الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعَقْدِ، فِي اظْهَرِ الرِّوَايَتَينِ، فَلَا يَجُوزُ إِبْدَالُهَا،
ــ
بهذا. فالعَقْدُ باطِلٌ؛ لوُجُودِ التَّفَاضُلِ. وإنْ قال: بِعْتُكَ دِينارًا بدِينارٍ. ثم تَقَابَضَا، كان الزَّائِدُ في يَدِ القابِضِ مُشَاعًا مَضْمُونًا لمالِكِه؛ لأنَّه قَبَضَه على أنَّه عِوَضٌ، ولم يَفْسُدِ العَقْدُ؛ لأنَّه إنَّمَا باعَ دِينارًا بمثْلِهِ، وإنَّما وَقَعَ القَبْضُ للزِّيادَةِ على المَعْقُودِ عليه، فإنْ أَرادَ دَفْع عِوَضِ الزّائِدِ، جازَ، سَواءٌ كان من جِنْسِه أو من غيرِه؛ لأنَّها مُعَاوَضَة مُبْتَدَاة. وإنْ أرادَ أحَدُهما الفَسْخَ، فله ذلك؛ لأَنَّ آخِذَ الزّائِدِ وَجَدَ المَبِيعَ مُخْتَلِطًا بغَيرِه، مَعِيبًا بعَيب الشَّرِكَةِ، ودافعُه لا يَلْزَمُه أخذ عِوَضِه، إلَّا أنْ يكونَا في المَجْلِسِ، فَيَرُدَّ الزائِدَ أو يَدْفَعَ بَدَلَه. ولو كان لِرَجُلٍ على رَجُلٍ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، فَوَفّاهُ عَشَرَةً عَدَدًا، فوَجَدَها أحَدَ عَشَرَ، كان هذا الدِّينارُ الزّائدُ في يَدِ القابِضِ مُشَاعًا مَضْمُونًا لمالِكِه؛ لأنَّه قَبَضَه على أنَّه عِوَضٌ عمّا له، فكانَ مَضْمُونًا بهذا القَبْضِ، ولمالِكِه التَّصَرُّفُ فيه كيفَ شاءَ.
1700 - مسألة: (والدَّرَاهِمُ والدَّنَانِيرُ تَتَعَيَّنُ بالتَّعْيِينِ في العَقْدِ، في أظهَرِ الرِّوَايَتَينِ، فلا يَجُوزُ إبْدالُها، وإنْ خَرَجَتْ مَغْصُوبَةً بَطَلَ العَقْدُ)
وَإنْ وَجَدَهَا مَعِيبَةً، خُيِّر بَينَ الإمْسَاكِ وَالْفَسْخِ، وَيَتَخَرَّجُ أنْ يُمْسِكَ وَيُطَالِبَ بِالأرْشِ، وإنْ خَرَجَتْ مَغْصُوبَة، بَطَلَ الْعَقْدُ. وَالأخْرَى، لَا تَتَعَيَّنُ، فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا ذَلِكَ.
ــ
وبه قال مالِكٌ، والشّافِعِيُّ. وعن أحمدَ، لأنها لا تَتَعَيَّنُ بالعَقْدِ، فيَجُوزُ إِبْدالُها، ولا يَبْطُلُ العَقْدُ بخُرُوجِها مَغْصُوبَةً. وهذا مَذْهَبُ أبي حَنِيفَةَ؛ لأنَّه يَجُوزُ إطْلاقُها في العَقْدِ، فلم تَتَعَيَّنْ بالتَّعْيِينِ، كالمِكْيالِ والصَّنجَةِ. ولَنا، أنَّه عِوَضٌ في عَقْدٍ، فيَتَعَيَّنُ بالتَّعْيِينِ كسائِرِ الأعْواضِ، ولأنَّه أحَدُ العِوَضَينِ، فيَتَعَيَّنُ بالتَّعْيينِ، كالآخرِ. ويفارِقُ ما ذَكَرُوه، فإنّه ليس بعِوَضٍ، وإنّما يُرادُ لتَقْدِيرِ المَعْقُودِ عليه وتَعْرِيفِ قَدْره، ولا يَثْبُتُ فيها المِلْكُ بحالٍ، بخلافِ مسألتِنا. وإنَّما جازَ إطْلاقُها؛ لأنَّ لها عُرْفًا تَنْصَرِفُ إليه، يقومُ في بابِها مَقَامَ الصّفَةِ. فعلى هذا (إنْ وَجَدَها مَعِيبَة، خُيِّر بينَ الإمْسَاكِ والرَّدِّ) كالعِوَض الآخرِ. (ويَتَخَرَّجُ أنْ يُمْسِكَ ويُطالِبَ بالأرْشِ) لأنَّه مَبِيعٌ، أشْبَهَ سائِرَ المَبِيعاتِ، وإن كان ذلك في الصرفِ، فقد ذَكَرْناه. هذا إذا كان العَيبُ من جِنْسِ النُّقُودِ. وإنْ كان من غيرِ جِنْسِها؛ كالنُّحاسِ في الفِضَّةِ، والفِضَّةِ في الذَّهَبِ، وكان في جَمِيعِها، بَطَلَ العَقْدُ، وإنْ كان في بَعْضِها، بَطَلَ فيه، وفي الباقِي وَجْهانِ، بناءً على تَفْرِيقِ الصّفْقَةِ، وإنْ قُلْنا: لا يَتَعَيَّنُ. انْعَكَسَتْ هذه الأحْكَامُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل في إنْفاقِ المَغْشُوشِ من النُّقُودِ: وفيه رِوَايَتانِ؛ أظْهَرُهما، الجَوازُ نقلَ صالِحٌ عنه في دَرَاهِمَ يُقالُ لها المُسَيَّبِيَّةُ، عامَّتُها نُحاسٌ إلَّا شَيئًا فيها فِضَّة، فقال: إذا كان شَيئًا اصْطَلَحُوا عليه، مثلَ الفُلُوس، اصطَلَحُوا عليها، فأرْجُو أنْ لا يكُونَ بها بَأْسٌ. والثانِيَةُ، التَّحْرِيمُ. نَقَلَ حَنْبَلٌ في دراهِمَ يُخْلَطُ فيها مَشٌّ (1) ونُحاسٌ، يُشْتَرَى بها ويُبَاعُ، فلا يَجُوزُ أنْ يَبْتَاعَ بها أحَدٌ، كلُّ ما وَقَعَ عليه اسْمُ الغِشِّ، فالشِّراءُ به والبَيعُ حَرامٌ. وقال أصحابُ الشّافِعِيِّ: إنْ كان الغِشٌّ ممّا لا قِيمَةَ له، جازَ الشِّراءُ بها، وإنْ كان ممّا له قِيمَةٌ، ففِي جَوازِ إنْفاقِها وَجْهانِ. واحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ إنْفاقَ المَغْشوشَةِ بقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ غَشَنّا فلَيسَ مِنّا» (2). وبأنَّ عمرَ نَهَى عن بيعِ نُفَايَةِ بَيتِ المالِ (3). ولأنَّ المَقْصُودَ فية مَجْهُولٌ، أشْبَهَ تُرابَ الصّاغَةِ. والأوْلَى أنْ يُحْمَلَ كلامُ أحمدَ في الجوازِ على الخُصُوصِ
(1) في م: «مس» . والمَشُّ: الخلط حتى يذوب.
(2)
تقدم تخريجه في 11/ 144.
(3)
أخرجه ابن حزم، في: المحلى 9/ 558.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيما ظَهَرَ عَيبُه واصْطُلِح عليه، فإنَّ المُعامَلَةَ به جائِزَة، إذْ ليس فيه أكثَرُ من اشْتِمالِه علي جِنْسَينِ لا غَرَرَ فيهما، فلا يَمْنَعُ مِنْ بَيعِهما، كما لو كانا مُتَمَيِّزينِ، ولانَّ هذا مُسْتَفِيضٌ في الأعْصارِ، جارٍ بينَهم من غيرِ نَكيرٍ، وفي تَحْرِيمِه مَشَقَّه وضَرَرٌ، وليس شراؤه بها غِشًّا للمُسْلِمِينَ، ولا تَغْرِيرًا لهم، والمَقْصُودُ منها ظاهِرٌ مَرْئيٌّ مَعْلُومٌ، بخلافِ تُرابِ الصَّاغَةِ. ورِوَايَةُ المَنْع مَحْمُولَةٌ علي ما يَخْفَى غِشُّه ويَقَعُ اللَّبْسُ به، فإنَّ ذلك يُفْضِي إلى التَّغْرِيرِ بالمُسْلِمِينَ. وقد أشارَ أحمدُ إلى هذا، فقال في رَجُلٍ اجْتَمَعَتْ عندَه دَراهِمُ زُيُوفٌ: ما يَصْنَعُ بها؟ قال: يَسْبِكُها. قيل له: فَيبِيعُها بدِينار؟ قال: لَا. قيلَ: يَبِيعُها بفُلُوس؟ قال: لَا، إنِّي أخَافُ أنْ يَغُرَّ بها مُسْلِمًا. قيلَ لأبِي عبدِ اللهِ: فيَتَصَدَّقُ بها؟ قال: إنِّي أخافُ أنْ يَغُرَّ بها مُسْلِمًا. وقال: ما يَنْبَغِي له أنْ يَغُرَّ بها المُسْلِمِينَ، ولا أقولُ إنَّه حَرَامٌ؛ لأنَّه على تَأويل، وذلك إنَّما كَرِهْتُه؛ لأنَّه يَغُرُّ بها مُسْلِمًا. فقد صَرَّحَ بأنَّه إنَّما كَرِهَهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لِما فيه من التَّغْرِيرِ بالمُسْلِمِينَ، وعلى هذا يُحْمَلُ مَنْعُ عمرَ بَيعَ نُفايَة بَيتِ المالِ؛ لِما فيه من التَّغْرِيرِ، فإنَّ مُشْتَرِيَها رُبَّما خَلَطَها بدَراهِمَ جَيِّدَةٍ، واشْتَرَى بها ممَّنْ لا يَعْرِفُ حالها، ولو كانت ممّا اصْطَلَحُوا على إنْفاقِه، لم تَكُنْ نُفايَةً. فإنْ قيلَ: رُوِيَ عن عمرَ أنَّه قال: مَنْ زَافَتْ عليه دَرَاهِمُه فَلْيَخْرُجْ بها إلى البَقِيع، فَلْيَشْتَرِ بها سَحْقَ الثيابِ (1). وهذا دَلِيل على جَوَازِ إنْفَاقِ المَغْشُوشَةِ التي لم يُصْطَلَحْ عليها. قُلْنا: قد قال أحمدُ: مَعْنَى زَافَتْ عليه دَرَاهِمُه. أي نُفِيَتْ، ليس أنَّها زُيُوفٌ. ويَتَعَيَّنُ حَمْلُه على هذا، جَمْعًا بينَ الرِّوَايَتَينِ عنه. ويَحْتَمِلُ أنه أرادَ ما ظَهَرَ غِشُّه وبانَ زَيفُه بحيث لا يَخْفَى على أحدٍ، ولا يَحْصُلُ بها تَغْرِيرٌ. وإنْ تَعَذَّرَ تَأويلُها، تَعارَضَتِ الرِّوَايَتَانِ عنه، ويُرْجَعُ إلى ما ذَكَرْنا من المَعْنَى. ولا فَرْق بينَ ما كان غِشُّه يبقَى؛ كالنُّحَاسِ والرَّصاصِ، وما لا ثَباتَ له؛ كالزَّرْنيخِيَّةِ والأنْدَرانِيَّةِ، وهو زِرْنيخٌ ونُورَةٌ يُطْلَى عليه فِضَّةٌ فإذا دَخَلَ النّارَ استُهْلِكَ الغِشُّ وذَهَب.
(1) سحق الثياب: الخلق البالي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا يَجُوزُ بَيعُ تُرابِ الصّاغَةِ والمَعْدِنِ بشيء من جِنْسِه؛ لأنَّهُ مالُ رِبًا بِيعَ بجِنْسِه على وَجْهٍ لا تعلم المُمَاثَلَةُ بينَهما، فلم يَصِحَّ، كبَيع الصبرَةِ بالصبرةِ، وإنْ بِيعَ بغَيرِ جِنْسِه. وحَكَى ابنُ المُنْذِرِ عن أحمدَ كَرَاهَةَ بَيع تُرابِ المَعادِنِ. وهو قَوْلُ عَطاءٍ، والشَّعْبِيِّ، والشّافِعِيِّ، والثَّوْرِيِّ، وإسحاقَ؛ لأنَّه مَجْهُولٌ. وقال ابنُ أبِي مُوسَى في «الإِرْشادِ»: يَجُوزُ. وهو قَوْلُ مالِكٍ. ورُوِيَ ذلك عن الحَسَنِ، والنَّخَعِيِّ، ورَبِيعَةَ، واللَّيثِ. قالوا: فإنِ اخْتَلَطَ و (1) أشْكلَ فَلْيَبِعْه بعَرْض، ولا يَبِعْه بعَين ولا وَرِقٍ؛ لأنَّه باعَهُ بما لا رِبًا فيه، فجازَ، كما لو اشْتَرَى ثَوْبًا بدِينارٍ ودِرْهَم.
فصل: والحِيَلُ كُلُّها مُحَرَّمَة، لا تَجُوزُ في شيءٍ من الدِّينِ، وهو أنْ يُظْهِرَ عَقْدًا مُباحًا يُرِيدُ به مُحَرَّمًا مُخادَعَةً وتَوَسُّلًا إلى فعْلِ ما حَرَّمَ اللهُ عز وجل، واسْتِبَاحَةِ مَحْظُورَاتِه، أو إسْقَاطِ واجِبٍ، أو دَفْع حَقٍّ، ونحوَ ذَلك. قال أيوبُ السَّخْتِيانِيُّ رحمه الله: إنَّهم ليُخَادِعُونَ اللهَ سُبْحانَه كما يُخادِعُونَ صَبِيًّا، لو كانُوا يَأتُونَ الأمْرَ على وَجْهِه كانَ أيسْهَلَ عَلَيَّ. فمِن ذلك؛ ما لو كانَ لرَجُلٍ عَشَرَةٌ صِحاح، ومع آخرَ خَمْسَةَ عَشَرَ مُكَسَّرَة، فاقْتَرَضَ كُلُّ واحِدٍ منهما ما مع صاحِبِه، ثم تَبَارَيَا، تَوَصُّلًا إلى بَيع
(1) في ر 1: «أو» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصِّحاحِ بالمُكَسَّرَةِ مُتَفَاضِلًا، أو باعَهُ الصِّحاحَ بمثْلِها من المُكَسَّرَةِ، ثم وَهَبَهُ الخَمْسَةَ الزَّائِدَةَ، أو اشْتَرَى منه بها أوقِيَّةَ صَابُونٍ ونَحْوَها، مِمَّا يَأخُذُه بأقَلَّ من قِيمَتِه، أو اشْتَرَى منه بعَشَرَةٍ إلَّا حَبَّةً من الصَّحِيحِ بمِثْلِها من المُكَسرةِ، واشْتَرَى منه بالحَبَّةِ الباقِيَةِ ثَوْبًا قِيمَتُه خَمْسَةُ دَنانِيرَ. وهكذا لو أقْرَضَه شَيئًا وباعَهُ سِلْعَةً بأكْثَرَ من قِيمَتِها، أو اشْتَرَى منه سِلْعَةً بأقَلَّ من قِيمَتِها تَوَسُّلًا إلى أخْذِ عِوَض عن القَرْض، فكُلُّ ما كانَ مِن هذا على وَجْهِ الحِيلَةِ فهو خَبيثٌ مُحَرَّم. وبهذا قال مالِك. وقال أبو حَنِيفَةَ والشّافعي (1): هذا كلُّه وأشْبَاهُه جائِر، إنْ لم يَكُنْ مَشْرُوطًا في العَقْدِ. وقال بعضُ أصْحَابِ الشّافِعِيِّ: يُكْرَهُ أنْ يَدْخُلَا في البَيع على ذلك؛ لأنَّ كُلَّ ما لا يَجُوزُ شَرْطُه في العَقْدِ يُكْره أنْ يَدْخُلَا عليه. ولنا، أنَّ اللهَ تَعالى عَذَّبَ أمَّةً بحِيلَةٍ احْتَالُوها، فمَسَخَهُم قِرَدَةً، وسَمَّاهُم مُعتَدِينَ، وجَعَلَ ذلك نَكَالًا ومَوْعِظَةً للمُتَّقِينَ؛ ليَتَّعِظُوا بهم، ويَمْتَنِعُوا من مِثْلِ أفعالِهم. قال بعضُ المُفَسِّرِينَ في قولِه تَعالى:{وَمَوْعِظَةً للمُتَّقِينَ} (2) أي لأمَّةِ مُحمّدٍ صلى الله عليه وسلم. فرُويَ أنهم كانُوا يَنْصِبُونَ شِباكَهُم يومَ الجُمُعَةِ، ويَتْرُكُونَها إلى يَوْمِ الأحَد، ومنهم مَنْ كان يَحْفِرُ حَفَائِرَ، ويَجْعَلُ إليها مَجارِيَ، فَيَفْتَحُها يومَ الجُمُعَةِ،، فإذا جاءَ السَّمَكُ يومَ السبتِ، جَرَى مع الماءِ في المَجارِي، فيَقَعُ في الحَفائِرِ، فَيَدَعُها إلى يوْمِ الأحَدِ، ثم
(1) سقط من: م.
(2)
سورة البقرة 66.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَأخُذُها، ويقولُ: ما اصْطَدْتُ يومَ السبتِ، ولا اعْتَدَيتُ فيه. وهذا حِيلَةٌ. وقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أدْخَلَ فَرَسًا بينَ فَرَسَينِ، وقد أمنَ أنْ يُسْبَقَ، فهو قِمارٌ» . رَواهُ أبو دَاوُدَ (1). فجَعَلَه قِمارًا مع إدْخَالِه الفَرَسَ الثالِثَ؛ لكَوْنِه لا يَمْنَعُ مَعْنَى القِمارِ، وهو كَوْنُ كُلِّ واحِدٍ من المُتَسَابِقَينِ لا يَنْفَكُّ عن كَوْنِه آخِذَا أو مأخُوذًا منه، وإنَّما أدْخِلَ صُورَةً، تَحَيُّلًا على إباحَةِ المُحَرَّمِ. وسائِرُ الحِيَلِ مثلُ ذلك. ولأنَّ اللهَ تَعالى إنَّما حرمَ المُحَرَّماتِ لمَفْسَدَتِها والضَّرَرِ الحاصِلِ منها، ولا تَزُولُ مَفْسَدَتُها مع بقاءِ مَعْنَاهَا، بإظْهَارِهِما صُورَةً غيرَ صُورَتِها، فوَجَبَ أنْ لا يَزُولَ التَّحْرِيمُ، كما لو سَمَّى الخَمْرَ بغيرِ اسْمِها، لم يُبِحْ ذلك شُرْبَها، وقد رُوِيَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لَيَسْتَحِلَّنَّ قَوْمٌ من أمَّتِي الخَمْرَ يُسَمُّونَها بغَيرِ اسمِها» (2). ومن الحِيَلِ في غيرِ الرِّبَا أنَهُم يَتَوَصَّلُونَ إلى بَيعِ السِّنِين (3) المَنْهِيِّ عنه، أن يَسْتَأجِرُوا بَياضَ أرْضِ البُسْتَانِ بأمْثالِ أجْرَتِه، ثم يُساقِيه على ثَمَرِ شَجَرِه بجُزْءٍ من ألفِ جُزْءٍ للمالِكِ، وتِسْعُمائةٍ وتِسْعَة وتِسْعُونَ
(1) في: باب في المحلل، من كتاب الجهاد. سنن أبي داود 2/ 28، 29.كما أخرجه ابن ماجه، في: باب السبق والرهان، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه 2/ 960. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 505.
(2)
أخرجه البخاري تعليقا، في: باب ما جاء في من يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه، من كتاب الأشربة. صحيح البخاري 7/ 138. ووصله أبو داود، في: باب في الداذِي، من كتاب الأشربة. سنن أبي داود 2/ 295. وابن ماجه، في: باب الخمر يسمونها بغير اسمها، من كتاب الأشربة، وباب العقوبات، من كتاب الفتن. سنن ابن ماجه 2/ 1123، 1323، والإمام أحمد، في: المسند 4/ 237، 5/ 318، 341.
(3)
سقط من: م. وفي ر 1: «الشيء» .