الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَهنًا، وَإنْ أَقَرَّ أنَّه كان جَنَى، أَو أنَّهُ بَاعَهُ، أَوْ غَصَبَهُ، قُبِلَ عَلَى نَفسِهِ، وَلَمْ يُقْبَلْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، إلا أَنْ يُصَدِّقَهُ.
ــ
فالحُكْمُ في ذلك كما لو أعْتَقَه بعدَ رَهْنِه على ما ذَكَرْنا مِن الخِلافِ؛ لأنَّ كلَّ مَن صَحَّ منه إنْشاءُ عَقْدٍ، صَحَّ منه الإِقْرارُ به، ولا يُقْبَلُ قَوْلُه في تَقَدُّمِ عِتْقِه؛ لأنَّه يُسْقِطُ حَقَّ المُرْتَهِنِ مِن عِوَضِه، فعلى هذا تُؤْخَذُ منه قِيمَتُه فتُجْعَلُ رَهْنًا مكانَه إن كان مُوسِرًا؛ لأنَّه فَوَّتَه على المُرْتَهِنِ (1) بإقْرارِه، فهو كما لو أعْتَقَه، وإن كان مُعْسِرًا، فالحُكْمُ فيه كما ذَكَرْنا.
1809 - مسألة: (وإن أقَرَّ أنَّه كان جَنَى، أو أنَّه باعَه، أو غَصَبَه، قُبِلَ على نَفْسِه، ولم يُقْبَلْ على المُرْتَهِنِ، إلَّا أنَّ يُصَدِّقَه)
وجُمْلته، أنَّه إذا أقَرَّ الرّاهِنُ أنَّ العَبْدَ كان جَنَى قبلَ رَهْنِه، فكَذَّبَه المُرْتَهِنُ وَوَلِيُّ الجِنايَةِ، لم يُسْمَعْ قَوْلُه، وإن صَدَّقَه وَلِيُّ الجِنايَةِ وَحْدَه، قُبِلَ إقْرارُه
(1) في الأصل، ق، م:«الراهن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على نَفْسِه دُونَ المُرْتَهِنِ، ويَلْزَمُه أَرْشُ الجِنايَةِ؛ لأنَّه حال بينَ المَجْنِيِّ عليه وبينَ رَقَبَةِ الجانِي بفِعْلِه، فأشْبَهَ ما لو جَنَى عليه. وإن كان مُعْسِرًا، فمتى انْفَكَّ الرَّهْنُ، كان المَجْنِيُّ عليه أحَقَّ برَقَبَتِه، وعلى المُرْتَهِنِ اليَمينُ أنَّه لا يَعْلَمُ ذلك، فإن نَكَل قُضِيَ عليه. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، أنَّه يُقْبَلُ إقْرارُ الرّاهِنِ؛ لأنَّه غَيرُ مُتَّهَمٍ؛ لكَوْنِه [يُقِرُّ بما](1) يُخْرِجُ الرَّهْنَ (2) مِن مِلْكِهِ، وعليه اليَمِينُ؛ لأنَّه يُبْطِلُ بإقْرارِه حَقَّ المُرْتَهِنِ فيه. وإن أقَرَّ أنَّه غَصَبَه، لم يُقْبَلْ على المُرْتَهِنِ؛ لأنَّ إقْرارَ غيرِه لا يُقْبَلُ في حَقه. فعلى هذا، لا يَخْرُجُ مِن الرَّهْنِ، ولا يَزُولُ شيء مِن أحْكامِ الرَّهْنِ، ويَلْزَمُه قِيمَتُه للمَغْصُوبِ منه؛ لأَنه حَال بينَه وبينَه برَهْنِه. وكذلك لا يُقْبَلُ إقْرارُه على
(1) في م: «تغريما» .
(2)
سقط من: الأصل.
فَصْلٌ: وَإذَا كَانَ الرَّهْنُ مَرْكُوبًا أوْ مَحْلُوبًا، فَلِلْمُرْتَهِنِ أنْ يَرْكَبَ وَيَحْلُبَ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ، مُتَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ فِي ذَلِكَ.
ــ
المُرْتَهِنِ ببَيعٍ ولا هِبَةٍ؛ لِما ذَكَرْنا. فإن صَدَّقَه المُرْتَهِنُ في ذلك، بَطَل الرَّهْنُ؛ لاعْتِرافِه بما يُبْطِلُه، فإذا انْفَكُّ، أخَذَ الرّاهِنُ بإقْرارِه.
فصل: قال الشَّيخُ، رضي الله عنه:(وإذا كان الرَّهْنُ مَرْكُوبًا أو مَحْلُوبًا، فللمُرْتَهِنِ أنَّ يَرْكَبَ ويَحْلُبَ بقَدْرِ نَفَقَتِه، مُتَحَرِّيًا للعَدْلِ في ذلك) وجُمْلَةُ ذلك، أنَّ الرَّهْنَ يَنْقَسِمُ إلى قِسْمَين؛ حَيَوانٍ، وغيرِه. والحَيَوانُ نَوْعان؛ أحَدُهما، إذا كان مَرْكُوبًا أو مَحْلُوبًا، فللمُرْتَهِنِ أنَّ يُنْفِقَ عليه، ويَرْكَبَ، ويَحْلُبَ، بقَدْرِ نَفَقتِه، مُتَحَرِّيًا للعَدْلِ في ذلك. نَصَّ عليه أحمدُ في رِوايَةِ محمدِ بنِ الحَكَمِ، وأحمدَ بنِ القاسِمِ. واخْتارَهْ الخِرَقِيُّ. وهو قولُ إسحاقَ. وسواء أنْفَقَ مع تَعَذُّرِ النُّفَقَةِ مِن الرّاهِنِ؛ لغَيبَةٍ أو امْتِناع، أو مع القُدْرَةِ على أخْذِ النَّفَقَةِ منه واسْتِئْذانِه. وعن أحمدَ رِوايَةٌ أُخْرَى، لا يُحْتَسَبُ له بما أنْفَقَ وهو مُتَطَوِّعٌ بها، ولا يَنْتَفِعُ مِن الرَّهْن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بشيء. وهذا قولُ أبي حنيفةَ، ومالكٍ، والشافعيِّ؛ لقَوْلِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«الرَّهْنُ مِنْ رَاهِنِه، لَهُ غُنْمُهُ، وَعَلَيه غُرْمُهُ» (1). ولأنَّه مِلْكُ غيرِه، لم يَأْذَنْ له في الانْتِفاعِ به ولا الإِنْفاقِ عليه، فلم يَكُنْ له ذلك، كغيرِ الرَّهْنِ. ولَنا، ما رَوَى البُخارِيُّ (2) بإسْنادِه، عن أبي هُرَيرَةَ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الرَّهْنُ يُرْكَبُ بنَفَقَتِهِ إذا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ (3) الدَّر يُشْرَبُ بِنَفَقَتِه إذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ» . فجَعَلَ مَنْفَعَتَه بنَفَقَتِه، وهذا مَحَلُّ النِّزاعِ. فإن قِيلَ: المُرادُ به [أنَّ الرّاهِنَ](4) يُنْفِقُ ويَنْتَفِعُ. قُلْنا: لا يَصِحُّ؛ لوَجْهَين: أحَدُهما،
(1) تقدم تخريجه في صفحة 428.
(2)
في: باب الرهن مركوب ومحلوب، من كتاب الرهن. صحيح البخاري 3/ 187.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في الرهن، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 258. والترمذي، في: باب ما جاء في الانتفاع بالرهن، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذي 5/ 259. وابن ماجه في: باب الرهن مركوب ومحلوب، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجه 2/ 816. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 228، 472.
(3)
سقط من: م.
(4)
في م: «الرهن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنَّه قد رُوِيَ في بَعْضِ الألْفاظِ: «إذَا كانَتِ الدَّابَّةُ مَرْهُونَةً، فَعَلَى المُرْتَهِن عَلَفُهَا، وَلَبَن (1) الدَّرِّ يُشْرَبُ، وَعَلَى الَّذِي يَشْرَبُ نَفَقَتُه، [ويَرْكَبُ] (2)» فجَعَلَ المُنْفِقَ المُرْتَهِنَ، فيَكُونُ هو المُنْتَفِعَ. الثّانِي، أنَّ قَوْلَه:«بِنَفَقَتِهِ» . يُشِيرُ إلى أنَّ الانْتِفاعَ عِوَضُ النَّفَقَةِ، وإنَّما ذلك في حَقِّ المُرْتَهِنِ، أمّا الرّاهِنُ فإنْفاقُه وانْتِفاعُه لا بِطَرِيقِ المُعاوَضَةِ لأحَدِهما بالآخَرِ، ولأنَّ نَفَقَةَ الحَيَوانِ واجِبَةٌ، وللمُرْتَهِنِ فيه حَقٌّ، وقد أمْكَنَه اسْتِيفاءُ حَقِّه مِن نَماءِ الرَّهْنِ، والنِّيابَةِ عن المالِكِ فيما وَجَب عليه، واسْتِيفاءِ ذلك مِن مَنافِعِه، فجازَ ذلك، كما يَجُوزُ للمَرْأةِ أخْذُ مُؤنَتِها مِن مالِ زَوْجِها عندَ امْتِناعِه بغيرِ إذْنِه، والنِّيابَةُ (3) في الإِنْفاقِ عليها. والحَدِيثُ نَقُولُ به، والنَّماءُ للرّاهِنِ، ولكنْ للمُرْتَهِنِ ولايةُ صَرْفِه إلى نَفَقتِه؛ لثُبُوتِ يَدِه عليه وولايته، وهذا في مَن أنْفَقَ مُحْتَسِبًا بالرُّجُوعِ، فإن أنْفَقَ مُتَبَرِّعًا بغيرِ نِيَّةِ الرُّجُوعِ، لم يَنْتَفِعْ به، رِوايَةً واحِدَةً.
(1) في م: «لأن» .
(2)
سقط من: م.
(3)
بعده في م: «عنه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: النَّوْعُ الثانِي، الحَيَوانُ غيرُ المَرْكُوبِ والمَحْلُوبِ، كالعَبْدِ والأمَةِ، فليس للمُرْتَهِنِ أنَّ يُنْفِقَ عليه ويَسْتَخْدِمَه بقَدْرِ نَفَقَتِه، في ظاهِرِ المَذْهَب. ذَكَرَه الخِرَقِي (1). ونصَّ عليه أحمدُ في رِوايَةِ الأثْرَمِ. قال: سَمِعْتُ أَبا عبدِ اللهِ يُسْألُ عن الرجلِ يَرْهَنُ العَبْدَ، فيَسْتَخْدِمُه؟ فقال: الرَّهْنُ لا يُنْتَفَعُ منه بشيءٍ، إلَّا حَدِيثَ أبي هُرَيرَةَ خاصَّةً في الذي يُرْكَبُ ويُحْلَبُ ويُعْلَفُ. قلتُ له: فإن كان الرُّكُوبُ واللَّبَنُ أكْثَرَ؟ قال: لا، إلَّا بقَدْرٍ. ونَقَل حَنْبَل عن أحمدَ، أنَّ له اسْتِخْدامَ العَبْدِ أيضًا. وبه قال أبو ثَوْرٍ، إذا امْتَنَعَ المالِكُ مِن الإِنْفاقِ عليه. قال أبو بكرٍ: خالفَ حَنْبَل الجماعَةَ، والعَمَلُ على أنَّه لا يَنْتَفِعُ مِن الرَّهْنِ بشيءٍ، إلَّا ما خَصَّهُ الشَّرْعُ؛ فإنَّ القِيَاسَ [يَقْتَضِي أنَّ](2) لا يَنْتَفِعَ بشيءٍ منه، تَرَكْناه في المَرْكُوبِ والمَحْلُوبِ للأَثرِ، ففيما عَداه يَبْقَى على مُقْتضَى القِياسِ.
(1) في م: «القاضي» .
(2)
في م: «أنه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القِسْمُ الثانِي، ما لا يَحْتاجُ إلى مُؤْنَةٍ، كالدّارِ والمَتاعِ ونحوه، فلا يَجُوزُ للمُرْتَهِنِ الانْتِفاعُ به (1) بغيرِ إذْنِ الرّاهِنِ. لا نَعْلَمُ في ذلك خِلافًا؛ لأنَّ الرَّهْنَ مِلْكُ الرّاهِنِ، فكذلك نماؤُه. فإنْ أذِنَ الرّاهِنُ للمُرْتَهِنِ في الانْتِفاعِ بغيرِ عِوَض، وكان دَينُ الرَّهْن (2) مِن قَرْضٍ، لم يَجُزْ؛ لأنَّه يَصِيرُ قَرْضًا جَرَّ مَنْفَعَة، وذلك حَرَامٌ. قال أحمدُ: أكْرَهُ قَرْضَ الدُّورِ، وهو الرِّبا المَحْضُ. يَعْنِي إذا كانتِ الدّارُ (3) رَهْنًا في قَرْض يَنْتَفِعُ بها المُرْتَهِنُ. وإن كان الرَّهْنُ بثَمَنِ مَبِيعٍ، أو أجْرِ دارٍ، أو دَين غيرِ القَرْضِ، فأذِنَ له الرَّاهِنُ في الانْتِفاعِ، جاز ذلك. وقد رُوِيَ عن الحَسَنِ، وابنِ سِيرينَ. وهو قولُ إسحاقَ. فأمّا إن كان الانْتِفاعُ بعِوَضٍ، مثلَ أنِ اسْتَأْجَرَ المُرْتَهِنُ الدّارَ مِن الرّاهِنِ بأُجْرَةِ مِثْلِها مِن غيرِ مُحاباةٍ، جاز في القَرْضِ وغيرِه؛ لكَوْنِه ما انْتَفَعَ بالقَرْضِ، إنَّما انْتَفَعَ بالإجارَةِ، وإن حاباه، فهو كالانْتِفاع بغيرِ عِوَض، يَجُوزُ في غيرِ القَرْضِ. ومتى اسْتَأْجَرَها أو اسْتَعارَها المُرْتَهِنُ، فظاهِرُ كلامِ أحمدَ،
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «الراهن» .
(3)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنها تَخْرُجُ عن كَوْنِها رَهْنًا، فمتى انْقَضَتِ الإِجارةُ أو العارِيَّةُ، عاد الرَّهْنُ بحالِه. قال أحمدُ في رِوايَةِ الحَسَنِ بنِ ثَوَابٍ (1) عن (2) أحمدَ، إذا كان الرَّهْنُ دارًا فقال المُرْتَهِنُ: اسْكُنْها بكِرائِها، وهي وَثِيقَةٌ بحَقِّي. تَنْتَقِلُ فتَصِيرُ دَينًا، وتَتَحَوَّلُ عن الرَّهْنِ. وكذلك إن أكْراها للرّاهِنِ. وقال أحمدُ، في رِوايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ: إذا ارْتَهَنَ دارًا ثم أكْراها لِصاحِبِها، خَرَجَتْ مِن الرهْنِ، فإذا رَجَعَتْ إليه صارَتْ رَهْنًا. قال شَيخُنا (3): والأوْلَى أنَّها لا تَخْرُجُ مِن الرَّهْنِ إذا اسْتَأجَرَها المُرْتَهِنُ أو اسْتَعَارَها؛ لأن القَبْضَ
(1) أبو علي الحسن بن ثواب الثعلبي المخرمي، بغدادي ثقة، كان له بالإمام أحمد أنسٌ شديد، توفي سنة ثمان وسنتين ومائتين. طبقات الحنابلة 1/ 131، 132.
(2)
في م: «قال» .
(3)
في: المغني 6/ 510.