الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمُؤنَتُهُ عَلَى الرَّاهِنِ، وكَفَنُهُ إِنْ مَاتَ، وَأُجْرَةُ مَخْزَنِهِ إِنْ كَانَ مَخزُونًا.
ــ
1791 - مسألة: (ومُؤْنته على الرَّاهِنِ، وكَفَنُه إن مات، وأُجْرَةُ مَخْزَنِه إن كان مَخْزُونًا)
مُؤْنَةُ الرَّهْنِ في (1) طَعَامِه، وكُسْوَتِه، ومَسْكَنِه، وحافِظِه، وحِرْزِه، ومَخزَنِه، وغيرِ ذلك، على الرّاهِنِ. وبهذا قال مالكٌ، والشّافعيّ، والعَنْبَرِيّ، وإسْحاقُ. وقال أبو حنيفةَ: أُجْرَةُ المَسْكَنِ والحافِظِ على المُرْتَّهِنِ؛ لأنَّه مِن مُؤْنَةِ إمْساكِه وارْتِهانِه. ولَنا، قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«الرَّهْنُ مِنْ رَاهِنِه، لَهُ غُنْمُهُ، وَعَلَيه غُرْمُه» . رَواه الدَّارَقُطْنِيُّ (2)، وقال: إسْناد جَيِّدٌ (3) مُتَّصِلٌ. ولأنَّه نَوْعُ إنْفاقٍ، فكان على الرَّاهِنِ، كالطَّعامِ، ولأنَّ الرَّهْنَ مِلْكُ الرَّاهِنِ، فكان عليه مَسْكَنُه وحافِظُه، كغيرِ الرَّهْنِ. وإن أبقَ العَبْدُ، فأجرُ مَن يَرُدُّه على الرَّاهِنِ. وقال أبو حنيفةَ: يَكُونُ بقَدْرِ الأمانَةِ على الرَّاهِنِ، وبقَدْرِ الضَّمانِ على المُرْتَّهِنِ. وإنِ احْتِيجَ إلى مُداواتِه لمَرَض أو جُرْحٍ، فذلك على الرّاهِن. وعند أبي حنيفةَ، هو كأجْرِ مَن يَرُدُّه مِن إباقِه. وبَنَى ذلك على أصْلِه في أنَّ يَدَ المُرْتَّهِنِ يَدُ ضَمانٍ بقَدْرِ دَينه فيه، وما زاد فهو أمانَة عندَه. ويأتِي الكَلامُ على ذلك فيما بعدُ. فإن مات العَبْدُ، كانت مُؤْنَةُ
(1) في م: «من» .
(2)
تقدم تخريجه في 428.
(3)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَجْهيزِه وتَكْفينه ودَفْنِه على الرَّاهِنِ؛ لأنَّ ذلك تابعٌ لمُؤْنَتِه، فإنَّ كلَّ مَن لَزِمَتْه مُؤْنَةُ شَخْص في حَياتِه لا في مُقابَلَةِ نَفْعٍ، كانت مُؤْنَةُ تَجْهيزِه ودَفنِه عليه، كسائِرِ العَبِيدِ والإِماءِ والأقارِبِ مِن الأحْرارِ.
فصل: وإن كان الرَّهْنُ ثَمَرةً، فاحْتاجَتْ إلى سَقْيٍ وتَسْويَةٍ وجِذاذٍ، فذلك على الرَّاهِنِ. وإنِ احْتاجَتْ إلى تَجْفِيفٍ، والحَقُّ مُؤَجَّلٌ، فعليه التَّجْفِيفُ؛ لأنَّه يَحْتاجُ إلى أن يَسْتَبْقِيَهَا رَهْنًا حتَّى يَحِلَّ الحَقُّ، وإن كان حالًّا، بِيعَتْ، ولم يَحْتَجْ إلى تَجْفِيفِها. فإنِ اتَّفَقا على بَيعِها وجَعْلِ ثَمَنِها رَهْنًا بالحَقِّ المُؤَجَّلِ، جازَ. وإنِ اخْتَلَفَا، قُدِّمَ قولُ مَن يَسْتَبْقِيها بعَينها؛ لأنَّ العَقْدَ يَقْتَضِي ذلك، إلَّا أن يَكُونَ مِمّا تَقِلُّ قِيمَتُه بالتَّجْفِيف وقد جَرَتِ العادَةُ بِبَيعِه رَطْبًا، فيُباعُ، ويُجْعَلُ ثَمَنُه رَهْنًا. وإنِ اتَّفَقا على قَطْعِ الثَّمَرَةِ في وَقْتٍ، جازَ، سواء كان الحَقُّ حالًا أو مُؤَجَّلًا، أو كان الأصْلَحُ القَطْعَ أو التَّرْكَ؛ لأنَّ الحَقَّ لا يَخْرُجُ عنهما. وإنِ اخْتَلَفا، قُدِّمَ قولُ مَن طَلَب الأصْلَحَ، إن كان ذلك قبلَ حُلُولِ الحَقِّ، وإن كان الحَقُّ حالًّا، قُدِّمَ قولُ مَن طَلَب القَطْعَ؛ لأنَّه إن كان المُرْتَهِنَ، فهو طالِبٌ لاسْتِيفاءِ حَقِّه الحالِّ، فلَزِمَ إجابَتُه، وإن كان الرَّاهِنَ، فهو يَطْلُبُ تَبْرِئَةَ ذِمَّتِه، وتَخْلِيصَ عَينِ مِلْكِه مِن الرَّهْنِ، والقَطْعُ أحْوَطُ، مِن جهَةِ أنَّ في تَبْقِيَته غَرَرًا. ذَكَر القاضِي هذا في المُفْلِسِ. وهو قولُ أكْثَرِ أصحابِ الشَّافعيِّ، وهذا في مَعْناه. ويَحْتَمِلُ أن يُنْظَرَ في الثَّمَرَةِ، فإن كانت تَنْقُصُ بالقَطْعِ نَقْصًا كثيرًا، لم يُجْبَرِ المُمْتَنِعُ مِن قَطْعِها؛ وإن ذلك إتْلافٌ، فلا يُجْبَرُ عليه،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كما لا يُجْبَرُ على نَقْضِ دارِه لِيَبِيِعَ أنْقاضَها، ولا على ذَبْحِ فَرَسِه ليَبِيعَ لَحْمَها. وإن كانتِ الثَّمَرَةُ مَمّا لا يُنْتَفعُ بها قبلَ كَمالِها، لم يَجُزْ قَطْعُها قبلَه، ولم يُجْبَرْ عليه بحالٍ؛ لما فيه مِن إضاعَةِ المالِ. واللهُ أعلمُ.
فصل: فإن كان الرَّهْنُ ماشِيَةً تَحْتَاجُ إلى إطْراقِ الفَحْلِ، لم يُجْبَرِ الرَّاهِنُ عليه؛ لأنَّه ليس عليه ما يَتَضَمَّنُ زِيادَةً في الرَّهْنِ، وليس ذلك مِمّا يُحْتاجُ إليه لبَقائِها، ولا يُمْنَعُ مِن ذلك؛ لكَوْنِه زِيادَةً لهما، لا ضَرَرَ على المُرْتَّهِنِ فيه. وإنِ احْتاجَتْ إلى رَعْيٍ، فعلى الرَّاهِنِ أن يُقِيمَ لها راعِيًا؛ لأنَّ ذلك يَجْرِي مَجْرَى عَلْفِها، فإن أرادَ الرَّاهِنُ السَّفَرَ بها ليَرْعاها في مكانٍ آخرَ، وكان لها في مَكانِها مَرْعًى تَتَماسَكُ به، فللمُرْتَهِنِ مَنْعُه؛ لأنَّ في السَّفَرِ بها إخْراجَها عن نَظرَه ويَدِه. وإن أجْدَبَ مَكانُها فلم تَجِدْ ما تَتَماسَكُ به، فللرّاهِنِ السَّفَرُ بها؛ لأنَّها تَهْلِكُ إذا لم يُسافِرْ بها، إلَّا أنَّها تَكُونُ في يَدِ عَدْلٍ يَرْضَيانِ به، أو يَنْصِبُه الحاكِمُ، ولا يَنْفَرِدُ الرَّاهِنُ بها، فإنِ امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِن السَّفَرِ بها، فللمُرْتَهِنِ نَقْلها؛ لأنَّ في بَقائِها هَلاكَها، وضَياعَ حَقِّه مِن الرَّهْنِ. وإن أرادا جَمِيعًا السَّفَرَ بها، واخْتَلَفَا في مَكانِها، قَدَّمْنا قولَ مَن يُعَيِّنُ الأصْلَحَ، فإنِ اسْتَوَيا قُدِّمَ قَوْلُ المُرْتَّهِنِ. وعندَ الشَّافعيِّ، يُقَدَّمُ قولُ الرَّاهِنِ وإن كان الأصْلَحُ غيرَه؛ لأنَّه أمْلَكُ بها، إلَّا أنَّه يَكُونُ مَأواها إلى يَدِ عَدْلٍ. ولَنا، أنَّ اليَدَ للمُرْتَهِنِ، فكان أوْلَى، كما لو كانا في بَلَدٍ واحِدٍ. وأيُّهما أراد نَقْلَها عن البَلَدِ مع خِصْبِه، لم يَكُنْ له، سَواءٌ أرادَ نَقْلَها إلى مِثْلِه، أو أخْصَبَ منه، إذْ لا مَعْنَى للمُسافَرَةِ بالرَّهْنِ مع إمْكانِ تَرْكِ السَّفَرِ به. وإنِ اتَّفَقا على نَقْلِها، جاز، سواءٌ كان أنْفَعَ لها أو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا؛ لأنَّ الحَقَّ لا يَخْرُجُ عنهما.
فصل: وإن كان عَبْدًا يَحْتاجُ إلى خِتانٍ، والدَّينُ حالٌّ، أو أجَلُه قبلَ بُرْئِه، مُنِعَ منه؛ لأنَّه يَنْقُصُ ثَمَنَه، وفيه ضَرَرٌ، وإن كان يَبْرأ قبلَ مَحِلِّ الحَقِّ، والزَّمانُ مُعْتَدِلٌ لا يخَافُ عليه فيه، فله ذلك؛ لأنَّه مِن الواجِباتِ، ويَزيدُ في الثَّمَنِ، ولا يَضُرُّ بالمُرْتَهِنِ، ومُؤْنَةُ خِتانِه على الرَّاهِنِ. وإن مَرِضَ، فاحْتاج إلى دَواءٍ، لم يُجْبَرِ الرَّاهِنُ عليه؛ لأنَّه لا يَتَحَقَّقُ أنَّه سَبَبٌ لبَقائِه، وقد يَبْرَأ بغَيرِ علاج، بخِلافِ النَّفَقَةِ. وإن أرادَ الرَّاهِنُ مُداواتَه بما لا ضَرَر فيه، لم يُمْنَعْ منه؛ لأنَّه مَصْلَحَة لهما مِن غيرِ ضَرَر بواحِدٍ منهما. فإن كان الدَّواءُ مِمّا يُخافُ غائِلَتُه، كالسُّمُومِ، فللمُرْتَهِنِ مَنْعُه منه؛ لأنَّه لا يَأمَنُ تَلَفَه. وإنِ احْتاجَ إلى فَصْدٍ، أو احْتاجَتِ الدَّابَّةُ إلى تَوْدِيج؛ ومَعْناهُ فَتْحُ الوَدَجَين لِيَسِيلَ الدَّمُ، وهما عِرْقانِ غَلِيظانِ مِن جانِبَيْ ثَغْرَةِ النَّحْرِ، أو تبْزِيغٍ؛ وهو فَتْحُ الرَّهْصَةِ (1)، فللرّاهِنِ فِعْلُ ذلك، ما لم يَخَفْ منه ضَرَرًا. وإنِ احْتِيجَ إلى قَطْعِ شيءٍ مِن بَدَنِه بدواءٍ لا يُخافُ مِنه، جازَ. وإن خِيف منه، فأيُّهما امْتَنَعَ منه، لم يُجْبَرْ. وإن كانت به آكِلَةٌ (2) كان له قَطْعُها؛ لأنَّه يُخافُ مِن تَرْكِها لا مِن قَطْعِها. وإن كان به خَبِيثَةٌ، فقال أهْلُ الخِبْرَةِ: الأحْوَطُ قَطْعُها، وهو أنْفَعُ مِن بَقائِها. فللرّاهِنِ قَطْعُها، وإلَّا فَلَا. وإن تَساوَى الخَوْفُ عليه في الحالينِ، لم يَكُنْ له قَطْعُها؛ لأنَّه يُحْدِثُ جُرْحًا فيه لم يَتَرَجَّحْ إحْداثُه. وإن كانت به
(1) الرهصة: أن يصيب باطن حافر الدابة شيء يوهنه، أو ينزل فيه الماء من الإعياء.
(2)
الآكلة: الحِكة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
سِلْعَةٌ (1)، أو إصْبَعٌ زائِدَةٌ، لم يَمْلِكِ الرَّاهِنُ قَطْعَها؛ لأنَّ قَطْعَها يُخافُ منه، وتَرْكَها لا يُخافُ منه. وإن كانتِ الماشِيَةُ جَرِبَةً، فأرادَ الرَّاهنُ دَهْنَها بما يُرْجَى نَفْعُه ولا يُخافُ ضَرَرُه، كالقَطِرانِ والزَّيتِ اليَسِيرِ، لم يُمْنَعْ. وإن خِيفَ ضَرَرُه، كالكثيرِ (2)، فللمُرْتَهِنِ مَنْعُه. وقال القاضِي: له ذلك بغيرِ إذْنِ المُرْتَّهِنِ؛ لأنَّ له مُعالجَةَ مِلْكِه، وإنِ امْتَنَعَ مِن ذلك، لم يُجْبَرْ عليه. ولو أرادَ المُرْتَهِنُ مُداواتَها بما يَنْفَعُها ولا يُخْشى ضَرَرُه، لم يُمْنَعْ؛ لأنَّ فيه إصْلاحَ حَقِّه بما لا يَضُرُّ [به غيرَه](3). وإن خِيفَ منه الضَّرَرُ، لم يُمكَّنْ منه؛ لأنَّ فيه خَطَرًا بحَقِّ غيره.
فصل: فإن كان الرَّهْنُ نَخْلًا، فاحْتاجَ إلى تَأبِيرٍ، فهو على الرَّاهِنِ، وليس للمُرْتَهِنِ مَنْعُه منه؛ لأنَّ فيه مَصْلَحَةً بغيرِ مَضَرَّةٍ، وما يَسْقُطُ مِن لِيفٍ أو سَعَفٍ أو عَراجِينَ، فهو مِن الرَّهْنِ؛ لأنَّه مِن أجْزائه، أو مِن نَمائِه. وقال أصحابُ الشَّافعيِّ: ليس مِن الرَّهْنِ. بِناءً منهم على أنَّ نَماءَ الرَّهْنِ ليس منه. ولا يَصِحُّ ذلك ها هنا، لأنَّ السَّعَفَ مِن جُمْلَةِ الأعْيانِ التي وَرَد عليها عَقْدُ الرَّهْنِ، فكانت منه، كالأصُولِ وأنْقاضِ الدَّارِ. وإن كان الرَّهْنُ كَرْمًا فله زِبارُه (4)؛ لأنَّه لِمَصْلَحَتِه، ولا ضَرَر فيه. والزَّرَجُونُ (5) مِن الرَّهْنِ. وإن كان الشَّجَرُ مُزْدَحِمًا، وفي قَطْعِ بَعْضِه
(1) السلعة: كالغدة في الجسم.
(2)
في الأصل: «كالكبريت» .
(3)
في م: «بغيره» .
(4)
الزبار: تخفيف الكرم من الأغصان الرديئة وبعض الجيدة بمنجل ونحوه.
(5)
الزرجون: قضبان الكرم التي تسقط عند تخفيفه.