الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ،
ــ
والهَلاكِ، فإذا تَعَيَّنَ حِفْظُه في بَيعِه، حُمِلَ عليه مُطْلَقُ العَقْدِ، كالتَّجْفِيفِ في العِنَبِ، والإِنْفاقِ على الحَيَوانِ. وللشافعيِّ قَوْلان، كالوَجْهَين. فأمّا إن شَرَطا أن لا يُباعَ، فلا يَصِحُّ؛ لأنَّه شَرَط ما يَتَضَمَّنُ فَسادَه، وفَواتَ المَقْصُودِ، فأشْبَهَ ما لو شَرَط عدمَ النَّفَقَةِ على الحَيَوانِ. إذا ثَبَتَ ذلك، فإنَّه إن شَرَط للمُرْتَهِنِ بَيعَه، أو أذِنَ له فيه بعدَ العَقْدِ، أو اتَّفَقا على أنَّ الرّاهِنَ يَبِيعُه أو غيرَه، باعَه، وإلَّا باعَه الحاكِمُ، وجَعَل ثَمَنَه رَهْنًا، ولا يَقْضِي الدَّينَ مِن ثَمَنِه؛ لأنَّه لا يَجُوزُ له تَعْجيلُ وفاءِ الدَّينِ قبلَ حِلِّه. وكذلك الحُكْمُ إن رَهَنَه ثِيابًا فخافَ تَلَفَها، أَو حَيَوانًا فخافَ مَوْتَه، لِما ذَكَرنا.
1778 - مسألة: (ويَجُوزُ رَهْنُ المُشَاعِ)
وبه قال ابنُ أبي لَيلَى، والنَّخَعِيُّ، ومالكٌ، والأوْزَاعِيُّ، والعَنْبَرِيُّ (1)، والشَّافعيُّ، وأبو ثَوْرٍ. وقال أصحابُ الرَّأْي: لا يَصِحُّ، إلَّا أن يَرْهَنَه لشَرِيكِه، أو يَرْهَنَها
(1) أبو عبد الله سوَّار بن عبد الله بن سوَّار العنبري، من أهل البصرة، نزل بغداد، وولي قضاء الرصافة، وكان فقيهًا، صالحًا، أديبًا، شاعرًا، توفي سنة خمس وأربعين ومائتين. تاريخ بغداد 9/ 210 - 212، الأنساب 9/ 69، 70.
ثُمَّ إِنْ رَضِيَ الشَّرِيكُ وَالْمُرْتَهِنُ بِكَوْنِهِ فِي يَدِ أحَدِهِمَا أوْ غَيرِهِمَا، جَازَ، وَإنِ اخْتَلَفَا، جَعَلَهُ الْحَاكِمُ فِي يَدِ أمِين، أمانَةً، أوْ بِأُجْرَةٍ.
ــ
الشَّرِيكانِ لرجلٍ واحِدٍ، أو يَرْهَنَ رجلٌ دارَه مِن رَجُلَين، فيَقْبِضانِها معًا؛ لأنَّه عَقْدٌ تَخَلَّفَ عنه مَقْصُودُه لمَعْنًى اتَّصَلَ به، فلم يَصِحَّ، كما لو تَزَوَّجَ أخْتَهُ مِن الرَّضاعِ. بَيانُه، أنَّ مَقْصُودَه الحَبْسُ الدّائِمُ، والمُشاعُ لا يُمْكِنُ المُرْتَهِنُ حَبْسَه؛ لأنَّ شَرِيكَه يَنْتَزِعُه في نَوْبَتِه، ولأنَّ اسْتِدامَةَ القَبضِ شَرْطٌ، وهذا يَسْتَحِقُّ زَوال العَقْدِ عنه لمَعْنًى قارَنَ (1) العَقْدَ، فلم يَصِحَّ رَهْنُه، كالمَغْصُوبِ. ولَنا، أنَّ المُشاعَ يَصِحُّ بَيعُه في محلِّ الحَقِّ، فصَحَّ رَهْنُه، كالمُفْرَزِ (2). قَوْلُهم: مَقْصُودُه الحَبْسُ. مَمْنُوعٌ، إنَّما المَقْصُودُ اسْتِيفاءُ الدَّينِ مِن ثَمَنِه عندَ تَعَذُّرِه مِن غَيرِه، والمُشاعُ قابِلٌ لذلك، ثم يَبْطُلُ ما ذَكَرُوه برَهْنِ القاتِلِ والمُرْتَدِّ والمَغْصُوبِ، ورَهْنِ مِلكِ غيرِه بغيرِ إذْنِه، فإنَّه يَصِحُّ عندَهم. إذا ثَبَت ذلك (فرَضِيَ الشَّرِيكُ والمُرْتَهِنُ بكَوْنِه في يَدِ أحَدِهما أو غيرِهما، جاز) لأنَّ الحَقَّ لهما، لا يَخْرُجُ عنهما (فإنِ اخْتَلَفا، جَعَلَه الحاكِمُ في يَدِ أمين، أمانَةً، أو بأجْرَةٍ) لأنَّ المالِكَ لا يَلْزَمُه تَسْلِيمُ ما لم يَرْهَنْه، والمُرْتَهِنُ لا يَلْزَمُه تَرْكُ الرَّهْنِ عندَ
(1) في الأصل، م:«فارق» .
(2)
في ق: «كالمقدر» . وفي م: «كالمفرد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المالكِ، فقامَ الحاكِمُ مَقامَهما في حِفْظِه لهما.
فصل: ويَصِحُّ أن يَرْهَنَ بعضَ نَصِيبِه مِن المُشاعِ، كما يَصِحُّ رَهْنُ جَمِيعِه، سواء رَهَنَه مُشاعًا في نَصِيبِه، مثلَ أن يَرْهَنَ نِصْف (1) نَصِيبِه، أو رَهَن نَصِيبَه من مُعَيَّن، مثلَ أن يكونَ له نِصْفَ دارٍ، فيَرْهَنَ نَصِيبَه [مِن بَيتٍ] (2) منها بعَينِه. وقال القاضِي: يَحْتَمِلُ أن لا يَصِحَّ رَهْنُ حِصَّتِه مِن مُعَيَّن مِن شيءٍ يُمْكِنُ قِسْمَتُه؛ لاحْتِمالِ أن يَقْتَسِمَ الشرِيكانِ فيَحْصُلُ الرَّهْنُ في حِصَّةِ شَرِيكِه. ولَنا، أنَّه يَصِحُّ بَيعُه، فصَحَّ رَهْنُه، كغيرِه، وما ذَكَرَه (3) لا يَصِحُّ؛ لأنَّ الرّاهِنَ مَمْنُوعٌ مِن التَّصَرُّفِ في الرَّهْنِ بما يَضُرُّ بالمُرْتَهِنِ، فيُمْنَعُ مِن (4) القِسْمَةِ المُضِرَّةِ، كما يُمْنَعُ من بَيعِه.
(1) في م: «بعض» .
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
في م: «ذكروه» .
(4)
سقط من: ر 1، م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ويَصِحُّ رَهْنُ المُرتَدِّ، والقاتِلِ في المُحارَبَةِ، والجاني، سواءٌ كانت جِنايَتُه عَمْدًا أو خَطَأً، على النَّفْسِ وما دُونَها. وقال القاضِي: لا يَصِحُّ رَهْنُ القاتِلِ في المُحارَبَةِ. واخْتارَ أبو بكر أنَّه لا يَصِحُّ رَهْنُ الجانِي. والاخْتِلافُ في ذلك مَبْنِيٌّ على الاخْتِلافِ في صِحَّةِ بَيعِه، وقد سَبَق. فإن كان المُرْتَهِنُ عالِمًا بالحالِ، فلا خِيارَ له؛ لأنَّه دَخَل على بَصِيرَةٍ، أشْبَهَ المُشْتَرِيَ إذا عَلِم العَيبَ. وإن لم يَكُنْ عالِمًا، ثم عَلِم بعدَ إسْلامِ المُرْتَدِّ، وفِداءِ الجانِي، فكذلك؛ لأنَّ العَيبَ زال، فهو كزَوالِ عَيبِ المَبِيعِ. وإن عَلِم قبلَ ذلك، فله رَدُّه وفَسْخ البَيعِ إن كان مَشْرُوطًا في العقْدِ؛ لأنَّ العَقْدَ اقْتَضاه سَلِيمًا، فإذا ظَهَرَ مَعِيبًا، مَلَك الفَسْخَ، كالبَيعِ. وإنِ اخْتَارَ إمْساكَه فلا أَرش له؛ لأنَّ الرَّهْنَ بجُمْلتِه (1) لو تَلِفَ قبلَ قَبْضِه لم يَمْلِكْ بَدَلَه، فبَعْضُه أوْلَى. وكذلك لو لم يَعْلَمْ حتَّى قُتِلَ العَبْدُ بالرِّدَّةِ أو القِصاصِ، أو أُخِذَ في الجِنايَةِ، فلا أرش للمُرْتَهِنِ. وذكَر القاضِي أنَّ قِياسَ المَذْهَبِ أنَّ له الأرْشَ في هذه المَواضِعِ، قِياسًا على البَيعِ. وليس الأمْرُ كذلك، فإن المَبِيعَ عِوَضٌ عن الثَّمَنِ، فإذا فات بَعْضُه، رَجَع بما يُقابِلُه مِن الثَّمَنِ، ولو فات كلُّه، كتَلَفِ المَبِيعِ قبلَ قَبضِه، رَجَعَ بالثَّمَنِ كلِّه، والرَّهْنُ ليس بعِوَض، ولو تَلِف كلُّه قبلَ
(1) في الأصل: «يحتمله» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القَبْضِ، لَما اسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ بشيءٍ، فكيف يَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ ببَدَلِ عَيبِه، أو فَوَاتِ بَعْضِه؟! وإنِ امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِن فِدَاءِ الجاني، لم يُجْبَرْ، ويُباعُ في الجِنايَةِ؛ لأنَّ حَقَّ المَجْنِيِّ عليه مُقَدَّمٌ على الرَّهْنِ، كما لو (1) حَدَثَتِ الجنايَةُ بعدَ الرَّهْنِ. فعلى هذا، إنِ اسْتَغْرَقَ الأرْشُ قِيمَتَه، بِيعَ وبَطَل الرَّهْنُ، وإن لم يَسْتَغْرِقْها، بِيعَ منه بقَدْرِ الأرْشِ، والباقِي رَهْنٌ.
فصل: ويَصِحُّ رَهْنُ المُدَبَّرِ، في ظاهِرِ المَذْهَبِ، بناءً على جَوازِ بَيعِه. وَمَنَع منه أبو حنيفةَ، والشافعيُّ؛ لأنَّه مُعَلَّقٌ عِتْقُه بصِفَةٍ، أشْبَه ما لو كانت تُوجَدُ قبلَ حُلُولِ الحَقِّ. ولَنا، أنَّه عَقْدٌ يُقْصَدُ منه اسْتِيفاءُ الحَقِّ مِن العَينِ، أشْبَه الإِجارَةَ. ولأنَّه عَلَّقَ عِتْقَه بصِفَةٍ لا تَمْنَعُ اسْتِيفاءَ الحَقِّ، أشْبَه ما لو عَلَّقَه بصِفَةٍ لا تُوجَدُ قبلَ حُلُولِ الحَقِّ. وما ذَكَرُوه يَنْتَقِض بهذا الأصْلِ. ويُفَارِقُ التَّدْبِيرُ التَّعْلِيقَ بصِفَةٍ تُوجَدُ قبلَ حُلُولِ الحَقِّ؛ لأنَّ الرَّهْنَ لا يَمْنَعُ عِتْقَهُ بالصِّفَةِ، فإذا عَتَق تَعَذَّرَ اسْتِيفاءُ الدَّينِ منه، فلا يَحْصُلُ المَقْصُودُ، والدَّينُ في المُدَبَّرِ يَمْنَعُ عِتْقَه بالتَّدْبِيرِ، ويُقَدَّمُ عليه، فلا يَمْنَعُ حُصُولَ المَقْصُودِ. والحُكْمُ فيما إذا عَلِم وُجُودَ التَّدْبِيرِ أو (2) لم يَعْلَمْ، كالحُكْمِ في العَبْدِ الجانِي، على ما فُصِّلَ فيه.
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل: «وما» .