى بمدر أو غيره أو بيده، ثم يحكها بالأرض ويغسلها، ثم يستنجي بالماء ويواصل صبه، ويسترخي قليلا، ويجيد عرك ذلك بيده حتى يتنظف، وليس عليه غسل ما بطن من المخرجين، ولا يستنجي من ريح، ومن استجمر بثلاثة أحجار يخرج آخرهن نقيا أجزأه، والماء أطهر وأطيب وأحب إلى العلماء اهـ.
وفي المختصر: وندب جمع ماء وحجر ثم ماء قال الخرشي عليه: يعني أنه يندب للمستنجي الجمع بين الماء ولو عذبا والحجر لإزالتهما العين والأثر، ولأن أهل قبا كانوا يجمعون بينهما فمدحهم الله تعالى بقوله:{إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222] وقال تعالى: {رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108]
وإذا أراد أن يقتصر على أحدهما فالماء أفضل من الاقتصار على الحجر، فإن اقتصر على الحجر اجزأه مخالف الأفضل، لقوله عليه الصلاة والسلام:" فإنها تجزئ عنه " وقول ابن حبيب: لا تجزئ مع القدرة على الماء، مردود بما قبله ومثله تخصيص ما ورد وخصص ما ورد بالسفر وعدم ماء اهـ.
قال المصنف رحمه الله تعالى: " ويتعين في المذي على المشهور، وهل يغسل منه جميع الذكر أو المخرج قولان " يعني أنه يتعين الماء بخروج المذي، وهو ماء أبيض رقيق يخرج عند اللذة بالإنعاظ عند الملاعبة أو التذكار كما تقدم.
وفي الرسالة: الوضوء يجب لما يخرج من أحد المخرجين من بول أو غائط أو ريح أو لما يخرج من الذكر من مذي مع غسل الذكر كله منه، وهو ماء أبيض إلى آخر ما ذكرناه اهـ.
قال أبو البركات الشيخ أحمد الدردير - عاطفا على ما يتعين عليه الماء -: ومذي بلذة مع غسل كل ذكره بنية، ولا تبطل الصلاة بتركها، وفي اقتصاره على البعض قولان. وحاصل المسألة أن خروج المذي من الرجل بلذة معتادة يوجب غسل جميع الذكر بنية على إحدى القولين كما تقدم اهـ.
قال أبو الضياء سيدي خليل عاطفا: وتعين في مني وحيض ونفاس وبول امرأة ومنتشر عن مخرج كثيرا ومذي بغسل ذكره كله ففي النية وبطلان صلاة تاركها أو تارك كله قولان اهـ.
قال الخرشي: يعني اختلف هل تجب النية في غسل الذكر من المذي أو لا تجب فيه، وعلى القول بالوجوب لو تركها وغسله كله فهل تبطل الصلاة لترك واجب أم لا؟ قلت: قد أجاب الشيخ أحمد الدردير في أقرب المسالك بقوله: ولا تبطل الصلاة بتركها كما تقدم آنفا، وكذا لو ترك غسل ذكره كله بأن اقتصر على
محل الأذى سواء غسله بنية أم لا، وعلى كلا الأمرين فالصلاة صحيحة، إلا أنه وجب عليه في الأمر الثاني أن يغسله كله بنية لما يستقبل، مراعاة للعراقيين القائلين بالاكتفاء بغسل محل الأذى، وعليه فيكمل غسل ذكره لما يستقبل من الصلوات.
هذه خلاصة المسألة. والله أعلم بالصواب. انتهى مع زيادة الإيضاح.
قال المصنف رحمه الله: " ويستجمر بشماله ويصب عليها الماء قبل ملاقاتها الأذى يبتدئ بقبله " وقوله: ويستجمر وفي نسخة ويستنجي بشماله. والاستجمار استعمال الحجارة لإزالة النجاسة أو المدر أو بكل طاهر يابس منق، والاستنجاء هو غسل مخرج الأذى بالماء المطلق، وكلتا النسختين صحيحة إلا أن الماء أفضل عند الاقتصار على أحدهما كما تقدم. وقوله: ويستنجي بشماله إلخ. قال الدردير في أقرب المسالك: واستنجاء، وندب بيسراه، وبلها قبل لقي الأذى كما في المختصر، ونصه: وبلها قبل لقي الأذى وغسلها بكتراب بعده اهـ. قال الخرشي: يعني أنه يندب بل باطن اليد اليسرى قبل ملاقاة النجاسة من بول أو غائط ليسهل إزالة ما تعلق بها من الرائحة، لأنها إذا لاقت النجاسة وهي جافة تعلقت الرائحة باليد وتتمكن منها.
ويندب أيضا غسل اليد بعد الاستنجاء بتراب أو رمل أو نحو ذلك مما يقلع الرائحة. وقول المصنف يبتدئ بقبله، وفي نسخة يبدأ بقبله. وقد تقدم الكلام أنه يبدأ بغسل مخرج البول قبل مخرج الأذى، ثم يمسح ما في المخرج من الأذى بمدر أو غيره أو بيده، ثم يحكها بالأرض ويغسلها، كما في الرسالة. فالحاصل أن الابتداء بالاستبراء وغسل قبله الدبر مندوب آخر لئلا ينجس يده من الذكر إذا مس مخرج الغائط قبل مخرج البول. النفراوي: ولذا لو كانت عادته قطر بوله عند مس دبره بالماء يؤخر غسل قبله؛ لأنه لا فائدة في التقديم حينئذ اهـ.
قال المصنف رحمه الله: " فإن كان فيها خاتم فيه ذكر الله نقله إلى اليمنى " هذا لأنه قد ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان " إذا دخل الخلاء ينزع خاتمه " رواه أبو داود عن أنس اهـ. وهو دليل على أنه يحرم دخول الخلاء وفي إصبعه خاتم إذا كان فيه شيء من أسماء الله أو شيء من أسماء الأنبياء. ولا يجوز الاستنجاء وهو في يده، بل الواجب نقله إلى اليمنى كما قال المصنف. نعم وقد نقل الشيخ عبد السميع الآبي في شرح العزية عن ابن العربي أنه قال في آداب الاستنجاء: لا يحل لمسلم أن يستنجي وفي يده خاتم فيه اسم الله، وقد كان لي خاتم منقوش فيه محمد العربي فتركت الاستنجاء به لحرمة اسم محمد، وإن لم يكن ذلك الكريم الشريف ولكن رأيت للاشتراك حرمة، ثم استدل بنص المصنف الذي هو قوله:
فإن كان فيها خاتم فيه ذكر الله نقله إلى اليمنى. قال التتائي: وجوبا، ثم قال: فكل من النقلين يؤيد القول بالتحريم. وقد مر حرمة الاستنجاء بالمكتوب الذي فيه الحروف مطلقا، وهو أيضا يرجح القول بالحرمة اهـ. هذا، ونسأل الله التوفيق بمنه وكرمه آمين.
ولما أنهى الكلام على آداب قضاء الحاجة أراد الانتقال والشروع في بيان فرائض الوضوء فقال رحمه الله تعالى: