الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ فَعَلَهُ قَبْلَ الْوَفَاءِ، لَمْ يَجُزْ، إلا أنْ تَكُونَ الْعَادَةُ جَارِيَةً بَينَهُمَا بِهِ قَبْلَ الْقَرْضِ.
ــ
لأنَّه يَطْمَعُ في حُسْنِ عادَتِه. وهذا لا يَصِحُّ؛ فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، كان مَعْرُوفًا بحُسْنِ القَضاءِ، فهل يَسُوغُ لأحَدٍ أن يقولَ: إنَّ إقْراضَه مَكْرُوهٌ؟ ولأنَّ المَعْرُوفَ بحُسْنِ القَضاءِ خَيرُ النّاسِ وأفْضَلُهم، وهو أوْلَى النّاسِ بقَضاءِ حاجَتِه، وإجابَةِ مَسْألَتِه، وتَفْرِيجِ كُرْبَتِه، فلا يَجُوزُ أن يَكُونَ ذلك مَكْرُوهًا، وإنَّما يُمْنَعُ مِن الزِّيادَةِ المَشْرُوطَةِ. ولو أقْرَضَه مُكَسَّرَةً، فجاءَه مكانَها بصِحاحٍ بغيرِ شَرْطٍ، جاز. وإن جاءَه بصِحَاحٍ أقَلَّ منها، فأخَذَها بجَمِيعِ حَقِّه، لم يَجُزْ؛ لأن ذلك مُعاوَضَةٌ للنَّقْدِ بأقَلَّ منه، فكان رِبًا، وكذلك ما يُشْتَرَطُ فيه المُماثَلَةُ.
1770 - مسألة: (وإن فَعَلَه قبلَ الوَفاءِ، لم يَجُزْ، إلَّا أن تَكُونَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
العادَةُ جارِيَةً بينَهما بذلك قبلَ القَرْضِ) إلَّا أن يُكافِئَه أو يَحْسُبَه مِن دَينِه، [إلَّا أن يَكُونَ شيئًا جَرَتِ العَادَةُ به قبلَ القَرْضِ؛ لأنَّ القَرْضَ ليس سَبَبًا له](1). وذلك لِما روَى الأثْرَمُ أنَّ رَجلًا كان له على سَمَّاكٍ عِشْرُون دِرْهمًا، فجَعَل يُهْدِي إليه السَّمَكَ ويُقَوِّمُه حتى بَلَغ ثَلاثَةَ عَشَرَ دِرْهمًا، فسَألَ ابنَ عبّاسٍ، فقال: أعْطِه سَبْعَةَ دَراهِمَ (2). وعن ابنِ سِيرِينَ، أنَّ عُمَرَ أسْلَفَ أُبَيَّ بنَ كَعْبٍ عَشَرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ، فأهْدَى إليه أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ مِن ثَمَرَةِ أرْضِه، فرَدَّها عليه، ولم يَقْبَلْه، فأتاه أُبَيٌّ، فقال: لقد عَلِم أهْلُ المَدِينَةِ أنِّي مِن أطْيَبِهم ثَمَرةً، وأنَّه لا حاجَةَ لنَا، فبِمَ مَنَعْتَ هَدِيَّتَنا؟ ثم أهْدَى إليه بعدَ ذلك، فقَبِلَ. وعن زِرِّ بنِ حُبَيشٍ، قال: قُلْتُ لأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ: إنِّي أُرِيدُ أن أسِيرَ إلى أرضِ الجِهادِ، إلى العِراقِ. فقال: إنَّك تَأْتِي أرضًا فاشٍ بها (3) الرِّبا، فإن أقْرَضْتَ رجلًا قَرْضًا، فأتاكَ بقَرْضِكَ ليُؤَدِّيَ إليكَ قَرْضَك ومعه هَدِيَّةٌ، فاقْبِضْ قَرْضَك، وارْدُدْ عليه هَدِيَّتَه. رَواهما الأثْرَمُ (4). وروَى البُخَارِيُّ (5)، عن أبِي بُرْدَةَ بنِ (6)
(1) سقط من: م.
(2)
أخرجه البيهقي، في: باب كل قرض جر منفعة فهو ربا، من كتاب البيوع. السنن الكبرى 5/ 350.
(3)
في م: «فيها» .
(4)
وأخرجهما البيهقي في الباب السابق 5/ 349، 350.
(5)
في: باب مناقب عبد الله بن سلام، من كتاب مناقب الأنصار. صحيح البخاري 5/ 47.
(6)
في م: «عن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أبي مُوسى، قال: قَدِمْتُ المَدِينَةَ، فلقِيتُ عبدَ اللهِ بنَ سَلَامٍ. وذَكَرَ حَدِيثًا. وفيه: ثم قال لي: إنَّك بأرْضٍ فيها الرِّبا فاشٍ، فإذا كان لك على رجلٍ دَينٌ (1)، فأهْدَى إليك حِمْلَ تِبْنٍ، أو حِمْلَ شَعِيرٍ، أو حِمْلَ قَتٍّ، فلا تَأْخُذْه، فإنَّه رِبًا. قال ابنُ أبي مُوسى: ولو أقْرَضَه قَرْضًا، ثم اسْتَعْمَلَه عَمَلًا، لم يَكُنْ يَسْتَعْمِلُه مِثْلَه قبلَ القَرْضِ، كان قَرْضًا جَرَّ مَنْفَعَةً. ولو اسْتَضافَ غَرِيمَه، ولم تَكُنِ العادَةُ جَرَت بذلك بينَهما، حَسَبَ له ما أكَلَه؛ لِما روَى ابنُ ماجه في «سُنَنِه» (2) عن أنَسٍ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَقْرَضَ أحَدُكُمْ قَرْضًا، فَأهْدَى إلَيهِ أوْ حَمَلَه عَلَى الدَّابَّةِ، فَلَا يَرْكَبْهَا وَلَا يَقْبَلْهُ، إلَّا أنْ يَكُونَ جَرَى بَينَهُ وَبَينَهُ قَبْلَ ذَلِكَ» . وهذا كلُّه في مُدَّةِ القَرْضِ، فأمّا بعدَ الوَفاءِ، فهو كالزِّيادَةِ مِن غيرِ شَرْطٍ، وقد ذَكَرْناه.
فصل: ولو اقْتَرَضَ نِصْفَ دِينارٍ، فدَفَعَ إليه المُقْتَرِضُ دِينارًا
(1) في م: «قرض» .
(2)
في باب القرض، من كتاب الصدقات. سنن ابن ماجه 2/ 813. وضعف إسناده في الزوائد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صَحِيحًا، وقال: نِصْفُه وَفاءٌ، ونِصْفُه ودِيعةٌ عِنْدَك. أو: سَلَمٌ في شيءٍ. صَحَّ، ولا يَلْزَمُ المُقْرِضَ قَبُولُه؛ لأنَّ عليه في الشَّرِكَةِ ضَرَرًا. ولو اشْتَرَى بالنِّصْفِ الباقِي مِن الدِّينارِ سِلْعَةً، جاز. فإن كان بشَرْطٍ، مِثْلَ أنْ يَقُولَ: أقْضِيك صَحِيحًا، بشَرْطِ أن آخُذَ منك بنِصْفِه الباقِي قَمِيصًا. لم يَجُزْ؛ لأنَّه لم يَدْفَعْ إليه صَحِيحًا، إلَّا ليُعْطِيَه بالنِّصْفِ الباقِي فَضْلَ ما بينَ الصَّحِيحِ والمَكْسُورِ مِن النِّصْفِ المَقْضِيِّ. وإنِ اتَّفَقا على كَسْرِه، كَسَراه. وإنِ اخْتَلَفا، لم يُجْبَرْ أحَدُهما على ذلك؛ لأنَّه يَنْقُصُ قِيمَتَه.
فصل: ولو أفْلَسَ غَرِيمُه، فأقْرَضَه ألْفًا؛ ليُوَفِّيَه كلَّ شَهْرٍ شيئًا مَعْلُومًا، جاز؛ لأنَّه إنَّما انْتَفَعَ باسْتِيفاءِ ما هو مُسْتَحِقٌّ له. ولو كان له عليه حِنْطَةٌ، فأقْرَضَه ما يَشْتَرِي به حِنْطَةً يُوَفِّيه إيّاها، جاز؛ لذلك. ولو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أرادَ رجلٌ أن يَبْعَثَ إلى عِيالِه نَفَقَةً، فأقْرَضَها رجلًا على أن يَدْفَعَها إلى عِيالِه، فلا بَأْسَ إذا لم يَأْخُذْ عليها شيئًا. وإنْ أقْرَضَ أكّارَه (1) ما يَشْتَرِي به بَقَرًا يَعْمَلُ عليها في أرْضِه، أو بَذْرًا يَبْذُرُه فيها، فإن كان شَرَطَ ذلك في القَرْضِ، لم يَجُزْ؛ لأنَّه شَرَط ما يَنْتَفِعُ به، أشْبَهَ الزِّيادَةَ. وإن لم يَكُنْ شَرْطًا، فقال ابنُ أبي مُوسى: لا يَجُوزُ؛ لأنَّه قَرْضٌ جَرَّ مَنْفَعَةً. قال: ولو قال: أقْرِضْنِي ألْفًا، وادْفَعْ إلَيَّ أرْضَكَ أزْرَعْها بالثُّلُثِ. كان خَبِيثًا. قال شيخُنا (2): والأوْلَى جَوازُ ذلك إذا لِم يَكُنْ مَشْرُوطًا؛ لأنَّ الحاجَةَ داعِيَةٌ إليه، والمُسْتَقْرِضُ إنَّما يَقْصِدُ نفْعَ نَفْسِه، وإنَّما يَحْصُلُ انْتِفاعُ المُقْرِضِ ضِمْنًا، فأشْبَهَ أخْذَ السُّفْتَجَةِ به، وإيفاءَه في بَلَدٍ آخَرَ، مِن حيثُ إنَّه مَصْلَحَةٌ لهما جَمِيعًا.
فصل: قال أحمدُ في رجلٍ اقْتَرَضَ دَراهِمَ، وابْتاعَ بها منه شيئًا، فخَرَجَت زُيُوفًا: فالبَيعُ جائِزٌ، ولا يَرْجِعُ عليه بشيءٍ. يَعْنِي لا يَرْجِعُ البائِعُ على المُشْتَرِي ببَدَلِ الثَّمَنِ؛ لأنَّها دَراهِمُه (3)، فعَيبُها عليه، وإنَّما له على المُشْتَرِي بَدَلُ ما أقْرَضَه إيّاه بصِفَتِه زُيُوفًا. وهذا يَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ فيما إذا
(1) الأكَار: الحرّاث.
(2)
في: المغني 6/ 440.
(3)
بعده في م: «بعينها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
باعَه السِّلْعَةَ بها، وهو يَعْلَمُ عَيبَها (1)، فأمّا إن باعَه في ذِمَّتِه بدَراهِمَ، ثم قَبَض هذه بَدَلًا عنها غيرَ عالِمٍ بها، فيَنْبَغِي أن يَجِبَ له دَراهِمُ خالِيَةٌ مِن العَيبِ، ويَرُدُّ هذه عليه، وللمُشْتَرِي رَدُّها على البائِعِ وَفاءً عن القَرْضِ، ويَبْقَى الثَّمَنُ في ذِمَّتِه. وإن حَسَبَها على البائِعِ وَفاءً عن القَرْضِ، ووَفّاه الثَّمَنَ جَيِّدًا، جاز. قال: ولو أقْرَضَ رجلًا دَراهِمَ، وقال: إذا مِتُّ فأنت في حِلٍّ. كانت وَصِيَّةً. وإن قال: إنْ مِتَّ فأنت في حِلٍّ. لم يَصِحَّ؛ لأنَّ هذا إبْراءٌ مُعَلَّقٌ على شَرْطٍ، ولا يَصِحُّ ذلك. والأوَّلُ وَصِيَّةٌ؛ لأنَّه عَلَّقَه على مَوْتِ نَفْسِه، وذلك جائِزٌ. قال: ولو أقْرَضَه تِسْعِين دِينارًا وَزْنًا، بمائَةٍ عَدَدًا وزْنُها تِسْعُون، وكانت لا تَنْفَقُ في مكانٍ إلَّا بالوَزْنِ، جاز، وإن كانت تَنْفَقُ برُءُوسِها، فلا. وذلك لأنَّها إذا كانت تَنْفَقُ في مكانٍ برُءُوسِها، كان ذلك زِيادَةً؛ لأنَّ تِسْعِينَ مِن المائَةِ تَقُومُ مَقامَ التِّسْعِين التي أقْرَضَه إيّاها، وَيَسْتَفْضِلُ عَشَرَةً، ولا يَجوزُ اشْتِراطُ الزِّيادَةِ، وإذا كانت لا تَنْفَقُ إلَّا بالوَزْنِ، فلا زِيادَةَ فيها وإنِ اخْتَلَفَ عَدَدُها. قال: ولو قال: اقْتَرِضْ لي مِن فُلانٍ مائَةً، ولك عَشَرَةٌ. فلا بَأْسَ، ولو قال: اكْفُلْ عَنِّي، ولك ألْفٌ. لم يَجُزْ؛ وذلك لأنَّ قَوْلَه: اقْتَرِضْ لي ولك عَشَرَةٌ. جَعالةٌ على فِعْلٍ مُباحٍ، فجازَت، كما لو قال: ابْنِ لي هذا الحائِطَ، ولك عَشَرَةٌ. وأمّا الكَفالةُ؛ فلأنّ الكَفِيلَ يَلْزَمُه أداءُ الدَّينِ، فإذا أدّاه وَجَب له على المَكْفُولِ عنه، فصارَ كالقَرْضِ، فإذا أخَذَ عِوَضًا، صار قَرْضًا
(1) في م: «عينها» .