الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَصَرُّفُ الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ لَا يَصِحُّ، إلا الْعِتْقَ، فَإِنَّهُ يَنْفُذُ وَتُؤخَذُ مِنْهُ قِيمَتُهُ رَهْنًا مَكَانهُ. وَعَنْهُ، لَا يَنْفُذُ عِتْقُ الْمُعْسِرِ.
ــ
1786 - مسألة: (وتَصَرُّفُ الرَّاهِنِ في الرَّهْنِ لا يَصِحُّ، إلَّا العِتْقَ، فإنَّه يَصِح، وتُؤْخَذُ منه قِيمَتُه
(1) رَهْنًا مكانَه. وعنه، لا يَنْفُذُ عِتْقُ المُعْسِرِ) إذا تَصَرَّفَ الرَّاهِنُ [في الرَّهْنِ](2) بغَير رِضَا المُرْتَّهِنِ، بغَيرِ العِتْقِ، كالبَيعِ والهِبَةِ، والوَقْفِ، والرَّهْنِ، ونحْوه، فتَصَرُّفُه باطِلٌ؛ لأنَّه تَصَرُّفٌ يُبْطِلُ حَقَّ المُرْتَّهِنِ مِن الوَثِيقَةِ، غيرُ مَبْنِيٍّ على التَّغْلِيبِ والسِّرايَةِ، فلم يَصِحَّ بغَيرِ إذْنِ المُرْتَّهِنِ، كفَسْخِ الرَّهْنِ. وفي الوَقْفِ وَجْهٌ آخَرُ، أنَّه يَصِحُّ؛ لأنَّه يَلْزَمُ لحَقِّ اللهِ تَعالى، أشْبَهَ العِتْقَ. والصَّحِيحُ الأوَّلُ؛ لأنَّه تَصَرُّف لا يَسْرِي إلى مِلْكِ الغيرِ، فلم يَصِحَّ، كالهِبَةِ. فإن أذِن فيه المُرْتَهِنُ (3)، صَحَّ، وبَطَلَ الرَّهْنُ؛ [لأنَّه أذِن فيما يُنافِي حَقَّه، فبَطَل بفِعْلِه، كالعِتْقِ](2)، إلَّا أن يَأذَنَ في البَيعِ، ففيه تَفْصِيلٌ نَذْكُرُه فيما بَعْدُ، إن شاءَ اللهُ تعالى.
(1) بعده في الأصل، ر، ق، م:«فتجعل» .
(2)
سقط من: م.
(3)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وليس للرَّاهِنِ الانْتِفاعُ بالرَّهْنِ، باسْتِخْدام، ولا وَطْء، ولا سُكْنَى، ولا غيرِ ذلك. ولا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فيه بإجارَةٍ ولا إعارَةٍ ولا غيرِهما بغيرِ رِضَا المُرْتَّهِنِ. وبهذا قال الثَّوْرِيُّ، وأصحابُ الرَّأْي. وقال مالكٍ، وابنُ أبي ليلى، والشّافعيُّ، وابنُ المُنْذِرِ: للرّاهِنِ إجارَتُه وإعارَتُه مُدَّةً لا يَتَأخَّرُ انْقِضاؤها عن حُلُولِ الدَّينِ. وهل له أن يَسْكُنَ بنَفْسِه؟ على اخْتِلافٍ، بينَهم فيه (1). وإن كان الرَّهْنُ عَبْدًا، فله اسْتِيفاءُ مَنافِعِه بغَيرِه، وهل له ذلك بنَفْسِه؟ على الخِلافِ. وليس له إجارَةُ الثَّوْبِ ولا ما يَنْقُصُ بالانْتِفاعِ. وبَنَوْه على أنَّ المنافِعَ للرَّاهِنِ لا تَدْخُلُ في الرَّهْنِ، ولا يَتَعَلَّقُ بها حَقُّه، وسَيَأتِي الكلامُ فيه. ولَنا، أنَّها عَينٌ (2) مَحْبُوسَةٌ، فلم يَكُنْ للمالكِ الانْتِفاعُ بها، كالمَبِيعِ المَحْبُوسِ عندَ البائِعِ على قَبْضِ ثَمَنِه. إذا ثَبَت هذا فإن المُتراهِنَين إن لم يَتَّفِقا على الانْتِفاعِ بها، لم يَجُزْ
(1) سقط من: م.
(2)
في ق، ر 1:«غير» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الانْتِفاعُ، وكانت منافِعُها (1) مُعَطَّلَةً، فإن كانت دارًا أُغْلِقَتْ، وإن كان عَبْدًا أو غيرَه تَعَطَّلَتْ مَنافِعُه، حتَّى يَنْفَكَّ الرَّهْنُ. فإنِ اتَّفَقَا علي إجارَةِ الرَّهْنِ، أو (2) إعارَتِه، جاز ذلك، في ظاهِر قولِ الخِرَقِيِّ؛ لأنَّه جَعَل غَلَّة الدّارِ وخِدْمَةَ العَبْدِ مِن الرَّهْنِ، ولو عُطِّلَتْ مَنافِعُهما لم يَكُنْ لهما غَلَّة. وقال ابنُ أبي مُوسى: إن أذِن الرَّاهِنُ للمُرْتَهِنِ في إعارَته، أو إجارَتِه، صَحَّ، والأجْرَةُ رَهْنٌ، وإن أجَرَهُ الرَّاهِنُ بإذْنِ المُرْتَّهِنِ، خَرَجِ مِن الرَّهْنِ، في أحَدِ الوَجْهَين، ولا يَخْرُجُ في الآخَرِ، كما لو أجَرَه المُرْتهِنُ. وقال أبو الخَطَّاب في المُشاعِ: يُؤْجرُه الحاكِمُ لهما. وذكَر أبو بكر في «الخِلافِ» ، أنَّ مَنافِعَ الرَّهْنِ تُعَطَّلُ مُطْلَقًا، ولا يُؤْجِراه. وهو قولُ الثَّوْرِيِّ، وأصحابِ الرَّأْي. وقالُوا: إذا أجَرَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ (3) بإذْنِ المُرْتَّهِنِ، كان إخْراجًا مِن الرَّهْنِ؛ لأنَّ الرَّهْنَ يَقتَضِي حَبْسَه عندَ المُرْتَّهِنِ أو نائِبِه على الدَّوامِ، فمتى وُجِدَ عَقْدٌ يَسْتَحِقُّ به زَوال الحَبْسِ، زال الرَّهْنُ. ولَنا، أنَّ مَقْصُودَ الرَّهْنِ الاسْتِيثاقُ بالدَّينِ واسْتِيفاؤه مِن ثَمَنِه عندَ تَعَذُّرِ اسْتِيفائِه مِن ذِمَّةِ الرَّاهِنِ، وهذا لا يُنافِي الانْتِفاعَ به، ولا
(1) في م: «منافعه» .
(2)
في م: «و» .
(3)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إجارَتَه، و (1) إعارَتَه، فجاز اجْتِماعُهما، كانْتِفاعِ المُرْتَّهِنِ به، ولأنَّ تَعْطِيلَ مَنْفَعَتِه تَضْيِيع للمالِ، وقد نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن إضاعَتِه (2)، ولأنَّه عَينٌ تَعَلَّقَ بها حَقُّ الوَثِيقَةِ، فلم يَمْنَعْ إجارَتَها، كالعَبْدِ إذا ضَمِن بإذْنِ سَيِّدِه، ولا نُسَلِّمُ أنَّ مُقْتَضَى الرَّهْنِ الحَبْسُ، بل مُقْتَضاه تَعَلّقُ الحَقِّ به على وَجْهٍ تَحْصُلُ به الوَثِيقَةُ، وذلك غيرُ مُنافٍ للانْتِفاعِ به. ولو سَلَّمْنا أنَّ مُقْتَضَاهُ الحَبْسُ، فلا يَمْنَعُ [أن يكون](3) المُسْتَأجِرُ نائِبًا عنه في إمْساكِه وحَبْسِه، ومُسْتَوْفِيًا مَنْفَعَتَه لنَفْسِه.
فصل: ولا يُمْنَعُ الرَّاهِنُ مِن إصْلاحٍ الرَّهْنِ، ودَفْعِ الفَسادِ عنه، ومُداواتِه إنِ احْتاجَ إليها، فإذا كان ماشِيَة فاحْتاجَتْ إلى إطْراقِ الفَحْلِ، فللرّاهِنِ ذلك؛ لأنَّ فيه مَصْلَحَةَ الرَّهْنِ وزِيادَتَه، وذلك زِيادَةٌ في حَقِّ (4) المُرْتَّهِنِ مِن غيرِ ضَرَرٍ، وإن كانت فُحُولًا لم يَكُنْ للرَّاهِنِ إطْراقُها بغيرِ رِضَا المُرْتَّهِنِ؛ لأنَّه انْتِفاعٌ لا مَصْلَحَةَ للرَّهْنِ (5) فيه، فهو كالاسْتِخْدامِ، إلَّا أن يَكُون يَتَضَرَّرُ بتَرْكِ الإطْراقِ، فيَجُوزُ؛ لأنَّه كالمُداواةِ له.
(1) في م: «ولا» .
(2)
تقدم تخريجه في 8/ 249.
(3)
في م: «كون» .
(4)
سقط من: الأصل.
(5)
في الأصل، ر 1:«للراهن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وليس للرّاهِنِ عِتْقُ الرَّهْنِ؛ لأنَّه يُبْطِلُ حَقَّ المُرْتَّهِنِ مِن الوَثِيقَةِ، وذلك إضْرارٌ به، فإن فَعَل، نَفَذ عِتْقُه، مُوسِرًا كان أو مُعْسِرًا. نَصَّ عليه أحمدُ. وبه قال شَرِيك، والحسنُ بنُ صالح، وأصحابُ الرَّأْي، والشّافعيُّ في أحَدِ أقْوالِه. إلَّا أنَّ أبا حنيفةَ قال: يَسْتَسْعِي العَبْدَ في قِيمَتِه إن كان المُعْتِقُ مُعْسِرًا (1). وعن أحمدَ، أنَّه لا يَنْفُذُ عِتْقُ المُعْسِرِ. ذَكَرها الشَّرِيفُ أبو جَعْفَر. وهو قولُ مالكٍ، والقولُ الثّانِي للشافعيِّ؛ لأنَّ عِتْقه يُسْقِطُ حَقَّ المُرْتَّهِنِ مِن الوَثِيقَةِ مِن عَينِ الرَّهْنِ وبَدَلِها، فلم يَنْفُذْ؛ لِما فيه مِن الإِضْرارِ بالمُرْتَهِنِ، ولأنَّه عِتْق يُبْطِلُ حَقَّ غيرِ المالك، فنَفَذَ مِن المُوسِرِ دُونَ المُعْسِرِ، كعِتْقِ شِرْكٍ له في عَبْدٍ. وقال عطاء، والبَتِّيُّ، وأبو ثَوْرٍ: لا يَنْفُذُ عِتْقُ الرَّاهِنِ.، مُوسِرًا كان أو مُعْسِرًا. وهو القولُ الثّالث للشافعي؛ لأنَّه مَعْنًى يُبْطِلُ حَقَّ الوَثِيقَةِ مِن الرَّهْنِ، أشْبَهَ البَيعَ. ولَنا، أنَّه إعْتاق مِن مالكٍ جائِزِ التَّصَرُّفِ تام المِلْكِ، فنَفَذَ، كعِتْقِ المُسْتَأجِرِ، ولأنَّ الرَّهْنَ عَين مَحْبُوسَةٌ لاسْتِيفاءِ الحَقِّ، فنَفَذَ فيها عِتْقُ المالكِ، كالمَبِيعِ في يَدِ البائِعِ، والعِتْقُ يُخالِف البَيعَ، فإنَّه مَبْنِيٌّ على التَّغْلِيبِ والسرايَةِ، ويَنْفُذُ في مِلْك الغيرِ، ويَجُوزُ عِتْقُ المَبِيعِ قبلَ قَبْضِه، والآبِقِ، والمَجْهُولِ، وما لا يَقْدِرُ على تَسْلِيمِه، ويَجُوزُ تَعْلِيقُه على الشروطِ (2)،
(1) في م: «موسرًا» .
(2)
في م: «الشرط» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بخِلافِ البَيعِ. إذا ثَبَت هذا، فإن كان مُوسِرًا، أُخِذَتْ منه قِيمَتُه، فجُعِلَتْ مَكانَه رَهْنًا؛ لأنَّه أْبطَلَ حَقَّ الوَثِيقَةِ بغيرِ إذْنِ المُرْتَهِنِ، فلَزِمَتْه قِيمَتُه، كما لو أَبْطَلَها أجْنَبِيٌّ، أو كما لو أتْلَفَه، وتَكُونُ القِيمَةُ رَهْنًا؛ لكَوْنِها نائِبَةً عن العَينِ، وبَدَلًا منها، وإن كان مُعْسِرًا فهي في ذِمَّتِه، فإن أيسَرَ قبلَ حُلُولِ الحَقِّ، أُخِذَتْ منه فجُعِلَتْ رَهْنًا، إلَّا أن يَخْتارَ تَعْجِيلَ الحَقِّ، فيَقْضِيَه، ولا يَحْتاجُ إلى رَهْن، وإن أْيسَرَ بعدَ حُلُولِ الحَقِّ طُولِبَ بالدَّين خاصَّةً؛ لأنَّ ذِمته تَبْرأ به مِن الحَقَّين معًا. والاعْتِبارُ بقِيمَةِ العَبْدِ حال العِتْقِ؛ لأنَّه وَقْتُ الإِتْلافِ. وبهذا قال الشافعيُّ. وقال أبو حنيفةَ في المُعْسِرِ: يَسْتَسْعِي العَبْدَ في قِيمَتِه، ثم يَرْجِعُ على الرَّاهِنِ. وفيه إيجابُ الكَسْبِ على العَبْدِ، ولا صُنْعَ له، ولا جِنايَةَ منه، فكان إلْزامُ الغُرْمِ للمُتْلِفِ أوْلَى، كحالِ اليَسارِ، وكسَائِرِ الإِتْلافِ.
فصل: فإن أعْتَقَه بإذْنِ المُرْتَّهِنِ، فلا نعلمُ خِلافًا في نُفُوذِ عِتْقِه على كلِّ حالٍ؛ لأنَّ المَنْعَ كان لحَقِّ المُرْتَّهِنِ، وقد أذِنَ، ويَسْقُطُ حَقُّه مِنَ الوَثِيقَةِ مُوسِرًا كان المُعْتقُ أو مُعْسِرًا؛ لأنَّه أذِنَ فيما يُنافِي حَقَّه، فإذا وُجِدَ، زال حَقُّه، وقد رَضِيَ به لرِضاه بما يُنافِيه وإذْنِه فيه، فلم يَكُنْ له بَدَلٌ. فإن رَجَع عن الإِذْن قبلَ العِتْقِ، وعَلِم الرَّاهِنُ برُجُوعِه، بَطَل الإِذْنُ، وإن لم يَعْلَمْ برُجُوعِه، فأعْتَقَ، ففيه وَجْهان، بناءً على عَزْلِ